منع انتشار السلاح النووي أو السباق وراء السراب..... منطقة الشرق الأوسط أكبر ساحة للتنافس على القنبلة النووية

أربعاء, 2023-06-21 07:56

قبل خمس سنوات تقريبا ويوم 8 مايو 2018 وفي تمام الساعة 2:00 ظهرا بتوقيت شرق الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأمريكيفي ذلك الوقت دونالد ترمب وبشكل رسمي خروج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران وانسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة المبرمة مع إيران عام 2015 "واصفا الإتفاقبالـ"كارثي"، كما وقع أمرا رئاسيا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية على طهران مؤكدا سنفرض أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية.

ونبه ترمب إلى أن "كل بلد يساعد إيران في سعيها إلى الأسلحة النووية يمكن أن تفرض عليه الولايات المتحدة أيضا عقوبات شديدة".

وأعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي في ذلك التوقيت جون بولتون أن إعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني ستسري فورا على العقود الجديدة، موضحا أن أمام الشركات الأجنبية بضعة أشهر "للخروج" من إيران.

من جهتها، أوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن العقوبات المتصلة بالعقود القديمة الموقعة في إيران ستسري بعد فترة انتقالية من تسعين إلى 180 يوما. وأبدى بولتون أيضا استعداد واشنطن لمفاوضات "موسعة" حول اتفاق جديد مع إيران.

قرار البيت الأبيض جاء بعد شهر تقريبا من اتهام بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل في ذلك التوقيت وفي أبريل إيران بامتلاك برنامج نووي عسكري سري وقدم ما سماه أدلة.

بعض المحللين وعدد من مؤيدي الاتفاق النووي أكدوا إن نتنياهو قدم تفاصيل معروفة سابقا وأخفق في تقديم أدلة تظهر إن إيران لا تلتزم بالاتفاق. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني اعتبرت أن تصريحات نتنياهو لا تدفع إلى التشكيك باحترام طهران للاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015.

عدة دول أوروبية صرحت كذلك إن اتهامات تل أبيب تثبت أهمية الاتفاق. فيما ذكرت وكالة الطاقة الذرية أنه لا يوجد "أي مؤشر له مصداقية" بأن إيران سعت إلى امتلاك سلاح نووي بعد 2009.

وأفادت مجموعة "دبلوماسي ووركس" التي أسسها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري للدفاع عن الاتفاق النووي الذي يعتبر مهندسه "كنا نعلم مسبقا" أن "إيران أخفت بعض التفاصيل بشأن برنامجها النووي العسكري قبل 2003". بدوره قال كيري في تغريدة على تويتر إن الوثائق الإسرائيلية تقدم دليلا على السبب الذي دفع الدول الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى "التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني: لأن التهديد كان حقيقيا وكان لا بد من وقفه" عبر نظام تحقق متقدم و"هذا الأمر يسير جيدا".

قبل أيام من قرار ترمب، حذرت طهران يوم الأحد 6 مايو 2018 واشنطن من أنها ستندم "ندما تاريخيا" في حال قررت الانسحاب من الاتفاق، لكن بدون تحديد نواياها بدقة. وصرح الرئيس حسن روحاني في خطاب نقله التلفزيون الإيراني إن "الولايات المتحدة إذا انسحبت من الاتفاق النووي سترى نفسها عاجلا النادمة تاريخيا" على ذلك.

على مدى خمس سنوات من 8 مايو 2018 وحتى منتصف شهر يونيو 2023، والعالم يشهد مسرحية مملة عن الجهود الغربية والأمريكية خاصة لعقد اتفاق جديد بهدف منع إيران من تطوير قدراتها النووية.

