الفصول الختامية من الصراع الروسي الأمريكي في وسط أوروبا... برلين تعكس بخجل جهود الخروج من تحت العباءة الأمريكية

أربعاء, 2022-02-16 07:19

في جل وسائل الإعلام الدولية تقريبا وخلال شهر فبراير 2022 توارت أخبار أغلب الأزمات التي يعاني منها العالم خلف الضجة المثارة حول الحرب التي تتراكم مكوناتها وسط القارة الأوروبية بسبب سعى روسيا لمنع حلف شمال الأطلنطي من التمدد أكثر نحو الشرق ليصبح على بوابتها ويهدد أمنها، والمواجهة المحتدمة بين الكرملين والبيت الأبيض الذي يسعى لفرض مشاريعه في شرق أوروبا بتأييد كامل أو مشروط من طرف حلفائه الغربيين. خطورة المواجهة سواء وقعت أم لم الحرب بين موسكو وكييف تكمن في احتمال خروجها عن إطار حرب محدودة وسط أوروبا إلى مواجهة عالمية أي حرب عالمية ثالثة. في الوقت الحاضر لا ترغب القوى الكبرى في نشوب حرب عالمية نووية لأنها تدرك أن المكاسب إن كانت هناك مكاسب حتى للمنتصرين، فهي لا تقدم أو تبرر ركوب مغامرة الدخول فيها، ولكن هناك في نفس الوقت أطرافا تشعر أن العالم يقف على عتبة مرحلة تحول قد تسفر عن وضع أسس نظام عالمي جديد يختلف عن القائم منذ نهاية تسعينات القرن الماضي وبالتالي يقود إلى أفول نجم قوة واحدة مهيمنة مقابل نظام متعدد الأقطاب، وهنا تكمن الخطورة التي قد تسفر على ركوب مغامرة من التصعيد لا يمكن وضع مكابح لها في الوقت المناسب.

يشير المخطط والمفكر العسكري الصيني سون تزو مؤلف كتاب فن الحرب، وهي أطروحة عسكرية كتبت خلال القرن السادس قبل الميلاد واعتبرت لفترة طويلة مرجعا كاملا للإستراتيجيات والوسائل العسكرية، إلى أن من الأمور المستحيلة التكهن مسبقا بمصير المعركة، وتوقع ما قد يتخللها من أحداث، أو ما قد يظهر فيها من مفاجآت، وهذا يدعو القائد بالضرورة إلى اعتماد استراتيجيات مرنة.

ويضيف: إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما بعد كل نصر مكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك.. فالهزيمة المؤكدة هي حليفتك في كل معركة. كما شدد سون على أهمية عملاء المخابرات والتجسس في المجهود الحربي.

جميع الحروب مبنية على الخداع لذلك، عندما نكون قادرين على الهجوم، يجب أن نبدو غير قادرين، عند استخدام قواتنا، يجب أن نظهر غير نشطين، عندما نقترب، يجب أن نجعل العدو يعتقد أننا بعيدون، عندما نكون بعيدا، يجب أن نجعله يعتقد أننا قريبون.

واشنطن تصر أن الهجوم الروسي العسكري على أوكرانيا محتم وتطرح تواريخ محددة وموسكو تنفي نيتها شن الحرب وتؤكد أن الولايات المتحدة هي التي تهدد أمنها ولا مخرج أمامها سوى الرد لحماية أمنها القومي، البيت الأبيض يهدد موسكو بأقسى العقوبات من الحصار الاقتصادي وغيره ولكنه يؤكد أنه لن يتدخل عسكريا بشكل مباشر للدفاع عن كييف. ليس هناك وضوح بشأن شكل العقوبات والحصار الذي يهدد به ساسة البيت الأبيض ويعود ذلك لأن الحلفاء الأوروبيين لا يريدون السير بشكل أعمى خلف زعيم البيت الأبيض لأن ذلك قد يخدم الأهداف الأمريكية على حساب مصالحهم، ولهم تجارب مريرة في هذا الشأن منذ عقود.

بعض المحللين في الغرب والشرق على السواء يقدرون أن الكرملين ربما لن يحتاج لعملية عسكرية واسعة لإبعاد كييف عن تحالف الناتو حيث أن جزء من قيادات الجيش الأوكراني وكذلك سياسيين في ذلك البلد وعندما يرون أنهم على وشك خوض حرب خاسرة سيقررون البحث عن قواعد تفاهم مع موسكو خاصة وأن لهم تاريخا مشتركا ووحدة استمرت لعقود.

