هل تدرك تل أبيب وواشنطن استحالة الانتصار في حرب غزة؟.... حسابات الربح والخسارة في الحرب الإقليمية الواسعة.

خميس, 2024-08-22 05:40

تتابع بشكل ممل مسرحيات الجهود والاجتماعات والوساطات والمفاوضات لوقف الحرب على قطاع غزة التي دخلت شهرها الحادي عشر وحصدت حتى الآن أكثر من 40 ألف قتيل فلسطيني غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء والشيوخ.

التناقضات المتسعة والموجودة في أوساط مراكز القرار خاصة في واشنطن وتل ابيب ولندن تشكل أسس المسرحيات المتعاقبة وفي نفس الوقت تعكس الاضطراب والفوضى السائدة في تقديرات أجهزة المخابرات المساندة لتل أبيب وكذلك ما يرد مما يوصف بمراكز الأبحاث التي تقدم المشورة لأصحاب القرارات السياسية والعسكرية بناء على التحليلات المبنية على مجموع أو ما يعتقد أنه كذلك من المعطيات المحصل عليها من مختلف الساحات المرتبطة بالصراع.

بالنسبة للحرب على غزة كانت هناك تقارير قليلة جدا تحذر من فرضية الفشل، ولكنها لم تستقبل سوى بامتعاض من طرف أصحاب القرار، وكما يشير مسؤولون كبار في أجهزة الاستخبارات الغربية، يتم تقديم التقارير التي تلائم ما يريدوه المنفذون بينما تستبعد الأخرى ولكن يتم الحفاظ عليها في الأرشيف حتى تشكل خط رجعة للمكلفين بتقديم النصح وضمان عدم اتهامهم بالتقصير عندما تقع إخفاقات.

في الأسابيع القليلة التي تبعت عملة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 كانت التقديرات الإسرائيلية والغربية بشكل عام تفيد بأن المقاومة الفلسطينية في غزة لن تستطيع الصمود أمام عملية عسكرية إسرائيلية غربية كثيفة أكثر من ثلاثة إلى 5 أشهر، وأن الضغط العسكري على غزة سيولد طوفان بشريا في اتجاه الجنوب نحو سيناء وهو ما سيؤدي إلى تهجير ما بين 900 ألف إلى 1.2 مليون من الفلسطينيين خارج القطاع، وبذلك ينجز جزء مما وصفه كتاب غربيون بالنكبة الثانية. لم يتحقق هذا الأمر.

أجمعت أغلب أجهزة المخابرات الإسرائيلية والغربية بشقيها العسكري والمدني أنه سيتم تدمير أنفاق غزة التي قدروا طولها ب 870 كيلومتر خلال أيام قليلة بعد إغراقها بمياه البحر وقنابل المطاط الاسفنجي وبالتالي حرمان المقاومة من سلاح أساسي. يوم الثلاثاء 12 ديسمبر 2023 ذكر مسؤول أمريكي، لشبكة CNN، إن الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة أنهم بدأوا "إغراق الأنفاق في قطاع غزة بمياه البحر"، وذلك بعد أن استقدموا من الولايات المتحدة ودول غربية على متن طائرات عملاقة من طراز لوكهيد سي5 غلاكسي أساسا مضخات ضخمة. مرت أياموأسابيع ولم تغرق الأنفاق بل وساهمت المياه القليلة التي بقيت على أرضية بعض الأنفاق في تلطيف الجو. تركت المضخات على شاطئ غزة للتحول إلى خردة، أما قنابل المطاط الاسفنجي فسجلت فشلا أكبر.. 

خلال شهر مارس 2024 أعلنت الولايات المتحدة عن مشروع بناء ميناء عائم مؤقت قبالة سواحل غزة وذكرت أن الهدف هو إيصال المساعدات إلى سكان القطاع. وفيما رحبت الأمم المتحدة بكل طريقة لإيصال المعونة للمدنيين، أكدت أن توصيل المساعدات برا يبقى "أكثر فعالية". لكن المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، ذهب إلى حد وصف مقترح بايدن بأنه "خبيث"، لافتا إلى أن واشنطن تقدم في نفس الوقت القنابل والذخائر والدعم المالي لتل أبيب.

يوم الاثنين 29 أبريل 2024 أفاد مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، بأن التكلفة التقديرية التي يتكبدها الجيش الأمريكي لبناء الرصيف البحري، ارتفعت إلى 320 مليون دولار.

