معركة غزة في ميزان الصراعات والتوازنات العالمية.... نهايات عصور الهيمنة وحتمية الصدام بين قوة صاعدة وقوة قائمة

أربعاء, 2023-11-15 07:32

يمر العالم بفترة تطاحن وصراع شديدة الخطورة بين القوى الأقدر عسكريا واقتصاديا وسياسيا جوهرها رسم وصياغة شكل النظام العالمي وما يسمى قواعده، وداخل هذا الصراع تتم عملية إعادة ترتيب وتغيير الأعمدة التي يرتكز عليها النظام العالمي القائم منذ تسعينات القرن الماضي عند انهيار الاتحاد السوفيتي، على تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة. في ظل هذه الفترة الانتقالية وداخل جهود تعديل التوازنات القائمة، تسعى الدول والشعوب الأقل حظوة من حيث القوة العسكرية والاقتصادية والتي تعاني من شكل من أشكال الاستعمار الجديد، لتحرير نفسها كما استفادت أمم وأجيال من قبلها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من الصراع في ظل الثنائية القطبية.

الصراع الدائر في الشرق الأوسط ومنه الحرب الإسرائيلية الغربية على غزة الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023 يدخل في إطار مواجهة أوسع بين الشرق والغرب والجنوب والشمال بالمفهوم الجيوسياسي.

يوم الخميس 19 أكتوبر قارن الرئيس الأمريكي جو بايدن بين حركة حماس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وحذر بايدن في خطاب إلى الأمة من أن كلا من حركة حماس وروسيا تسعيان "للقضاء على ديمقراطية مجاورة"، مؤكدا أن تقديم دعم عسكري لإسرائيل وأوكرانيا يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة. وذكر مواطنيه بقوة بلادهم ومكانتها كـ"منارة للعالم" وحامية للحريات، وأكد لهم أن المساعدات التي تمول من الخزينة العامة لا تذهب هباء منثورا بل هي "استثمار ذكي" للدفاع عن أمنهم القومي "لأجيال مقبلة".

وصرح بايدن إن "حماس وبوتين يمثلان تهديدات مختلفة، لكنهما يتشاركان في هذا الأمر: كلاهما يريد القضاء بالكامل على ديمقراطية مجاورة".

مساء يوم الأحد 22 أكتوبر 2023 أكد الرئيس الأمريكي بايدن وقادة أبرز الدول الغربية، دعمهم لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. جاء ذلك في بيان مشترك صدر بعد اجتماع عبر الهاتف دعا إليه بايدن مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.

يوم 31 أكتوبر 2023 قال الرئيس فلاديمير بوتين إن مساعدة الفلسطينيين تكون بمكافحة من يقف وراء هذه المأساة، وهم من تقاتلهم روسيا في إطار العملية العسكرية الخاصة.

وتابع بوتين بأن روسيا إنما تقاتل مصدر تلك المأساة تحديدا، لا من أجل روسيا فحسب، وإنما من أجل من يسعون جاهدين لتحقيق الحرية الحقيقية.

وتابع: "إن روسيا لا تشارك فقط في تشكيل عالم جديد، وهي ليست فقط أحد قادة هذه العملية، بل وأزيدكم من الشعر بيتا: إننا نقاتل من أجل مستقبلنا في ساحة المعركة. نقاتل باستمرار ونفقد رفاقنا. إن وراء مأساة الفلسطينيين، ووراء الصراع في أوكرانيا، وفي أفغانستان وسوريا، تقف النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية. هم من يزرعون قواعد عسكرية في كل مكان، ويريدون تقسيمنا من الداخل".

وأضاف بوتين: "علينا أن نتذكر من يقف وراء مأساة الشرق الأوسط. اليوم، في رأيي، أصبح ذلك واضحا وجليا للجميع، فالعملاء أصبحوا يتصرفون بعلانية ووقاحة، والنخب الحاكمة الحالية في الولايات المتحدة وأتباعها هم المستفيدون الرئيسيون من عدم الاستقرار العالمي، يستخرجون منه ريع دمهم". إن مصير روسيا ومستقبل الشعب الفلسطيني يقرره صراعنا.

المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، صرح من جانبه أمام الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين إن "إسرائيل ليس لها الحق في الدفاع عن النفس في الصراع الحالي لأنها دولة احتلال".

في تقرير لها يوم 123 نوفمبر 2023 ذكرت وكالة فرانس برس:

الحرب بين حماس وإسرائيل توسع الهوة بين دول العالم وتزيد حدة الانقسام بين القوى العظمى. زادت الحرب الأخيرة المستمرة بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل الهوة والانقسام بين الدول الغربية ومعظم باقي دول العالم، هذا الاختلاف في وجهات النظر بدا جليا من خلال دعم الولايات والمتحدة والاتحاد الأوروبي الواضح والصريح لما قالت إنه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بينما اصطف آخرون إلى جانب حماس، فيما اكتفت بلدان أخرى بالدعوة إلى تجنب التصعيد. ما يكرس كون صوت الدول الغربية بات أقلية، بعدما برز ذلك خلال الصراع في أوكرانيا. 

