هل يقترب الأردن من حل حزب جبهة العمل الإسلامي؟

خميس, 2025-11-13 03:29

تتداول الأوساط السياسية والإعلامية في الأردن منذ أيام أنباء غير مؤكدة عن نية الجهات الرسمية حل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي أنباء أثارت موجة واسعة من التساؤلات داخل الشارع الأردني، لا سيما أن الحزب يتمتع بحضور نيابي وشعبي مؤثر، وله تاريخ طويل في الحياة السياسية الأردنية.

ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي هذه التسريبات، إلا أن توقيت إنتشارها يثير الإنتباه، إذ يأتي في لحظة سياسية دقيقة تشهد فيها المملكة مراجعة شاملة للمشهد الحزبي والبرلماني في ظل قانوني الأحزاب والإنتخاب الجديدين، ما يجعل أي خطوة تجاه أكبر أحزاب المعارضة محاطة بتداعيات شديدة الحساسية.

ومع أنني لست من أولئك الذين يستندون في كتاباتهم إلى تسريبات موثوقة ، إلا أنني قارئ جيد للمشهد ومحلل إستراتيجي لما يدور في الساحة الوطنية ، فـحل هذا الحزب ، إن صحت الأنباء ، قد يحمل إنعكاسات عميقة ومتعددة المستويات ، فهو من جهة سيعيد خلط الأوراق داخل البرلمان ، وقد يفرغ الساحة السياسية من أحد أهم أركان المعارضة المنظمة ، ومن جهة أخرى سيفتح الباب أمام تساؤلات داخلية وخارجية حول مستقبل التعددية السياسية في الأردن، ومدى قدرة النظام السياسي على إستيعاب الأطياف المختلفة ضمن الأطر القانونية والدستورية.

كما تعيد هذه الأنباء إلى الأذهان العلاقة التاريخية المعقدة بين الدولة والجماعة الأم ، التي إتسمت تارة بالتعاون والإنفتاح، وتارة أخرى بالتوتر والجمود ، تبعا لإختلاف الرؤى حول الدور السياسي والديني للجماعة في المجتمع الأردني.

وفي حال تم إتخاذ القرار فعلا، فإن تداعياته الإقليمية لن تكون بعيدة ، فالحزب يرتبط فكريا وتنظيميا بمدارس سياسية إسلامية في المنطقة ، مما قد يثير تفاعلات سياسية تتجاوز الحدود الأردنية. ولهذا يرى مراقبون أن أي خطوة من هذا النوع يجب أن تواكبها رسالة رسمية متزنة وواضحة تشرح مبررات القرار القانونية والسياسية، لتجنب أي سوء فهم داخلي أو إستغلال خارجي للحدث.

وفي المقابل، يرى آخرون أن مجرد تداول هذه الأنباء قد يكون إختبارا لردود الفعل، أو تمهيدا لإعادة هيكلة المشهد الحزبي الأردني، بحيث يعاد توزيع الأوزان السياسية وفق رؤية جديدة للمرحلة القادمة، دون أن يكون الهدف الإقصاء بحد ذاته، بل إعادة ضبط التوازن السياسي بما يتناسب مع متطلبات الأمن والإستقرار الوطني.

وقد إعتادت الحكمة الأردنية على إدارة التوازنات الدقيقة بين التيارات السياسية والدينية، وكانت، ولا تزال ، صمام الأمان الذي جنب البلاد كثيرا من العواصف التي عصفت بالمنطقة، ومن هنا، فإن التعامل مع حزب جبهة العمل الإسلامي، سواء عبر الحوار أو المراجعة أو إعادة التقييم، يجب أن يبقى في إطار وطني خالص ومدروس، يوازن بين متطلبات الأمن والمشاركة، وبين الحفاظ على الإستقرار وإحترام القانون.

فالبلاد اليوم تمر بمرحلة حساسة تتطلب توحيد الجبهة الداخلية لا تفتيتها، وإستيعاب جميع القوى السياسية تحت مظلة القانون والدستور، لا إقصاءها ، فالإقصاء، كما أثبتت تجارب المنطقة، لا يضعف الخصوم بقدر ما يضعف الدولة نفسها، ويفتح الباب لفراغ سياسي قد تملؤه قوى التطرف أو الفوضى،

لذلك، فإن إدارة العلاقة مع القوى الإسلامية يجب أن تقوم على مبدأ الشراكة المنضبطة لا المواجهة، وعلى إحترام الثوابت الوطنية دون السماح لأي طرف بتجاوزها ، وبهذه المعادلة الدقيقة فقط، يستطيع الأردن أن يحافظ على إستقراره، ويواصل نهجه التاريخي في حماية الوطن من الداخل، مهما تعاظمت الضغوط والتحديات.

 

حمى الله الأردن، وأدام عليه نعمة الأمن والإستقرار.

د. بسام روبين عميد اردني متقاعد