بعد أسابيع معدودة من تشغيل الرصيف أعلنت واشنطن تفكيكه وبررت الخطوة بسوء الأحوال الجوية بينما أفاد محللون أمريكيون أن الأهداف الحقيقة للرصيف ومنها التدخل ضد حماس من قبل قوات النخبة فشلت.

مختلف التقديرات في غالبيتها لم تتحقق ووجدت القواتالإسرائيلية أنها أمام مواجهة دفاعية وهجومية صعبة ومكلفة. لاحقا ومع بداية سنة 2024 ظهرت تقديرات وتوقعات جديدة عن مستقبل الصراع العسكري خاصة مع تواصل التصعيد والقصف المتواصل على المستوطنات الإسرائيلية في كل المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية الجنوبية مما أجبر ما بين 120 و 140 ألف مستوطن على الهجرة داخليا أو خارجيا أضيفوا إلى حوالي ما بين 40 و55 ألف من مستوطني ما يسمى غلاف غزة. وإلى الجنوب على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شلت القوات اليمنية بشكل كامل الحركة البحرية نحو ميناء أيلات.

مع مرور الأسابيع استمر تعثر العملية العسكرية في قطاع غزة رغم قصفها بألاف الأطنان من القنابل والصواريخ، ونهاية الشهر الأول من سنة 2024 قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -نقلا عن صحيفة "كول هعير" الإسرائيلية- إن القنابل التي أسقطها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة خلال 4 أشهر تفوق تلك التي استخدمتها روسيا في حربها على أوكرانيا على مدى عامين.

تقديرات غربية أشارت في ذلك التوقيت إلى ما لا يقل عن 70 ألف طن من المتفجرات ألقيت على غزة، أي ما يعادل 3 قنابل نووية تكتيكية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب إذا أخذنا بعين الاعتبار مساحة قطاع غزة 360 كيلومتر مربع".

في شهر ابريل 2024 وبشأن حجم أزمة القنابل غير المنفجرة في غزة صرح منوغو بيرش، رئيس دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام UNMASS في فلسطين "لم نر شيئا كهذا منذ آخر حرب كبرى في أوروبا ". ومن غير المعلوم على وجه الدقة ورسميا عدد القنابل والذخائر التي استخدمها الجيش الإسرائيلي منذ بداية القتال، إلا أن الجيش أكد في تصريح "لبي بي سي" في الشهر الثالث من 2024 على القيام بأكثر من 30 ألف غارة جوية منذ أكتوبر 2023. وفي وقت سابق صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت، بأن الجيش أسقط 10 آلاف قنبلة خلال الستة والعشرين يوما الأولى من الحرب بواقع نحو 384 قنبلة يوميا.

يوم الاربعاء 3 يناير 2024 ذكر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن الجيش الإسرائيلي قصف القطاع بأكثر من 45 ألف صاروخ وقنبلة، زاد وزنها عن 65 ألف طن. وأضاف المكتب، في بيان وصل للأناضول: "طائرات الاحتلال أسقطت على القطاع خلال حرب الإبادة الجماعية الشاملة أكثر من 45 ألف صاروخ وقنبلة عملاقة يزن بعضها ألفي رطل من المتفجرات؛ وتعمد الاحتلال قصفها على مربعات سكنية بالكامل". وتابع: "زاد وزن المتفجرات التي ألقاها الجيش على القطاع عن 65 ألف طن، وهو ما يزيد عن وزن وقوة ثلاث قنابل نووية كالتي تم إلقاؤها على مدينة هيروشيما اليابانية" خلال الحرب العالمية الثانية.

إلى جانب التعثر العسكري تواجه تل أبيب أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

شهد الاقتصاد الإسرائيلي انهيار وشلل شبه تام وخسائر فادحة بقطاع البناء والعقارات، وبالصناعات والزراعة والسياحة الداخليةوالخارجية، وذلك مع استمرار الارتفاع في كلفة الحرب وتداعياتها على الموازنة العامة لإسرائيل، التي تعاني عجزا بقيمة 6.6 في المئة من الناتج المحلي، بحسب ما أفاد تقرير بنك إسرائيل.

وتعطل الاقتصاد الإسرائيلي وتكبد خسائر فادحة، حيث أظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 أكتوبر 2023 حتى نهاية مارس 2024، بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار).

كما يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات الحاجة إلى تجنيد الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب إجلاء مئات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم في مستوطنات "غلاف غزة"، والنقب الغربي، والحدود اللبنانية، وتعطيل العمل بالمدارس والجامعات، والمرافق الاقتصادية، بما في ذلك السياحة والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه.