 

انقلاب الموازين

 

جاء في تقرير لمركز كارنيغي "الأمريكي" للشرق الأوسط نشر يوم 10 نوفمبر 2023 تحت عنوان: كيف قلبت غزة الموازين الإقليمية رأسا على عقب.

أفضى الهجوم المفاجئ الذي نفذته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر إلى زعزعة عدة ديناميات إقليمية كانت قيد التشكّل على مدى السنوات الماضية. كان أولها وأكثرها ووضوحا التصور الخاطئ أن قضية فلسطين لم تعد محور اهتمام الشعوب العربية، وأن تحقيق الاستقرار في المنطقة ممكن فيما الفلسطينيون يرزحون تحت وطأة احتلال إسرائيلي همجي. أتت ردود الفعل الشعبية لتُثبِت أن القضية الفلسطينية وضروب الظلم والإجحاف التي يقاسيها الفلسطينيون لا تزال تكتسي رمزية سياسية قوية قادرة على إشعال موجات عارمة من الغضب في مختلف أرجاء العالم العربي، أكثر من أي قضية أخرى.

كان استياء الرأي العام العربي من المعاملة السيئة والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ملموسا حتى قبل تاريخ 7 أكتوبر، لكن جاءت الأحداث التي تشهدها غزة اليوم لتؤجج أكثر فأكثر مشاعر السخط في المنطقة. في موازاة ذلك، بتنا نلمس أيضا تصاعد المزاج المعادي للغرب جراء الدعم غير المشروط الذي تحظى به عمليات القصف الإسرائيلي على قطاع غزة داخل أروِقة القرار في الولايات المتحدة والكثير من بلدان أوروبا الغربية. إذا، عادت فلسطين إلى واجهة المشهد الدولي وإلى صلب الخطاب العام، على وقع تنامي زخم الدعوات للتوصل إلى حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، وتوجيه بوصلة النقاش مجددا نحو حل الدولتَين في ظل سياسات إسرائيلية أسست لدولة واحدة على أساس الفصل العنصري. يضاف كذلك أن الازدواجية الغربية الفاضحة في المعايير تجاه حرب غزة، أسهمت كلّها في تقويض مساعي الغرب إلى حشد مواقف داعمة لأوكرانيا ضد روسيا في أوساط أبرز دول الشطر الجنوبي من العالم، علاوة على تقويض الجهود الرامية إلى تعزيز الاحترام لقواعد ما يسمى "القانون الدولي".

أما ثانيا، فقد أسفر هجوم 7 أكتوبر أيضا عن تجميد مسار التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، أي ما يعرف على نطاق واسع بالاتفاقات الإبراهيمية التي تسعى إلى تأسيس إطار أمني واقتصادي جديد يشمل دول الخليج العربي وإسرائيل، إضافةً إلى المغرب. لكن اتفاقات التطبيع هذه قوضت مبدأ الأرض مقابل السلام الذي نص عليه القراران 242 و338 الصادران عن مجلس الأمن الدولي، ثم كرسته مبادرة السلام العربية في العام 2002. إزاء هذا الواقع، بات الفلسطينيون من دون سند إقليمي داعم لهم، ما أفسح المجال أمام إيران لملء الفراغ القائم.  

من خلال الاتفاقات الإبراهيمية، ركزت الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة الراعية والداعمة الأساسية لها، على دول الخليج في الغالب وهمشت دور دول المشرق العربي ومعها الفلسطينيين. ولم يسهم الإعلان عن مشروع الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يفترض أن يربط الهند بدول الخليج ثم بإسرائيل، إلا بتسليط الضوء أكثر على هذا الوضع. "في حين تبين أن هدف المشروع هو تقويض مشروع الصين مبادرة الحزام والطريق".

كان تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لا يزال قيد التفاوض عند وقوع الهجوم، ومن شأن نجاحه أن يشكل الركيزة الأهم لهذا النظام الإقليمي الجديد. لكن الصراع في غزة أدى إلى تعليق هذه المفاوضات إلى أجل غير مسمى. والواقع أن المزاج العام في البلدان التي سبق أن وقعت اتفاقات مع إسرائيل هو معارض إلى حد كبير لهذه الأخيرة بسبب إراقتها دماء الفلسطينيين في غزة، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ناهيك عن سلبهم أراضيهم وممتلكاتهم. ولذا، ستكون عملية إعادة إحياء المحادثات السعودية الإسرائيلية مشروطة بوقف القتال، والنتائج السياسية التي تعالج الوضع الكارثي للفلسطينيين، وتركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة. 

