التطورات الأخيرة التي عرفتها بلاد الشام انطلاقا من 27 سبتمبر 2024 باغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الذي كان يرفض أي هدنة إلا بعد وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مرورا بالمواجهة العسكرية الموسعة بين إسرائيل والحزب التي تم تجميدها بإتفاق لوقف إطلاق النار مدته 60 يوما في 27 نوفمبر 2024، ثم سقوط النظام السوري وسيطرة الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام بدعم تركي واسع على دمشق يوم 8 ديسمبر، خلطت الكثير من الأوراق والتوازنات السياسية والعسكرية بشكل يتجاوز حدود المنطقة.
مرحليا ومع الأيام الأخيرة من سنة 2024 يمكن وحسب أغلبية الملاحظين اعتبار تركيا ثم إسرائيل تتبعهما الولايات المتحدة الأمريكية في الصفوف الأولى من حيث حجم المكاسب الجيوسياسية المحصلة فيما كان الخاسرون وبالترتيب إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية وأخيرا روسيا، حيث أن نوايا واختيارات من أتى إلى السلطة في دمشق لم تتضح بعد بشكل حقيقي، الشعب السوري من جانبه يجد نفسه أمام فرصة تغيير ولكن المشكلة هنا هي هل ستسمح المنافسات الإقليميةوالأطماع والفصائل المسلحة غير المتجانسة والتي تخوض منذ سنة 2011 معارك فيما بينها والصراع الدولي بإعطاء فرصة للشعب السوري للتحكم في مستقبله دون تدخلات خارجية وصراعات مذهبية وقبائلية حتى يتجنب الفوضى والتشتت والتقسيم الذي تعاني من أقطار كالعراق منذ الغزو الأمريكي سنة 2003 وليبيا منذ تدخل حلف الناتو سنة 2011؟.
على خلاف ما حدث في العراق وليبيا لم تتم تصفية قيادات حزب البعث السوري وبشار الأسد وعدد من كبار قادة جيشه انتقلوا إلى روسيا، والجيش النظامي الذي لم يشارك في أي مواجهة عسكرية جدية مع الفصائل المسلحة التي زحفت من إدلب وخسر أقل من 100 جندي وضابط من ضمن ما بين 230 الف و 270 ألف جندي وضابط وذاب في السكان المدنيين، موجود ويمكن أن يعود أفراده إلى الخدمة العسكرية تحت راية أي حكومة قادمة خاصة على ضوء خبرته في القتال. صحيح أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وعبر أكثر من 1120 غارة جوية دمرت الجزء الأكبر من ترسانة الجيش السوري ولكن هذا لا يحول دون تجديدها بسرعة هائلة إذا كانت هناك رغبة في ذلك من جانب دمشق ومن يتحالف معها. وتجارب حرب الأيام الستة 1967 مثال على ذلك، حيث تمكنت موسكو خلال أسابيع قليلة من تعويض القاهرة ودمشق عن كل ما فقداه في المواجهة.
إذا نحينا جانبا بشكل مؤقت مواجهة عملية احتلال إسرائيل للمنطقة العازلة في هضبة الجولان وقمة وسفوح جبل الشيخ والسيطرة على أكثر من 2400 كيلومتر مربع من الأراضي السورية بما فيها مدينة القنيطرة وضمنها المسطحات المائية التي تغذي مساحات شاسعة في سوريا ولبنان والأردن وقد يكون ذلك خطأ فادحا، يفرض وجود قوات سوريا الديمقراطية المكونة من الانفصاليين الأكراد المتمتعين بالحماية والدعم العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا حيث أهم الأراضي الزراعيةالسورية وآبار النفط والغاز، طرح إشكاليات كثيرة.
منذ عقود تساند الحكومات المتعاقبة في واشنطن وتل أبيب وفي نطاق مشاريعهم لتشكيل الشرق الأوسط الجديد مخطط إنشاء وطن قومي للأكراد من أراضي إيران والعراق وسوريا وتركيا. رغم أن تركيا عضو في حلف الناتو وتملك أكبر قوة برية فيه بعد واشنطن حوالي 650 ألف جندي ناور البيت الأبيض في قضية الدولة الكردية المقترحة مرة لإرضاء أنقرة بإعتبار حزب العمال الكردستاني اختصارا PKK منظمة إرهابية وبين مدها بالمال والسلاح وهي تتخفى في تنظيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي أنشأها التحالف الغربي في نطاق الحرب على سوريا بدأ من 2011.
