غزة أوكرانيا تايوان صراعات تقسم العالم وتنهي النظم الدوليةالقديمة.... أوهام النصر في مواجهات القرن الحادي والعشرين والحرب العالمية الثالثة

أربعاء, 2024-09-11 00:39

يتزايد عدد السياسيين والمحللين الذين يرون أن الروابط والتتباعيةتتكثف وتقوى بين الصراعات العسكرية والسياسية الدائرة سواءفي الشرق الأوسط وأساسا في حرب غزة وحرب شرق أوروبا بينروسيا وحلف الناتو على الساحة الأوكرانية والتوتر في شرق آسياخاصة حول تايوان وبحر الصين الجنوبي بين واشنطن وحلفائهامن جانب وبكين من جانب آخر. 

حربا إسرائيل في غزة وروسيا في وسط شرق أوروبا كشفتا عنانقسام عالمي عميق. 

وقال ريمي أديكويا، المحاضر السياسي في جامعة يورك فيإنجلترا: "إن الحرب بين إسرائيل وغزة والأحداث اللاحقة لهاتسلط الضوء على الانقسامات المتزايدة بين الغرب الذي كانمهيمناً في السابق وحلفائه الرئيسيين مثل إسرائيل والقوىالناشئة المتجمعة حول دول بريكس". 

ويضيف أديكويا: "أحد الأنماط الواضحة الناشئة هو أن النظامالقديم الذي يهيمن عليه الغرب يتعرض لتحديات متزايدة، وهووضع من المرجح أن يزداد حدة مع فقدان الغرب لموقعه الاقتصاديالمهيمن الذي لا يمكن تعويضه".

وقد كشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة "بريكس" لأول مرةعلى دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، وذلك بعد أنوصلت مساهمة "بريكس" إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي،مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية. وحسب الصحيفةالفرنسية "لو جورنال دو ديمانش"، فالاتجاه الصعودي الذيحققته "بريكس" سيستمر خاصة في أسواق الصين والهند.

يقول مراقبون أن أحد الأسئلة التي تطل برأسها من نافذةالأحداث خلال الربع الأخير من سنة 2024، لاسيما في ضوءمواقف زعماء الدول الكبرى التي تحمل ملامح ومعالم قطبيةالعالم الجديد، هو إلى أين يمكن أن يذهب الانقسام العالميوالتشظي الأممي؟ وهل نواجه حربا باردة جديدة، أم أنه أوانمولد نظام عالمي جديد مغاير لما جرت به المقادير بعد الحربالعالمية الثانية، ومختلف كل الاختلاف عما عرفناه بعد سقوطالاتحاد السوفياتي؟. 

الشاهد أنه منذ انطلاق القوات الروسية لجبهة أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 اعتبرالمراقبون أن زمن التعايش السلمي ولى إلى غير رجعة، وأن زمنالتكتلات يعاود الظهور سياسيا في الأقل، وربما عسكريا عماقريب. 

ومع انفلات الأزمة في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تعززتفكرة عودة الأحلاف للتمترس وراء بعض، ومجابهة الآخر.

لم يكن من الغريب أن نرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتينمتوجهاً إلى الصين، وفي الوقت عينه كان بايدن يغادر إلىإسرائيل وكأن كل قوة دولية تسعى إلى دعم وزخم أطراف بعينها،ضمن رؤية لخريطة شطرنج إدراكية، تقودنا للقطع بأن أزمنةالتواصل بلغت نفقاً مسدودا، وأنه حان الوقت للعودة لفصل جديدمن فصول تقسيم العالم إلى فسطاطين، شرقي وغربي، آسيوي - أوراسي، في مقابل غربي – إسرائيلي.

كيف لنا أن نقرأ أبعاد ما يحدث ضمن حال الاختلال التييعيشها عالمنا المعاصر، فيما التساؤل الأهم والأشد خطورةووعورة هل نحن على عتبات حرب كونية تتدحرج كرة نارها لتصلإلى السفح محدثة فوضى عالمية؟. 

مشكلة الغرب هي أن قادته الحاليين يرفضون الاعتراف بالواقعالجديد وهو أنهم لا يمكن أن يواصلوا فرض ارادتهم على الآخرينوأن موازين القوى الاقتصادية والعسكرية والعلمية العالمية لم تعدفي صالحهم. 