 

نسف النظام العالمي

 

أما الافتراض الثالث الذي أسقطه هجوم 7 أكتوبر، فهو أن الجهود التي بذلتها إيران على مدى العقود الماضية لتوطيد نفوذها الإقليمي، كانت بدأت تؤتي ثمارها. ففي وقت سابق من هذا العام، يشي التقارب بين السعودية وإيران باعتراف الرياض الضمني بشبكة القوى المسلّحة التابعة لإيران في بلدان رئيسية في الشرق الأوسط، بما فيها سوريا والعراق ولبنان واليمن. وبعد أن أدان القادة السعوديون ذات يوم "أفعى" النفوذ الإيراني، أصبحوا الآن على استعداد للتعاطي بشكل براغماتي مع طهران. في موازاة ذلك، كان الحوار الأمريكي الإيراني قد أحرز تقدما، إذ أفضى إلى صفقة للإفراج عن خمسة أمريكيين مزدوجي الجنسية كانوا محتجَزين لدى طهران، مقابل رفع التجميد عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية في كوريا الجنوبية. هذا واستعانت إيران بوكلائها لتطويق إسرائيل بنجاح من خلال إرساء خطوط ردع في لبنان وغزة وسوريا، لا بل أبعد من ذلك أيضا، في العراق واليمن. 

لكن ذلك كلّه أصبح اليوم على المحك. فالنجاح غير المتوقع الذي حققته حماس في العملية قد دَفَع المنطقة، ومعها العالم بأسره، إلى التأرجح على حافة صراع إقليمي وربما عالمي. وواقع الحال هو أن استراتيجية إيران القائمة على "وحدة الساحات وترابط الجبهات" أصبحت ترزح تحت الضغط نظرا إلى الارتفاع المتزايد في حصيلة الضحايا الفلسطينيين التي بلغت نحو 9000 قتيل وأكثر من 22 ألف جريح، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فضلًا عن تدمير 30 في المئة من الوحدات السكنية في غزة. صحيح أن إيران ليست متحمسة على دخول الصراع، ولكنها أيضا لا تستطيع، بعد توحيد حلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة والضفة الغربية في قتالهم ضدإسرائيل، أن تبقى مكتوفة اليدَين إذا تعرضت حماس للتهديد. في المقابل، تدرك إيران أن أي انخراط قد يكون كارثيا، إذ سيشكل تهديدا مباشرا لأصولها الإقليمية التي أمضت الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية في بنائها وتعزيزها.

إزاء هذه المعضلة، تبنى حزب الله التصعيد التدريجي مع إسرائيل على طول الحدود اللبنانية الجنوبية. وفيما لا يزال الوضع تحت السيطرة حتى الآن، تسهم الضربات المباشرة التي تشنها المجموعات الموالية لإيران ضد إسرائيل انطلاقًا من العراق واليمن وسوريا، في جر المنطقة نحو منزلَق خطير يمكن أن ينتهي إلى صراع أوسع بكثير. ولهذا السبب، من يحثون إسرائيل على السعي إلى تحقيق أهداف قصوى في عملياتها في غزة قد يدفعون حليفتهم والعالم إلى شفا الكارثة. إن خطر التصعيد الإقليمي الداهم لَكبير جدا، وسيجذب على الأرجح القوى الدولية للانخراط فيه. لكن، وإن كان هجوم 7 أكتوبر قد قَلَب المنطقة رأسا على عقب، فليست للكثير من الأطراف مصلحة في تركه يقلب النظام الدولي أيضا. 

 

مسار حرب

 

تتباين تقديرات العسكريين والخبراء بشأن المسار المنتظر للمواجهة العسكرية الفلسطينية الإسرائيلية على أرض قطاع غزة. جانب يتوقع انتصار تل ابيب وكل ما سينتج عنه من نتائج بالنسبة للقضية الفلسطينية وجانب آخر يقدر أن الجيش الإسرائيلي رغم تفوقه الساحق تسليحا وتعدادا قد سقط في فخ حرب استنزاف لن يستطيع مواصلتها طويلا. احد مشكلات الجيش الإسرائيلي هي محدودية المدة التي يمكن له أن يستمر فيها في حالة حرب واسعة وطويلة خاصة بعد أن جند كل الاحتياطي لديه أكثر من 360 ألف جندي مما جمد 75 في المئة من النشاط الاقتصادي.

كما أن الاستخدام الكثيف من طرف إسرائيل للذخائر "حوالي 35 ألف طن حتى يوم الأحد 12 نوفمبر" يقربها من حالة العجزالجزئي رغم الإمدادات الأمريكية والبريطانية والكندية والألمانية بشكل رئيسي لأن مخزونات هذه الدول استنزفت وبإعترافها في الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022 وسيأتي وقت يضطر فيه الجيش الإسرائيلي إلى خوض حرب من نوع آخر غير أسلوب الأحزمة النارية والأرض المحروقة.

اتهام حماس بـ"الإرهاب" ليس سوى حلقة مكررة من مواجهات "الاستعمار والتحرر"، وعلى حد قول بطل معركة "ديان بيان فو" (ضد القوات الفرنسية) الجنرال الفيتنامي "فو نغوين جياب"، فإن "الاستعمار تلميذ غبي، لا يفهم إلا بتكرار الدروس".

فالتفوق العسكري الساحق لجيوش المستعمرين لا يمكن أن يتغلب على إرادة الشعوب التي تكافح من أجل التحرر حتى لو اتهمت بـ"الإرهاب".

وتدخلت الولايات المتحدة عام 1955 في فيتنام وشكلت حكومة موالية لها في الجنوب لكي تقف بوجه ما زعمت أنه "زحف شيوعي"، في حين سعى الفيتناميون الشماليون إلى توحيد البلاد.

