
في زمن تتقاطع فيه رياح الفوضى مع أجندات التمزيق، وتتلاطم فيه الأمواج الإقليمية على شواطئ الاستقرار الهش، تطل علينا بوادر خطر داخلي بالغ الخطورة، لا يقل فتكًا عن التهديدات العابرة للحدود، بل ربما يفوقها أثرًا وتدميرًا.
إن ما نشهده من محاولات خبيثة لاختراق النسيج الوطني، عبر التوظيف القسري لقضايا مكون أصيل من مكونات هذا الشعب، يُعد سابقة في الوقاحة السياسية والعدوانية المجتمعية.
إن مكون لحراطين، بتاريخه النضالي، وبصبره الحضاري، وبنخبه التي وعت معادلات التغيير، ظل دومًا ركيزة من ركائز بناء الدولة، لا أداة لهدمها.
حيث لم يكن يومًا عالة على الوطن، بل كان في صميم مشروعه الوحدوي، ومن لحمته الصلبة التي لم تنكسر أمام عواصف الإقصاء ولا رياح الاستغلال.
وكل من يحاول اليوم أن يُقحمه في صراعات مفتعلة، أو يوظف قضاياه العادلة في أجندات لا تمثله، إنما يمارس عبثًا سياسيًا مرفوضًا، ويزرع بذور فتنة لن يسلم من شررها أحد.
إن محاولة ركوب موجة المعاناة التاريخية، وتغليف الأهداف التخريبية بشعارات الإنصاف، تمثل جريمة مزدوجة: اغتيالًا لحقيقة النضال، واستثمارًا قذرًا في جراح ماضٍ لا يُنصف إلا بالاعتراف الصادق والمعالجة الجذرية.
ولحراطين، وهم الأكثر وعيًا بملفاتهم، لا يرضون أن يكونوا أداة في يد من لا يسعى للعدالة، أو من يتخذ من خطابها جسرًا لعبور الفوضى.
نعم، لدينا ملفات عالقة، تتطلب حلولًا شجاعة، لا ترفًا في التسويف.
ملف العبودية ومخلفاتها، ملف الإرث الإنساني، قضايا التمييز والتهميش، كلها تحتاج إلى معالجة وطنية صادقة، لا إلى وسطاء مأجورين يبيعون الألم في أسواق السياسة السوداء. فالحل لا يكون عبر التحريض، بل بفتح أبواب المؤسسات أمام تمثيل حقيقي لهذا المكون؛ تمثيل يعكس كفاءته، ويكرّس مساهمته، ويقطع الطريق على كل مغامر يريد أن يُسقط الدولة من نافذته.
ومن هنا، تبرز مسؤولية الدولة – بكل هياكلها – في أن تتحرك فورًا، وبدون تردد، لفتح تحقيق جدي وشفاف حول كل المواد المصورة والمضامين الخطيرة المتداولة، التي إن صحّت، تكشف عن مشروع اختراق يتطلب وقفة وطنية حازمة.
كما أن عليها أن تحمي اللحمة الوطنية من العبث، وتسُدّ الثغرات التي يتسلل منها المتاجرون بالغضب.
فبلادنا لا تحتمل رفاهية التجربة والخطأ في هذا الظرف الإقليمي العصيب، حيث تسقط الدول من داخلها لا من حدودها.
ومنطقة الساحل ليست بخافية على أحد، بما تعانيه من انفلات وصراع وهشاشة.
فليكن ما نراه إنذارًا لا يُستهان به، وتحذيرًا لا يُتغاضى عنه.
ثم إن مكون لحراطين، الذي قدّم للوطن قامات فكرية وعلمية وقضائية وسياسية وإعلامية ، لا يُختطف، ولا يُدار من وراء الستار. هو أمة في أمة، وضمير حيّ لا يُستغفل.
وإننا على يقين أن نخبه – بوعيها وحنكتها – ستفشل كل محاولة لتسييس الظلم، وتفخيخ النضال، وتلويث المطالب المشروعة.
فلنكن جميعًا، دولة ومجتمعًا، على مستوى التحدي.
ولنحفظ لهذا المكون موقعه الطبيعي في قلب الوطن، لا في هامش المؤامرة.
حفظ الله موريتانيا، وأبقى لحراطين كما عهدناهم: أمناء على التاريخ، شركاء في المصير، لا مطايا لمشاريع التقسيم والانفجار.
بقلم: محمد محمود سيدى بوى