محللون وخبراء كثيرون أكدوا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أن التوازنات الدولية والإقليمية تبدلت وأن زمن القدرة على منع إيران وغيرها من دول كثيرة في العالم من امتلاك السلاح النووي قد ولى، وأن عقارب الساعة ستسرع وتتطور بعد أن عرفت بعض التباطؤ بعد عملية حصول باكستان والهند ثم كوريا الشمالية على السلاح الذي ترى فيه والكثير غيرها من الدول أحد الضمانات الأساسية لمنع التعرض للغزو والاحتلال كما حدث للعراق وليبيا.

 

محادثات لتهدئة التوتر 

 

هل اعترفت واشنطن بفشل صراعها مع طهران وبدأت الشروع في البحث عن حلول وسط ولو كان ذلك يعني امتلاك طهرانللسلاح النووي؟. سؤال أصبح يطرح بشكل أكثر إلحاحا خاصة أن هناك أوضاعا وظروفا تتكرر لما جرى سابقا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

يوم الجمعة 16 يونيو 2023 صرح مسؤولون إيرانيون وغربيون إن الولايات المتحدة تجري محادثات مع إيران لرسم خطوات يمكن أن تؤدي للحد من البرنامج النووي الإيراني وإطلاق سراح بعض المواطنين الأمريكيين المتهمين بجرائم في إيران وإنهاء تجميد بعض الأصول الإيرانية في الخارج.

يمكن وصف هذه الخطوات على أنها "تفاهم" لا اتفاق يتطلب مراجعة من الكونغرس الأمريكي، حيث يعارض الكثيرون منح إيران مزايا بسبب مساعدتها العسكرية لروسيا وأعمالها العنيفة في الداخل ودعمها لقوى تهاجم المصالح الأمريكية في المنطقة. 

وبعد أن فشلت في إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015، تأمل واشنطن في استعادة بعض القيود على إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي يمكن أن يهدد إسرائيل ويثير سباق تسلح بالمنطقة.

ويبحث مسؤولون أمريكيون وأوروبيون عن طرق لكبح جهود طهران النووية منذ انهيار المحادثات الأمريكية الإيرانية غير المباشرة. وتوضح الرغبة في استئناف المناقشات تنامي الشعور في العواصم الغربية بضرورة التعامل مع برنامج إيران.

وتنفي الحكومة الأمريكية تقارير عن سعيها إلى اتفاق مؤقت، مستخدمة وسائلها للإنكار المعدة بعناية لتترك الباب مفتوحا أمام احتمال "تفاهم" أقل رسمية يمكن أن يتجنب مراجعة الكونغرس.

ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر وجود أي اتفاق مع إيران. في حين ذكر مسؤول إيراني "أطلق عليه ما تريد، سواء اتفاق مؤقت أو اتفاق مرحلي أو تفاهم مشترك.. الجانبان كلاهما يريدان منع المزيد من التصعيد".

وصرح إنه في البداية "سيشمل ذلك تبادل سجناء وإطلاق سراح جزء من الأصول الإيرانية المجمدة".

مسؤول غربي طلب لوكالة رويترز عدم الكشف عن هويته قال"يسعني أن أطلق عليه تفاهم تهدئة"، مضيفا أن هناك أكثر من جولة من المحادثات غير المباشرة في سلطنة عمان بين المسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت مكغورك وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني.

كما التقى المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روب مالي بسفير إيران لدى الأمم المتحدة بعد شهور من رفض إيران التواصل المباشر.

وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك حين سئلت عن المناقشات التي دارت "هدفنا هو استخدام الدبلوماسية لفهم الوضع بشكل صحيح وواقعي ومحاولة إيجاد حلول لمنع التوتر وإدارة الوضع الحالي".

وصرح المسؤول الغربي إن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو الحيلولة دون تدهور الوضع على الصعيد النووي وتجنب صدام محتمل بين إسرائيل وإيران.

ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين يتجنبون القول إنهم يسعون إلى "اتفاق" بسبب قانون 2015 الذي يستوجب حصول الكونغرس على نص أي اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، مما يفتح المجال أمام المشرعين لمراجعته وربما التصويت عليه.