وخاض الشعب الفيتنامي ومن ورائه جيش التحرير الفيتنامي حرب عصابات تحررية، اتهمها الغرب بـ"الإرهاب"، لكنه استطاع في النهاية تحرير وطنه بعد التضحية بأكثر من 2.5 مليون فيتنامي وجرى الإعلان في الثاني من يوليو 1976 عن قيام جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحدة بعد 22 عاما على تقسيم البلاد. وعلى هذا النحو، أثبتت حركات التحرر الوطني في هذه التجارب أنه ليس هناك شعب خسر حربا لتحرير نفسه من الاستعمار.

 

انتصار لا وجود له 

 

يوم السبت 11 نوفمبر 2023 شكك محلل سياسي إسرائيلي في إمكانية تحقيق نصر بـقطاع غزة، وأكد أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استعدت جيدا للمعركة، مشيرا إلى أن حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن حرب طويلة الأمد هو "بديل تسويقي لانتصار لا وجود له".

وقال ناحوم برنياع -في مقال بالملحق الأسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت، متطرقا للعملية البرية الإسرائيلية في غزة "يتيح التقدم معالجة أكثر تكثيفا للأنفاق وعناصر حماس الذين يحرسونها، ولكنه يتضمن أيضا معارك صعبة مع المسلحين".

وأضاف الكاتب "لقد استعدت حماس لهذه المعركة. صحيح أنها خسرت العديد من محاربيها وقادتها، لكنها استمرت في القتال. ولا يزال العمود الفقري للقيادة العليا الذي يرأسه يحيى السنوار يعمل".

وتابع بارنياع أن الأيام القليلة المقبلة قد تكون هي المرحلة النهائية والحاسمة في كلا الجهدين، المعركة ضد حماس، والمحاولة الأمريكية القطرية للتوصل إلى صفقة لإطلاق المحتجزين. وبعد هذه الفترة، "من المشكوك فيه أن تكون إسرائيل قادرة على الصمود في وجه الضغوط من أجل وقف إطلاق النار، وخاصة إذا كانت صفقة الرهائن مطروحة على الطاولة".

وتساءل ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن من استئناف المناورة البرية بعد توقف إطلاق النار؟.

وأضاف "التجربة السابقة -سواء في غزة أو في لبنان- لا تعطي فرصة كبيرة لذلك. بعد يوم من اتفاق وقف إطلاق النار، يعود الأطفال إلى المدارس، ويعود السكان إلى أعمالهم، وتبدأ إعادة إعمار المستوطنات، ويتوقع العالم أجندة مختلفة، ويرغب جنود الاحتياط في العودة إلى ديارهم وعائلاتهم وعملهم".

وأكد بارنياع أنه "من المهم أن نحافظ على توقعات واقعية، فليس من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سوف يتمكن من الوصول إلى السنوار وزملائه في الجولة الحالية. وحتى لو تم القضاء عليهم، فإن حماس لن تختفي، ومن المهم أن نتذكر أننا لسنا وحدنا. ونحن في هذه الدراما نحتاج إلى الإدارة الأمريكية، ويجب أن نستمع إليها".

وأشار إلى أن الأصوات التي يخسرها الرئيس الأمريكي جو بايدن في بلاده تفاقم حاجته إلى وقف وشيك لإطلاق النار في غزة.

في هذا الخضم المتسارع من التطورات، يرى الصحفي المتخصص في الشؤون العسكرية يوري بودولياكا أن العالم يشهد الآن في فلسطين ما وصفه بـ "التدمير النهائي للأسس والقواعد القديمة. إن المجتمع الدولي يدخل في (عالم بلا قواعد) يجب أن يتعايش فيه الجميع بطريقة ما، بما في ذلك إسرائيل".

أما أندريه كلينتسيفيتش، رئيس مركز دراسة النزاعات العسكرية والسياسية، فيرى بشكل محدد أن الأمريكيين فيما يجري يخططون "لإعادة توزيع كبيرة لمناطق النفوذ في الشرق الأوسط، لأن اقتصادهم في حالة تدهور، والتصنيفات الجيوسياسية تتراجع باستمرار. لإخافة دول النفط في الخليج.. والشرق الأوسط، التي تتجرأ على التحول من البترودولار إلى اليوان الصيني.. ستحتاج الولايات المتحدة إلى حرب مظفرة جديدة، يمكن أن تسمح لها بجعل هذه البلدان تتراجع في التنمية وتكون مواردها في المتناول".

 

المراحل الأكثر تعقيدا

 

في واشنطن قالت وول ستريت جورنال في تقرير لها يوم 11 نوفمبر: إن إسرائيل تسارع الخطى لمحاولة اجتثاث حركة "حماس" في وقت تتصاعد فيه الدعوات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن جنود ومسؤولين حاليين وسابقين أنه كلما اقتربت القوات الإسرائيلية من وسط مدينة غزة أكثر، فستواجه مقاتلي "حماس" بأعداد أكبر، وسيهاجمونها ثم ينسحبون أو يختفون تحت الأرض، مما سيؤدي إلى إبطاء تقدمها.