الواقع أنه يمكن الخروج من متاهة الصراع على أوكرانيا بمعادلة ليست كثيرة التعقيد ولكنها قد تمنح لواشنطن فرصة للحديث عن نجاح في مواجهة الكرملين في حين أنها تصب في مصلحة بوتين. فأما عودة مناطق شرق أوكرانيا حيث أغلبية من أصل روسي إلى دولة أوكرانية باستقلال ذاتي موسع مع سلطات تمنح هذه المناطق حق الفيتو عل انضمام كييف إلى الناتو، أو قيام موسكو بضم تلك المناطق الأهم لأوكرانيا اقتصاديا وإستراتيجيا إلى الفدرالية الروسية وترك ما تبقى إلى حين من البلد الممزق لأنصار الغرب وحلف الناتو الذين فشلوا منذ سنة 1991 ورغم فترة ضعف الكرملين في صناعة أوكرانيا ذات قوة داخلية صميمة قادرة على الانضمام إلى جبهة معادية لتاريخ وإرث مشترك.

محلل أوروبي ذكر الخلاصة هنا هي أنه لا أحد يمكنه توقع مسار الأزمة الأوكرانية، ورغم تحديد الأمريكيين ليوم الغزو الروسي بتلك الصورة الحاسمة، فإن الهدف ربما يكون فعلا إجهاض مخططات بوتين كما قالوا، أو قد يكون الهدف استفزاز روسيا كما يرى فريق آخر من المحللين. فهل يمر موعد الغزو دون أن يحدث؟. على الأرجح نعم، وعندها قد يقول الأمريكيون إن خطتهم نجحت في إجهاض خطة بوتين.

 

التنبؤ بالموعد

 

يوم الأحد 13 فبراير أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان في حديث لشبكة "سي إن إن": "لا نستطيع التنبؤ بيوم محدد بدقة لبدء روسيا غزوها لأوكرانيا، لكننا نؤكد منذ بعض الوقت أننا الآن في نافذة قد تبدأ فيها روسيا غزوها وحملة عسكرية واسعة النطاق على أوكرانيا بأي يوم، وهذا يشمل الأسبوع القادم، قبل اختتام الألعاب الأولمبية" الشتوية في الصين.

ورجح أن "الغزو الروسي" قد ينطلق بعد الألعاب الأولمبية التي تختتم في 20 فبراير، وأن إدارة الرئيس جو بايدن كذلك لا تزال تعتبر من الممكن أن "تختار روسيا مسارا دبلوماسيا".

وتعهد ساليفان بأن تدافع الولايات المتحدة وحلفاؤها عن أراضي حلف الناتو وتفرض تكاليف على روسيا إذا تدخلت في أوكرانيا وأن "الغرب سيخرج من ذلك أقوى وأكثر عزيمة" مما كان خلال السنوات الـ30 الماضية.

وجاءت هذه المقابلة بعد يوم من اتصال هاتفي جرى بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة فلاديمير بوتين وجو بايدن حول أوكرانيا.

قبل ذلك بحولي 48 ساعة أشارت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن بايدن حدد في مؤتمر بالفيديو استمر ساعة مع زعماء دول الغرب والاتحاد الأوروبي والناتو، موعد "غزو" روسيا لأوكرانيا في 16 فبراير. ووفقا للصحيفة، اختلف الأوروبيون مع بايدن، في تقدير توقيت وحتمية التصعيد، وشدد أحد المسئولين الأوروبيين على أن الاتحاد الأوروبي "لن يبتلع" مثل هذه التقديرات.

وأوضحت الصحيفة، نقلا عن مصادر مطلعة لم تحددها ونقلا عن مسئولين أمريكيين، أن "روسيا ستشن في البداية سلسلة من الضربات الصاروخية والهجمات الإلكترونية. ونوهت الصحيفة بأن محاوري بايدن شككوا في معطيات المخابرات الأمريكية. وقالت: "أشار الأوروبيون إلى أن لديهم معلومات مغايرة. وأفاد مسئول بريطاني إنه لديهم تفسيرات مغايرة للمعلومات المخابراتيةالمتعلقة بيوم 16 فبراير".

من جانبها، أشارت وكالة بلومبرغ الأمريكية، التي سبق أن أبلغت عن طريق الخطأ عن بدء عملية "غزو" روسيا لأوكرانيا خلال الأسبوع الأول من فبراير، إلى أن "الهجوم" سيحدث في يوم 15.

في موسكو شددت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا يوم الجمعة 11 فبراير، على أن "هستيريا البيت الأبيض لها دلالتها أكثر من أي وقت مضى، وأن الأنجلوساكسونيين يريدون الحرب مهما كان الثمن، والاستفزازات والتضليل والتهديدات هي الوسيلة المفضلة لهم لحل قضاياهم". وأكدت أن "الآلة العسكرية السياسية الأمريكية جاهزة لحصد الأرواح من جديد. والعالم كله يتابع كيف تكشف عن طبيعتها العسكرية ومطامعها الإمبريالية" مذكرة بالادعاءات الغربية التي قادت إلى غزو العراق سنة 2003 وغيرها من الغزوات الأقدم والأحدث.

