هل اشعلت حربا غزة وأوكرانيا فتيل الطاقة المتفجرة نحو عصر عالمي جديد... حقيقة تماسك حلف الناتو في مواجهة القوى الصاعدة في افريقيا وآسيا

أربعاء, 2024-07-17 07:02

شهدت الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الثاني من شهر يوليو 2024 أحداثا خطيرة لا يمكن حاليا القول أن هناك رابطا بينها سوى أنها تدل على أن العالم يمر بفترة إضطراب واسعة النطاق وتحولات كبيرة ومصيرية في ظل تصارع على نظام عالمي يستبدل القائم منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين مع انهيار الاتحاد السوفيتي وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة القوة الأولى المهيمنة والمتحكمة لحد كبير في أغلب أرجاء المعمور.

حرب غزة دخلت شهرها العاشر مع تقلص فرص وقف إطلاق النار رغم كل اللغط المعاكس لذلك والذي يتحدث دون ملل عن تقدم نحو التسوية ثم بعض التعثرات ويكرر نفس الأمر والقول بجدول زمني شبه ثابت، وتنازع في الأوساط السياسية والعسكرية في تل أبيب التقديرات حول حجم المكاسب والخسائر في الحرب ضد حماس وما سيأتي في المستقبل، في نفس الوقت تعاد في تل أبيب وواشنطن وعواصم غربية أخرى سردية خوض حرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان وذلك بين من يحذر من أخطارها سواء على إسرائيل أو كل المنطقة واحتمال مشاركة إيران فيها وبالتالي تدخل واشنطن عسكريا لمساندة تل أبيب وما سيولده ذلك من تدخل روسي وصيني أي السير على درب حرب عالمية ثالثة.

إلى الجنوب وبعيدا بأكثر من 2211 كلم من غزة يواصل اليمنيون بنجاح شل كل حركة الملاحة نحو ميناء أيلات، وتفشل القوى البحرية الأمريكية البريطانية الأوروبية في وقف العمليات اليمنية رغم شنها هجمات جوية وصاروخية على أهداف يمنية.

في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب في غزة وعلى حدود لبنان الجنوبية، يزداد حديث عدد من مصادر الرصد والإعلام خاصة في الغرب عن دعم روسي صيني بالأسلحة والمال لحماس وباقي القوى المناصرة لها في منطقة الشرق الوسط الكبير وذلك في تحقيق عملي لإنذار الرئيس الروسي بوتين الذي قال فيه أن موسكو سترد على دعم الناتو لأوكرانيا بتسليح خصوم الغرب.

ففي بداية شهر يونيو 2024 قال الرئيس الروسي "إذا كان أحد يعتقد أنه يمكن تقديم أسلحة مماثلة في منطقة المعارك لضرب أراضينا، لماذا لا يكون لنا الحق في إرسال أسلحتنا من الطراز نفسه إلى مناطق في العالم توجه فيها ضربات إلى منشآت حساسة تابعة للدول التي تتحرك ضد روسيا؟". وأضاف بوتين إن "السلام بالشرق الأوسط يجب أن تقوم به دول المنطقة... وينبغي ألا تحاول أي قوة احتكار البحث عن السلام في المنطقة"، مشددا على أنه "لن يكون هناك سلام دون إقامة دولة فلسطينية".

إضافة إلى ذلك تحدثت وسائل إعلام أمريكية أن البيت الأبيض قلق جدا من أخبار لم يتم توثيقها علنا عن أن باكستان وعدت أو نقلت فعلا أسلحة نووية إلى تركيا وربما حليف آخر في المنطقة في عملية احترازية وتحذيرية في نفس الوقت لتل أبيب من فكرة استخدام سلاح نووي إسرائيلي ضد حزب الله في لبنان أو ضد إيران لاستهداف منشآتها النووية المشيدة على أعماق كبيرة تحت الأرض.

استضافت الولايات المتحدة قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) للعام 2024 في واشنطن العاصمة خلال الفترة من 9 حتى 11 يوليو 2024، واحتفلت هذه القمة بالذكرى الخامسة والسبعين للتحالف بحضور الحلفاء الاثنين والثلاثين وكان الهدف هو إظهار القوة والوحدة المتواصلة للحلف عبر الأطلسي، ولكن ذلك لم يتم تحقيقه خاصة نتيجة مواقف المجر بعد زيارة رئيس الوزراء المجري لروسيا والصين. فخلال القمة قال وزير الخارجية بيتر سيارتو إن عضوية أوكرانيا في الحلف ستضعف الوحدة داخل الناتو، وأن بلاده لا تدعم فكرة أن يصبح حلف شمال الأطلسي كتلة مناهضة للصين. تركيا التي تملك أكبر جيش من حيث التعداد في التحالف بعد الولايات المتحدة تحفظت على محاولات جر الحلف إلى معركة مع موسكو خاصة في وقت يحقق فيه الجيش الروسي انتصارات متعاقبة. 