في الشهر الحادي عشر للحرب على غزة يبقى الخلاف قويا بين تيارين اساسا في واشنطن وتل أبيب، طرف يحث على مواصلة الحرب حتى تحقيق نصر حقيقي، وآخر يبحث عن تسوية ولو فقط لكسب الوقت استعدادا لمواجهة في ظروف أفضل في المستقبل. مسار هذا التيار يعرف صعودا وهبوطا ترافقا مع مختلف التطورات ومنها خطر توسع الحرب لتصبح إقليمية بمشاركة إيران ربما أطراف أخرى وكذلك مع تزايد خسائر الجيش الإسرائيلي التي أصبحت التغطية عليها أكثر صعوبة.

 

نقطة الانهيار.. 

 

بتاريخ 4 أغسطس 2024 تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن حالة جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي بعد نحو 10 أشهر من الحرب لافتة إلى أن اقترابهم من نقطة الانهيار يقيد خيارات إسرائيل في حرب مع حزب الله.

وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على جنود الاحتياط للحفاظ على أداء جيشها في أوقات الأزمات"، لكن مع دخول الحرب في غزة شهرها الـ 11، وتصاعد حدة تبادل إطلاق النار، ولا سيما مع حزب الله، فإن العديد من هؤلاء المقاتلين يرفضون العودة إلى وحداتهم. 

رئيس مجلس "الأمن القومي" الإسرائيلي السابق، يعقوب عميدرور، قال إن "إسرائيل لم تستعد لحرب طويلة، بل فكرنا في توجيه ضربة جوية كبيرة ثم مناورة سريعة للقوات البرية"، مضيفا"كلما طال الوقت، أصبح الحفاظ على الدعم والاستعداد للقوات المقاتلة أكثر صعوبة".

 

سراب النصر 

 

نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوم 13 أغسطس 2024 مقالاً للكاتب افرايم غانور يتحدث فيه عن مزاعم رئيس الحكومة نتنياهو بتحقيق نصر مطلق والأزمة التي تعيشها تل أبيب جاء فيه:

رئيس حكومتنا لا يظهر أمام الجمهور والكاميرات، إلا في لحظات النجاح، ولكنه يختبئ في الساعات المصيرية، ويهرب من الإسرائيليين والواجب الأساسي المطلوب من كل من يحمل هذا المنصب ألا وهو الوقوف أمام الجمهور.

"انتصار مطلق؟ كلام فارغ"، قال وزير الأمن يوآف غالانت، وكان على حق عندما حول كلمات نتنياهو إلى طبول تهدف إلى استغباء الشعب بشعارات سخيفة ومخادعة.

لا مكان لكلمة ومفهوم النصر في هذه الحرب. والانتصار الذي يتحدث عنه نتنياهو هو انتصار باهظ الثمن. بالنسبة للذين ما زالوا يؤمنون بهذا النصر المطلق، يجدر بهم، ومن المحبذ لهم أن يروا الحقائق.

هكذا يبدو انتصار نتنياهو المطلق بعد عشرة أشهر من الحرب: لا تزال حماس تحتجز 115 من الإسرائيليين مدنيين وجنودا، ولا تزال تطلق بين الحين والآخر قذائف صاروخية وهاون باتجاه النقب الغربي ومستوطنات الغلاف. وهي تعود إلى مخيمات اللاجئين والمناطق التي سيطرنا عليها ومشطناها عدة مرات، وتعمل منها وتسبب لنا خسائر بشرية، وبخلاف ما يزعم، فإن الكثير من مقاتليها يتحصنون في الأنفاق ويخرجون بين الحين والآخر لتنفيذ عمليات ضد قواتنا.

وهذا ليس كل شيء، فإن مستوطنات الغلاف لا تزال مهجورة، ومعظم سكانها مهجرون ويخشون العودة إلى منطقة أصابتهم بصدمة شديدة، وهي منطقة لا يزال بإمكانك سماع دوي المدافع والصواريخ فيها كل يوم.

أما شمال إسرائيل، عرش الصهيونية، فأصبح ركاما من الخراب ومستوطنات مهجورة وغابات محترقة، من دون رد فعال على الهجمات اليومية لحزب الله بالصواريخ والطائرات المسيرة.