ما يزيد من خطورة المشهد العالمي هو أن الغرب بقيادة واشنطنيعيش في ظل أوهام النصر سواء في الصراعات الدائرة فيالشرق الأوسط أساسا على ساحة الأرض الفلسطينية أو فيأوكرانيا أو في بحر الصين الجنوبي وتايوان. 

 

النصر الذي لم يتحقق 

 

كتب محلل سياسي بعد 11 شهرا من الحرب على غزة يتأكد عمقالهزيمة، وخلال ثمانية عقود ثبت عقم الانتصار فالإحتلال يجدنفسه بعد تلك العقود في بيئة طاردة، وأرض لا يمكن أن تصبحالملاذ الآمن لمستوطنيه. 

فكرة "عقم الانتصار" ظلت تلاحق ساسة تل ابيب منذ البداية فيسنة 1948، رغم ما حققوه قديما من انتصارات على الجيوشالعربية، وفي مسار التسوية والتطبيع. وقد تنبه إلى ذلك المؤرخالإسرائيلي "يعقوب تالمون" بعد حرب أكتوبر 1973. ووصفالوضع حينها بـ"عقم الانتصار"، وفسره بأن: "كل انتصار تحققهإسرائيل لا يضمن بقاءها بقدر ما يقربها من المصير المحتوم، وهوالانهيار". 

رأى رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إيهود باراك، أن "إسرائيلتتعثر بلا استراتيجية ولا خطة عمل" في قطاع غزة، معتبرا أن"إسرائيل أقرب إلى الهزيمة من النصر الكامل". 

ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية يوم 8 سبتمبر 2024،عن باراك قوله إن "الواقع صعب، فإسرائيل لم تنتصر لا في 7 أكتوبر، ولا في الحرب حتى الآن، بل هي أقرب إلى الهزيمة منهاإلى الانتصار". 

وأضاف: "نحن قريبون جدا وعلى مسافة خطوة من الهزيمة وليسمن الانتصار المطلق، كما أننا على مسافة من تدهور الوضع إلىحرب شاملة"، مؤكدا ضرورة "العمل على منع وقوع الحربالشاملة بالتعاون مع واشنطن والدول المعتدلة".

وفي ما يتعلق بالحرب مع لبنان، بين باراك أن حربا شاملة مقابلحزب الله اليوم "يمكن لها أن تتوسع إلى حرب إقليمية"، مؤكدا أن"ذلك خطأ استراتيجي كبير سيكون له ثمن مؤلم وثقيل". 

كذلك، شدد على ضرورة "القيام بكل ما يلزم لمنع حصول حربفي الشمال، لأن الثمن الذي سندفعه لن يؤدي إلى نتيجة أفضلمما يمكن لأي اتفاق تحقيقه".

وفي السياق نفسه، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهودباراك ضرورة إتمام "إسرائيل" صفقة تبادل الأسرى، وأن توقفالحرب في قطاع غزة، ولو بثمن "الكل مقابل الكل".

وأضاف: "علينا التحضر للحرب الشاملة ومقابلة حزب الله، ولكنعلينا إتمام صفقة التبادل أولا، وفي ما بعد السعي لمنع حصولهذه الحرب حاليا"، لافتاً إلى أن الحل هو عبر "إتمام صفقةتبادل تهدئة الجنوب، وكنتيجة تهدئة في الشمال من خلال اتفاقولو كان مؤقتاً".

وأضاف أنه قبل أن يقدم "الجيش" معالم واضحة لنصر فيقطاع غزة، تقحمه قيادته السياسية في أتون الضفة الغربية،ليقف بين نارين، المقاومة التي لن تقبل الاعتراف بأي هزيمة أواستسلام، والمتطرفين المدعومين من وزراء في الحكومة الذين بدأوايحضرون لإقامة مستوطنات في الضفة. 

من جانبها أكدت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في تقرير لهايوم 8 سبتمبر 2024 أن صفقة إعادة الأسرى، ووقف إطلاق النارفي غزة، ربما تكون "فرصتنا الأخيرة لمنع رؤية أبوكاليبسية فيالضفة"، داعيةً إلى هدوء في غزة يسمح بهدوء معين في الضفةالغربية. 

