قصة أحلام متسول الحلقة 04 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

أربعاء, 2022-04-06 10:06

ولوكان من كانت لديه فقيرا وفي أمس الحاجة للإستفادة منها . 
كما يحترمون المرأة ويتولون عنها مشقة العمل ، فهي سيدة بالنسبة لهم يجب احترامها ، وهي التي تقوم بإدارة البيت وهي من تقوم  بصنعه من الوبر والشعر ، وكذا هي من تتولى تربية الأطفال وحضانتهم ، كما أن صغيرهم يوقر كبيرهم ،
حتى أنه لا يدخن أمامه ولا يشاركه مجالس اللهوي والطرب ، وكبيرهم أيضا يحترم صغيرهم . 
وهناك بعض الملاحظات تحسب عليهم وهي أن هؤلاء القبائل الذين يتوارثون عقيدتهم الإسلامية من أب عن جد إلا أنهم للأسف يورثون العبودية من أم عن جدة ولوكان ذلك المولود ووالديه قد ولدوا مسلمين منذ قرون ، والغريب في الأمر أن تلك القبائل يتلى على مسامعها يوميا - من طرف علمائها وطلبتهم - آيات من الذكر الحكيم منها قوله تعالى: 
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) صدق الله العظيم. 
ولا يغير ذلك في الأمر بالنسبة لهم من شيئ للأسف،وكذا نظرتهم بالدونية للفئات ( الحرفية ) الأخرى مهما بلغ أفرادها من علم وورع وشجاعة وكرم ، فإنهم يفضلون عليهم في في أمور الزواج خاصة من هو من تلك الفئات التي حجزت لنفسها مكانتها على مستوى قمة الهرم الإجتماعي، الذين احتكروه لأنفسهم دون غيرهم !
حتى ولوكان ذلك الشخص منهم لا يتمتع بخصائص العلم والشجاعة أوالكرم . تلك المبادئ المقدسة لديهم !
ورما يكون مرد ذلك يعود إلى بقايا جاهلية من فلسفة الخير والشر لديهم والتي تقوم أصلا على أن القيعان الصحراوية الجرداء ترمز للشر كما يقول بعض مفسري الظواهر الإجتماعية التاريخية . وتلك بدورها تمثل فئات الحرفيين وكذا اطراف المجتمع الأخرى ، في حين فعلية القوم الذين اكتسبوا مكانهم تلك بحد السيف أو شبات القلم فتمثلهم تلك  الواحا ت الخضراء القليلة الموجودة في الصحراء . وكأن الخير لا يتسع للجميع مثل الواحا ت التي لا تغطي سوى النزر القليل من تلك الأر ضي الشاسعة ، و لذلك فقد احتجزوا لأنفسهم تلك المكانة فوق قمة هرم الفضائل الإجتماعية !
أما الفئات الأخرى فلا يشفع لها حسن إسلامها ولا أخلاقها ولا حتى ما قدمت وتقدم لتلك القبائل من أعمال طيبة والتي لولاها لما استقرت في هذه الأرض شبه القاحلة ، وبدونها أيضا لما كان لهم ذكر حضاري يعتدبه على الإطلاق ! 
ورغم ماقدمت تلك الفئات الإجتماعية مما ذكرت آنفا فلم ولن  يرفع من شأنها لدى تلك العائلات المتحكمة لليصلوا به إلى معيتهم على قمة ذلك المقام الرفيع الذي  احتكروه سلفا لإنفسهم دون غيرهم ! 
والغريب في الأمر فهو قبول تلك الفئات الإجماعية  بقسمة (ضيزي ) نصيبهم منها الدونية ! 
وذلك رغم قيام الدولة الحديثة وسنها للقوانين التي ساوت بين الناس ، وكذا الشريعة الإسلامية التي سبقت في ذلك  المجال منذ قرون حيث حصرت صفة الفضل بالتقى الذي يقتصر التفضيل به لله عز وجل وحده دون غيره.
فهذا للأسف هو الغالب الأعم في المنطقة . وربما تكون هناك بعض الإستثناءات القليلة والشاذة ولا يعتد بها على الإطلاق ومنها مثلا إرهاصًات تحرير العبيد ! 