وفي الضفة الغربية وغور الأردن، تدور حرب يومية ضد الفلسطينيين الذين يهددون بنقطة الضعف لدى إسرائيل. وفوق كل هذا تقف اليوم "دولة" يستحوذ عليها الرعب، وهي تتوقع هجوم الغضب الإيراني الذي يفترض أن يأتي من الشرق، والهجوم الانتقامي لحزب الله الذي يفترض أن يأتي من الشمال، والحوثيين في اليمن، الذين توعدوا بالانتقام من الجنوب، والحركات الأخرى التي من المفترض أن تطلق صواريخها من سوريا.

والآن هناك رئيس حكومة ينتظر أول فرصة للتخلّص من وزير أمنه وسط حرب. إنه يقف على رأس "دولة" غارقة حتى رقبتها في تهديدات وأخطار وأسرى ونازحين ومناطق مهجورة ومدمرة، واقتصاد ينهار ومجتمع منقسم، وما زال يتحدث عن نصر مطلق وكأنها لعبة كرة قدم وليس مصير دولة.

 

10 آلاف مصاب

 

كشف قسم إعادة التأهيل في وزارة الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء 14 أغسطس 2024، النقاب عن أحدث بياناته في شأن عدد مصابي الجيش الذين تم استقبالهم في القسم، منذ السابع من أكتوبر.

وقال قسم التأهيل، إنه استقبل 10056 مصابا منذ بداية الحرب في غزة، بمعدل نحو ألف مصاب جديد كل شهر، 68 في المئة منهم من جنود الاحتياط.

ولفت إلى أن 35 في المئة من المصابين يعانون من ردود فعل عقلية أو ما بعد الصدمة، وأكثر من ربع المصابين يعانون من إصابة نفسية.

وفي هذا الشأن، دعا المدير العام لوزارة الدفاع العقيد (احتياط) إيال زمير، إدارة وزارة الدفاع لنقاش خاص حول استراتيجية استيعاب وعلاج آلاف جرحى حرب "السيوف الحديدية"، وهو الاسم الذي يطلقه الجيش الإسرائيلي على حرب غزة.

من الجدير ذكره أن الجيش الإسرائيلي أورد في آخر تحديث له عبر موقعه الإلكتروني، أن عدد جرحاه منذ بدء الحرب في غزة في 7 أكتوبر، بلغ 4310 مصابا، أي أقل من نصف العدد الذي تحدث عنه قسم التأهيل في وزارة الجيش. 

صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية ذكرت خلال شهر يوليو 2024 بأن الجيش اعترف لأول مرة بفقد العديد من الدبابات بسبب تضررها ونقص الذخيرة، مشيرة إلى أن هذا الأمر إلى جانب نقص المدربين بسبب إصابتهم أو مقتلهم "أجل قرار دمج المجندات في سلاح المدرعات".

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي اعترف من جانبه أنه "خلال الحرب على غزة تضرر عدد كبير من الدبابات وتعرضت للإعطاب، وباتت غير صالحة للقتال أو للتدريب، ومن غير المتوقع أن تدخل قريبا دبابات جديدة إلى الخدمة في سلاح المدرعات، إضافة إلى ذلك هناك نقص في حجم الذخائر والموارد المطلوبة لإصلاح الآليات".

وقال عدد من كبار الضباط في الوحدات المدرعة التي تقاتل في قطاع غزة لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن عددا من الدبابات تم إعطابها بصورة لا يمكن إصلاحها للعودة للحرب.

ما كشف عنه الجيش الإسرائيلي يعد الاعتراف الأول له بالأضرار التي لحقت بعتاده نتيجة القتال في قطاع غزة، مع العلم أن الرقابة العسكرية تواصل التحكم فيما يتم إعلانه.

يذكر أن كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- كانت قد أعلنت في آخر حصيلة لها تدمير أكثر من 1600 آلية عسكرية إسرائيلية -كليا أو جزئيا.

 

انحدار خطير 

 

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير لها يوم الجمعة 14 أغسطس، أن "إسرائيل تعيش ورطة خطيرة، على خلفية الانقسامات الداخلية الشديدة التي يعيشها المستوطنون، والفشل في تحقيق أهداف الحملة العسكرية في قطاع غزة، مع احتمال توسع الحرب".

وأضافت المجلة أنه "علاوة على ذلك، ألحق سلوك "إسرائيل" الأخير ضررا خطيرا بصورتها العالمية، وأصبحت منبوذة عبر وسائل لم تكن متخيلة في السابق. فبعد أكثر من عشرة أشهر، أهدرت حملة الإبادة الجماعية، التي شنتها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بالإضافة إلى العنف المتفاقم من جانب المستوطنين في الضفة الغربية، تلك الموجة من الدعم العالمي".