وذكر نقيب إسرائيلي قاد وحدة احتياط مدرعة إلى شمال غزة الأيام الأولى للغزو "كلما توغلنا أكثر، أصبحت المعركة أصعب".

وزعمت الصحيفة في تقريرها أن إستراتيجية إسرائيل تقوم على قتل "عدد كاف" من مقاتلي حماس وقادتها للقضاء على الحركة قبل أن تضطر إلى تقليص عمليتها العسكرية، في حين أن هدف حماس هو "الجمود" الذي يمكنها من النجاة، ورغم أن الضرر طالها فإنها لا تزال قوية في غزة، حسب قول محللين للصحيفة.

وتقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في الوصول إلى غايتها المتمثلة في ما تسميه "اجتثاث حماس" بينما يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم لن يقبلوا بوقف لإطلاق النار أو حتى لو كان وقفا رسميا مؤقتا للقتال إلى أن يتم الإفراج عن أسراهم لدى الحركة.

ومع ذلك، يقر المسؤولون الإسرائيليون بأن التحرك بسرعة في هذا الخصوص أمر بالغ الأهمية.

وتنقل الصحيفة عن قائد القيادة الجنوبية السابق، ماتان فيلناي -الذي قاد من قبل القوات الإسرائيلية في غزة- قوله "القضية الرئيسية الآن هي (عامل) الزمن" مضيفا "حماس ربما تدخر قواتها لمعركة أشد ضراوة داخل مدينة غزة".

 

تنامي الضغط الدولي

 

الوقت لا يعمل لصالح إسرائيل ليس عسكريا واقتصاديا فحسببل سياسيا كذلك. وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين صرحيوم الاثنين 13 نوفمبر، أن الضغط الدولي على بلاده سيزدادبالنسبة الى العمليات العسكرية في قطاع غزة. 

وقال كوهين، بحسب تصريحات نقلها المتحدث باسمه لوكالةفرانس برس "أمامنا أسبوعان أو ثلاثة قبل أن يتنامى الضغطالدولي في شكل فعلي، لكن وزارة الخارجية تجتهد لتوسيعهامش المشروعية، والمعارك ستتواصل طالما كان ذلك ضروريا".

وذكرت "تايمز أوف إسرائيل" أن الوزير قال خلال مؤتمر صحفي،يوم الاثنين كذلك: "الضغط الدولي يزداد علينا لإنهاء الحرب فيقطاع غزة.. هو ليس كبيرا الآن لكنه في تزايد".

وأكد كوهين أن نظراءه من المسؤولين الأجانب تطرقوا خلالالمحادثات إلى القضايا الإنسانية وطلب البعض من إسرائيلالعمل على وقف إطلاق النار، لكنه أشار إلى أنهم لم يطلبوا ذلكعلنا. وأضاف أن الضغط الدولي "سيبدأ في التزايد بشكل جديخلال حوالي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع"، من دون أن يشير فيتصريحاته إلى النتائج المتوقعة لهذا الضغط.

من جهته، شدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبيجوزيب بوريل على ضرورة أن تكون هذه الهدنات "فورية" بهدفضمان إيصال المساعدة الإنسانية، وخصوصا الوقودللمستشفيات.

في واشنطن كشف موقع أكسيوس الأمريكي، يوم الاثنين،تفاصيل مذكرة داخلية وقعها موظفون في وزارة الخارجيةالأمريكية تدعو إدارة الرئيس جو بايدن إلى تغيير سياستها إزاءالحرب بين إسرائيل وحماس، وتقول إن إسرائيل ترتكب "جرائمحرب". 

وذكر موقع أكسيوس إن المذكرة المكونة من خمس صفحات، التيوقعها نحو 100 موظف في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكيةللتنمية الدولية (USAID) تدعو كبار المسؤولين إلى إعادة تقييمسياستهم تجاه إسرائيل وتطالب بوقف إطلاق النار في غزة. 

وجاء في المذكرة: "فشلنا في إعادة تقييم موقفنا تجاه إسرائيل... لقد ضاعفنا مساعدتنا العسكرية الثابتة للحكومة الإسرائيلية دونخطوط حمراء واضحة أو قابلة للتنفيذ".

ودون تقديم مثال محدد، تتهم المذكرة بايدن "بنشر معلوماتمضللة في خطابه الذي ألقاه في 10 أكتوبر"، وانتقدته كذلكلـ"تشكيكه في عدد قتلى" الحرب في غزة. وكان الرئيس الأمريكيقد قال في 27 أكتوبر إنه "لا يثق" في الأرقام التي تقدمها وزارةالصحة في غزة، لكنه قال أيضا إنه "متأكد من مقتل أبرياء" هناك.

وتقصف إسرائيل قطاع غزة من دون هوادة منذ ستة أسابيع، مماأدى إلى مقتل 11 ألفا و180 فلسطينيا، بينهم 4609 أطفالو3100 امرأة، فضلا عن إصابة 28 ألفا و200 شخص.