وكتب مايكل مكول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، وهو جمهوري، إلى الرئيس جو بايدن يوم الخميس 15 يونيو 2023 قائلا إن "أي ترتيب أو تفاهم مع إيران، حتى وإن كان غير رسمي، يتطلب تقديمه للكونغرس".

 

التفاهم بشأن النووي ممكن

 

يوم 14 يونيو 2023 نقل موقع "أكسيوس" عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أن "اتفاقية مصغرة" أو "تفاهما" بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي أمر "ممكن".

يأتي ذلك على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة أنه "لا توجد محادثات بشأن اتفاق مؤقت" بين واشنطن وطهران.

وقال نتنياهو للجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي "البرلمان" إن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أجرت محادثات غير مباشرة مع إيران حول "اتفاقية مصغرة" أو "تفاهم" يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وفقا لخمسة نواب حضروا الاجتماع تحدثوا لأكسيوس دون الكشف عن هويتهم.

خلال الجلسة، قال نتنياهو إنه يعتقد أن "التفاهم" بين الولايات المتحدة وإيران ممكن، وشدد على أن إسرائيل ستعارضه ولن تلتزم به.

يوم 13 يونيو 2023 أعربت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مخاوف تل أبيب من امتلاك مصر والسعودية والإمارات أسلحة نووية بعد تسجيل امتلاك إيران لسلاحها النووي.

"يوم القنبلة.. من أسوأ لأسوأ".. هكذا وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية اليوم الذي ستسجل فيه إيران امتلاكها لسلاح نووي، معربة عن تخوفات شديدة لدى الجهاز الأمني والسياسي في تل أبيب من أن تكون الخطوة التالية هي امتلاك كل من مصر والسعودية والإمارات لأسلحة نووية عقب إعلان طهران حيازتها للقنابل الذرية.

وأفاد موقع "ماكور راشون" الإخباري الإسرائيلي إنه رغم جهود إسرائيل في عرقلة البرنامج النووي الإيراني، فإن إيران اليوم أقرب من أي وقت مضى لإنتاج قنابل نووية وتحميلها بصواريخ باليستية بعيدة المدى، ماذا سيكون تأثير ذلك على دول الشرق الأوسط، موجها سؤالا للقادة الإسرائيليين "ماذا ستفعل إسرائيل؟".

وأضاف لم تأت الأسابيع القليلة الماضية بأخبار سارة فيما يتعلق بعرقلة طريق طهران إلى الأسلحة النووية، وعلى الرغم من التقدم في تخصيب اليورانيوم، لكن لا تزال هناك عدة خطوات على الطريق. ومع ذلك، إذا كان لدى إيران مثل هذا السلاح، أو اختارت الكشف عن وجوده علنا من خلال اختبار مفتوح، أو إذا كانت هناك معلومات معينة عن وجوده، فإن صناع القرار في إسرائيل سيواجهون واقعا أكثر تعقيدا من الواقع الحالي.

وصرح مسؤول إسرائيلي كبير: "لن تكون هذه نهاية المشروع الصهيوني، لكنها احتمالية سيئة للغاية".

فيما كتب أوو يسسخار، الباحث في الشأن الإيراني الذي يتحدث الفارسية أيضا، ورقة بحثية توضح بالتفصيل لماذا تشكل إيران النووية خطرا وجوديا على إسرائيل، موضحا أن سلاح كسر المساواة قد يوفر ميزة مزدوجة لطهران الأول من ناحية كأداة ردع، أو" شهادة تأمين "في شكل مظلة نووية فوق القوات الإيرانية والموالية لإيران التي تسيطر بشكل متزايد على أجزاء كبيرة من المنطقة، بهدف استكمال رؤية النظام للشرق الأوسط كمنطقة نفوذ حصرية لإيران.

وأضاف أن السلاح النووي الإيراني سيعد أداة هجومية ويشكل تهديدا وجوديا كبيرا لإسرائيل كجزء من خطة النظام الإيراني لتدمير إسرائيل.