وفي مقال نشِر على صفحاتها، قالت الصحيفة الإسرائيلية إنالحرب في غزة "ترفع مستوى التصعيد في الضفة الغربية علىالمستويات كافة، فعلى الجانب الفلسطيني، تتزايد الدوافعللمقاومة جنبا إلى جنب مع الزيادة في تهريب وسائل قتالية،ويتفشى عنف المستوطنين أكثر من أي وقت مضى تحت رعايةحكومة اليمين المتطرف".

وأضافت الصحيفة أن "الجيش" الإسرائيلي بدأ في تعزيز وجودهفي الضفة الغربية "بوسائل وشدة تتأثر بشكل مباشر بالقتال فيغزة"، وأصبح قتل الأبرياء أمرا روتينيا بأعداد لم يكن من الممكنتصورها قبل الحرب في غزة.

وكل ذلك، بحسب "معاريف"، في ظل "القمع الاقتصاديالمستمر" الذي تسيطر عليه "إسرائيل" هناك منذ أكتوبر،و"الدوس السياسي للسلطة الفلسطينية، رغم أنها لا تزال الشريكالوحيد على الأرض لكبح الإرهاب".

وتشير "معاريف" إلى أن هذا الاتجاه "سيؤدي حتماً في مرحلةما إلى حمسنة كاملة للضفة الغربية"، وستكون هذه "غزة ثانية". 

وفي الوقت نفسه، تعمل حركة الاستيطان على "إعداد البنيةالتحتية للمستوطنات المدنية في عمق قطاع غزة قدر الإمكان". "نحن نعرف - تتابع "معاريف" - كيف تحدث هذه الأمور، لأننارأيناها في الضفة الغربية وفي غزة قبل فك الارتباط": أولا، كنسلخدمة الجيش، وبعد ذلك سيكون هناك حاخامات ومدارس دينيةدائمة، ثم سيتحول كل هذا إلى "مستوطنات".

وكما نقلت شاني ليتمان في صحيفة "هآرتس" في نهايةالأسبوع، عن يمينيين يستعدون للعملية: "أولا، سيوافقون لنا علىإقامة صلاة ما خلف السياج، ثم سيسمحون لنا بالبقاء هناكلفترة أطول قليلا. ثم سيسمحون لنا بالنوم هناك ليلا، وهكذا نأملشيئاً فشيئاً أن نصل إلى وضع نستوطن فيه خلف السياج".

كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية، الثلاثاء، أنالضفة الغربية "تحولت من قنبلة موقوتة، إلى قنبلة في طورالانفجار".

وكشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن أحداث الأيام الأخيرة فيالضفة الغربية، "دفعت المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى تغييركبير في سياستها تجاهها"، بحيث سيتم تعريفها من الآنفصاعداً على أنها "ساحة قتال ثانية، مباشرة بعد غزة"، بعدماكانت تعرف على أنها "ساحة قتال ثانوية منذ بداية الحرب". 

 

معوقات حرب ضد لبنان 

 

كما تطرقت صحيفة "معاريف" الأحد 8 سبتمبر، إلى الأسبابالتي تعيق إسرائيل من شن هجوم على لبنان في الوقت الراهن،معتبرة أن الأولوية هي لإعادة الشمال إلى حاله قبل الحديث عنأي قتال هجومي. 

وذكرت الصحيفة إنه "في الأيام الأخيرة، أدركت المؤسسة الأمنيةأن على إسرائيل أن تشن عملية واسعة النطاق في لبنان، وتضربحزب الله وتخلق واقعا جديدا على الأرض، لكنها تواجه معضلاتحقيقية لتحديد ما إذا كان عليها شن هجوم أو الانتظار لوقتآخر". 