 

لعبة الاستخبارات الملغومة

 

ذكر المكتب الرئاسي في كييف إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعا خلال مكالمة هاتفية دامت 50 دقيقة يوم الأحد 13 فبراير 2022 الرئيس الأمريكي لزيارة أوكرانيا، وأضاف في بيان: "أنا مقتنع بأن وصولك إلى كييف في الأيام المقبلة، وهو أمر حاسم لاستقرار الوضع، سيكون إشارة قوية تسهم في وقف التصعيد".

من جانبه قال الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة سترد "بسرعة وحسم"، بالتعاون مع حلفائها وشركائها، على أي عدوان روسي آخر ضد أوكرانيا.

تزامن ذلك مع تعهد أوكراني بتخصيص أموال لإبقاء مجالها الجوي مفتوحاً أمام الرحلات الجوية في وقت راجعت فيه بعض شركات الطيران تقديم خدماتها في الدولة، حيث قالت شركة الطيران الهولندية كيه.إل.إم الشريكة في شركة إير فرانس كيه.إل.إم إنها ستوقف خدماتها في أوكرانيا كما أكدت نفس الأمر شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا.

التطمينات الأمريكية لكييف لم يعتبرها عدد من الملاحظين مقنعة نظرا لتجارب سابقة.

تشكل العقوبات الاقتصادية سلاح الولايات المتحدة التقليدي ضد روسيا ودول كثيرة في العالم، غير أن فعالية تلك السياسة تتقلص بإستمرار مع مرور السنين حتى بالنسبة للدول التي لا تنتمي إلى ما يوصف بالدول الكبرى مثال إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها. وبالمناسبة يكفي التذكير تعديل جاكسون – فانيك، الذي فرض في عام 1974 قيودا على تصدير التكنولوجيا والمعدات إلى الاتحاد السوفيتي. تم فرض القيود رسميا لأن الاتحاد السوفيتي منع اليهود من الهجرة إلى إسرائيل. وقد رفعت هذه القيود المفروضة على روسيا فقط في عام 2012، أي بعد حوالي 30 عاما من رفع الاتحاد السوفيتي القيود المفروضة على خروج اليهود، وبعد 21 عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه. ثم هناك ما يسمى بـ "قانون ماغنيتسكي"، عقوبات لتوريد أسلحة لكوريا الشمالية، وعقوبات على الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية، وللتدخل في الانتخابات الأمريكية، وبسبب هجمات القراصنة المنسوبة إلى روسيا على شبكة الانترنت. وبشكل منفصل، العقوبات ضد "السيل الشمالي-2"، بدعوى "تقويض أمن الطاقة في أوروبا"، وأخيرا فرض عقوبات لمجرد حقيقة وجود روسيا على خريطة العالم: "قانون مواجهة أعداء الولايات المتحدة الأمريكية من خلال فرض العقوبات".

خلال الربع الأخير من سنة 2021 وصف بايدن الانسحاب من أفغانستان بأنه انتصار، مركزا على أنه أوفى بوعده، وأنهى حرب أفغانستان المستمرة منذ 20 عاما، ووصف عمليات إجلاء أمريكيين وأفغان بأنها "نجاح استثنائي"، مشيراً إلى 120 ألف شخص تم إجلاؤهم من أفغانستان، "وهو أمر لم يحدث من قبل في التاريخ".

لكن ما بين الغزو والانسحاب سالت أنهار من دماء العسكريين والمدنيين من الجانبين، ونزح الملايين من بيوتهم المدمرة، وأُهدرتمئات مليارات الدولارات، لتأتي لحظة النهاية الحزينة للأمريكيين، والسعيدة لعدوهم "حركة طالبان"، بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ليسدل الستار على أطول الحروب الأمريكية وأكثرها مرارة وفشلا.

ويرى كثير من المراقبين أن إدارة بايدن لا تريد أن تكرر ذلك الخطأ في أزمة أوكرانيا الحالية، لذلك اتخذت قرار "تسريب" التقارير الاستخباراتية أولا بأول وبطرق متنوعة. فمرة يكون المصدر هو الرئيس نفسه أو وزير الخارجية أو كبار المسئولين، وأحيانا يتم تسريب المعلومات لوسائل إعلام معينة يتم اختيارها، أو يتم اختيار شخصيات عامة في المجال العسكري والأمني والسياسي وإطلاعها على تقارير سرية، ليقوموا بدورهم في توصيلها للرأي العام.

لكن المنتقدين لتلك الأساليب في التعامل مع التقارير السرية للاستخبارات يخشون أن تأتي بنتائج عكسية، فمن ناحية قد يسعى الروس للتمويه وتكثيف الحشود العسكرية على الحدود بصورة توحي بأن الحرب على وشك أن تبدأ، ثم لا يحدث شيء. وفي ذلك الوقت يكون بايدن قد سرب معلومات بأن الحرب بدأت وبالتالي تفقد واشنطن مصداقيتها لدى الحلفاء ويفقد الرأي العام الثقة بالاستخبارات.

