قصة الأشعريين والحلول الناجعة للأزمات المالية

أحد, 2015-03-29 14:25

  د. محمد الأمين ولد عالي

 

  

أمام الارتفاع المُستعر في الأسعار المُصاحب لضعف الدخول و اضطراد الآثار السلبية للتصحر والنقص الحاد في الأمطار ، يبقى المواطن والفرد حائرا مضطربا يحتاج إلى من يهديه الطريق الصحيح.
لكن الجواب على هذه الحيرة موجود في حث شريعتنا الغراء على التعاون على البر والتقوى قال تعالى ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ﴾، ومن ذلك التعاون تكاتف كل أفراد المجتمع كُلٌّ بحسب طاقته فمثلا التاجر عليه أن يرحم الناس في أقواتهم وفي حصولهم على السلع بأسعار معقولة ، وعليه أن يُنظر المُعسر الذي تكالبت عليه الديون، أو عجز عن تسديدها ، والدولة عليها أن تحمي المستهلك من لهيب الأسعار ، وحدتها ، وأن تُساعد قدر الامكان في التخفيف عن المحتاجين.

وقد دعى الاسلام إلى التكافل و التناصر وقت الأزمات والتكافل هو الأساس الذي يُعتمد عليه اليوم في اختراع التأمين التكافلي الاسلامي بشتى أنواعه .

ويدلُ على فضل التكافل قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ ) رواه ابن حبان بإسناد صحيح.

ويدل على ذلك قصة الأشعريين فعن أبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِى الْغَزْوِ وَقَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى كُرَيْبٍ..

قال الإمام النووي -عليه رحمة الله تعالى - صاحب رياض الصالحين معنى « أَرمَلُوا » : فَنِيَ طَعَامهمْ . وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة الْأَشْعَرِيِّينَ ، وَفَضِيلَة الْإِيثَار وَالْمُوَاسَاة ، وَفَضِيلَة خَلْط الْأَزْوَاد فِي السَّفَر ، وَفَضِيلَة جَمْعهَا فِي شَيْء عِنْد قِلَّتهَا فِي الْحَضَر ، ثُمَّ يَقْسِم ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَذَا الْقِسْمَة الْمَعْرُوفَة فِي كُتُب الْفِقْه بِشُرُوطِهَا ، وَمَنَعَهَا فِي الرِّبَوِيَّات ، وَاشْتِرَاط الْمُوَاسَاة وَغَيْرهَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد هُنَا إِبَاحَة بَعْضهمْ بَعْضًا وَمُوَاسَاتهمْ بِالْمَوْجُودِ.
قال في عمدة القاري شرح صحيح البخاري "قوله ( إن الأشعريين ) جمع أشعري بتشديد الياء نسبة إلى الإشعر قبيلة من اليمن ، قوله ( إذا أرملوا ) أي إذا فني زادهم من الإرمال بكسر الهمزة وهو فناء الزاد وإعواز الطعام وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة كما في قوله تعالى ذا متربة ( البلد 61 ) قوله ( فهم مني ) أي متصلون بي وقال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى وقيل المراد فعلوا فعلي في المواساة.

وفيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه وفيه استحباب خلط الزاد في السفر والحضر أيضا وليس المراد بالقسمة هنا القسمة المعروفة عند الفقهاء وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا بموجوده وفيه فضيلة الإيثار والمواساة ".

كما دعى الاسلام إلى الايثار وهو تفضيل الآخر على نفسك رغم حاجتك للمال أو لغيره مما ينفق في سبيل الله تعالى وذلك في قوله تعالى : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [59/9].

يقول العلامة آب ول أخطور في تفسيره أضواء البيان " حقيقة الإيثار على النفس هو بذل المال للغير عند حاجته مقدما غيره على نفسه، كما فعل الصديق رضي الله عنه حين تصدق بكل ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك" ؟ فقال رضي الله عنه أبقيت لهم الله ورسوله وكذلك عائشة الصديقة رضي الله عنها حينما كانت صائمة وليس عندها سوى قرص من الشعير وجاء سائل فقالت لبريرة ادفعي إليه ما عندك فقالت لها ليس إلا ما ستفطرين عليه فقالت لها ادفعيه إليه ولعلها أحوج إليه الآن أو كما قالت، ولما جاء المغرب أهدى إليهم رجل شاة بقرامها وقرامها هو ما كانت العرب تفعله إذا أرادوا شواء شاة طلوها من الخارج بالعجين حفظا لها من رماد الجمر فقالت لبريرة كلي هذا خير من قرصك،وكما فعل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدق بالعير وما تحمله من تجارة حين قدمت والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فخرج الناس إليها.

فعلى هذا كان مجتمع المدينة في عهده صلى الله عليه وسلم مجتمعا متكافلا بعضهم أولياء بعض وقد نوه صلى الله عليه وسلم في قصة غنائم حنين بفضل كلا الفريقين في قوله صلى الله عليه وسلم "لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار".

ـمن الخطوات العملية في هذا الصدد:

1ـ العمل على تأسيس بنك للطعام يشترك فيه كل الفنادق والمطاعم والميسورين من المجتمع لتوزيع ما تبقى من طعام على المحتاجين المتعففين ، مع تأسيس قاعدة بيانات وتحديثها من حين لاخر لتلك الأسر المتعففة في مختلف مناطق الوطن.خاصة وأن الله رغّب في الاطعام أيام السغب و الشدة و الجوع في قوله تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا.

 

 

2ـ تفعيل دور الجمعيات الخيرية وعدم التأخر في تسديد الزكوات بالطرق الشرعية ولمصارفها المستحقين.
إن اتباع هذه الأحكام و هذه الخطوات هو العلاج الرباني الناجع لكل الأزمات المالية وخاصة ما بين أفراد المجتمع الواحد