وأخيرا أعود وأقول بإنه لا عيب في تلك القبائل سوى ما ذكرت من ظاهرتي العبودية وكذا التفاوت الإجتماعي فيما يتعلق بأمور الزواج وكذا بعض التصنيفات الإجتماعية الأخر
 .وهذه ربما ظواهر اجتماعية عامة تشمل معظم المجتمعات البدوية بصورة عامة ، ومزالت تعد عقبة كأداء في بلادنا تحول دون انصهار فئات مجتمعنا في بوتقة واحدة للينطلق نحو التقدم والإزدهار بوتيرة أسرع ! 
أما الوجه الثاني لتلك القبائل فقد كان في بعض الأحيان يغلب عليه التوتر النا تج عن شح الموارد وكذا ندرة المياه والكلأ في بعض المواسم ، وربما الثأر خصوصا إذا تولدت   عن أسبابه تبعية ما أو أتاوة !  
وعلى العموم يكون الجو العام قاتما خصوصا إذا حدث نقص ما ، في بعض المواد الغذائية وكذا  الثياب الشيئ الذي يجعل البقرة ربما تقايض بثوب امرأة واحدة ، ويقولون بأن سبب ذلك الغلاء يعود يومئذ إلى حروب النصارى التي كانت قائمة بينهم قبل ذلك بقليل. 
ولكن مع قتامة ذلك الجو ، فإنه قد تخلله أحيانا فترات لا تخلو من راحة وسعادة تغمران الجميع ، وذلك في سنوات الخصب التي تأتي من حين  لآخر. 
كما أن مواسم الگيطنة والحصاد ،(والحصرة ) وما يصاحبهم عادة من أعراس وألعاب تخفف من سوداوية ذلك الواقع، لتجعل الناس يعيشون أسابيع من المرح والفرح، كما أن الحصرة والتي يجمع فيها الشيوخ الناس ،  فإنها تخفف من وطأة ذلك الجو العام بما يحدث فيها من أجواء المنافسة اللطيفة التي تحدث خلالها وتتضمن بعض الأفراح كسباق الخيل والإبل مثلا، وكذا الألعاب المختلفة ثم  المنافسة بين مختلف القبائل متمثلاً بعضها في حسن الثياب والولائم والمناظرات الفقهية والأدبية ، وكذا الرياضات البدنية المتنوعة كالمصارعة وهيب ( والتود ) فهذا فيما يخص النشاط الثقافي يومئذ بالنسبة لهذه القبائل . 
وفي ما يتعلق بمسار حياتي الخاص يومئذ فقد بدأت من ذلك التاريخ المبكر من حياتي أتنقل من (فريق) إلى آخر ومن حي  إلى حي من أحياء تلك المنطقة لا أبحث عن قرابة ولا شيئ محدد بذاته بسبب انعدام الموجه المرشد ولا أطمح في شيئ سوى الأنغماس إلى الأذنين في اللهو وقتل الوقت بما تيسر من ألعاب مثل(لكعب) وهيب والمصارعة والتود وظامت (ودمروا) ونطاح الكباش وعراك الجمال ومقارعة الأتياس ومجابهة الثيران و مُهاَرشة الكلاب وحتى مناقرة الديكة. وغير ذلك من الألعاب المعروفة يومئذ، وبكلمة واحدة تفرغت للعبث وتفرغ لي حتى تعب كلانا من بعض.
وطال الحال علي  هكذا إلى أن أصبح لزاما علي الخروج من دوامة تلك الحياة السخيفة التي عاقبتها الملل المصحوب بالندم، على ما فات من وقت ضايع . ولكن كيف الخروج من هذه الحياة السخيفة وماهو البديل عنها يا ترى؟ والذي يجب أن يكون مغايرا تماما لما مضى من حياتي ، وما ذلك إلا بالعمل الجاد المنتج ، ولكن أين يوجد ياتري؟ وأين يمكن الحصول عليه ؟ وعند من سأجده؟ أسئلة كثيرة طرحت نفسها علي حينئذ. وقد أجاب الزمن على معظمها لاحقا . 
‏‎و بعد ذلك بعدة ايام شعرت بما يشبه الصحوة من ذلك التيه والضياع وبدأت فعلا أبحث عن عمل شريف في المنطقة لكن لم أجده بالسرعة التي كان يتطلبها توجهي الجديد ،مما اضطرني ذلك لأكون سريع الإستجابة لدعاية
(جلات ) المبالغ فيها حينئذ عن تجارة المواشي في السنغال.
 
‏‎الفصل الثالث :الهجرة الأولى الى السنغال
 
‏‎تحت تأثير الدعاية الدائمة لجلات و