بعد سيطرة جبهة تحرير الشام على دمشق أوضحت أنقرة وأيدها الساسة الجدد في العاصمة السورية، أن هدفها القادم هو تصفية الوجود العسكري للانفصاليين الأكراد، هؤلاء طلبوا النجدة من واشنطن وإسرائيل، ويجري الآن مع نهاية سنة 2024 امتحان قوة بين واشنطن وتل أبيب وأنقرة ويهدد كل طرف الآخر بالتدخل العسكري.
ما يزيد الصورة تعقيدا أن تركيا رغم حربها الكلامية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإنذاراتها بشأن غزة وجنوب لبنان لم تقطع تزويد إسرائيل بنفط أذربيجان الذي يمر عبر أراضيها كما لم تمنع تجارة النفط السوري الذي تمارسه "قسد"غبر أراضيها وبنوكها.
مسألة أخرى تبين مدى تعقد التحالفات في تلك المنطقة وما قاربها وهو أمر يزيد من ضبابية الصورة حاليا ومستقبلا، في منتصف شهر سبتمبر 2023 تمكن جيش أذربيجان من السيطرة على جيب ناغورنو كاراباخ الذي كان تابعا لأرمينا، وقد ساندت تركيا وإسرائيل أذربيجان ماديا وعسكريا. وذكرت مصادر تل أبيب في ذلك التوقيت أن قواعد اذربيجان تشكل منطلقا مفيدا للطيران الإسرائيلي إذا أراد مهاجمة إيران. طهران اعتبرت تدخل إسرائيل لدعم أذربيجان تهديدا لها وتوترت علاقاتها مع أنقرة التي كانت تراقب بصمت في أغلب الوقت تسليح تل أبيب للأكراد.
انشغال الكرملين بالحرب في أوكرانيا ضد كل تكتل حلف الناتو وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022، وتخلخل علاقة أرمينيا مع موسكو جعل روسيا تبتعد عن الزج بقواتها لدعم قوات يريفان، ولكنها اعتبرت ما قامت به تل أبيب وأنقرة نوعا من التحدي أو طعنة في الظهر. هذا الوضع يدفع مراقبين إلى توقع ما يمكن وصفه بهجمة روسية لإستعادة النفوذ وكسب الحلفاء بمجرد أن يتم حسم الحرب في أوكرانيا لصالحها. ويقول مراقبون مقربون من الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب أن مساعديه حذروه من إنهاء حرب أوكرانيا قبل الحصول من موسكو على إلتزامات بعدم تجدد المنافسة مع واشنطن ولندن في المناطق التي انحسر فيها النفوذ الروسي خاصة في الشرق الأوسط خلال سنوات الحرب الأوكرانية التي تكمل بعد شهرين سنتها الثالثة.
يختلف الملاحظون في رسمهم للتطورات المقبلة في سوريا ذلك لأن الغالبية العظمى منهم لا ترى إمكانية منع تفتت الدولة السورية إذا استمرت قسد، ونقطة اختلافهم هي حول متابعة حكومة اردوغان في التعامل بقوة مع الانفصاليين الأكراد أو مواصلة قبول الأمر الواقع الذي تفرضه واشنطن وتل أبيب، وفي حالة ترجيح إختيار الصمت سيكون ذلك خطيرا على حزب أردوغان، الذي تتربص به المعارضة. القضية الأخرى التي لا يمكن تأجيلها طويلا هي الاحتلال الإسرائيلي الجديد للأراضي السورية. إذا كان الجولاني قد صرح أن سوريا الجديدة لا تريد شن الحرب على أحد، فإن داخل تحالفاته وجهازه العسكري من لن يقبل السكوت على الاحتلال ومعهم غالبية الشعب السوري.
تركيا تهدد
يوم السبت 21 ديسمبر 2024 قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن بلاده ستفعل "كل ما يلزم" لضمان أمنها إذا لم تتمكن الإدارة السورية الجديدة من معالجة مخاوف أنقرة بشأن الجماعات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة والتي تعتبرها جماعات إرهابية.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، المجموعة المسلحة التي تقود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المتحالفة مع الولايات المتحدة، امتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذين خاضوا تمردا ضد الدولة التركية لمدة 40 عاما وتعتبرهم واشنطن والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية دون أن يمنع ذلك تعاملهم معها ومنحها دعما كبيرا.