وأكد يسسخار أنه إذا كان لدى إيران سلاح نووي، فإن السعودية لن تقف على الهامش، وربما مصر أيضا وربما الإمارات العربية المتحدة، وسيدخلون جميعا في سباق التسلح النووي، وسيستمر الإيرانيون بعد وجود قنبلة واحدة، يطمحون إلى عشرة وعندما يكون لديهم عشرة، سيرغبون بمئة قنبلة.

يذكر أنه وبتاريخ الأول من يونيو 2023 استضاف مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، نظيره الإسرائيلي، تساحي هنجبي، وناقشا سبل منع إيران من امتلاك سلاح نووي إلى جانب القلق بشأن دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا.

ووفقا لبيان لـ"البيت الأبيض"، فقد ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي وسبل مواجهة التهديدات التي تشكلها إيران وانصارها، وذلك متابعة لاجتماع المجموعة الاستشارية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مارس. 

وأعاد سوليفان التأكيد على هدف الإدارة الأمريكية المتمثل بتعزيز أمن إسرائيل وتكاملها الإقليمي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وتطرق سوليفان إلى القلق الأمريكي الإسرائيلي المشترك إزاء علاقة روسيا العسكرية المتزايدة مع إيران وأهمية دعم أوكرانيا.

 

السعودية تحذر

 

خلال الربع الأول من سنة 2018 حذر ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، من أن بلاده ستطور وتمتلك سلاحا نوويا إذا امتلكت إيران قنبلة نووية.

وقال بن سلمان في حوار مع برنامج 60 دقيقة على شبكة "سي بي إس" الأمريكية خلال شهر مارس 2018، إن السعودية "لا تريد الحصول على الأسلحة النووية"، لكنه استطرد موضحا "لكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أسرع وقت ممكن". وقعت السعودية، على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1988.

موقع الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ذكر أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت السعودية قد حاولت تطوير أسلحة نووية من تلقاء نفسها، ولكن تقارير تحدثت عن استثمارها في مشاريع الأسلحة النووية الباكستانية.

وكان عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، قد حذر أمام مؤتمر في السويد عام 2013، من أنه حال حصول إيران على القنبلة النووية، "فإن السعوديين لن ينتظروا شهرا واحدا. لقد دفعوا ثمن القنبلة بالفعل، سيتوجهون إلى باكستان للحصول على ما يريدونه".

في بداية شهر مارس 2022 صرح ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، إن إيران ستبقى جارة للسعودية ولا يمكنهما "التخلص" من بعضهما بعضا، ودعا لـ"حل الأمور" بينهما، مؤكدا نية الرياض مواصلة المحادثات مع طهران.

وصرح بن سلمان، في مقابلة مطولة مع صحية "أتلانتيك" الأمريكية نشرت يوم الخميس 3 مارس 2022 وتداولتها بالكامل وسائل إعلام سعودية، ردا على سؤال حول العلاقات مع إيران: "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سبل لنتمكن من التعايش".

وتابع بن سلمان: "قد قمنا خلال 4 أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في المملكة العربية السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل أن نصل إلى موقف يكون جيدا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلا مشرقا للسعودية وإيران".

وأوضح ولي العهد السعودي، في إجابة على سؤال حول ما إذا كان "يفضل وجود الاتفاق النووي أم لا يفضله": "أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يعد خطيرا، سوء إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف، لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة".

يوم الجمعة 10 مارس 2023 أعلنت إيران والمملكة العربيةالسعودية، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية التي كانت مقطوعةمنذ عام 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة قدتنطوي عليها تغيرات إقليمية دبلوماسية كبرى.