خيم على وحدة وترابط دول حلف الناتو في اجتماعها في العاصمة الأمريكية شبح التحولات السياسية في القارة الأوروبية وأمريكا حيث أجمع المراقبون الذي حاورتهم فرانس24 على أن صعود اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي والعودة المحتملة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للسلطة، سيشكلان منعطفا للحرب في أوكرانيا والصراعات في الشرق الأوسط، وذلك رغم وجود "خطط استباقية" تم وضعها خصيصا تحسبا لمثل هذا السيناريوهات.

في وقت سابق من عام 2024، حذر وزير الدفاع البريطاني السابق غرانت شابس من أن العالم قد يغرق في حروب تشمل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران في السنوات الخمس المقبلة، وقال إننا ننتقل "من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب".

وهناك قلق متزايد من تطور الحرب في غزة وأوكرانيا، وتفاقم التوتر بين إيران وإسرائيل، على وجه الخصوص، وتورط مختلف دول العالم بهذه الأزمات، بصورة ينتج منها بالنهاية نشوب حرب عالمية، بحسب شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.

وتحدثت الشبكة مع مجموعة من الخبراء حول ما إذا كنا على شفا حرب عالمية ثالثة، وما إذا كنا نعيش بالفعل في "عالم ما قبل الحرب".

ديبورا هاينز، محررة الأمن والدفاع في "سكاي نيوز"، قالت إنه "نظراً إلى حجم الاضطرابات التي تهز أجزاء من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، فإن احتمالات اندلاع شرارة تشعل حربا عالمية ثالثة قائمة بالفعل".

وأضافت: "وهذا لا يعني أن التصعيد إلى المواجهة العالمية أمر لا مفر منه، ولكن يمكن القول إنه أكثر احتمالا الآن من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الأخيرة".

ولفتت إلى أن "ما يحدث بين إيران وإسرائيل قد يخلف تأثيرا عالميا كبيرا، خاصة وأن طهران مدعومة من روسيا وتتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين، في حين أن إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية".

يوم السبت 13 يوليو 2024 تعرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهوري لإنتخابات الرئاسة في نوفمبر 2024 لمحاولة اغتيال خلال تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا.

مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي ذكر أن توماس ماثيو كروكس هو المشتبه به في محاولة الاغتيال ويبلغ هذا الشاب 20 عاما وهو جمهوري وقد أرداه أفراد الخدمة السرية قتيلا بعد ثوان من إطلاقه النار، لم يكن يحوز على أية أوراق هوية.

محللون ذكروا أنه لو كانت محاولة اغتيال ترامب قد نجحت لكانت الولايات المتحدة مهددة بحرب أهلية وأزمة سياسية قد تمزقها، في حين رجح آخرون أن محاولة الاغتيال زادت من فرص انتصار ترامب على بايدن وفي نفس الوقت عرقلت جهود الديمقراطيين لإستبدال بايدن بسبب تقدمه في السن وضعف صحته وقدرته الادراكية بمرشح آخر.

خسارة حرب 

في مقال نشرته صحيفة هآرتس العبرية في النصف الثاني من شهر يونيو 2024، تناول المحلل الإستخباري والإستراتيجي يوسي ميلمان، الوضع العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وفي جبهة لبنان.

وذهب المحلل ميلمان إلى أن حزب الله يعمل بقدر أكبر من التطور مقارنة بإسرائيل، كما أن خطر اندلاع حرب ثالثة في لبنان يتزايد.

واعتبر أن نهاية الحرب في غزة ستؤدي إلى صفقة تبادل أسرى وستجلب السلام أيضا، ولو مؤقتا، على جبهة حزب الله.

وشدد على أهمية التسوية مع حركة حماس، حتى لو تم تفسير ذلك على أنه ضعف إسرائيلي، "ومن المؤكد أنه سيثير غضب اليمين الإسرائيلي المتطرف".