ووفق الصحيفة فإن بعض هذه التحفظات هي: "أولا، الجيشالإسرائيلي لم يكمل مهمته في غزة. هناك 101 رهينة في أيديحماس. الجيش الإسرائيلي لم يهزم حماس نهائيا وهو ملزمبالاحتفاظ بقوات كبيرة في غزة. هناك حاجة إلى تحديث الرتبوالأدوات لأن الجيش الإسرائيلي ليس مبنيا على حرب طويلة تمتدلسنوات، وفي الوقت نفسه، تتطلب الضفة الغربية المزيد من المواردوالطاقة من يوم لآخر على حساب القوات من القطاعات الأخرى".

ولفتت "معاريف" إلى أن "المؤسسة الأمنية تريد الحفاظ علىتأثير المفاجأة في الهجوم على حزب الله، والآن وبعد 11 شهرا منالقتال من الصعب خلق مثل هذا التأثير. والأمر الآخر الذي يثيرقلق إسرائيل هو الشرعية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدةالتي تقف الآن على الخط الأخير من الانتخابات الرئاسية".

وقالت "معاريف"، إن "الجيش الإسرائيلي تمكن من تدمير قدراتحزب الله خلال أشهر القتال: قتل حوالي 600 عنصر، وجرحالآلاف، ودمر جميع وسائل القيادة للحزب، وأكثر من ذلك، لكنهاشددت بالمقابل على أن الأضرار التي لحقت بالشمال جسيمةوفادحة: مستوطنات فارغة، اقتصاد منهار، أزمة اجتماعية. وقالتإن هناك حاجة ملحة لإعادة الأراضي الشمالية التي تخلت عنهاالحكومة الإسرائيلية".

واعتبرت الصحيفة أنه "قبل أن تتخذ إسرائيل قرارا بشأن الدخولفي قتال هجومي في لبنان، من الجدير إجراء مناقشةاستراتيجية بهذا الشأن. أولا وقبل كل شيء، لا بد من رسم خطالنهاية: هل سنبني شريطا أمنيا في لبنان؟ هل سننشئمستوطنات مثل "شابي صور" أو "سافيوني النبطية" أو ربمامستوطنة "كيدمات مرج عيون" (في إشارة إلى مناطق صوروالنبطية ومرج عيون، جنوب لبنان)؟"، وقالت إن "تفويض فصلالقوات في يوم انتهاء الأعمال العدائية يجب أن يتم مع الأمريكيينوالمجتمع الدولي وأن خطة إعادة تأهيل الشمال يجب أن يتمتحديدها مسبقا".

في غضون ذلك، أطلق المستوى العسكري بإسرائيل برئاسة رئيسالأركان اللواء هرتسي هليفي مرة أخرى تحذيرات من الحرب،ووجه الجيش الإسرائيلي ضربات إلى منصات إطلاق الصواريخالتابعة لحزب الله. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنلواء "يفتاح" أنهى أيضا تدريباته للمهمة القتالية في لبنان.

ومن ناحية أخرى، لم يظل حزب الله غير مبال بل قدم صباح يومالأحد عرضا صغيرا لمدة 30 دقيقة، بمعنى آخر، أراد حزب الله أنيظهر لإسرائيل عينة من قوته النارية اللامتناهية، في حين أنشمال إسرائيل حاليا مهجور ومكلوم ومحترق، ومن المشكوك فيهأن يتغير وضعه قريبا.

 

أدوات صراع

 

في ظل التعثر الإسرائيلي في غزة وخطورة الأوضاع على خطوطالاتصال مع الأردن ومصر يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي كل مافي يده من قدرات لجر واشنطن لحرب واسعة في الشرق الأوسطللتخلص من ما يعتبره تهديدا إيرانيا.  في واشنطن وضمنالمحافظين الجدد من يساند نتنياهو في مخطط توسيع الحربولكن هناك معارضون في البيت الأبيض خاصة مع وجود الولاياتالمتحدة في مرحلة انتقالية للإنتخابات الرئاسية في نوفمبر2024. 

أشار تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي نشر نهاية شهرأغسطس 2024، أن 18 سفينة حربية أمريكية، من بينها حاملتيطائرات، تمركزت في الشرق الأوسط "لردع إيران ووكلائها عنشن هجمات ضد إسرائيل، قد تنتهي باندلاع حرب شاملة فيالمنطقة". 