وتصاعدت الأعمال القتالية منذ الإطاحة ببشار الأسد قبل أسبوعين، حيث سيطرت تركيا والجماعات السورية التي تدعمها على مدينة منبج من قسد في 9 ديسمبر. وترك سقوط الأسد الفصائل الكردية في موقف دفاعي إذ تسعى إلى الاحتفاظ بالمكاسب السياسية التي حققتها في السنوات الثلاث عشرة الماضية.
وفي تصريحات صحفية، قال فيدان إن الخيار المفضل لدى أنقرة هو أن تعالج الإدارة الجديدة في دمشق المشكلة بما يتماشى مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها، مضيفا أنه يتعين حل وحدات حماية الشعب على الفور. وأضاف "إذا لم يحدث ذلك، فيتعين علينا حماية أمننا القومي".
وعندما سئل عما إذا كان ذلك يشمل العمل العسكري، رد فيدان "كل ما يلزم".
وردا على سؤال حول تصريحات قائد "قسد" مظلوم عبدي حول إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي مع أنقرة، قال فيدان إن المجموعة يجب أن تسعى إلى مثل هذه التسوية مع دمشق، لأن هناك "واقعا جديدا" هناك الآن.
وأضاف "الواقع الجديد، نأمل أن يعالج هذه القضايا، ولكن في الوقت نفسه، تعرف وحدات حماية الشعب الكردية، حزب العمال الكردستاني ما نريده. لا نريد أن نرى أي شكل من أشكال التهديد العسكري لنا. ليس التهديد الحالي، ولا أيضا التهديد المحتمل".
وشنت أنقرة، إلى جانب حلفائها السوريين، عدة هجمات عبر الحدود ضد "قسد" التي تقودها وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، بينما طالبت مرارا وتكرارا الولايات المتحدة، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، بوقف دعمها للمقاتلين.
وصرح فيدان إنه لا يجد زيادة في عدد القوات الأمريكية في سوريا في الآونة الأخيرة "قرارا صحيحا"، مضيفا أن الحرب على تنظيم داعش كان "ذريعة" للحفاظ على الدعم لقوات سوريا الديمقراطية.
وتابع أن "الحرب على داعش لها مهمة واحدة فقط وهي إبقاء سجناء التنظيم في السجون، وهذا هو كل شيء".
وذكر فيدان أيضا إن هيئة تحرير الشام، المصنفة بقائمة الإرهاب الأمريكية والتي اجتاحت دمشق للإطاحة بالأسد، كان لها "تعاون ممتاز" مع أنقرة في المعركة ضد تنظيم داعش والقاعدة في الماضي من خلال تبادل المعلومات المخابراتية.
وأضاف أيضا أن تركيا لا تؤيد بقاء أي قواعد أجنبية، بما في ذلك القواعد الروسية، في سوريا، لكن الاختيار يعود للشعب السوري.
مسعى لمعاقبة تركيا
بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، تسعى أنقرة إلى إضعاف القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، ما قد يضعها على خلاف مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم واشنطن.
جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم الجمعة 20 ديسمبر: في ظل المخاوف من عملية عسكرية تركية واسعة في شمال سوريا ضد الأكراد، قدم عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي من شأنه فرض عقوبات على أنقرة.
الدبلوماسي الأمريكي السابق، هنري إنشر قال إن الولايات المتحدة تهتم بشمال شرق سوريا بسبب وجود شركاء محليين لها عملوا معها على محاربة تنظيم داعش الإرهابي حسب تعبيره، ومنذ 2014 كان لواشنطن علاقات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية والأكراد.
وأضاف أن مشروع القانون المقترح يعكس تصرفا رمزيا لأعضاء في مجلس الشيوخ، وهو يعبر نوعا ما عن مخاوف واشنطن بشأن الشركاء المحليين في تلك المنطقة، والمخاوف من عودة داعش.
مشروع القانون المقترح الذي سمي "قانون مواجهة العدوان التركي لعام 2024"، يتيح فرض عقوبات تهدف إلى منع المزيد من الهجمات التركية أو المدعومة من تركيا على قسد، والتي تنذر بإعادة ظهور داعش ما يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.