وخلص إلى أن إسرائيل وجيشها يخسران الحرب على جبهتين رئيسيتين في الشمال وفي غزة، "وعلى جبهة ثالثة وثانوية تتشابك: في الضفة الغربية".

وقال إن إسرائيل ترفض الاعتراف بهذا الواقع "ويوهمون أنفسهم بأنهم سينجحون في إحداث انقلاب يقودهم إلى النصر".

وأضاف أن "خداع الذات هذا ليس ملكا لرئيس الوزراء نتنياهو وحده، الذي يؤمن في ديماغوجيته النموذجية بالنصر الكامل. إنه انتصارهم الحقيقي".

نجاة حماس

سلّطت مجلة دير شبيغل الألمانية في تحليل نشرته يوم 12 يوليو 2024 الضوء على قدرة حماس على البقاء والمناورة بالرغم من مضي أكثر من 9 أشهر في قتالها ضد إسرائيل.

وبحسب المجلة الألمانية، فإن وقف إطلاق النار يبدو ممكنا هذه المرة وأقرب من أي وقت مضى، بيد أن الأفق السياسي هناك لا يطرح بقوة بديلا لحركة حماس وهو ما يساعدها كثيرا بالإضافة إلى أمور أخرى تحظى بها في معركتها الدائرة منذ وقت طويل.

في حوار مع مجلة شبيغل، يقول الخبير مايكل ميلشتين من جامعة تل أبيب، الذي كان يرأس ذات يوم قسم المخابرات العسكرية الإسرائيلية: "علينا أن نعترف بأنه لم يتم إحراز أي تقدم.. بعد تسعة أشهر من بدء هذه الحرب الرهيبة وغير المسبوقة، تمكنت حماس من البقاء، وذلك على الرغم من أن هذه الحرب قد استمرت بالفعل لفترة أطول من أي حرب سابقة خاضتها إسرائيل خلال الأربعين سنة الماضية".

حتى قائد الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي يبدو من بين أولئك الذين لم يعودوا يؤمنون بإمكانية تحقيق هدف إسرائيل الأكثر أهمية في الحرب: تدمير حماس. وفي منتصف شهر مايو، قال لمحطة تلفزيون إسرائيلية: "طالما لا توجد عملية دبلوماسية لتشكيل حكومة في قطاع غزة لا تعتمد على حماس، فسوف يتعين علينا الاستمرار في شن حملات في أماكن أخرى لتدمير الحركة".

وبحسب المتحدث باسم جيش إسرائيل، فإن أولئك الذين يعتقدون "أننا نستطيع أن نجعل حماس تختفي مخطئون. حماس فكرة.. حماس حزب سياسي.. إنها متجذرة في قلوب الناس".

بحسب المجلة، فإن الضغط الداخلي في إسرائيل والذي يتمثل في أهالي المعتقلين، ساعد حماس على المناورة، وهو ما شجع على تقديم أكثر من صيغة لوقف النار من أجل أن تكون متوافقة لإسرائيل وحماس.

وتقول شبيغل إن تسعة أشهر هي فترة طويلة لحوالي 120محتجزا من إسرائيل الذين ربما ما زالوا على قيد الحياة في قطاع غزة. وكذلك بالنسبة للفلسطينيين، الذين فقد الكثير منهم أفرادا من عائلاتهم ومنازلهم.

ويلعب أقارب المحتجزين ومؤيدوهم دورا في إجراء المفاوضات الجديدة، وإن كان على نطاق أصغر. وقد ظل الآلاف، وأحياناعشرات الآلاف، يتظاهرون منذ أشهر للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين المتبقين وإسقاط حكومة تل أبيب.

يقدر ميلشتين أن حماس تكبدت خسائر كبيرة، وأن 80 بالمئة من ترسانتها الصاروخية تم تدميرها أو استنفادها. ويقول: "لم يبق لديهم سوى عدد قليل من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى تل أبيب". كما قُتل بعض القادة، بما في ذلك الرقم ثلاثة في الجناح العسكري لحماس، وثلث وربما حتى نصف المقاتلين، كما يزعم الخبير الإسرائيلي.

لكنه يقول: "إن حماس تتمتع بالمرونة وتستطيع إعادة بناء هياكلها بسرعة.. هناك أعداد كبيرة من الشباب الفلسطينيين اليائسين، عليك فقط أن تمنحهم 100 دولار وسوف ينضمون إليك. كما أن الأنفاق لا تزال سليمة في كثير من الأحيان. وقد تم تدمير أقل من نصف شبكة الأنفاق، التي يقدر طولها بما يصل إلى 700 كيلومتر”.