وأوضح التقرير أن بعض السفن الأمريكية في البحر الأحمروخليج عدن تواجه منذ أشهر، الحوثيين في اليمن، فيما تم إرسالقطع حربية أخرى إلى المنطقة "لإظهار القوة"، وفق الموقع.

كما أشار "أكسيوس" إلى أن سربا من مقاتلات "إف-22 رابتور" التابعة للقوات الجوية الأمريكية، وصل بالفعل إلى المنطقة، كما أنهناك الغواصة "يو إس إس جورجيا" المزودة بصواريخ موجهة.

وأوضح التقرير أن هناك حاملتي طائرات في خليج عمان بجانب8 مدمرات، فيما هناك الغواصة "يو إس إس جورجيا" التي تعملبالطاقة النووية، و3 مدمرات، و3 سفن هجومية برمائية، في منطقةالبحر المتوسط، في وقت تواصل فيه القوات الأمريكية مراقبةالأنشطة اليمنية الحوثية عن كثب في البحر الأحمر، دون الإشارةإلى حجم القطع العسكرية هناك.

ونقل الموقع عن مدير مركز تكنولوجيا الدفاع التابع لمعهدهادسون، برايان كلارك، أنه بالنظر إلى كل هذه القطع الحربية،فإن "هناك بسهولة أكثر من 500 صاروخ توماهوك جاهزينلاستهداف إيران، وأكثر من 100 مقاتلة جاهزة للدفاع عنالحلفاء". 

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، قد ذكرت، الإثنين 23 أغسطس، أن واشنطن "ترى أن التهديد بشن إيران أو خصوم تلابيب هجوما على إسرائيل لا يزال قائما"، وذلك بعد إطلاق جماعةحزب الله اللبنانية مئات الصواريخ والطائرات المسيرة علىإسرائيل، ردا على مقتل قائد كبير في صفوفها.

وصرح المتحدث باسم البنتاغون، الميجر جنرال باتريك رايدر،للصحفيين: "أود أن أشير إلى بعض التعليقات العامة التي أدلىبها الزعماء الإيرانيون وآخرون.. لا يزال تقييمنا هو أنه يوجدتهديد بشن هجوم".

من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن"الأنشطة العدوانية الإيرانية تجاه إسرائيل في أعلى مستوياتهاالآن"، مضيفا أن إسرائيل والولايات المتحدة "يجب أن تكونامستعدتين لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية". 

 

أكثر من حرب

 

جاء في تقرير وضعه مايكل أوهانلون ونشرته ناشيونال إنترستفي واشنطن متصف سنة 2024:  

وفقاً لعقيدة التخطيط الرسمية في البنتاغون اليوم، لا تستطيعالولايات المتحدة أن تخوض أكثر من حرب في وقت واحد. ويكفيأن يفكر المرء بالمحور الذي يضم روسيا وكوريا الشمالية وإيرانوالصين، ليشعر بالقلق من أنه إذا انتهى الأمر بأمريكا وحلفائهاإلى الدخول في حرب ضد إحدى هذه الدول الأربع، فإن دولةأخرى قد تفكر في العدوان على أمريكا. 

كانت الولايات المتحدة تطمح إلى نوع ما من القدرة على خوضحربين. فخلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تهدف بشكلعام إلى أن تكون قادرة على خوض حرب كبرى إلى جانبحلفائها في حلف شمال الأطلسي ضد الكتلة السوفييتية فيأوروبا، وعلى الأقل صراع واحد آخر متزامن (مثل الحرب الكوريةأو حرب فيتنام) في أماكن أخرى. ولكن الجيش الأمريكي خلالالحرب الباردة كان أكبر بنسبة 60 في المئة مما هو عليه اليوم.

بمجرد سقوط جدار برلين في عام 1989، خفضت الولايات المتحدةقواتها المسلحة لكنها احتفظت بهدف التخطيط للحربين. ومع ذلك،كان من المتصور أن تكون هاتان الحربان ضد أعداء أقل قدرةبكثير: أمثال العراق، وإيران، وكوريا الشمالية، أو ربما سوريا.