 

تركيا والسلاح النووي

 

منتصف شهر سبتمبر 2019 أثارت تصريحات الرئيس التركي أردوغان، حول الأسلحة النووية، جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية التركية، لاسيما حينما قال "يمتلكون صواريخ ذات رؤوس نووية، ليسوا واحدا أو اثنين بل أكثر، ولكن يرفضون امتلاكنا الصواريخ ذاتها، هذا أمر لا أقبله".

كما أشار أردوغان في تصريحه إلى إسرائيل، بصفتها طرفا غير عضو في اتفاقية منع الانتشار النووي، لافتا إلى أنها حصلت على أسلحة نووية، وأن ذلك جعلها دولة محصنة.

ويختلف المراقبون حول تفسير تصريحات الرئيس التركي وإمكانية تطبيقها عمليا، فالبعض فهم هذه التصريحات في سياق السعي لامتلاك سلاح نووي على غرار القوى الكبرى، في حين اعتبر آخرون أنه مجرد كلام يخاطب به عواطف جماهير قومية، كون تركيا حاليا ليست لديها القدرة الكافية لإنتاج سلاح نووي.

أستاذ القانون الدولي في جامعة كوجالي والخبير العسكري التركي سمير صالحة، ذكر أن العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الأمنية والإستراتيجية تلتقي منذ عقد تقريبا في تحليلاتها عند تقاطع طموحات تركيا النووية في ظل التوتر القائم في المنطقة.

وأوضح أن تركيا تعد واحدة من الجهات الفاعلة التي ستراقب بعناية التطورات الدولية، حيث تملك حوافز قوية تدفعها للسعي نحو مسار نووي بالنظر إلى نقاط ضعفها ومركزها الإستراتيجي.

وصرح صالحة إن "أكثر من دليل ومؤشر تقني وعلمي يؤكد أن أنقرة دخلت في الطريق النووي، وهي لن تتردد في قبول عروض موسكو، وربما بكين لاحقا، طالما أن أمنها القومي ومصالحها الإقليمية والحفاظ على التوازنات العسكرية الإستراتيجية في المنطقة في مقدمة أهدافها".

واعتبر أن تسريع العمل في محطة "أكويو" النووية التي يجري بناؤها في إطار عقد تركي روسي بنموذج الشراء والامتلاك والتشغيل، وإصرار تركيا على تطوير عمل ومجال منظومتها الصاروخية المحلية، إلى جانب القلق التركي من تحرك بعض العواصم في المنطقة للبحث عن امتلاك هذا السلاح، يعزز سيناريو مضي تركيا وراء الحصول على هذا السلاح بشكل أو بآخر.

ولفت أستاذ القانون الدولي إلى أن الهدف التركي يختلف تماما هذه المرة عن التسريبات والمواقف الصادرة عن بعض العواصم الأوروبية والشرق أوسطية حول البرنامج النووي التركي الذي يبحث منذ مطلع التسعينيات عن تطوير نفسه واستكمال الشروط والمواصفات العلمية والصناعية للالتحاق بهذا المضمار باتجاه الحصول على اليورانيوم المخصب من شركاء وحلفاء وعواصم آسيوية تعاونت معها في السابق.

وأضاف صالحة أن "الملفت هنا هو انعدام وجود أية أرقام معلنة في الموازنة العسكرية التركية لتطوير هذا القطاع، رغم الحديث عن تقديرات تصل إلى 25 مليار دولار في إطار خطط خماسية تركية لإنتاج أسلحة غير تقليدية".

وأشار إلى أن توتر العلاقات التركية الأمريكية واستمرار التقارب التركي الروسي، سيدفعان أنقرة لمراجعة سياستها النووية في نهاية الأمر، من حيث التفكير في امتلاك سلاح نووي مستقل وخاص بها رغم الكلفة الاقتصادية والسياسية التي قد تتعرض لها، وحتى لو وجدت أنقرة نفسها وجها لوجه في مواجهة أوروبية تهدد عضويتها في المجموعة.

وأكد أن هذا التوجه التركي -إذا صح التحليل- سيدفع أنقرة أيضا قانونيا لمراجعة موقفها من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يحظر عليها امتلاك سلاح نووي أو استخدام التكنولوجية النووية للأغراض العسكرية.