خبراء سابقون في المخابرات المركزية الأمريكية وفي البنتاغون يكذبون الروايات الإسرائيلية ويؤكدن أن خسائر الجيش الإسرائيلي في غزة تعدت 5212 قتيلا وأكثر من 22 ألف جريح مشيرين إلى أن الرقابة العسكرية في تل أبيب تتحكم بشكل كامل في تقديم الصورة التي لا تثير المخاوف إلا أن عمليات الدفن الكبيرة وبلاغات التعزية في الصحف وغيرها تكشف جزء من الحقيقة.

شروط

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز ووسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الثلث الأول من شهر يوليو 2024: يبدو أن حماس لم تعد تصر على وقف كامل لإطلاق النار منذ البداية، وتدفع الولايات المتحدة بقوة من أجل إنهاء الحرب وتمارس ضغوطا على كلا الجانبين. كما يؤيد جنرالات مؤثرون أيضا سحب جزء كبير من الجيش، كما وقع في الأيام الأخيرة.

وطالما لا توجد خطة بشأن من سيحكم غزة بدلا من حماس في المستقبل، يخشى الجيش من حرب قاسية لا نهاية لها تكلف أرواح الجنود وذخائرهم، بينما هناك تهديد بالتصعيد مع حزب الله اللبناني. ومن المحتمل أن يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى تهدئة الجبهة الشمالية، أو على الأقل، منح الجيش الوقت للاستعداد للحرب في الشمال.

وقد أعلن المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري، الذي كان لا يزال يوزع مقاطع فيديو لنفسه من أنفاق حماس في بداية الحرب، أن "أولئك الذين يعتقدون أننا قادرون على جعل حماس تختفي مخطئون.. حماس هي الفكرة، إنها حفلة. إنها متجذرة في قلوب الناس، ومن يدعي خلاف ذلك فهو يذر الرمال في عيون الجمهور”. وقد بدا الأمر وكأنه انتقاد مستتر لرئيس الوزراء نتنياهو.

لن تكون موجودة

نقلت صحيفة "معاريف" العبرية يوم الجمعة 12 يوليو 2024عن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان قوله، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقود إسرائيل إلى الدمار ولا يعرف إدارة أي شيء.

وأضافت الصحيفة نقلا عن ليبرمان اعتباره أن إسرائيل تمر بأزمة سياسية واقتصادية وأمنية هي الأكبر منذ إنشائها، مشيرا إلى أن المستوى السياسي في إسرائيل "مريض" وإذا استمر الكنيست والائتلاف الحالي بقيادة نتنياهو حتى 2026 لن تكون إسرائيل موجودة، وفق تعبيره.

وفي مؤشر على الصعوبات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في غزة أفادت صحيفة معاريف العبرية الجمعة، بأن مجلس الوزراء الإسرائيلي وافق على تمديد الخدمة الإلزامية للجنود لغاية 36 شهرا، للسنوات الثماني المقبلة.

ولفتت الصحيفة إلى أن تمديد خدمة الاحتياط يأتي بهدف زيادة عدد الجنود في صفوف الجيش في ظل التحديات التي تفرضها الحرب. 

ووفق الصحيفة، فإن الجيش الإسرائيلي ينوي رفع سن الإعفاء من الاحتياط من سن الـ40 إلى سن الـ45 والضباط من 45 إلى 50 عاما، كما ستزيد مدة خدمة الاستدعاء سنويا بشكل كبير.

وقد أثار مقترح الجيش غضبا في إسرائيل، حيث قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إن قانون التجنيد الجديد خيانة للجنود، ودليل آخر على أن التحالف الحاكم بقيادة نتنياهو لم يتعلم شيئا من تجربة 7 أكتوبر.

بدوره، قال زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان إن طرح قانون التجنيد في هذا التوقيت بالذات، رسالة تقسم الشعب في إسرائيل وتضر بالجنود وبالأمن القومي للبلاد.

وكان الجيش الإسرائيلي قد خفض في العام 2015 مدة الخدمة الإلزامية لمعظم المواطنين الذكور من 36 شهرا إلى 32 شهرا، وكان يخطط لمزيد من الخفض في العام 2024، قبل أن تندلع الحرب في غزة في أكتوبر 2023.