الكاتب الصحفي التركي، فراس رضوان أوغلو قال بدوره إن أنقرة تريد "استغلال الوضع الاستثنائي في سوريا، لأن كل الظروف التي كانت محيطة في قسد أصبحت غير متاحة، إذ لم يعد هناك النظام السوري الذي كانت تتعاون معه هذه القوات، وخروج روسيا من المعادلة أيضا".
وزاد أن "المظلومية الكردية" بأنهم كانوا يتعرضون للظلم في عهد النظام السابق لم تعد قائمة، مشيرا إلى وجود "نقطة مهمة تتعلق بوجود مقاتلين أجانب من حزب العمال الكردستاني"، الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية.
ويرى أوغلو أن الحشد العسكري التركي أمام خيار الاشتباك وهو ما تحاول واشنطن تجنبه، أو الضغط على هذه القوات للقبول بما تريده أنقرة، مؤكدا أن تركيا لا تريد استمرار الحكم الذاتي لقوات قسد.
من جانبه قال الدبلوماسي السابق، إنشر إن تركيا لديها مخاوف مشروعة بحسب وجهة نظرها مما يحدث في شمال شرق سوريا، وواشنطن لديها مخاوف متعلقة بالإرهاب، ولهذا الولايات المتحدة ترحب بوجود حكومة سورية فاعلة تواجه الإرهاب وتتحمل مسؤولية عدم عودة داعش لهذه المناطق.
تغير موازين القوى
مع حشد جماعات معادية مدعومة من تركيا ضدها في شمال سوريا وسيطرة جماعة صديقة لأنقرة على دمشق، تقف الفصائل الكردية الرئيسية في سوريا في موقف دفاعي بينما تسعى للحفاظ على مكاسب سياسية حققتها خلال الحرب بمساعدة واشنطن على حكومة دمشق على مدى 13 عاما.
وزاد هنري إنشر أن هذه الأمور تريد واشنطن أن تتحقق في سوريا، ولكن من دون أن تضحي بشركائها الذين خاضوا الحروب ضد داعش لسنوات طويلة، كما أنها ستتردد بشأن فرض عقوبات على أنقرة التي تعتبر حليفا هاما لها ضمن حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وقال إنشر إنه حتى مع قدوم الرئيس المنتخب دونالد ترامب فهذا لن يغير من سياسة واشنطن تجاه هذا الأمر في ظل الموازنة بين المصالح والعلاقات، إذ أنها ستحاول العمل مع تركيا دون التضحية بالأكراد، وقد يكون الحل بضم قواتهم ضمن جيش سوري موحد.
ويعتقد أوغلو أن جميع الشركاء الغربيين يريدون أن تكون سوريا موحدة وقوية في محاربة الإرهاب، وهذا ما قد يتطلب اندماج قسد ضمن القوات السورية الموحدة، إذ يمكن أن تبدأ قسد بإخراج المقاتلين غير السوريين، وتحجيم المناطق التي تسيطر عليها.
وشدد أن أنقرة سترفض أي تقسيمات لأي كيانات حكم ذاتي في الداخل السوري، حتى وإن أخرجت قسد المقاتلين غير السوريين، وبقيت تعمل ضمن الداخل السوري إذ أنها ستشكل تهديدا للأمن القومي التركي.
خيارات أنقرة
رغم الدعوات الغربية لتركيا بالتهدئة في سوريا، إلا أن أنقرة أعلنت عزمها على القضاء ما تعتبره تنظيمات إرهابية في سوريا في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). والواضح أن انقرة تدرك أن دعوات واشنطن للإنتظار ما هي سوى أسلوب ملغوم معروف لكسب الوقت.
وتعهدت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة الخميس بقتال تركيا والجماعات التي تدعمها في مدينة كوباني (عين العرب) بشمال سوريا.
وقالت في بيان "إننا في قوات سوريا الديمقراطية نؤكد على أهمية وقف التصعيد ووقف جميع العمليات العسكرية وحل كافة المواضيع العالقة عبر الحوار. لكننا لن نتردد في التصدي لأي هجوم أو استهداف لشعبنا ومناطقنا".
وأضافت "ستحارب قواتنا بمشاركة أهالي كوباني بكل ما أوتيت من قوة".