 

أكبر نزوح في تاريخ المستوطنين

 

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم الاثنين 13 نوفمبرتقريرا عن نزوح عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود من أماكنسكناهم في شمال وجنوب إسرائيل بسبب الحرب على غزة،مشيرة إلى أن هذه هي أكبر عملية نزوح داخلي في تاريخإسرائيل، لأكثر من 125 ألف شخص. تم إجلاء سكان بلدات فيالشمال مع الحدود مع لبنان، والجنوب، بالقرب من غزة، بعد هجوممقاتلي حركة حماس المباغت في السابع من أكتوبر.

وتصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة على الحدود بين لبنانوإسرائيل، مع زيادة وتيرة العنف والهجمات المتبادلة مما صعدعمليات الاخلاء. وأعلن مقتل ستة عسكريين على الأقل وثلاثةمدنيين، وفق الجيش الإسرائيلي ومسعفين.

وبحسب الخبراء، فإن عملية احتواء النازحين معقدة لوجستياومكلفة للحكومة الإسرائيلية، التي تدفع تكاليف إيواء الأشخاصالذين تم إجلاؤهم إلى أجل غير مسمى، "في 280 فندقا ودارضيافة منتشرة في جميع أنحاء البلاد"، بحسب "نيويورك تايمز".

الخبير الأمني الإسرائيلي، آفي ميلاميد، أكد في حديثه مع موقع"الحرة" أن تكلفة إيواء النازحين "كبيرة على الدولة"، معتبرا أن"الظروف الحالية لا تسمح بعودتهم حتى تهدأ الأمور سواء علىطول الحدود الإسرائيلية اللبنانية وكذلك في مناطق غلاف غزة"،مؤكدا أن "لا أحد يعلم متى ستنتهي الحرب".

ويقدر الخبير الاقتصادي الإسرائيلي، يحزقيل يعقوبي، فيحديثه إلى موقع "الحرة" مبالغ إيواء النازحين الإسرائيليين حتىالآن بنحو 200 مليون دولار. 

ويقول يعقوبي إن "هذا الرقم يتضمن التعويضات المبدئية،واستضافة النازحين في الفنادق وأماكن الإيواء المؤقتة وتقديمالمساعدة المادية، فضلا عن الدعم النفسي للناجين من هجومالسابع من أكتوبر في مناطق غلاف غزة".

وأضاف أنه "تم صرف تعويضات أولية بقيمة ما بين 200 إلىألف دولار لكل أسرة متضررة"، مشيرا إلى أنه ستكون هناكتعويضات أخرى بعد الاتفاق على الميزانيات.

وأشار إلى أنه تم إنشاء هيئة جديدة للتعامل مع هذه الأزمة، وتمتخصيص نصف مليون دولار لها بشكل مبدئي".

وتشير الصحيفة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يقدرون أن تستمرعملية إيواء النازحين، حتى نهاية العام الحالي في أفضلالأحوال.

على بعد عشرين ميلا شرق الناصرة، في منتجع طبريا، يقيممئات الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من بلدات وتجمعات سكنيةعلى طول الحدود اللبنانية في فندق سيزار بريمير طبريا. 

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن رئيس بلدية "كريات شمونة"،أفيخاي ستيرن، أن السكان لا يمكنهم العودة إلا إذا ضمنتإسرائيل أن حزب الله لن ينفذ هجوما شبيها بهجوم حماس. 

وصرح ستيرن، إنه يرى مقاتلي حزب الله على السياج، "وإلى أننزيل هذا التهديد، لا يمكن لأحد أن يعدني بأنني لن أستيقظ فيصباح أحد الأيام لأرى ما حدث في مناطق غلاف غزة يتكرر فيالبلدات على الحدود مع لبنان".

ويرى ميلاميد، في حديثه مع موقع "الحرة" الأمريكي أن مهمةإعادة السكان إلى بيوتهم في مناطق غلاف غزة "ستكون أصعببكثير، نظرا لأنها تعرضت لتدمير وتخريب وتحتاج إلى الترميمبشكل كامل قبل أن يستطيع مواطنونا العودة إليها".

وأشار إلى أن بعض السكان قد يخشون العودة إلى مناطقهم"هناك أصوات تطالب الحكومة بتوفير الأمن والأمان، والحفاظعلى ممتلكاتهم كما ينبغي".

وصرح يعقوبي لموقع "الحرة"، إن "إعادة النازحين إلى بيوتهم أوإلى بيوت أخرى قد يكلف إسرائيل عشرات المليارات منالدولارات، لأن هذا يستلزم إعادة ترميم المناطق المتضررة وبناءمساكن جديدة"، مشيرا إلى أن "هذا سيستمر لنحو عامين أوثلاثة، لكن سيتم إعادة السكان إلى مباني مؤقتة في الكيبوتساتأو المدن".

 

قرارات صعبة 

 

ومع مضي الوقت، تقول وول ستريت جورنال أن قادة الجيش الإسرائيلي سيواجهون سلسلة من القرارات الصعبة وبينها مهاجمة المخابئ وشبكة الأنفاق التي ربما يوجد بداخلها بعض الأسرى على الأقل، وما إذا كانت ستنقل غزوها إلى جنوب غزة حيث لجأ مئات الآلاف من السكان فرارا من القتال.