ولفتت الصحيفة إلى أن البيانات تشير إلى أن التعبئة الحالية في صفوف الجيش الإسرائيلي، هي الأكبر في تاريخ إسرائيل إذ تم تجنيد 287 ألف جندي احتياطي للقتال، فيما يثير قانون تجنيد الحريديم موجة غضب في صفوف المتدينين اليهود.

كيف تتبدل تكتيكات حماس..

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت 13 يوليو 2024 تقريرا حول الطريقة التي تخوض فيها حماس الحرب ضد إسرائيل في غزة والتي تقوم على استخدام الأنفاق والمفخخات والكمائن.

وفي التقرير الذي أعده عدد من مراسليها قالوا إنهم قابلوا مقاتلين من حماس وجنودا إسرائيليين ومحللين قاموا بتحليل عشرات من أشرطة الفيديو التي نشرها الذراع العسكري لحماس. وقالت الصحيفة إن مقاتلي حماس يخرجون من مخابئهم بزي مدني، يرتدون في بعض الأحيان جينز وملابس رياضية قبل أن يطلقوا النار على القوات الإسرائيلية أو يربطون سيارات الجيش بقنابل متفجرة ويطلقون الصواريخ.

وفي أحيان أخرى يفخخون البيوت المهجورة أو يخدعون الجنود الإسرائيليين للدخول إليها من خلال ترك آثار عن وجود حماس فيها. وتقول الصحيفة إن الجناح العسكري لحماس خاض خلال الثمانية أشهر السابقة حربا لا مركزية وبقوة قتالية خفية، مقارنة مع القوة التي استخدمت في هجمات أكتوبر 2023 والتي بدأت بعملية منسقة لاختراق الجدار الأمني العازل وفرق كوماندوز بالزي العسكري داخل إسرائيل.

وبدلا من مواجهة القوات الإسرائيلية الغازية بمعارك تقليدية، فقد انسحب معظم مقاتلي حماس إلى قواعدهم ومراكزهم العسكرية، وصدوا القوات الإسرائيلية المتفوقة عدديا وتكنولوجيا من خلال هجمات مفاجئة ومجموعات صغيرة من المقاتلين. ومن تحت الأرض كان جيش الأشباح التابع لحماس يخرج بسرعة ويستهدف الجنود بالقذائف الصاروخية والعودة بسرعة إلى شبكة الأنفاق المحصنة. وفي أحيان أخرى يختبئون في المناطق التي هجرها السكان بعد تقدم القوات الإسرائيلية والتي تركتها لاحقا.

وتقول الصحيفة إن مواصلة القتال كان كارثيا على سكان غزة، حيث مضت إسرائيل في حملتها وقتلت حتى الآن 2 في المئة من السكان وشردت نسبة 80 في المئة منهم، وذلك حسب أرقام الأمم المتحدة ودمرت معظم بنايات غزة. وتبنت الصحيفة هنا الأرقام الإسرائيلية.

ورغم الدمار إلا أن حماس استطاعت تحقيق بعض من أهدافها، فقد شوهت الحرب صورة إسرائيل حول العالم، وقادت لاتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. كما فاقمت من الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي وزادت من الخلافات حول إن كانت هناك إمكانية لهزيمة حماس. وأعادت فكرة الدولة الفلسطينية إلى الخطاب العالمي ودفعت عددا من الدول للاعتراف بها. وأدت الحرب أيضا لنجاة عقيدة حماس. ولايزال زعيم حماس يحيى السنوار على قيد الحياة إلى جانب القيادات الرئيسية.

وتزعم إسرائيل أنها قتلت أكثر من 14,000 من مقاتلي حماس البالغ عددهم 25,000 مقاتل، وهو رقم لم يتم التثبت من صحته وهو محل خلاف، ولو كان صحيحا فإنه يعني وجود الآلاف من المقاتلين على قيد الحياة. وكشفت الصحيفة في تحليل لأشرطة فيديو بثها الجناح العسكري لحماس إلى جانب مقابلة 3 عناصر فيها وعدد من الجنود الإسرائيليين، أن حماس تعتمد في استراتيجيتها على: استخدام شبكة الأنفاق الممتدة على طول مئات الأميال والتي فاجأت القادة الإسرائيليين، والتحرك بحرية حول غزة بدون أن يراهم الجنود الإسرائيليون.

