النائب يحي اللود: الشعبوية السائدة تحكم بأن لا أحد يستحق الاحترام ولا تضحية تستوجب التقدير 

أحد, 2025-08-03 15:55

في خضم موجات الشعبوية التي تغزو كل نقاش عام، ينمو تيار جارف يشكك في كل شيء: المؤسسات، الأفراد، النوايا، وحتى النضالات. 

شعبوية تسعى لخلط الأوراق، وتعميم الأحكام، ووضع الجميع في خانة واحدة، ليبدو كأنه لا أحد يستحق الاحترام ، ولا  جهد أو تضحية  تستوجب التقدير.

تجد هذه الموجة في البرلمان والبرلمانيين هدفا سهلا ودائما، فتصف الجميع بالعجز، وتحملهم وزرهم وأوزار غيرهم، وتقيس الأداء بما يصرف من موارد ، لا بما يحقق من أثر رقابي وتشريعي، رغم أن هذا المنطق – لو سلم به – لكان مدخلا جيدا لنسف الفكرة الديمقراطية من أساسها.

البرلمانات، في كل دول العالم، ليست مؤسسات إنتاجية يقاس نفعها بمقاييس السوق أو حسابات الربح والخسارة المالية، بل هي أدوات رقابية وتشريعية تخلق أثرها وتأثيرها بما تحدثه من توازن بين السلطات، وما تتيحه من مساحة للمساءلة، وما تفتحه من أفق للشفافية والحوار العام.

نعم، البرلمان الموريتاني اليوم ليس في أفضل حالاته، وسيطرة النظام على غالبية أعضائه واضحة للجميع، ولكن من الإجحاف والجهل تجاهل أنه في داخل هذا الفضاء من  يقاتلون، ، ويطرحون الأسئلة الصعبة، ويضغطون من أجل مراجعة القرارات الخاطئة، من يينضلون لتكريس مشروعية الاحتجاج والرفض المطلوبة على الدوام من ممثلي الشعب ،  لقد فرضنا الاستجوابات التي لم تكن لتحدث، وانتزعنا تنازلات لم تكن لتقدّم، ونجحنا، رغم قلة العدد، في تعديل قوانين و تعطيل أخرى، بما يخدم الصالح العام.
إن مقارنة دور الرقابة والمساءلة بالمصاريف التشغيلية للمؤسسة البرلمانية ليس فقط سطحية فكرية، بل هو خلط متعمد يقفز على طبيعة العمل البرلماني التراكمي في الأنظمة السياسية، ويطمس البعد التراكمي الطويل لهذا المسار، الذي هو وحده الكفيل بانتشال البلاد من براثن الفساد والاستبداد.

لسنا في وضع مثالي، وندرك حجم التحديات كثيرا، ولكن البديل المطروح من قِبل البعض لا يعدو أن يكون نكوصا نحو الماضي، ومغازلة صريحة لأطروحات الانقلابيين الذين ينتظرون لحظات الانهيار ليفرضوا رؤاهم بالقوة، دون مساءلة أو محاسبة.

هؤلاء لا يقدمون بدائل، لا يرسمون أفقا، ولا يملكون خطة، بل يراهنون فقط على جلد الطلائع ، وتيئيس الناس، وإقناعهم بأن لا جدوى من أي نضال سلمي أو إصلاح سياسي.

نحن، من موقعنا، لا ندّعي الكمال، ولكننا نؤمن أن مواصلة هذا الطريق – طريق النضال من داخل المؤسسات – هو السبيل الوحيد المتاح أمامنا لتثبيت أسس دولة القانون، وتوسيع هامش الحريات، وترسيخ ثقافة الرقابة، ودعم كل صوت حر.

هو طريق شاق، طويل، محفوف بالعراقيل، لكن من لا يحاول صعود الجبال سيظل دوما خانعا أسيرا في قاع الوهم