 

دون رصاصة واحدة

 

قدر مسئولون أوكرانيون إن روسيا قد بدأت بالفعل الحرب على بلادهم من خلال تكتيكات تهدف إلى زعزعة الاستقرار، مشيرين إلى أن موسكو تنتهج سياسة لتقويض كييف من الداخل، بعد أن أصبحت خطط المواجهة والغزو المباشر "شبه مكشوفة".

كبير مستشاري الأمن القومي للرئيس الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، ذكر في تصريح بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، يوم الأحد 13 فبراير 2022، إن روسيا ستعتمد سياسة شن هجمات إلكترونية، وإحداث اضطرابات اقتصادية، وبث الفزع عن طريق نشر مئات التهديدات الوهمية بوجود قنابل وعبوات ناسفة. 

بحسب خبراء، فإن تلك التكتيكات تكشف كيف يمكن للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يواصل الضغط على أوكرانيا دون التصعيد، وصولا إلى إطلاق النار. 

حيث أكد مسئولون أوكرانيون للصحيفة الأمريكية، أن احتمالية شن حملة لزعزعة الاستقرار في كييف أكبر الآن من احتمال شن غزو واسع النطاق.

أوكرانيا واحدة من أفقر البلدان في أوروبا ولديها اقتصاد ضعيف خاصة بعد أن فقد روابطه تدريجيا بالاقتصاد الروسي منذ سنة 1991، وقد أدت الحشود العسكرية الروسية إلى دفع المستثمرين الأجانب لتجميد مشاريعهم وسحب أموالهم من البلاد، مما أثر سلبا على قيمة العملة المحلية. وقبل ذلك ومنذ سنة 2014 زاد ضعف كييف حيث امتدت المعارضة لها بعد تحول ولائها نحو الغرب إلى المناطق الصناعية في شرق البلاد مناطق دونيتسك ولوغانسك التي تسكنها أكثرية ناطقة باللغة الروسية، وسرعان ما اتخذت المعارضة طابعا مسلحا مع ظهور ميليشيات انفصالية وإرسال كييف جيشها لقمع التمرد ولكنها تكبدت هزيمة مدوية.

وتتهم كييف والبلدان الغربية روسيا بدعم المتمردين عسكريا وماليا، إلا أن موسكو نفت باستمرار تلك الاتهامات، ولا تقر إلا بوجود "متطوعين" من الروس في أوكرانيا ذهبوا إليها للقتال من تلقاء أنفسهم.

كما حدت روسيا من حركة المرور البحرية إلى بحر آزوف عبر مضيق كيرتش، مما شكل ما تقول أوكرانيا إنه يرقى إلى حصار جزئي للموانئ بما في ذلك مركز ماريوبول الصناعي، في حين أكدت السفارة الأمريكية في كييف عبر تغريدة لها أن موسكو تشن حربا اقتصادية على أوكرانيا.

وقد أثرت النفقات العسكرية الكبيرة وخسارة الصناعات الحيوية الواقعة في المناطق الانفصالية، على الاقتصاد الذي سجل انكماشا ناهز 17 في المئة بين 2014 و2015.

وبلغ التضخم 50 في المئة تقريبا في 2016، فيما تراجعت قيمة العملة الوطنية، الهريفنيا، إلى ثلث قيمتها قبل حرب الانفصال.

وعلاوة على ذلك، أخفقت السلطات مرارا في عمليات خصخصة المؤسسات العامة، بسبب تحفظ المستثمرين الأجانب واستشراء الفساد.

إلا أن أوكرانيا نجحت في التفاوض على إعادة هيكلة جزئية لديونها، وعلى قرض قيمته 4.16 مليار يورو من صندوق النقد الدولي مقابل إجراءات اقتصادية أضعفت الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

وحسب وكالة فرانس برس لم تتسلم كييف سوى قسم من الأموال من صندوق النقد الدولي بسبب عجزها عن التصدي للفساد الذي يعد آفة مزمنة تنخر جميع القطاعات في البلاد، من الجيش إلى الحكومة.

ويؤكد الخبراء أن الضباط يختلسون الأموال المخصصة لإعادة تمويل الجيش، فيما يعتبر عدد من رجال السياسة دمى في أيدي أقليات متحكمة.

يذكر أن صندوق النقد الدولي كان قد وافق سنة 2008 علىبرنامج إقراض بقيمة 16.5 مليار دولار لاوكرانيا لمساعدتها فياستعادة الثقة ودعم اقتصادها الذي تعرض لهزة بسبب الأزمةالمالية العالمية، ولكن جزء من القرض لم يتم دفعه.