وزعمت الصحيفة أن حماس تنصب كمائن للقوات الإسرائيلية والهجوم عليها بأعداد قليلة من المقاتلين الذين تزيوا بالزي المدني. وكذا وضع علامات سرية على البيوت، مثل شريط احمر معلق من النافذة أو كتابة جدارية، لكي تعطي إشارة للمقاتلين أن هناك لغما أو كمية من السلاح أو مدخل نفق. كما نجحت حماس بإطالة أمد الحرب حتى تورط إسرائيل في حرب استنزاف طويلة.

ونقلت الصحيفة عن صلاح الدين العواودة، عضو حماس والمقاتل، الذي يعمل حاليا كمحلل سياسي في إسطنبول “الهدف هو الاختفاء وتجنب المواجهة المباشرة وشن هجمات تكتيكية ضد جيش الاحتلال والتحلي بالصبر”. وقال العواودة إن كتائب القسام عملت قبل 7 أكتوبر كـ “جيش بقواعد تدريب ومخازن” و”لكنهم يتصرفون أثناء الحرب كعصابات” من المقاتلين.

أكاذيب

ونفى أحد مسؤولي حماس البارزين في قطر، موسى أبو مرزوق، أن تكون حماس قد استخدمت المناطق المدنية لتخزين الأسلحة في البيوت، قائلا إن هذا الكلام يحرف النظر عما ترتكبه إسرائيل من جرائم. وقال أبو مرزوق “لو وجد شخص أخرج سلاحه من تحت سريره، فهل هذا مبرر لقتل 100,000 شخص؟” و”لو كان هناك شخص يخرج سلاحه من تحت السرير، فهل هذا مبرر لقتل مدرسة بأكملها أو تدمير المستشفى؟”.

ودافع أفراد من حماس عن القتال في المناطق المدنية، نظرا لعدم وجود خيار. وقال العواودة إن حروب التمرد والتحرير من فيتنام إلى أفغانستان قاتل فيها الناس من بيوتهم و”لو عشت في حي الزيتون، مثلا وجاء الجيش فسأقاتل من هناك ومن داخل بيتي والحي أو من داخل المسجد وسأقاتلهم من حيث وجدت”. وأضاف أن ارتداء مقاتلي حماس الزي المدني هو عمل شرعي لتجنب تعرف الجنود عليهم و”هذا أمر طبيعي لحركة المقاومة” ولا “شيء غير عادي بشأنه”.

وأصبحت طريقة رد حماس على الغزو الإسرائيلي نموذجا على استراتيجيتها. ففي يوم الجمعة، وعندما تقدمت الدبابات الإسرائيلية وفرق المشاة داخل غزة في 27 أكتوبر، لم تلق أي مواجهة تذكر ولعدة أميال، حسب أربعة جنود. في هذه الجمعة قام الجنود بهدم مواقع رقابة لحماس تبعد عدة أمتار عن الحدود، ولم يكن فيها أحد. وقال ليور سوهارين، جندي الاحتياط الذي ساهم في تدمير هذه النقاط "لقد تعلمنا لاحقا أنهم كانوا هناك ولكن تحت الأرض".

وبعد انسحابهم للأنفاق تخلى المقاتلون عن مساحات من الأرض، وهذا لأن الجيش الإسرائيلي تحرك في طريق لم تزرع فيه حماس ألغاما، وذلك حسب ضابط صغير في حماس ترك القطاع قبل 7 أكتوبر وظل على تواصل مع المقاتلين التابعين له. ولأن استراتيجية حماس هي مهاجمة القوات الإسرائيلية بعد تقدمها وليس التصدي لها مباشرة، حسب قول المقاتل. وكشفت أشرطة فيديو بثتها حماس على منصات التواصل الكيفية التي ظهر فيها مقاتلو حماس من الأنفاق واندفاعهم نحو الدبابات أوعربات الجنود وهم يطلقون المقذوفات الصاروخية عليها أو قنص الجنود من بنادق القنص. 

وذكر ضابط حماس إن الحركة تحضر لهذه اللحظة منذ عام 2021 عندما خفضت إنتاج الصواريخ البعيدة المدى وزادت من إنتاج المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات. ووسعت من شبكة الأنفاق وأنشأت نقاط دخول وخروج في البيت بحيث لا يتم الكشف عن المقاتلين من الجو. وزودتها بشبكة هواتف أرضية لم تكن إسرائيل قادرة على مراقبتها، حتى وأثناء قطع التغطية على شبكة الهواتف المحمولة، التي تسيطر عليها إسرائيل.