ويقول إد أرنولد -وهو باحث بريطاني بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره لندن- إنه عندما تصل القوات الإسرائيلية إلى وسط مدينة غزة وتوقف تقدمها، فإنها "قد تصبح أكثر عرضة للكمائن والتفجيرات الانتحارية".

ونسبت الصحيفة إلى شخص على دراية بعالم الاستخبارات قوله إن مجتمع الاستخبارات الأمريكية يساوره الشكوك بشأن قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها العسكري المعلن في القضاء على الحركة التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وأضاف الشخص -الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته- أن الحملة العسكرية الإسرائيلية قد تلحق الضرر بحركة "حماس" وبنيتها التحتية، إلا أنها لن تستطيع استئصال أيديولوجيتها.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل عجزت حتى الآن عن المساس بكبار قادة حماس في غزة، ومن بينهم يحيى السنوار -الذي أمضى أكثر من 20 عاما في السجون الإسرائيلية- ومحمد الضيف القائد "الغامض" لكتائب القسام، الذي حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وتكرارا.

ويقول الضباط الإسرائيليون إنهم لا يخططون للقتال داخل الأنفاق لأن الممرات ربما تكون مفخخة، وعوضا عن ذلك -تضيف الصحيفة- تقوم القوات الإسرائيلية بهدم الأنفاق حيثما وجدتها.

 

متاهة الأنفاق والزمن

 

جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 4 نوفمبر:

قال مصدران مقربان من قيادة "حماس" إن الحركة استعدت لحرب طويلة وممتدة في قطاع غزة وتعتقد بأنها قادرة على عرقلة التقدم الإسرائيلي لفترة كافية بغية إجبار عدوها اللدود على الموافقة على وقف إطلاق النار. 

وأضاف المصدران اللذان رفضا الكشف عن هويتيها بسبب حساسية الوضع، أن "حماس" عكفت على تخزين الأسلحة والصواريخ والمواد الغذائية والإمدادات الطبية، وقالا لـ"رويترز" إن الحركة واثقة من أن الآلاف من مقاتليها يمكنهم البقاء على قيد الحياة لأشهر عدة في مدينة من الأنفاق محفورة في عمق القطاع الفلسطيني، مع القدرة على تعجيز القوات الإسرائيلية بتكتيكات حرب العصابات في المناطق الحضرية.

وأضاف المصدران أنه في نهاية المطاف تعتقد "حماس" بأن الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء الحصار، مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، يمكن أن يفرض وقف إطلاق نار والتوصل إلى تسوية.

وأشار أربعة مسؤولين من "حماس" ومسؤول إقليمي ومصدر مطلع على نهج التفكير في البيت الأبيض إلى أن الحركة أوضحت للولايات المتحدة وإسرائيل خلال مفاوضات غير مباشرة في شأن الرهائن، توسطت فيها قطر، أنها تريد فرض مثل هذا الإفراج عن السجناء مقابل إطلاق سراح الرهائن.
وعلى المدى الأطول، قالت "حماس" إنها تريد إنهاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاماً على غزة، فضلا عن وقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وما يراها الفلسطينيون تصرفات قاسية من قوات الأمن الإسرائيلية في المسجد الأقصى.

 

مهمة صعبة المنال 

 

أكد مروان المعشر الذي سبق أن شغل منصبي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء في الأردن ويعمل حاليا في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، "مهمة تدمير ’حماس‘ لن تكون سهلة المنال"، مضيفاً أنه "لن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع. نمر بأوقات صعبة وهذه الحرب لن تكون قصيرة".

الفلسطيني المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة "قطر" والذي شارك في دراسات حول "حماس" أديب زيادة ذكر إن الحركة لا بد من أن تكون لديها خطة أطول أمدا لمتابعة هجومها على إسرائيل.

وأضاف لـ"رويترز"، أن "أولئك الذين نفذوا هجوم السابع من أكتوبر بهذا المستوى من الكفاءة، هذا المستوى من الخبرة والدقة والقوة، لا بد من أنهم مستعدون لمعركة طويلة الأمد. لا يمكن لحماس أن تدخل في مثل هذا الهجوم من دون أن تكون مستعدة بصورة كاملة ومعبأة لمواجهة النتيجة".

وذكر المصدر المطلع على نهج التفكير في البيت الأبيض الذي طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية إن واشنطن تتوقع أن تحاول "حماس" استدراج القوات الإسرائيلية إلى معركة في شوارع غزة وتكبيدها خسائر عسكرية فادحة بما يكفي لإضعاف التأييد الشعبي الإسرائيلي لصراع طويل الأمد.

وأضاف أنه "مع ذلك أكد المسؤولون الإسرائيليون لنظرائهم الأمريكيين أنهم مستعدون لمواجهة تكتيكات حرب العصابات لدى حماس، وكذلك تحمل الانتقادات الدولية للهجمات الإسرائيلية"، شارحاً أن السؤال ما إذا كانت إسرائيل قادرة على القضاء على الحركة أو مجرد إضعاف قوتها بشدة يظل قائماً.