 

الكيل بمكيالين

 

في الوقت الذي تتجادل فيه واشنطن وموسكو بشأن حرية أوكرانيا في الانضمام إلى حلف الناتو وفي الوقت الذي تنفي فيه واشنطن ولندن أساسا تهديد هذا الانضمام لأمن الكرملين، يتعامل الغرب بإسلوب مخالف مع تحركات روسيا. فقد حذر تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست خلال شهر فبراير، من أن التحركات العسكرية في بيلاروس لا تشكل تهديدا لأوكرانيا فقط، وإنما لمنطقة دول البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية أيضا.

وأوضح التقرير أن المخاوف تكمن بأن يصبح الوجود الروسي في بيلاروس دائما، خاصة مع وجود ما بين 20 ألف و 30 ألف جندي روسي مزودين بعتاد وأسلحة ثقيلة، وأنظمة دفاع جوي وطائرات حربية، بحسب تأكيدات وزارة الدفاع الأمريكية.

وأضاف التقرير أن من المفترض أن تعود هذه القوات إلى روسيا عندما تنتهي تدريبات ومناورات "العزم المتحد" في الـ 20 من فبراير.

وفي حال بقاء هذه القوات على المدى الطويل، فإن هذا قد يعني، وفقا للتقرير، "وجود مخاطر مقلقة"، وتحذيرات لدول البلطيق ولحلفائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وأشار تقرير الواشنطن بوست إلى أن العمليات العسكرية في بيلاروس قد تستهدف أوكرانيا في الوقت الحالي، لكنها تثير حفيظة دول الجوار مثل ليتوانيا ولاتيفيا وإستونيا، إذ إن وجود هذه القوات بشكل دائم قد "يغير قواعد اللعبة".

وزاد التقرير أن قادة دول البلطيق دقوا "ناقوس الخطر" في الأيام الأخيرة في اجتماعات مع حلفاء في الناتو، داعين إلى ضرورة تعزيز القوات من حلف شمال الأطلسي على طول الجناح الشرقي للحلف لإعادة التوازن في المنطقة في حال بقاء القوات الروسية في بيلاروس.

وخلال الفترة الماضية أرسل حلف شمال الأطلسي تعزيزات تتضمن آلافا من القوات والسفن الحربية والطائرات المقاتلة إلى بعض دول أوروبا الشرقية، لطمأنة الحلفاء.

وبدأت روسيا، السبت 12 فبراير، مناورات بحرية جديدة في البحر الأسود، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية "أبحرت أكثر من 30 سفينة من أسطول البحر الأسود من سيفاستوبول ونوفوروسيسك بحسب خطة المناورات"، وفق تقرير بثته وكالة فرانس برس.

وأوضحت الوزارة أن "هدف المناورات هو الدفاع عن الواجهة البحرية لشبه جزيرة القرم وقواعد قوات أسطول البحر الأسود بالإضافة إلى القطاع الاقتصادي في البلاد من تهديدات عسكرية محتملة".

 

حلفاء

 

يرى مراقبون في العاصمة الألمانية برلين أن تأكيد البيت الأبيض على تناغم المواقف الغربية بشأن الأزمة الأوكرانية مشبع بالمغالطات حيث أن قوى رئيسية أوروبية كألمانيا وفرنسا لا ترغب في ركوب نفس القارب الأمريكي في مواجهة موسكو.

"نقاش بلا محرمات" في العلن، هذا ما دعا له وزير الخارجية الألماني الأسبق زيغمارغابرييل بخصوص توريد الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا، فيما انتقد رئيس مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن تحفظ الحكومة الألمانية في الأزمة الأوكرانية.

وقال غابرييل لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر يوم الأحد 30 يناير 2022: "الحقيقة هي أنه يمكن أن يكون المرء مذنبا دائما فيما يتعلق بتوريدات أسلحة من خلال الفعل أو اللافعل".

وتابع الوزير الألماني اٍلأسبق: "ما نحتاجه فيما يتعلق بأوكرانيا حاليا هو إجراء نقاش بلا محرمات ومحظورات فكرية في العلن وفي البرلمان الألماني، وكذلك دون تدخل من الخارج". وأضاف غابرييل: "نحن الألمان في الواقع ضد توريدات أسلحة إلى مناطق الأزمات لأسباب وجيهة، لأننا قلقون من تأجيج الصراعات من خلال ذلك بدلا من تهدئته".

وانتقد غابرييل طريقة تعاطي الاتحاد الأوروبي مع الأزمة الأوكرانية، وقال: "إننا غير متحدين في تقييم الوضع بأوكرانيا ولدينا مخاوف حول مصالحنا الاقتصادية وسعداء بأن آخرين يتولون المهمة نيابة عنا. يتعين علينا نحن الأوروبيون تعلم الاعتناء بمصالحنا بأنفسنا"، وشدد على ضرورة أن تدرك فرنسا وألمانيا دورهما القيادي حاليا.