وقال الضابط إن حماس كان لديها مع بداية الحرب ترسانة كافية من الأسلحة لمواصلة الحرب عدة أشهر، وكذا طعام معلب ومياه شرب وتمور تغطي 10 أشهر على الأقل. وامتدت شبكة الأنفاق تحت الطرق الرئيسية والمنشآت المدنية، وبعد تسعة أشهر يقول الإسرائيليون إنهم لم يكتشفوا إلا جزءا صغيرا منها وأبطأ ذلك جهودهم لتدمير الحركة. وتلقت وحدات الكوماندوز التابعة لحماس تدريبات لكي تظل متأهبة ومركزة أثناء نقص الطعام والماء.

ويقول الضابط إن مقاتلي حماس طلب منهم قبل الحرب الاكتفاء بحبات قليلة من التمر يوميا والجلوس لعدة ساعات بدون حركة، حتى مع محاولة المدرب رش الماء على وجوههم لحرف انتباههم. ومع فراغ منازل بسبب الحرب، بدأ المقاتلون بتفخيخها، حيث توقعوا دخول القوات الإسرائيلية إليها. وربطت الألغام بأسلاك تعثر وجهاز استشعار وكاشف صوتي يفجر المتفجرات حالة تحفيزها. وفي أحسن الحالات يقوم مقاتلو حماس بجر الجنود إلى مناطق وإشعارهم بالأمن لساعات وأيام.

ويقول مقاتلو حماس والجنود الإسرائيليون إن حماس تتابع حركة الجنود من خلال كاميرات مخفية، ومسيرات ومعلومات يقدمها مدنيون يراقبون المكان. وتظل فرقة الكمائن لحماس مخفية لحين تقدم القوات الإسرائيلية عدة أميال أو تجمع القوات الإسرائيلية في مكان ولعدة ساعات، بشكل منحهم الأمن والاعتقاد أن حماس لم تعد موجودة. وبعد فترة هدوء تخرج فرقة الكمائن من تحت الأرض، وهي مكونة من 4 جنود في العادة. يقوم اثنان منهم بوضع المتفجرات على جانبي العربة وإطلاق النار، وثالث يحمل الكاميرا لتصوير العملية، أما الرابع فيقوم بتحضير مفخخة جاهزة للتفجير عند عودة الثلاثة وتترك عند مدخل النفق.

وحتى مع زعم إسرائيل أنها هزمت حماس إلا أنها عادت بعد أسابيع وحتى أشهر لمواصلة القتال ضد المقاتلين الناجين من مراحل الحرب الأولى. ويقول أندرياس كريغ، الخبير في استراتيجية الحرب بكينغز كوليج في لندن “إنه بالنسبة لحماس فالأمر له علاقة بتجنب الخسائر قدر الإمكان ومواصلة القتال ليوم آخر، و”هم لم يهزموا بعد”.

جبهة مشتعلة

جاء في تقرير نشر يوم 11 يةليو 2024 في العاصمة الأمريكية واشنطن: 

أكثر من تسعة أشهر مرت على إعلان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، انخراط الحزب في حرب غزة، من خلال فتح جبهة جنوب لبنان كجبهة "دعم وإسناد" لحركة حماس. 

انطلقت عمليات "الدعم والإسناد" في الثامن من أكتوبر، بإطلاق حزب الله النار على أهداف إسرائيلية، وبعد التزامه وإسرائيل بقواعد الاشتباك بداية، تصاعدت وتيرة هجماتهما تدريجيا، وذلك من حيث نوعية السلاح المستخدم والعمق الجغرافي للاستهدافات.

كما وسعت إسرائيل ميدان مواجهتها مع حزب الله متخطية تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلة الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجحت باستهداف قادة من الحزب، عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود جنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأدى فتح الجبهة الجنوبية، إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة على جانبي الحدود، وسط مخاوف لبنانية من احتمال تكبد المزيد من الخسائر الفادحة إذا ما نفذ الجانب الإسرائيلي تهديده بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان.

ومنذ الثامن من أكتوبر 2023 حتى التاسع من شهر يوليو 2024، سجلت وزارة الصحة اللبنانية 1904 إصابات، من بينها 466 قتيلا، معظمهم من مسلحي حزب الله، أما عدد النازحين فبلغ 96829 شخصا.