في الواقع، انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى خوض حربينمتداخلتين لسنوات عديدة في العراق وأفغانستان-على الرغم مناختلافهما عن السيناريوهات النموذجية المتصورة في نماذج حجمالقوة هذه نظرا لأنها كانت طويلة ومعتدلة من حيث الحجم وليستقصيرة وكبيرة كعاصفة الصحراء عام 1991. وبسبب مدتها، كانعلى الولايات المتحدة أن تقوم بجهود الذروة في تلك الحروب، معالتركيز على العراق في عهد الرئيس جورج دبليو بوشوأفغانستان في الولاية الأولى للرئيس أوباما.

ثم بدءًا من عام 2015 تغيرت الأمور مرة أخرى. وأنشأ المخططونفي البنتاغون، بدءاً بوزير الدفاع أشتون كارتر ورئيس هيئةالأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، إطار تهديد "4 + 1" مع انضمام روسيا والصين إلى إيران وكوريا الشمالية في قائمةالمخاوف الرئيسية للبنتاغون. وبعد ذلك، أعطى البنتاغون، وكيلوزير الدفاع جيم ماتيس والوزير مارك إسبر خلال سنوات ترامب،الأولوية لروسيا والصين، واحتفظت إدارة بايدن، تحت قيادة وزيرالدفاع لويد أوستن، باستراتيجية دفاع وطني مشابهة جدا.

وفقًا للعقيدة الرسمية [media.defense.gov]، يجب أن يتمتعالجيش الأمريكي اليوم بالقدرة على القيام بما يلي في وقت واحد:

• العمل مع الحلفاء على قتال وهزيمة الصين أو روسيا ولكن ليسكليهما في نفس الوقت، ويفترض أن يكون ذلك في صراعاتتتمحور حول منطقة غرب المحيط الهادي ومنطقة أوروبا الشرقية

• الدفاع عن الوطن الأمريكي مع الحفاظ أيضا على الردعالنووي

• ردع كوريا الشمالية وإيران دون تحديد الكيفية بالضبط

• الحفاظ على الزخم ضد المنظمات المتطرفة العنيفة العابرةللحدود الوطنية كجزء مما يسمى "الحرب على الإرهاب"

ولكن هذا لا يزال مجرد إطار حرب واحدة. فهل هذا يكفي عسكريالعالم اليوم؟

قبل القفز إلى استنتاج مفاده أننا بحاجة إلى تعزيز دفاعي كبير،هناك بعض الاعتبارات الأخرى التي يجب وضعها في الاعتبار. ولنترك جانباً حقيقة مفادها أن ميزانية الدفاع الوطني الأمريكية،التي تبلغ نحو 900 مليار دولار، تتجاوز بالفعل ذروة الحربالباردة وتعادل ثلاثة أضعاف ميزانية الصين وستة أضعافميزانية روسيا، لكن العجز الفيدرالي الهيكلي في الولايات المتحدةالذي يزيد على تريليون دولار سنوياً يشكل تحديا كبيراً.

بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع الجيش اليوم القيام بالتجنيد لملءالقوام المطلوب حاليا للقوات، كما أن معظم الخدمات الأخرىكانت تكافح من أجل تحديد أهداف للأفراد أيضا.

والأهم من ذلك كله، بالنسبة لإدارتي ترامب وبايدن، كان ينظر إلىجودة القوات المسلحة على أنها أكثر أهمية من حجمها. لقد أرادمخططو الدفاع التركيز على تحسين القدرة العسكرية الفتاكة،والقدرة على البقاء، والاستدامة، والمرونة، والقدرة على التكيف فيعصر التغير التكنولوجي السريع.

تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز ردعها ضد العدوان الانتهازيالمتزامن. لكن المعيار الصحيح للقيام بذلك هو على الأرجح التأكدمن أن البلاد لديها ما يكفي من القدرات الأساسية لكل منالخصوم الأربعة المحتملين. وبالتعاون مع الحلفاء تستطيع منععدوان سريع وناجح من قبل أي منهم حتى مع تركيز معظم قواتهافي حرب واحدة كبيرة. 