المحلل السياسي التركي، حمزة تيكن أكد أنه لا يوجد اتفاقيات بين أنقرة وقسد، وكل ما يتداول في الإعلام عن مفاوضات وهدنة بين الطرفين غير صحيحة، والدليل على ذلك استمرار القصف والهجمات التركية في شمال شرق سوريا.
وقال إن أنقرة على توافق مع دمشق، بأن السيطرة على كامل الأراضي السورية يجب أن يكون لدمشق وليس لأي جماعات أخرى، مشيرا إلى وجود توافق قد يفضي لإطلاق عملية عسكرية واسعة بشمال شرق سوريا ضد تنظيمات حزب العمال الكردستاني وقسد.
واتهم تيكن هذه التنظيمات بأنها "إرهابية ولا تختلف عن تنظيم داعش، إذ قاموا بتدمير واستهداف المدنيين في المناطق التي سيطروا عليها"، وقال إن هناك توافقا أيضا "بين واشنطن وأنقرة لمحاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا".
من جانبها ذكرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لنظيرها التركي في أنقرة الجمعة إن أمن الأكراد أمر بالغ الأهمية من أجل مستقبل آمن لسوريا.
وصرحت بيربوك للصحفيين بعد اجتماعها مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن "الأمن، وخاصة للأكراد، ضروري لمستقبل حر وآمن لسوريا"، محذرة من مخاطر أي "تصعيد" ضد القوات الكردية في سوريا.
مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل قال إن قوات سوريا الديمقراطية ليست على قوائم الإرهاب في أي دولة من دول العالم باستثناء تركيا.
وأضاف أن واشنطن أعلنت أخيرا عن استمرار دعمها لقسد، كما لم تصدر أي تصريحات من قادة الفصائل المعارضة في سوريا بشأن قوات سوريا الديمقراطية، مشيرا إلى أن قائد هذه الفصائل أحمد الشرع كشف في تصريحاته الصحفية بدء التواصل بين دمشق وقسد لحل الإشكاليات بين الطرفين.
وأعاد خليل التذكير بأهمية دور قسد في محاربة تنظيم داعش على الأرض في سوريا، فيما أعلنت قيادة "سنتكوم" أن الحرب مستمرة ضد التنظيمات الإرهابية.
وبشأن الاتهامات بوجود مقاتلين من حزب العمال الكردستاني ضمن صفوف قسد، قال خليل إن الحزب نفسه أكد أنه لم يتبق لهم أي مقاتلين في سوريا، معترفا بوجود سابق للمقاتلين الذي ساعدوا قسد وحاربوا معهم تنظيم داعش.
مناورات وربح للوقت
وبخصوص موقف واشنطن من تلك الأزمة، لم يستبعد لورانس ويلكرسون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية أن تغير بلاده موقفها من الأكراد. وقال ويلكرسون في حديث مع "الحرة" إنه لا يستبعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن الأكراد في سوريا في إطار اتفاق مع أردغان.
وبينما كان تحالف من فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام يشن هجومه الخاطف الذي أدى إلى إسقاط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، بدأت فصائل تدعمها تركيا عملية موازية ضد القوات الكردية في شمال سوريا، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات خلفت مئات القتلى في غضون أيام.
وتظاهر الآلاف الخميس في مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا دعما لقوات سوريا الديموقراطية بقيادة الأكراد وتنديدا بالتدخل التركي. فيما تظاهر قبل ذلك آلاف السوريين في إدلب للمطالبة بوقف هيمنة ودكتاتورية هيئة تحرير الشام.
إسقاط طائرات
بعد حوالي أسبوع على دخول قوات هيئة تحرير الشام دمشق ذكرت صحيفة "يني شفق" أن تركيا مستعدة للبدء في توجيه ضربات وإسقاط طائرات الجيش الإسرائيلي في حالة دعم تل أبيب للوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة "إرهابية".
وذكرت صحيفة "يني شفق" أنه "مؤخرا طلب تنظيم بي كي كي المساعدة الإسرائيلية في القتال ضد الجيش الوطني السوري، بما في ذلك استخدام الطائرات ضد القوات الموالية لتركيا".
ولفتت أنقرة إلى ذلك وأخطرت تل أبيب بالعواقب في حالة القيام بمثل هذه الإجراءات.