يذكر أن المستشار الألماني أولاف شولتس تردد لفترة طويلة في الأزمة الأوكرانية قبل أن يتخذ موقفا، ولم يضع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم "2 المثير للجدل على الطاولة كأداة للعقوبات، حال حدث غزو روسي لأوكرانيا، إلا في منتصف يناير، ولم يتم ذلك إلا بشكل مغلف لإرضاء البيت الأبيض. وفي الوقت ذاته أعلن شولتس رفضه بشكل واضح، على عكس شركائه بحلف "ناتو"، توريد أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا.

 

عين على الاقتصاد وعين على الحلفاء

 

جاء في تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية يوم 2 فبراير 2022:

لا يزال موقف ألمانيا غامضا فيما يتعلق بالقضايا الرئيسة في الأزمة في العلن على الأقل. ترددت فيما إذا كانت ستفرض عقوبات على نورد ستريم 2، خط أنابيب غاز يمر عبر بحر البلطيق اكتمل بناؤه أخيرا، في حال حدوث غزو روسي. وشككت في الحكمة من تعليق عضوية موسكو في نظام سويفت الدولي للدفععبر البنوك. ورفضت بشكل قاطع إرسال أسلحة إلى أوكرانيا.

خط نورد ستريم 2 هو مشروع عملاق هدفه نقل الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال ألمانيا، وتم الإعلان عنه لأول مرة عام 2015 رغم ضم روسيا قبل أشهر من ذلك لشبه جزيرة القرم، وقد اكتمل بناء خط الأنابيب في سبتمبر 2021، بطول 1200 كلم وبلغت تكلفته 11 مليار يورو وينتظر الآن اكتمال عمليات التصريح للبدء بضخ الغاز الروسي.

وطوال السنوات التي استغرقها بناء خط الأنابيب، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى منعه بشتى السبل الممكنة، وتوترت العلاقات بشدة بين واشنطن وبرلين خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي هاجم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بشراسة بسبب ذلك المشروع. وقد أكد اقتصاديون في ذلك التوقيت أن واشنطن أرادت أن تكون مزودا لأوروبا مباشرة أو عبر أطراف أخرى بالغاز بدلا من روسيا.

تقول كونستانز شتيلزنمولر، رئيسة فريتز ستيرن في معهد بروكينجز في واشنطن، "كانت إدارة بايدن تبذل أقصى جهدها للعمل مع ألمانيا وهي مستاءة من الفوضى الكبيرة المقبلة من برلين".

يأتي الحشد الهائل للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية في لحظة صعبة لألمانيا. تنحت أنجيلا ميركل في ديسمبر 2021 بعد 16 عاما من العمل مستشارة، وترأس خليفتها، أولاف شولتز، ائتلافا هشا من ثلاثة أحزاب بينها خلافات كبيرة بشأن السياسة الخارجية. بالنسبة لحزب الخضر، في الأغلب ما تكون حقوق الإنسان لها الأسبقية على المصالح الاقتصادية، في حين يعتقد كثيرون في الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري، بقيادة شولتز، أن الناتو هو المعتدي وروسيا هي الضحية.

تقول سابين فيشر، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، "لم يكن لدى الحكومة وقت لتكيف نفسها أو لتترسخ. أسابيع فقط في المنصب وتواجه هذه الأزمة الأمنية الهائلة".

لكن الخلاف حول سياستها تجاه أوكرانيا بلور السؤال الأساسي حول السياسة الخارجية الألمانية في فترة ما بعد ميركل. هل سينجح شولتز الذي فاز في انتخابات سبتمبر 2021 بناء على أجندة محلية إلى حد كبير، في إبداء القيادة الهادئة الحازمة نفسها في السياسة الأمنية الغربية كما فعلت ميركل؟ أم ستنزلق ألمانيا مرة أخرى إلى لعب دور أكثر سلبية يتسم بردود الفعل التي تتناقض مع أهميتها الاقتصادية والسياسية؟.

وتجادل برلين بأنها لعبت دورا مهما في الجهود الغربية لردع موسكو عن الغزو، ووعدت بتقديم دعم اقتصادي وسياسي لأوكرانيا وحذرت روسيا من "الثمن الباهظ" التي ستدفعه إذا هاجمت جارتها الغربية.

يقول نيلس شميد، المتحدث باسم السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، "لقد كنا متمسكين بالتأكيد بصيغة الردع والحوار. يجب على العقوبات التي ناقشها الحلفاء أن تظل قائمة، لكن يجب أن يلعب الحوار الآن دورا أكثر أهمية".