وكما جادل توماس ماهنكن مؤخرا بشكل مقنع فإن هناك فائدةرئيسية أخرى لإطار التخطيط للحروب المتعددة، وهي أنه سيخلقفي الواقع احتياطيا استراتيجيا من الذخائر. ومن خلال إنتاجالذخائر ونشرها مسبقًا لعدة حروب في وقت واحد في مسارحخارجية رئيسية على نطاق أوسع مما هو عليه اليوم، فإن الولاياتالمتحدة ستخلق في الواقع تحوطًا ضد حرب واحدة تستمر لفترةأطول أو تأخذ أسلحة أكثر مما كان متوقعًا في البداية.

 

توفر الوقت

 

ومن شأن هذه السياسة أيضا أن توفر الوقت للبدء في تصنيعالمزيد من الأسلحة لاستعادة القدرة القوية على تعدد المسارح إذااندلعت حرب في مكان واحد. ولحسن الحظ، فإن هذه أهدافيمكن تحقيقها وبأسعار معقولة، وتتحدث عنها استراتيجية الدفاعالوطني بالفعل. ويتعين علينا أن نتأكد من أن لدينا القدرات، وليسمجرد الكلمات. 

وتشمل بعض القدرات الإضافية الرئيسية التي قد تكون مطلوبةلدعم مثل هذه الاستراتيجية سربين من الطائرات المقاتلة من"الجيل الخامس" المخصصة لكوريا (لمهاجمة منصات إطلاقالصواريخ الكورية الشمالية في وقت مبكر من أي حرب، والحدمن الأضرار التي قد تلحق بسول)، وغواصات غير مأهولةمتمركزة في غرب المحيط الهادئ مزودة بأجهزة استشعار مضادةللسفن وصواريخ لمساعدة تايوان على مقاومة الصين، وطائراتالرفع العمودي في أوكيناوا بذخائر قابلة للاستخدام لنفسالغرض، وأنظمة دفاع صاروخية مخصصة للشرق الأوسط منالنوع الذي ساعد في إحباط وابل الصواريخ والطائرات بدونطيار الإيراني الأخير ضد إسرائيل، ولواء من القوات البريةالأمريكية مدعومة بالمقاتلات وطائرات الهليكوبتر الهجومية فيدول البلطيق كرادع دائم ضد روسيا. ومرة أخرى، فإن تعزيزبعض شبكات الاستشعار ومخزونات الذخيرة أمر منطقي أيضا.

إن تكلفة هذا النوع من التوسع المتواضع في القوة لن تكون تافهة،ولكنها لن تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات سنوياً. ويمكنتمويلها جزئيا من خلال تخفيضات انتقائية في ميزانية الدفاعفي أماكن أخرى. وبينما نستعد لإجراء انتخابات رئاسية هذاالخريف ومراجعة دفاعية جديدة في العام المقبل، فإن هذهالقضايا المتعلقة بالحرب المتزامنة المحتملة يجب أن تكون فيمقدمة ومركز النقاش الاستراتيجي الأمريكي.

 

الغرب يشتري الوقت

 

كتب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف: 

في الأشهر الأخيرة، شهدنا ازديادا حادا في عدد المآزقالاستراتيجية التي يواجهها الغرب، والتي تعجز النخب الغربيةعن إيجاد مخرج منها. الأسوأ من ذلك هو أن معظم هذه الأزماتقد تبلغ ذروتها في نفس الوقت.

في الولايات المتحدة أصبح فوز ترامب واضحا بشكل متزايد، وهوما يمكن أن يؤدي إلى أزمات داخلية في الولايات المتحدة وأوروباوحلف "الناتو". ولا يستبعد أن تتحول الحرب الأهلية الخفية فيالولايات المتحدة إلى حرب ساخنة.

من ناحية أخرى، فإن كل محاولات الغرب لتجنب الانهيارالاقتصادي باءت بالفشل، فلا يمكن قمع التضخم، وأسعارالفائدة المرتفعة تدمر قطاعات الأعمال، والنظام المصرفي يحتاجإلى جهاز تنفس صناعي مستمر، فيما يبيع أصحاب أكبرالشركات الغربية أسهمهم، والذهب أصبح أكثر تكلفة، والجميعيستعد لانهيار البورصات.

أظن أن كل جهود أصحاب المال العالمي الآن تتركز على تأجيلالانهيار حتى فوز ترامب، وإعطائه "شرف" تلقي الضربة الناجمةعن خيبة آمال المواطنين وغضب الشعب.