وأضافت أنه "تمت مناقشة هذه القضية مع كبار ممثلي أنقرة، حيث أكدوا أن تركيا تدرك ذلك، وأوضحوا لإسرائيل مقدما عدم التسامح تحت أي ظرف من الظروف في دعم تنظيم بي كي كي ووحدات حماية الشعب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية".
وأشارت إلى أن "المسؤولين أكدوا أنه إذا قررت إسرائيل القيام بمثل هذه الإجراءات، فإن أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة جاهزة لتدميرها.. لقد تم بالفعل نقل الأوامر إلى هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التركية".
وتم التأكيد على أن "إسرائيل لم تهاجم في السابق القوات الموالية لتركيا".
وأوضحت تركيا في وقت سابق، أن "فصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها مستمرة في التقدم بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".
ستحل محل إيران
في نطاق تبادل التهديدات الكلامية بين أنقرة وتل أبيب تواصل الصحافة العبرية تسليط الضوء على ما يحدث في سوريا وتحذيراتها من الدور التركي هناك خاصة أن مخططها هو تمزيق يوريا إلى دويلات.
المستشرق الإسرائيلي إيال زيسر، يحذر هو الآخر من الدور التركي في سوريا الجديدة.
وقال في مقال في صحيفة "إسرائيل اليوم" نشر يوم 21 ديسمبر إنه في الوقت الذي "بدأ فيه العد التنازلي في إيران لسقوط حكم آيات الله، فإن تركيا تسير في الاتجاه المعاكس وتتجه نحو التأسلم".
ويذكر زيسر في مقاله بالجهود التي قامت بها إيران في المنطقة لحصار "إسرائيل"، إلا أن سقوط "نظام الأسد في سوريا أنهى المشروع الإيراني وأعاد طهران إلى الوراء".
ويضيف زيس: "في الحياة لا يوجد فراغ، وسرعان ما ملأت تركيا بقيادة أردوغان مكان إيران".
ويتهم زيسر أردوغان بأنه الشخص الذي يقف وراء الحاكم الجديد لسوريا أبي محمد الجولاني، حيث إنه "مول ودعم جيشه ومنحه الضوء الأخضر للقيام بالهجوم وتحطيم النظام في دمشق".
ويزعم زيسر أنه ليست إسرائيل وحدها التي ستتضرر من الدور التركي في سوريا الجديدة بل كذلك الأردن والدول العربية، في مسعى للتحريض على الدور التركي.
ويزعم زيسر أنه "بينما تخشى إسرائيل من تسرب الإرهاب من سوريا إلى أراضيها، فإن الأردن تخشى من تسرب الأفكار الثورية للإسلام الراديكالي إلى داخل المجتمع الأردني".
وبحسب زيسر فإن أردوغان يسعى إلى دفع إيران الشيعية بعيدا عن المنطقة، "حيث توجد بين الدولتين خصومة دينية وسياسية ومنافسة على السيطرة في منطقتنا".
ويشكك زيسر بقدرة أردوغان على السيطرة على سوريا، ويضيف: "صحيح أن الجولاني استعان به، لكن من المشكوك فيه أن يرغب في أن يصبح تابعا أو حتى وكيلا لأردوغان. كما أن تركيا لا تملك الموارد الاقتصادية والعسكرية لتصبح "المالك" في سوريا".
ويمضي زيسر في التحريض على تركيا، ويقول إن "لدى أردوغان أيضا طموحات كبيرة - للعودة إلى مجد الماضي، إلى أيام الإمبراطورية العثمانية التي كانت تهيمن على جميع أنحاء الشرق الأوسط. والتعصب الإسلامي المدعوم بكراهية إسرائيل هو الرابط الذي يسعى من خلاله لربط أجزاء اللغز الشرق أوسطي وضمان سيطرته عليها".
مساعدة عاجلة
كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" يوم 12 ديسمبر عن طلب مسؤولين كبار في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مساعدة عاجلة من إسرائيل، بعد تعرضها لهجوم من قبل "الميليشيات الإسلامية المدعومة من تركيا".
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد ناقشت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إمكانية الاستجابة لطلبات المساعدة المقدمة من الأكراد، لكنها تواجه معضلة معقدة تتعلق بتداعيات أي تدخل على العلاقات المتوترة بالفعل مع تركيا.
كما أن الموقف الأمريكي الذي يفضل الحلول الدبلوماسية يزيد تعقيد الموقف الإسرائيلي، حيث نقلت مصادر دبلوماسية أن أي تحرك عسكري في سوريا يحتاج إلى موافقة أمريكية، بحسب تقرير الصحيفة.
