هل بمقدور ترامب خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط؟

سبت, 2017-02-11 18:09

ليس صعبًا بالتأكيد على ترامب قول ما يشاء والتلويح والتلميح بما يتناسب والابتزاز السياسي الذي قرّر انتهاجه دوليًا، لكن ذهابه إلى حرب جديدة لن يمرّ بسلاسة في داخل إدارته أوّلًا وبين أوساط الشرائح الشعبية المعارضة له.

كان على الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أن يقرأ 350 صفحة من المذكّرات يومياً. مذكرات تمثّل مصالح جميع الأطراف المتورطة في صناعة القرار الأميركي.
عانى كل الرؤساء اللاحقين من المسألة نفسها. كان بيل كلينتون يبقى مستيقظًا حتى الفجر، ليقرأ كل القصاصات الصغيرة التي تصله من مساعديه والأجهزة الحكومية.
هذا الحال يُفرز حقيقة مخيفة إذا ما علمنا أن على صاحب السلطة الأقوى في واشنطن اتخاذ قرارات كبرى أحياناً في غضون دقيقتين إلى ثلاثة، وأن الرئيس الحالي لا يحب القراءة، ويعتمد على تويتر وبرامج التلفزيون في متابعة ما يحدث في العالم.
في زيارته الأولى للبنتاغون، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وثيقة بعنوان "إعادة بناء القوات المسلّحة للولايات المتحدة الأميركية".
الوثيقة، التي تعني إجرائياً البدء بإعادة تأهيل الجيش الأميركي، توحي للوهلة الأولى بأنها خطوة استثنائية مرتبطة بـ"الترامبية" السياسية التي باتت تحتل صدارة الاهتمام العالمي، إلا أن التدقيق في المعطيات يقود إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي كان يتبع الخطوات نفسها مع توجه لترقية الترسانة النووية الأميركية بميزانية تناهز تريليون دولار.
لم يكد يمرّ أسبوع على تقديرات أبرزتها الصحف الأميركية باحتمال اندلاع حرب مع الصين وأخرى في الشرق الأوسط في عهد الرئيس الجديد، حتى كان الأخير يتبادل أطراف حديث ودي لساعة من الزمن في اتصال هاتفي مع نظيره الصيني، في حين كان مدير الاستخبارات المركزية يبدأ جولة في الشرق الأوسط من تركيا بدعوى ترتيب جبهة القتال ضد داعش، بعد أن مهدّ ترامب بنفسه الطريق مع رئيس الوزراء العراقي.
حتى الساعة، لا شيء يشي بأن واشنطن بصدد التورط بمواجهة مباشرة مع أحد، على الرغم من كل الهواجس التي انبثقت في الأصل من الخطاب الانتخابي الحاد لترامب والمتأثر أيضًا بسياسة الإبتزاز التي ينتهجها رجل الأعمال لرفع سعر مواقفه قبل بيعها غاليًا للحلفاء والخصوم على حد سواء.
لا يُسقط هذا التحليل خيارات الولايات المتحدة في استخدام القوة في السنوات الأربع المقبلة، لكنّ قياس مدى إمكانية تحقق ذلك يتطلب قراءة في عملية صنع القرار الأميركي.
في الواقع، يُشرف الرئيس الأميركي على السلطة التنفيذية في واشنطن، ويليه مباشرة في الصلاحيات الوزراء، وفي مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع نظرا لحساسية دوريهما. 
ويبدو ترامب، الذي قرر تطبيق نظرياته في إدارة الأعمال في سدة الرئاسة أيضًا، كمن حولّ إدارته الى شركة كبيرة يتم تعيين واختيار موظفيها بناءً على ولائهم له، بغضّ النظر عن وجود رؤية كاملة للحكم لديه.
بهذا اللحاظ، ليس مستغربًا أن تقوم مستشارة الرئيس بالترويج لمنتجات ابنته إيفانكا من على شاشة "فوكس نيوز".
للوهلة الأولى، ومع أنّ واقع الحال يؤشر إلى ما هو مزرٍ قياسًا إلى عهود الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، فإن الإيجابية المثيرة للسخرية بالنسبة لنا نحن – شعوب الشرق الأوسط المشتعل – تكمن في أنّ النمط نفسه السائد في الإدارة الأميركية الحالية يقلّل بذاته من إمكانية التوحد على رأي مصيري بفعل تركيبتها الحالية!
تتأثر كل وزارة في واشنطن بشخصية الوزير. ومع تقدم عامل الولاء لترامب على الكفاءة، يزداد الصراع ما بين الوزارات من جهة والمجالس والأجهزة الحكومية والمؤسسات الوطنية (كوكالة الاستخبارات المركزية أو مجلس الأمن القومي أو الجيش) من جهة أخرى. فالجهات المتخصصة ملزمة بحكم تركيبتها ودورها بتقديم الرأي الذي يخدم مصلحة الولايات المتحدة من دون انفعال أو محاباة. وفي أسوأ الحالات، تتحوّل هذه الجهات إلى حلبة صراع سرعان ما يخرج للعلن مدفوعًا بحجم الشريحة المعارضة بالكامل بالأصل لوصول ترامب إلى البيت الأبيض.
من بين هذه الجهات، مجلس الأمن القومي المعني بالقضايا المصيرية كالبتّ في شنّ الحروب. منذ ستين عامًا تقريباً، وهذا المجلس يقوم بالترويج لسياسات الرئيس الموجود في السلطة، لكنه يصطدم دائماً بعمل الوزارات وخاصة الدفاع والخارجية. فإذا كان ترامب قادرًا على تكرار تجربة جورج بوش الإبن في تحويل مجلس الأمن القومي إلى محكمة علنية تسوّغ توجهات الرئيس، ترقبوا مشهدًا صداميًا مماثلًا لما حصل مع وزيرة الخارجية كوندوليسا رايس ووزير الدفاع غيتس آنذاك، والذي تكشّف لاحقًا عن توصيات أوصلت شخصاً كأوباما الى البيت الأبيض.
في الصف الثاني، يقف الكونغرس بجمهورييه، وبعضهم المستاء من ترامب، وديموقراطييه الذين يتحيّنون الفرصة لاسترجاع قواهم والانقضاض على الرئيس. ومع الصفعة الأولى التي تلقاها ترامب عبر القضاة الذين أبطلوا قراره منع المسافرين من سبع دول من دخول الولايات المتحدة، لا يبدو أن تحويل القرارات الرئاسية إلى القنوات الإجرائية سيكون سهلاً، خاصةً تلك التي تتطلب ميزانيات ضخمة ونفقات يجب صرفها لتنفيذ القرارات.
وأمام اتساع دفق المعلومات إلى الرئيس من مختلف المصادر، يزداد اعتماد الأخير على المستشارين. في الثمانينيات وصل عدد المستشارين والمساعدين في البيت الأبيض إلى 15 ألف موظف، قبل أن ينخفض العدد إلى ستة آلاف في عهد أوباما. ناهيك عن آلاف الموظفين في لجان الكونغرس والمراكز الاستشارية (كمراكز الدراسات التابعة لدوائر صنع القرار).
ليس صعبًا بالتأكيد على ترامب قول ما يشاء والتلويح والتلميح بما يتناسب والابتزاز السياسي الذي قرّر انتهاجه دوليًا، لكن ذهابه إلى حرب جديدة لن يمرّ بسلاسة في داخل إدارته أوّلًا وبين أوساط الشرائح الشعبية المعارضة له.

عالي شهاب