يوم 3 ابريل 2023 شارك الرئيسان التركي أردوغان والروسي بوتين في تدشين محطة "أكويو" النووية التي تقيمها روسيا في مدينة مرسين جنوب تركيا.

 

تقرير استخباري أمريكي

 

أعلنت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هينز، يوم الأربعاء 8 مارس 2023، أن إيران زادت من وتيرة برنامجها النووي، وأجرت بحوثا وأنشطة تطوير تقربها من إنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي.

وصرحت هينز -في جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي- إن طهران تواصل زيادة حجم ومستوى تخصيب مخزونها من اليورانيوم بما يتجاوز الاتفاق النووي، محذرة من أنها "اقتربت بشكل خطير من صنع قنبلة نووية". كما أشارت مديرة الاستخبارات إلى أن إيران "لا تزال تمثل تهديدا لإسرائيل" سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر "حزب الله اللبناني وحلفاء آخرين"، على حد تعبيرها.

وأفاد التقرير الأمريكي أن إيران "تواصل تجاوز القيود" التي فرضها الاتفاق النووي على البحث والتطوير في أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. إضافة إلى استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو والتي كانت محظورة بموجب الاتفاق النووي. 

وفقا للتقرير الأمريكي، فإنه من المحتمل أن يفكر المسؤولون الإيرانيون في تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المئة إذا لم يتم تخفيف العقوبات.

جاء في تقرير نشر"موقع اندبندنت عربي" يوم 30 ديسمبر 2022: في بداية عام 2022 قال الأمريكيون إن المفاوضات مع إيران كانت في "مرحلتها النهائية"، متفائلين بأن اتفاقا نوويا بات استعادته في متناول اليد، وبعد مرور عام بدا أن الاتفاق ذاته محكوم عليه بالفشل، إذ قال الرئيس جو بايدن الشيء نفسه في مقطع فيديو ظهر في أوائل نوفمبر 2022، إذ أخبر أن الاتفاق النووي الذي أطلق الحملة لاستعادته "مات". إلا أن الإدارة تراجعت بسرعة عن تعليقه، ولكن على عكس ما يقوله بايدن في الفيديو، استمر المسؤولون الأمريكيون في القول إنهم يريدون استعادة الاتفاق باعتباره أفضل طريقة لقطع أي طريق إيراني نحو سلاح نووي، لكن في الفترة الأخيرة جاءت تصريحات المسؤولين الأمريكيين تنفي وجود أية أولوية للتفاوض مع طهران في الوقت الحالي.

قبل ذلك ويوم 28 فبراير 2023 أكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن إيران أحرزت "تقدما لافتا" في برنامجها النووي منذ خروج الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وأكد وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات، الدكتور كولن كال، الرجل الثالث في البنتاغون أن "إيران كانت تحتاج لـ12 شهرا لإنتاج قنبلة نووية في 2018.. والآن تحتاج 12 يوما".

 

الاحتكار ينهار

 

بين أول اختبار نووي أمريكي في عام 1945 وآخر اختبار لكوريا الشمالية في سبتمبر من عام 2019، شهد العالم 2056 تجربة نووية على الأقل. 

أجرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ما يقرب من 85 في المئة من هذه العمليات، لكن القوى النووية الثلاث الأخرى المعترف بها (المملكة المتحدة وفرنسا والصين) أجرت أيضا عددا كبيرا من التجارب، أما إسرائيل فلم تختبر قط سلاحا نوويا رسميا، على الرغم من وجود أدلة قوية على أنها اختبرت سرا بعض الأسلحة في جنوب إفريقيا عام 1979. 

وأجرت الهند تفجيرا نوويا "سلميا" عام 1974، تلته سلسلة من خمسة انفجارات نووية في مايو 1998، وفي وقت لاحق في الشهر نفسه من ذات العام، ردت باكستان بست تجارب نووية في يومين منفصلين.