وتقول مصادر في "حماس" إن عدد مقاتليها يبلغ نحو 40 ألفا، ويمكنهم التحرك في أنحاء القطاع باستخدام شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات ويصل عمقها إلى 80 مترا وتم بناؤها على مدى أعوام كثيرة.

وخاضت "حماس" سلسلة من الحروب في مواجهة إسرائيل خلال العقود الأخيرة، وقال رئيس دائرة العلاقات الوطنية لـ"حماس" والمقيم في بيروت علي بركة إن الحركة طورت وعززت قدراتها العسكرية على مر السنين، مضيفا أن "السلاح عندنا هو أمن قومي ولا أحد يعرف ماذا يوجد لدينا، ويجب في كل حرب أن نفاجئهم بشيء جديد. نحن نشتغل على أن يكون الصاروخ دقيقاً وفتاكاً ونطور في الصواريخ التي لدينا".

وأردف أنه في حرب غزة عام 2008، كان الحد الأقصى لمدى صواريخ "حماس" هو 40 كيلومتراً، لكن ذلك ارتفع إلى 230 كيلومترا بحلول صراع عام 2021.

وأفاد مسؤول مقرب من "حزب الله" اللبنانية المتحالفة مع "حماس" إن القوة القتالية للحركة الفلسطينية المسلحة ظلت سليمة إلى حد كبير بعد أسابيع من القصف، ولدى "حزب الله" غرفة عمليات عسكرية مشتركة في لبنان مع "حماس" وفصائل متحالفة أخرى في شبكة إقليمية تدعمها طهران، وفقاً لقيادات في الحركة الفلسطينية و"حزب الله".

 

انقسام في واشنطن 

 

تتعزز القوى الشعبية والسياسية في الولايات المتحدة المؤيدة لحقوق الفلسطينيين وحقهم في دولة مستقلة غير أن الغلبة تبقى حتى الآن لأنصار تل أبيب. 

يوم 9 نوفمبر 2023 صرح المرشح الرئاسي الأمريكي روبرت كينيدي جونيور، إنه إذا اختفت إسرائيل، فإن روسيا والصين ودول البريكس ستسيطر على 90 في المئة من النفط في العالم، وسيكون ذلك كارثيا على أمن أمريكا.

وفي مقابلة تلفزيونية، ناقش كينيدي جونيور سبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، مبينا أن "وضع إسرائيل دقيق، وسبب دقتها هو أنها حصن لنا في الشرق الأوسط، ويشبه تقريبا وجود حاملة طائرات في الشرق الأوسط. إنها أقدم حليف لنا، وكانت حليفتنا منذ 75 عاما. لقد كانت حليفة لنا من حيث التكنولوجيا والتبادل وبناء القبة الحديدية التي دفعنا ثمنا كبيرا منها، والتي علمتنا بشكل كبير كيفية الدفاع عن أنفسنا في مواجهة صواريخ العدو على أرضنا".

وأشار إلى أن "هذه النفقات العسكرية 75 في المئة منها تذهب إلى الشركات الأمريكية بموجب اتفاقية مذكرة التفاهم"، مضيفا: "لكن إذا نظرت إلى ما يحدث في الشرق الأوسط الآن، فإن أقرب الحلفاء لإيران هما روسيا والصين ودول بريكس، والمملكة العربية السعودية تنضم الآن إلى البريكس. وبذلك ستسيطر هذه الدول على 90 في المئة من النفط في العالم".

ولفت إلى أن "إسرائيل هي سفيرتنا، ووجودها يمنحنا آذانا وأعينا في الشرق الأوسط.. إنها تمنحنا الاستخبارات، والقدرة على التأثير في الشؤون في الشرق الأوسط. إذا اختفت إسرائيل، فإن روسيا والصين ستسيطران على الشرق الأوسط، وسيكون ذلك كارثيا على الأمن القومي الأمريكي".

كتب مؤرخ عربي: من المعروف أن التغيرات الكبرى غالبا ما تكون نتاج تفاعلات معقدة ومتداخلة، وكثيرا ما تقوم على انقلابات مجتمعية أو أممية، لكن أن يصير فردا ما منعطف التحول التاريخي هذا هو الشيء العجيب والغريب، لقد حمل لنا التاريخ البشري نماذج متعددة لأناس غيروا بالفعل مجرى التاريخ، سواء كان هذا التغيير جيدا أو سيئا، إيجابيا أو سلبيا، نافعا للبشرية أو مضرا لها، خيرا لأقوام هؤلاء الناس أو وبالًا عليهم، في النهاية أن يكون لدور هؤلاء الأفراد أثرا بالغا على تبديل وجه الأرض، وعلى صورة حياة كثير من سكانها.

في مسلسل سقوط الإمبراطوريات تأخذ هذه الظاهرة –التغيير الفردي للمسار التاريخي- دور البطولة في أحيان كثيرة، فأبطال السقوط هنا أفراد تولوا دفة القيادة في ظرف تاريخي خاص جلب بهم ليتموا مهمة السقوط، ويشكلوا عنصره الأظهر، فيتوجون بذلك النهايات في احتفالات جنائزية مهيلين بذلك التراب، طاوين صفحات التاريخ على إمبراطوريات قد عاشت طويلا.

 

عمر نجيب

[email protected]