وصرح مصدر سياسي إسرائيلي: "الصورة معقدة. لا يمكننا التحرك في سوريا دون موافقة الولايات المتحدة، لكن يوجد احتمال أن نتمكن من شن عمليات محدودة في الجنوب دون أن تثير استياء واشنطن".
في تصريحات نقلتها الصحيفة العبرية، حذر قادة أكراد من أن الهجمات التركية تهدد بإنهاء وجودهم في شمال شرق سوريا، مشيرين إلى أن ميليشيات مدعومة من تركيا تسعى إلى استغلال الفوضى في سوريا لتوسيع نفوذها.
وصرح أحد القادة الأكراد في حديث للصحيفة: "نحن الوحيدون الذين يمكننا منع التمدد التركي، لكننا بحاجة إلى دعم خارجي. إسرائيل يجب أن تساعدنا، لأن هذه الميليشيات الإسلامية قد تتحول لاحقا إلى تهديد مباشر لها".
ودعا البروفيسور عوفرا بانجو، أحد أبرز الخبراء في القضية الكردية، إسرائيل إلى استغلال هذه الفرصة التاريخية لدعم الأكراد، قائلا: "الأكراد يشكلون أقلية مؤيدة للغرب ولإسرائيل، وهم بحاجة إلى المساعدة للحفاظ على حكمهم الذاتي في شمال شرق سوريا، والذي يمثل منطقة عازلة ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة".
وكانت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي باربرا ليف قد صرحت إن الولايات المتحدة لا ترى دورا لإيران بمستقبل سوريا بعد تغيير السلطة فيها، وأن نفوذ طهران في سوريا سلبي للغاية.
ولفتت إلى أن واشنطن ترى أن إيران تمارس تأثيرا مدمرا على سوريا منذ فترة طويلة وأكدت أنه "من الصعب تصور لماذا يجب على إيران أن تلعب أي دور في مستقبل سوريا؟".
طهران
بينما تتبادل أنقرة وتل أبيب وواشنطن الاتهامات صرح المرشد الإيراني علي خامنئي يوم السبت 21 ديسمبر إن "أمريكا والكيان الصهيوني ومن يقف معهما أحدثوا فوضى في سوريا ويتوهمون بأنهم حققوا انتصارا هناك".
وأضاف في خطاب: "ليست لدينا أي قوات تعمل بالوكالة والحديث عن فقدان إيران وكلاءها في المنطقة غير صحيح".
وذكر: "اليمنيون يقاتلون لأنهم مؤمنون وحزب الله يقاتل لأن قوته الإيمانية تدفعه إلى الميدان وحماس والجهاد يقاتلون لأن عقيدتهم تلزمهم بذلك، هؤلاء لا يعملون نيابة عنا، وإذا أردنا يوما أن نتخذ أي خطوة أو أن نتحرك فلن نحتاج إلى أي قوات بالوكالة.
في القاهرة حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من احتمال عودة الإرهاب إلى سوريا على خلفية الفوضى التي تشهدها، ما قد يشكل تهديدا لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وقد شارك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي في قمة الدول الثمانية الإسلامية النامية D-8(وهي منظمة دولية لتنمية التعاون بين الدول الإسلامية تضم 8 دول إسلامية هي مصر ونيجيريا وباكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا وتركيا وبنغلاديش). وهذه هي الزيارة الثانية لرئيس إيراني إلى مصر، حيث كانت آخر زيارة لرئيس إيراني هي زيارة محمود أحمدي نجاد قبل 11 عاما.
وقال عراقجي في حوار مع الإعلامي عمرو عبد الحميد على قناة "الغد" المصرية: "نحذر من عودة خطر الإرهاب إلى سوريا نتيجة الفوضى، وهو ما قد يشكل خطرا على كافة دول المنطقة". وأكد الوزير الإيراني أن وجود المستشارين الإيرانيين في سوريا كان في المقام الأول لمحاربة مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" و"داعش" الإرهابيين وغيرهما من الجماعات الإرهابية الأخرى الموجودة في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الثورة الإسلامية في إيران (1979) قد تسببت في قطع العلاقات بين مصر وإيران، حيث منحت القاهرة الشاه الإيراني المنفي محمد رضا بهلوي الرعاية في القاهرة، وعندما توفي دفن في القاهرة. كذلك قامت إيران بتسمية شارع مركزي في طهران على اسم خالد الإسلامبولي، الذي اغتال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات. وبعد مرور 50 عاما، أزالت طهران اللافتة، وبدأت الاتصالات الرسمية مع القاهرة.