ليست كل التجارب النووية متساوية، فبعض الانفجارات تنتج عشرات أو مئات الأطنان من مادة تي إن تي، بينما يقاس البعض الآخر بعشرات الميغا طن (الميغاوان يساوي مليون طن).

وتتفوق أمريكا وروسيا في عدد الاختبارات النووية بفارق شاسع، لكن المملكة المتحدة وفرنسا والصين وكوريا الشمالية كانت لها أيضا تجارب قوية.

تعتبر الولايات المتحدة أول وأكثر من أجرى تجارب نووية في التاريخ، ففي 16 يوليو 1945 أجرت واشنطن أول تجربة نووية لها، الثالوث، في صحراء نيومكسيكو، فقد بلغ قوة الانفجار 20 ألف طن من مادة تي إن تي المتفجرة.

بين عامي 1945 و1992، أجرت الولايات المتحدة 1030 تجربة نووية، أي ما يقرب من نصف إجمالي التجارب العالمية، جاء أكبرها بعد تسع سنوات فقط من الاختبار النووي في 1 مارس 1954 في منطقة بيكيني أتول في جزر مارشال، والتي عرفت بقنبلة "قلعة برافو".

كان القصد من تصميم قلعة برافو هو الحصول أول سلاح نووي حراري بعد أن قامت الولايات المتحدة باختبار قنبلة هيدروجينية لأول مرة في عام 1952، لكن تحولت قلعة برافو إلى كارثة كبرى، في حين كان المصممون يتوقعون انفجارا في نطاق 5-6 ميغا طن من المواد المتفجرة، كان الانفجار الناتج بنطاق 15 ميغا طن، وهذا أقوى بنحو ألف مرة من القنابل التي استخدمت ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية.

أجرى الاتحاد السوفياتي 715 اختبارا مقارنة بـ1030 اختبار أمريكي، لكن موسكو تتفوق على واشنطن في حجم اختباراتها، فقد أجرت موسكو أكبر خمسة انفجارات نووية في التاريخ، أبرزها اختبار القيصر.

في 30 أكتوبر 1961، أقلعت قاذفة من طراز Tu-95 معدلة خصيصا وهي تحمل قنبلة يبلغ طولها ستة وعشرون قدما وعرضها سبعة أقدام ويبلغ وزنها سبعة وعشرين طنا، ثم أسقطتها من على ارتفاع 13000 قدم فوق سطح الأرض. 

وأسفر الانفجار الناتج عن حصيلة 57 ميغا طن، والتي كانت أقوى بعشر مرات من جميع الذخائر التي استهلكت خلال الحرب العالمية الثانية، كما ذكرت "بي بي سي" في وقت لاحق، يمكن رؤية النار من ألف كيلومتر، وبحسب بعض الروايات، حطم الانفجار النوافذ التي كانت على بعد 560 ميلاً.

 

بريطانيا

 

كانت المملكة المتحدة الدولة الثالثة التي تنضم إلى النادي النووي، حيث فجرت أول قنبلة ذرية لها في 3 أكتوبر 1952، وأجرت خمسة وأربعين تجربة نووية بين عامي 1952 و1991، في البداية، اختبرت لندن الأجهزة النووية بمفردها، ابتداء من عام 1961، تم إجراء تجاربها النووية بالاشتراك مع الولايات المتحدة.

كما رفضت واشنطن التعاون مع المملكة المتحدة في معظم القضايا النووية حتى أثبتت بريطانيا قدرتها على صنع قنابل هيدروجينية، وبدأت لندن اختبار القنابل النووية الحرارية في عام 1957 لكن الاختبارات الأولية لم تسفر عن النتائج المتوقعة، وتم إجراء أول اختبار ناجح لقنبلة هيدروجينية في نوفمبر 1957، لكن أكبر اختبار للقنابل النووية الحرارية في بريطانيا حصل في نوفمبر 1958، وأنتجت 3 ميغا طن.