ويشير إلى كيفية قيادة برلين لإعادة إحياء محادثات "صيغة نورماندي" بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا بشأن حل الصراع في منطقة دونباس الحدودية الشرقية لأوكرانيا. يقول، "كان تدخل ألمانيا هو السبب الذي أعاد فتح هذا الباب الصغير للدبلوماسية".

ولا تزال برلين تعتقد أنها تمارس تأثيرا فريدا على موسكو يفتقر إليه حلفاؤها. يقول إيان بوند، مدير السياسة الخارجية في مركز الإصلاح الأوروبي، وهي مؤسسة فكرية، "أقنعت ألمانيا نفسها، بتشجيع روسي، بأن لها علاقة خاصة مع موسكو ومسؤولية خاصة للحفاظ على السلام في أوروبا. و"هي" ترى أن اهتمام أوكرانيا الذي عبرت عنه بحرية في الاقتراب من الغرب هي مسألة ثانوية".

لكن يتم إجراء مقارنات لا تداهن أحدا بالفعل بين شولتز وميركل التي قادت الرد الغربي على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في دونباس في 2014، مع الحفاظ على الحوار مع فلاديمير بوتين بينما كانت أيضا في مقدمة العقوبات الصارمة ضد موسكو التي لا تزال سارية.

أمريكيا تم تغذية الشكوك بشأن موقف ألمانيا من أوكرانيا عبر افتقار الحكومة لخط منسجم حول نورد ستريم 2، خط الأنابيب الذي يمر تحت بحر البلطيق والذي اكتمل لكنه لا يزال ينتظر موافقة الجهات التنظيمية لبدء التشغيل.

يقول منتقدو خط الأنابيب، الذي سيجلب الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، متجاوزا أوكرانيا، إنه يمنح موسكو نفوذا أكبر على كييف ويجعل أوروبا أكثر اعتمادا على صادرات الطاقة الروسية مما هي عليه بالفعل. قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن خط الأنابيب "لن يمضي قدما" إذا غزت روسيا أوكرانيا.

يجسد نورد ستريم 2 معضلة تواجهها ألمانيا. صناعتها تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، وسيزداد هذا الاعتماد مع تخلص الدولة التدريجي من الطاقة النووية والفحم. يقول ماركوس كريببر، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الألمانية، إر دبليو إي، "كان لدينا لأعوام اعتماد متبادل وثيق. نحن بحاجة للغاز الطبيعي الروسي، وروسيا بحاجة للعملة الأجنبية. نشأت بيننا توترات في الماضي، لكن الغاز كان يأتي دائما".

هذا ما يفسر حساسية ألمانيا تجاه قضية العقوبات. يقول دميتري ترينين، رئيس مركز كارنيغي في موسكو، "اليوم تعد ألمانيا أكبر قوة غربية ذات فوائد حقيقية وأساسية في العلاقات الاقتصادية مع روسيا. لذلك ستكون الخاسر الأكبر من فرض عقوبات على روسيا، على خلاف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين لن تخسرا شيئا كبيرا".

رحبت روسيا بالنهج الألماني تجاه الأزمة. قال سيرجي جافريلوف النائب الروسي، "موقف ألمانيا المتحفظ هو عامل مهم للغاية في عملية المصالحة وبناء الثقة والاستقرار. إنها لا تريد أي دور في أعمال أوكرانيا الاستفزازية، ولا تريد أن تزود الأسلحة للصراع في دونباس ولا تستخدم الخطاب العدائي الاستفزازي مثل الأمريكيين والبريطانيين".

مواقف بعض كبار الضباط في البحرية الألمانية كشفت جزءا من المشاعر في ألمانيا تجاه أوكرانيا. أجبر كاي أكيم شونباخ قائد البحرية، على الاستقالة في 22 يناير 2022 بعد تصويره وهو يقول إن بوتين يستحق أن يعامل من قبل الغرب على قدم المساواة، وذكر إن شبه جزيرة القرم لن تعود أبدا إلى سيطرة كييف.

وأضاف في محاضرة أمام مؤسسة فكرية هندية في نيودلهي، "ما يريده "بوتين" حقا هو الاحترام "..." إحترام شخص ما أمر قليل التكلفة، بل دون تكلفة "..." من السهل منحه الاحترام الذي يطلبه حقا – وربما يستحقه أيضا".

وقد سر الروس بتصريحاته. وصرح جافريلوف، عضو في مجلس الدوما "البرلمان"، "الأغلبية العظمى من الألمان يشاركونه الموقف نفسه، إنهم فقط لا يعلنون عن ذلك". لكن المسئولين الأوكرانيين غضبوا.

قفز كثير من الألمان للدفاع عن شونباخ. ذكر هارالد كوغات، المفتش العام السابق للبوندسفير "القوات المسلحة الألمانية"، إن الأدميرال كان يوضح فقط ما هو واضح – أن أي رأي بإمكانية إعادة شبه جزيرة القرم إلى السيطرة الأوكرانية "سخيف تماما"، مشيرا إلى عدم وجود أي خطأ في اقتراح أن يتفاوض الغرب مع روسيا على قدم المساواة – "هذا بالضبط ما يفعله الأمريكيون".