وأضافت "فورين بوليسي" أنّ "الدعم في الولايات المتحدة لأفعال إسرائيل يتراجع بصورة حادة، ويعارض الأمريكيون الأصغر سنا(بمن في ذلك كثير من اليهود الأمريكيين الأصغر سنا) رد إدارة بايدن المتهاون على أفعال إسرائيل".

وصرح نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إران عتصيون، في منشورٍ له في "أكس"، إن "إسرائيل" تواجه وضعا استراتيجيا "خطيرا متعدد الأبعاد، فهناك فجوة بين الواقع وتصور الواقع، وبين الجمهور الإسرائيلي ومعظم أعضاء الحكومة والائتلاف، إنها فجوة ضخمة وخطيرة للغاية".

ولفت عتصيون إلى أن نتنياهو "يسعى لإشعال حربٍ إقليمية شاملة، ويجبر إيران على الانجرار إليها"، مشددا على أن الإدارة الأمريكية "وصلت إلى نقطة ضعف تاريخي نتيجة تراكم عمليات وظروف مؤسفة".

وذكرت المجلة إن إلقاء اللوم على نتنياهو يتجاهل مشكلة أعمق، فالتأكل التدريجي في التفكير الاستراتيجي لـ"إسرائيل""جرى على مدى الأعوام الخمسين الماضية"، مضيفة أنّ "إنجازات إسرائيل وبراعتها التكتيكية، خلال العقدين الأولين من عمرها، تميل إلى حجب مدى المساعدة التي قدمتها الخيارات الاستراتيجية الرئيسة التي اتخذتها منذ عام 1967 في تقويض أمنها".

نقطة التحول كانت انتصار "إسرائيل" في حرب 1967. لم تكن النتيجة معجزة كما بدت في ذلك الوقت (من بين أمور أخرى، توقعت الاستخبارات الأمريكية أن تفوز "إسرائيل" بسهولة)، لكن سرعة هذا الانتصار ونطاقه فاجآ كثيرين، وساعدا على تعزيز الشعور بالغطرسة الذي قوض الحكم الاستراتيجي لـ"إسرائيل" منذ ذلك الحين.

وكان الخطأ الرئيس، كما زعم علماء "إسرائيل" المتبصرون مرارا، هو القرار بالاحتفاظ بالضفة الغربية وغزة واحتلالهما واستعمارهما بالتدريج، كجزء من جهد طويل الأمد لإنشاء "إسرائيل الكبرى".

 

الغزو المشؤوم للبنان 

 

و"كانت العلامة الواضحة التالية على تأكل الحكم الاستراتيجي الإسرائيلي هي الغزو المشؤوم للبنان في عام 1982. كان الغزو نجاحا عسكريا قصير الأمد، لكنه أدى إلى احتلال "الجيش" الإسرائيلي لجنوبي لبنان، الأمر الذي أدّى بدوره بصورة مباشرة إلى إنشاء حزب الله، الذي أجبرت مقاومته متزايدة القوة "إسرائيل" في النهاية على الانسحاب من لبنان في عام 2000. ولم يوقف إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان المقاومة الفلسطينية: بل إنه مهد الطريق للانتفاضة الأولى في عام 1987، وهي إشارة واضحة أخرى إلى أن الفلسطينيين لن يتركوا وطنهم، ولن يخضعوا للقهر الإسرائيلي الدائم".

وعلى الرغم من أن الإسرائيليين بعيدو النظر، وأنهم أدركوا أنالقضية الفلسطينية لن تختفي، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ظلّت تتصرف عبر وسائل جعلت المشكلة أسوأ. وهناك مثال أخير واضح على قصر النظر الاستراتيجي الإسرائيلي يتمثل بمعارضتها الشديدة للجهود الدولية للتفاوض على حدود البرنامج النووي الإيراني. 

ولأسباب استراتيجية وجيهة، تريد "إسرائيل" أن تظل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية، ولا تريد أن ترى إيران، خصمها الإقليمي الأبرز، تحصل على القنبلة.

 

تراجع البراعة الإستراتيجية

 

ولفتت المجلة إلى أن أحد العوامل المهمة هو الشعور بالغطرسة والإفلات من العقاب، والذي يأتي من حماية الولايات المتحدة واحترامها لرغبات "إسرائيل".