 

فرنسا

 

كانت فرنسا رابع دولة تختبر سلاحا نوويا في 13 فبراير 1960، وكانت العادات النووية لفرنسا أقرب إلى بريطانيا من الدول العظمى، حيث اختلفت فرنسا عن إنكلترا في عدم إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة في المجال النووي.

وبين عامي 1960 و1996، أجرت فرنسا 210 تجارب نووية على الرغم من تفوقها على الصين بالنادي الذري، قامت بكين بالفعل بتفجير قنبلة هيدروجينية قبل باريس. 

على عكس بريطانيا، نجح أول اختبار للقنبلة الهيدروجينية في فرنسا، وكما قال روبرت س. نوريس: "فجرت فرنسا أول جهاز نووي حراري من مرحلتين في 24 أغسطس 1968، كان اسمه كانوبوس، وهو أول اختبار نووي حراري كان أيضا أكبر انفجار معروف في فرنسا، عند 2.6 مليون طن".

 

الصين

 

كسرت الصين احتكار الغرب للأسلحة النووية عندما فجرت قنبلة ذرية في 16 أكتوبر 1964 في موقع اختبار لوب نور، وفي أقل من ثلاث سنوات، في 17 يونيو 1967، اكدت بكين أنها أجرت تجربة نووية حرارية، كانت هذه أسرع مرة انتقلت فيها أي دولة من انفجار أول قنبلة ذرية إلى قنبلة هيدروجينية، وبلغت قوة الأخيرة 3.3 مليون طن.

لم تصل بكين إلى أعلى من ذلك بكثير في التجارب النووية الأخرى، كان الاستثناء الوحيد في عام 1976، عندما فجرت قنبلة أسقطت جوا بقدرة إنتاجية تبلغ أربعة ميغا طن، بشكل عام، يبلغ عدد التجارب التي أجرتها بكين بين عامي 1965و1996، 45 تجربة نووية.

 

كوريا الشمالية

 

تعتبر كوريا الشمالية أحدث دولة تنضم إلى النادي النووي بعد تفجير أول قنبلة ذرية في عام 2006، وأنتج هذا الاختبار الأول عائدا يبلغ 2000 طن على الأكثر من المواد المتفجرة، بينما لم تصل التجارب النووية الأربعة الأولى لبيونغ يانغ إلى عائد يبلغ 20 ألف وطن، ولكن ربما وصلت التجربة الخامسة إلى 25 ألف طن.

ومن الواضح أن أحدث تجاربها النووية كانت أقوى تفجيراتها، العائد الدقيق لا يزال موضع خلاف، مع تقديرات تتراوح من 100 إلى 250 كيلوطن، وهناك أيضا آراء مختلفة حول ما إذا كانت كوريا الشمالية قد اختبرت قنبلة هيدروجينية - كما تؤكد بيونغ يانغ نفسها - أو بالأحرى قنبلة انشطارية معززة.

من المرجح أن تظل القنابل النووية الضخمة التي اختبرتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في بداية الحرب الباردة من بقايا الماضي، في ذلك الوقت، كانت الاستراتيجية النووية لا تزال في مهدها، ومبنية إلى حد كبير على استهداف المدن، علاوة على ذلك، كما أظهرت الحرب العالمية الثانية، كانت الدقة من الطائرات ضعيفة للغاية، مما يعني أن انفجارا كبيرا كان مطلوبا لتحقيق الأهداف المطلوبة.

لكن مع استهداف ودقة أفضل لم تعد هناك حاجة إلى عوائد نووية عملاقة مثل قلعة برافو أو القيصر وربما لم تكن هناك حاجة إليها على الإطلاق، فاليوم يعتقد أن أقوى رأس حربي نووي أمريكي هو B83، بعائد 1.2 مليون طن، في طريقه للتقاعد.

 

عمر نجيب

[email protected]