في الوقت نفسه، وجهت الحرب في البحر الأحمر ضربة ساحقةللتجارة البحرية التي يسيطر عليها الغرب، والتي ستؤدي عواقبهاإلى زيادة التضخم على أقل تقدير في غضون بضعة أشهر، ماسيسهم في الانهيار الاقتصادي الوشيك لنظام الدولار. من المؤكدأن العواقب يمكن أن تكون أسوأ بكثير، ولا توجد طريقة لمنعهادون تحييد إيران.

بالنسبة لإسرائيل، فإن حتى النجاح المحتمل في غزة لا يعنينهاية الحرب، كما أن إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى هوأمر غير مقبول لأسباب اقتصادية. وهو ما لا يترك أي خيار سوىالتصعيد على أمل تحقيق نصر سريع على "حزب الله" ومن ثمإيران. في المقابل، فإن حربا كبرى مع "حزب الله"، بل وحتىتوجيه ضربة إلى إيران، من شأنها أن تكون فرصة كبيرة لجرالولايات المتحدة إلى الحرب، ما سيؤدي إلى تفاقم مشكلاتها.

وعلى العموم، فإن إيران، من خلال حرب إقليمية تتصاعدبالتدريج، قد انتقلت بالفعل إلى فئة اللاعبين العالميين الرئيسيين،ولكن هذا أيضا يجعل من تحييدها العاجل أمرا ضروريا للغرب،الذي يضطر هنا للاختيار بين روسيا وإيران كهدف ذي أولوية،وهو ما من شأنه أن يؤجل الصدام مع الصين إلى أجل أطول.

وأخيرا، أوكرانيا هي أكبر وأثقل قطعة دومينو، يمكن أن يؤديسقوطها إلى صدام مباشر بين روسيا وحلف "الناتو"، الأمر الذيمن شأنه أن يقلب العالم رأسا على عقب، ويطلق سلسلة من ردودالفعل لكل الانهيارات والهزائم الأخرى التي مني بها الغرب، منذذلك الحين، ومن غير المرجح أن تقتصر هذه الحرب على أراضيأوكرانيا.

وقد عانت أوكرانيا، التي تم تزويدها بالأسلحة قبل عام، من فشلذريع في هجومها. ويقوم الجيش الروسي، مثل جرافة الأسفلت،بسحق المواقع الأوكرانية ببطء، ولكن بلا هوادة على طول خطالمواجهة بأكمله.

لقد أصبحت هزيمة أوكرانيا وانهيارها لأسباب داخلية أمرا لا مفرمنه بالفعل، فيما يبدو أن هذا الأمر يد بدأ يصل إلى إدراك الغربتدريجيا، استنادا إلى التصريحات الهستيرية للساسة الأوروبيينحول احتمال نشر قوات غربية هناك، وأن أوروبا ستكون في حالةحرب مع روسيا في غضون سنوات قليلة.

ومن غير المرجح أن يتصور الغرب أن تكرار المحاولة الهجومية، فيظل ظروف أسوأ بالنسبة لأوكرانيا، من شأنه أن يؤدي إلى نتيجةمختلفة وأكثر نجاحا.

إلا أنه من الممكن الحديث عن محاولة الغرب تمديد هزيمة أوكرانياإلى ما بعد 2024 والرغبة المتأصلة لدى كافة الأطراف في البدءبأقل قدر من قائمة الأزمات. ولكن في ظل الظروف الراهنة، فإنكل شيء مترابط ومتفجر إلى حد أن عملية صغيرة تقوم بها"حماس" لتحرير السجناء الفلسطينيين قد تنتهي بحرب الجميعضد الجميع على نطاق عالمي.

ومن الواضح أن الإمدادات الجديدة من الأسلحة الغربية لأوكرانيالن تغير النتيجة المتوقعة لهذه الحرب. ومع ذلك، فإذا تحققتعمليات التسليم هذه، فإنها ستزيد بشكل كبير من احتمال أنتكون الحرب الكبرى الأولى حربا كبرى في الشرق الأوسط، ومنالمرجح أن تشمل جيران إسرائيل ودول الخليج العربي.

 

عمر نجيب

[email protected]