فإذا كانت أقوى دولة في العالم تدعمك بغض النظر عما تفعله، فإن الحاجة إلى التفكير بعناية في أفعالك سوف تتضاءل حتماً. بالإضافة إلى ذلك، فإن ميل إسرائيل إلى رؤية نفسها ضحيةً فقط، وإلقاء اللوم على كل معارضة لسياساتها على معاداة السامية، لا يساعد، لأنه يجعل من الصعب على القادة الإسرائيليين وجمهورهم إدراك كيف قد تؤدي أفعالهم إلى إثارة العداء الذي يواجهونه. 

كما أن تصرفات إسرائيل تهدد آفاقها في الأمد البعيد. لذا، فإن أي شخصٍ يريد لها مستقبلا مشرقا لا بد من أن يشعر بالقلق بصورة خاصة إزاء تراجع حكمها الاستراتيجي.

لقد ألحق سلوكها الانتقامي قصير النظر ضررا هائلابالفلسطينيين الأبرياء لعقود من الزمان لا يزال يفعل ذلك حتى اليوم. ومع ذلك، فإن فرصها في إنهاء المقاومة الفلسطينية ضئيلة جدا.

 

كارثة 

 

صرح مسؤول شعبة شكاوى الجنود الأسبق في الجيش الإسرائيلي إسحاق بريك يوم 12 أغسطس بأن القوات تواجه حالة كارثية، وكل التصريحات الايجابية بشأن الحرب هي محض كذب.

وقال بريك: "الجيش في كارثة. هذه أكثر حرب يقتل فيها جنود بنيران صديقة، جنودنا يقتلون بعضهم البعض، لا يوجد انضباط، لا توجد أوامر، كل جندي يطلق النار كما يشاء، وكل ما يتعلق بهذه الحرب هو كذب محض".

وسبق أن وجه الجنرال المتقاعد انتقادات لاذعة ضد رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي متهما إياه بالتسبب بانهيار الجيش نتيجة إهماله وأخطائه، قائلا إنه "مثال للإنسان الذي فقد احترامه لذاته ليبقى في منصبه".

وجاء في مقال نشره على صحيفة "معاريف" إن "هاليفي لم يقم بتجهيز قواعد ومدارج سلاح الجو ضد الصواريخ الدقيقة والمسيرات التي قد تطلق على القواعد الإسرائيلية، والتي يمكن أن تضعف قدرة الطائرات على الإقلاع لمهامها أو الهبوط منها".

وألقى الجنرال المتقاعد اللوم على رئيس الأركان لأنه لم يخطط لتعويض النقص الحاصل في القوات البرية بعد تخفيض 6 فرق منها السنوات الـ20 الماضية، وقال إن ذلك "يجعل من المستحيل الانتصار في قطاع غزة، فضلا عن الانتصار بحرب إقليمية يتعين فيها القتال في ساحات متعددة بذات الوقت".

كما انتقد بريك استعدادات الجيش بقيادة هاليفي قبل 7 أكتوبر 2023، مما أدى إلى ما اعتبره "أسوأ فشل في تاريخ إسرائيل" مشيرا إلى أنه لو قرر حزب الله شن هجوم متزامن مع حركة حماس فسيكون "الوضع أسوأ بمئات المرات".

واتهم الجنرال المتقاعد رئيس الأركان بأنه ساهم بزيادة عدم الانضباط والتحقق من الأوامر لدى الجنود، مشيرا إلى أن قيادته أدت إلى عدم المصداقية بالتحقيقات وانتشار ثقافة الأكاذيب، وفق تعبيره.

وأشار بريك إلى أن استمرار القتال في القطاع الذي يستدعي أيضا استمرار القتال في الشمال، لا يجلب أي حل، لكنه يعمل على تآكل الجيش والاقتصاد وعلاقات إسرائيل الدولية والمناعة الوطنية".

وأضاف: "عاجلا أم آجلا هذا الأمر سيؤدي إلى حرب إقليمية ستدمر الدولة. كل ذلك يحدث بسبب الفرسان الثلاثة الذين يبحثون عن المغامرة، نتنياهو ويوآف غالانت وهرتسي هاليفي، وأتباعهم في المستوى السياسي والمستوى الأمني، الذين يعتبرون الحرب ضمانة لاستمرار ولاياتهم، ولاعتباراتهم غير السليمة. هم أيضا يتخلون عن المختطفين ويتركونهم للموت ويرسلون المقاتلين ليموتوا عبثا. هذا ليس أقل من جريمة".