واعتبر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن قمة القاهرة "تمثل فرصة للدبلوماسية النشطة والتقارب أكثر فأكثر في المنطقة"، مؤكدا إمكانية "إحباط مؤامرات الأعداء كلما تحسنت العلاقات بين الدول الإسلامية وبعضها البعض".
ويأتي ذلك في ظل اتصالات دبلوماسية نشطة بين مصر وإيران، حيث سبق وزار إيران وزير الخارجية المصري بدر أحمد عبد العاطي، يوليو 2024، لحضور حفل تنصيب الرئيس بزشكيان، كما قام وزير الخارجية الإيراني عراقجي بزيارة القاهرة في أكتوبر2024، لمناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
حدود ضبابية
ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، في تقرير لها يوم 22 ديسمبر 2024 أنّ القيادة السورية ليست الجانب الوحيد في البلاد، الذي يتغير نتيجة للإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد هذا الشهر، مشيرةً إلى أن "حدود سوريا أصبحت ضبابية أيضا - من إسرائيل إلى الجنوب الغربي وتركيا إلى الشمال".
وأضافت الوكالة الأمريكية أنّ "الجيش الإسرائيلي لم يهدر أي وقت في التقدم نحو سوريا بعد إطاحة النظام السابق، مع تحرك القوات شرقا إلى منطقة عازلة أنشئت بموجب وقف إطلاق النار بين الطرفين قبل 50 عاما".
وأشارت إلى أن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، "حذر من تهديد جديد بعد أكثر من عام من القتال ضدّ الجماعات المدعومة من إيران حماس وحزب الله في المنطقة".
وصرح مكتب نتنياهو: "لن تسمح إسرائيل للجماعات الإرهابية بملء هذا الفراغ، وتهديد المجتمعات الإسرائيلية"، واصفاالانتشار بأنه "مؤقت إلى أن تلتزم الإدارة السورية الجديدة باتفاقية عام 1974"، وفق زعمه.
وعمد الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية إلى تجريف أراضٍ زراعية ومحميات طبيعية لإنشاء طرق حربية تربط قرى ريف القنيطرة الشمالي بمدرجات جبل الشيخ شمالي بيت جن أقصى ريف دمشق الجنوبي الغربي.
من جانبها، أظهرت تركيا إلحاحا مماثلاً في تأكيد نفوذها على جزء أكبر بكثير من سوريا. وفي هذا الإطار، وصفها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنها (أي تركيا) "لاعب رئيسي في تشكيل المشهد السياسي بعد الأسد".
ووفق ما ذكرت "بلومبرغ"، تتمثل إحدى الأولويات الرئيسية للرئيس رجب طيب إردوغان في صد جماعات الكرد في الشمال المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أن الهدف النهائي لإردوغان أيضاً "إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية يبلغ طولها 900 كيلومتر".
وأشارت الوكالة الأمريكية أيضا إلى أن "أنقرة لديها حافز قوي لتأمين نفوذها على كيفية إدارة سوريا في نهاية المطاف"، لافتة إلى أن "تركيا تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من جارتها الجنوبية (سوريا) - وهو إرث من حرب دامت أكثر من 13 عاما - في حين ستكون الشركات التركية المستفيد الرئيسي إذا بدأت إعادة الإعمار بعد الحرب".
وذكر محللون في "مجموعة أوراسيا"، إن "أنقرة ستسعى إلى تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في سوريا لتوسيع المصالح التركية"، مشيرين إلى أنه من شأن ذلك "تحقيق نتيجة جيدة في سوريا بالنسبة لتركيا"، وأن "يساعد إردوغان في تصوير نفسه كزعيم عالمي مؤثر وتعزيز شعبيته المتقلصة".
وقبل يومين، أعلن الرئيس التركي أن بلاده "ستساعد الإدارة السورية الجديدة في بناء هيكل الدولة وصياغة دستور جديد"، مشيرا إلى أن أنقرة تتواصل مع دمشق بشأن هذا.
عمر نجيب