وفيما يتعلق بالأضرار المادية، نقلت "الدولية للمعلومات" عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الأراضي الزراعية المحروقة في لبنان، بلغت حتى الثامن من شهر يوليو، 17 مليون متر مربع، بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن عدم تمكن المزارعين من زراعة أراضيهم، لا سيما التبغ والقمح.

كما تضرر 1880 منزلاً بشكل كلي، و1500 منزل بشكل كبير، و5600 منزل بأضرار طفيفة، أما المؤسسات التجارية والصناعية، فقد تضرر منها 220 مؤسسة.

وفي كلمة ألقاها نصر الله، الأربعاء، أكد أن حزب الله ماض في معركته حتى تتوقف الحرب في غزة، مؤكدا أن التزامه بمعركة "طوفان الأقصى" كان حاسما ونهائيا منذ اليوم الأول. واعتبر أن أهداف معركته "تتحقق يوما بعد يوم"، وأن الإسرائيلي "يقر بذلك من خلال استنزافه وجيشه على كل الصعد". لكن السؤال هل نجحت جبهة جنوب لبنان في دعم وإسناد غزة؟.

التأثير 

"تقيم الحرب بنتائجها، وهي تعرف بأنها ممارسة للسياسة بوسائل أخرى"، كما يشدد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد المتقاعد، ناجي ملاعب، مشيرا إلى أن اللجوء إلى الحرب يصبح أمرا لا مفر منه عندما تغلق الأفق السياسية"، معتبرا أن "القضية الفلسطينية وشعب غزة المحاصر هما مثال حيّ على ذلك".

في غزة، يعاني الفلسطينيون من الحصار الإسرائيلي المطبق "مما دفعهم إلى هجوم السابع من أكتوبر، الذي رغم أنه أدى إلى تدمير غزة، إلا أن من نتائجه أنه نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لا سيما بين الشباب الجامعي في الدول الداعمة لإسرائيل، كما أثر على نتائج الانتخابات الفرنسية".

في الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل، لعب حزب الله، المدعوم من إيران بحسب ما يقوله ملاعب لموقع "الحرة" "دورا مؤثرا بفتحه جبهة الجنوب، حيث أجبر إسرائيل على تعزيز دفاعاتها الجوية والقبة الحديدية في شمالها واستدعاء فرقتين للقتال، أي أنه خفف الضغط عن غزة وأضاف عبئا على إسرائيل".

ومن نتائج فتح حزب الله لجبهة جنوب لبنان كما يرى ملاعب أنها "أدت إلى تغيير واضح في الاستراتيجيات الإسرائيلية، حيث أصبحت الجبهة الشمالية لها أولوية قصوى، ما قد يضطرها للجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بالحل الأمريكي الشامل في المنطقة. هذا الحل، بحسب الرؤية الأمريكية، يهدف إلى دمج إسرائيل في المنطقة كدولة تعيش بسلام مع جيرانها".

ويشير ملاعب إلى أن "زيارات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للرياض ومصر والأردن ورام الله، تأتي في إطار جهود تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتي كانت قريبة من التحقق. لكن من نتائج الحرب الحالية أيضاً أن الجلوس على طاولة المفاوضات في المستقبل أصبح مستحيلا دون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ما يعزز ضمان أمن إسرائيل وأمن الدول العربية المحيطة بها في حال الاعتراف بدولة فلسطينية، وذلك ضمن الحل الأمريكي المقبول في المنطقة عربيا".

من جانبه يعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، أن "حزب الله نجح إلى حد ما في أن يكون جبهة مساندة عسكرية"، موضحاأن "تجميد الجيش الإسرائيلي لعدد من فرق قواته على الحدود اللبنانية قلل من عدد القوات المتاحة لعملياته في غزة، مما خفف من الضغط على القطاع".

ورغم ذلك ما يزال الجيش الإسرائيلي كما يقول جابر لموقع "الحرة" "يمتلك عددا كبيرا من القوات في غزة التي تعد منطقة صغيرة نسبيا من حيث مساحتها".

أما الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، فيعتبر أن "جبهة الجنوب اللبناني كانت الأكثر تأثيرا على الإسرائيليين مقارنة بالجبهات الأخرى"، شارحا "أطلقت الجبهة العراقية بعض الصواريخ ثم توقفت، بينما الجبهة اليمنية لم تحدث تأثيراباعتراضها السفن في البحر الأحمر. في المقابل، نتيجة القرب الجغرافي لوجود حزب الله من إسرائيل، كان له تأثيرا أكبر".

 

عمر نجيب

[email protected]