وشدد الجنرال المتقاعد على أنه "يجب إنهاء القتال في القطاع على الفور. هذا الأمر سيجعل حزب الله يوقف إطلاق النار، وسيمكن من إعادة المفقودين باتفاق تبادل، وأن يتم ترميم الجيش وإعداده لحرب إقليمية. عندما يكون الجيش مستعدا فإنه يستطيع الوقوف أمام أي تحد".

 

الحرب الإقليمية 

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 10 أغسطس 2024 على صفحات موقع الحرة التابع لإدارة واشنطن: ذكرت صحيفة "هآرتس" أن الشعب الإسرائيلي يأخذ على محمل الجد تهديدات إيران وحزب الله بإطلاق هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، ردا على الاغتيالين الأخيرين في بيروت وطهران.

ودللت الصحيفة على ذلك بأن الطرق المؤدية إلى تل أبيب كانت خاوية على نحو متزايد خلال الأسبوع الجاري، مشيرة إلى أن عدد الإسرائيليين الذين يسافرون إلى الخارج في أغسطس هذا العام أصبح أقل في ظل الحرب. 

وأوضحت الصحيفة أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وحتى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أطلقا تهديدات مفصلة للغاية. ومن المتوقع أن يرد المحور الإيراني على مقتل فؤاد شكر من حزب الله في بيروت وإسماعيل هنية من حماس في طهران.

ووفقا للصحيفة، سوف يستهدف الرد أيضا أهدافا عميقة داخل إسرائيل، في وسط وشمال البلاد. ومن الممكن أن تؤدي التحذيرات المضادة الإسرائيلية، إلى جانب الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتهدئة الوضع، إلى دفع إيران وحزب الله والحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق إلى محاولة تخفيف الضربة إلى حد ما على الأهداف المدنية.

ومن المرجح، بحسب الصحيفة، أن يستهدف الجزء الأكبر من الهجوم أهدافا عسكرية وأمنية، لكن تلك التي تقع بالقرب من المراكز السكانية، بطريقة ترسل في الوقت نفسه رسالة تهديد وتزيد من خطر تعرض المدنيين للأذى.

لكن الصحيفة أشارت إلى أن أي عمل عدواني مفرط، وخاصة العمل الذي يتسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل قاس من جانب إسرائيل ويدفع الشرق الأوسط إلى موقف قريب للغاية من الحرب الشاملة.

والتقييم الحالي، بحسب الصحيفة، هو أن هذا ليس هدف الإيرانيين أو حزب الله، كما يقولون صراحة في خطاباتهم العامة. ويشير خامنئي ونصر الله وغيرهما بوضوح إلى أنهم لا يخشون المواجهة العامة، لكنهم في الوقت نفسه يوضحون أنهم لا يريدون مثل هذه المواجهة.

والمنطق الإيراني واضح للغاية، بحسب الصحيفة، موضحة أنه حتى لو كان النظام في طهران يعتقد أنه قادر على التسبب في انهيار إسرائيل، فإن هذه عملية تدريجية، محسوبة لتستمر لسنوات، كنوع من حرب الاستنزاف. ولا يزال من المهم بالنسبة للإيرانيين الحفاظ على قناة الحوار مع واشنطن، من أجل حماية مشروعهم النووي وإتاحة نقطة انطلاق لتحقيق القدرة العسكرية النووية الكاملة.

وعلى الجانب الآخر، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، يتمنى منذ سنوات تصعيدا من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة إلى التعامل مع ما يعتبره مشكلة إسرائيل الأولى وهي المشروع النووي الإيراني.

وذكرت الصحيفة أن زعيم حماس، يحيى السنوار، يود أن يرى اندلاع حرب بين المحور الإيراني وإسرائيل.

ويعتمد نجاح المحور الإيراني أيضا على جودة الجهود الدفاعية الإسرائيلية. ووفقا لبيانات قوات الدفاع الإسرائيلية، تم إطلاق نحو 21500 صاروخ وقذيفة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ بدء الحرب، نحو ثلثها من لبنان وسوريا، وثلثيها من قطاع غزة، وأطلق عدد قليل من الصواريخ من العراق، وفقا للصحيفة.

التحدي هذه المرة أكثر دقة، كما تراه الصحيفة، مشيرة إلى أن ترسانة حزب الله أثقل وأكثر دقة وأكثر فتكا من ترسانة حماس. وهي أيضا أقرب إلى العمق الإسرائيلي من الصواريخ الإيرانية، ما يترك فترة تحذير قصيرة.

وأشارت "هآرتس" إلى أن إسرائيل لا تقدم الآن تفاصيل عن التعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.

وذكرت الصحيفة أن القوى التي تنوي تقويض الديمقراطية الإسرائيلية تواجه عقبات ومعارضة شديدة، إذ فشلت هذا الأسبوع في محاولتها للإطاحة برئيس قناة 13 الإخبارية، لكن الاتجاه والطموحات واضحة بشكل صارخ.

وأوضحت أنه في كل الأحوال توجد العديد من المؤشرات التي تدل بوضوح على أن نتنياهو ورفاقه يواصلون المضي قدماً بقوة في تحقيق أهدافهم، أبرزها السيطرة على شرطة إسرائيل، والمعركة ضد القضاء.

وترى الصحيفة أن الرؤية الكابوسية التي تجمع بين حرب استنزاف أبدية ونظام استبدادي يقيد نشاط المعارضة ويقلل تدريجيا من الحقوق المدنية لا تزال تلوح في الأفق. وربما يكون من الأسهل تعزيزها عندما يكون الجمهور قلقا للغاية بشأن الوضع الأمني للبلاد.

 

مفاجآت حماس

 

ووفقا للصحيفة، فاجأت حماس الكثيرين في المنطقة عندما أعلنت هذا الأسبوع أن يحيى السنوار سيحل محل هنية. ويبدو أن أهمية تعيين السنوار رمزية إلى حد كبير، وتعني رغبة الحركة في تركيز نشاطها على المقاومة العسكرية لإسرائيل، وليس على الحلول السياسية.

أمر آخر يثبته هذا القرار، كما ترى الصحيفة، وهو أنه لسنوات، خدع معظم أفراد الاستخبارات الإسرائيلية باعتدال حماس الظاهري.

وكان مجتمع الاستخبارات، بحسب الصحيفة، يميل إلى وصف حماس بأنها منظمة تتقلب بين هويتين، الجانب الجهادي، الذي كان يقاتل إسرائيل، والجانب السياسي الإداري، الذي كان ملتزما بتوفير سبل العيش والاحتياجات اليومية لـ 2.2 مليون من سكان غزة.

وحتى في الأيام التي سبقت السابع من أكتوبر، خدع نتنياهو وحكومته أنفسهما بالاعتقاد بأن المزيد من التسوية مع حماس، والمزيد من الأموال القطرية التي تدخل القطاع، من شأنها أن تضمن الهدوء على طول السياج الحدودي.

 

دروس حرب 

 

جاء في تقرير نشر في موقع اندبندنت البريطاني يوم 17 يوليو 2024: كثيراً ما ساد الهدوء منطقة الجولان في الأعوام الأخيرة، وكثيرا ما شجعت إسرائيل المستوطنين على الانتقال إليها مقدمة لهم كثيرا من المغريات والحوافز، إلا أن الحرب التي اندلعت بعد هجوم "طوفان الأقصى" غيرت الوقائع على الأرض.

الدخول إلى الجولان في هذه الأيام وبعد نحو 10 أشهر من حرب "طوفان الأقصى" ليس فقط مرعبا من حيث خطر الصواريخ والمسيرات التي يطلقها "حزب الله"، من دون إمكان الكشف عنها أو اعتراضها قبل وصول الهدف، بل إن تلك المساحات الخضراء الشاسعة التي اعتاد الزائر أن يشاهد من خلالها لوحة مزركشة بزهور طبيعية، تجذب الإسرائيليين والسياح للتمتع بجمالها، تحولت إلى منطقة سوداء شاحبة، وتحولت سماؤها إلى بحر أسود من لهيب دخان النيران.

هذه المساحات الشاسعة كثيرا ما سببت الألم الكبير لسوريي الجولان كلما مروا من أمامها وشاهدوها، الذين انحصروا بعد عام 1967 داخل مساحة صغيرة على قمة الهضبة لا تتجاوز 35 ألف دونم من أصل مليون و100 ألف دونم، تشكل إجمالي مساحة الجولان السوري الذي تسيطر عليه إسرائيل. قياس الدونم هو 1000 متر مربع.

واليوم باتت تلك المنطقة في مرمى صواريخ ومسيرات حرب "طوفان الأقصى"، كما أن بعض المواقع في الجولان التي لم تدخل من قبل ضمن أخطار الحرب، حتى خلال حرب لبنان الثانية في عام 2006، وبقيت بعيدة لأكثر من ثمانية أشهر من خطر الحرب الحالية، أصبحت أكثر المناطق معرضة للخطر، وفق تقديرات الأجهزة الأمنية.

 

عمر نجيب

[email protected]