وأخذ كوجات الأمر إلى أبعد من ذلك، حين كشف عن استعداد مذهل لرؤية العالم من خلال رؤية بوتين. قال لراديو إر بي بي، "يجب ألا تصبح أوكرانيا بؤرة استيطانية للغرب ضد روسيا، وهذا بالضبط ما يحدث الآن".

 

التطبيع بين الشرق والغرب

 

تمثل هذه الملاحظة الموقف الذي اتخذته الجماعات الألمانية المتعاطفة مع بوتين في أزمة أوكرانيا، وكثير منهم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. تم تجسيد الاتجاه المؤيد لروسيا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي من قبل جيرهارد شرودر، المستشار السابق الذي أصبح رئيسا للجنة المساهمين في نورد ستريم بعد فترة وجيزة من ترك منصبه في 2005 وتولى في 2017 رئاسة مجموعة روسنفت النفطية الروسية التي يسيطر عليها الكرملين.

لكن شرودر الذي أشار ذات مرة إلى بوتين بأنه "ديمقراطي لا تشوبه شائبة" وأدان منتصف فبراير قعقعة "التهديد العسكري" الصادرة عن أوكرانيا في الأزمة مع روسيا، ليس وحده. يشاركه في وجهات نظره بشأن روسيا بعض الديمقراطيين الاجتماعيين البارزين الآخرين، مثل ماتياس بلاتزيك، رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق الذي يرأس الآن المنتدى الألماني الروسي.

قال للتلفزيون الألماني في وقت سابق، "إذا كنت تريد أن تنجح الدبلوماسية، عليك أن تقول "لروسيا" نعم، نحن ندرك احتياجاتك الأمنية، ومخاوفك الأمنية، وسنتعامل معها. إننا لم نفعل ذلك منذ 30 عاما". 

هذه الآراء منتشرة على نطاق واسع في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتجعل من الصعب على شولتز - الذي اشتهر بخسارة المنافسة على قيادة الحزب في 2019 ولا يزال الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يثق به - أن يتبنى نهجا أكثر تصادما مع روسيا.

كذلك تتعقد مهمته بسبب حنين الاشتراكيين الديمقراطيين المستمر إلى سياسة التطبيع بين الغرب والشرق، وسياسة التقارب والمشاركة مع الكتلة السوفياتية التي اتبعها المستشار فيلي برانت في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولا يزال لدى بعضهم اعتقاد راسخ أنها عجلت بنهاية الحرب الباردة، بدلا من سباق التسلح الذي أشعله رونالد ريغان في الثمانينيات.

النتيجة هي أن روسيا تواصل لعب دور كبير في النظرة الألمانية للعالم. يقول شميد، "روسيا حاضرة في ألمانيا كعامل مؤثر أكثر من أي مكان آخر - بسبب تاريخنا وثقافتنا، وبسبب الدور الذي لعبه ميخائيل غورباتشوف في إعادة توحيد ألمانيا، وبسبب العلاقات الاقتصادية العميقة بين البلدين". 

 

سلاح ذو حدين

 

رهان واشنطن وبعض حلفائها على فعالية سلاح العقوبات لجعلموسكو تخسر كثيرا من هجومها على أوكرانيا ويزعزع سلطةالرئيس بوتين، يشكل سلاحا ذو حدين حسب تقديرات العديد منالخبراء، ويقدر هؤلاء أن الكرملين وضع مسبقا مكاميزمات ملائمةوفعالة لمواجهة الاجراءات الغربية المتوقعة، الأمر الذي قد يجعلسلاح العقوبات غير فعال في الوصول إلى الهدف المنشود منه. 

على صعيد سوق الطاقة أي النفط والغاز يخشى من أن تلحقالعقوبات أضرارا أوسع بالدول الغربية وغيرها مما يؤمل فيواشنطن ولندن. 

تقترب أسعار النفط في العالم من عتبة 100 دولار للبرميل، معزيادة المخاوف من غزو روسي محتمل لأوكرانيا، في حين أنالإمدادات الاحتياطية من النفط والغاز محدودة على مستوىالعالم، مما يجعل التحرك الروسي تجاه أوكرانيا "أمراجيوسياسيا خطيرا"، وفق تحليل لصحيفة وول ستريت جورنالبشأن تداعيات الخطوة الروسية المحتملة على أسعار الطاقة فيالعالم. 

وروسيا ثالث منتج للنفط في العالم، وتصدر نحو 5 ملايين برميلمن الخام يوميا، مما يعادل 12 في المئة من التجارة العالمية فيالنفط، وحوالي 2.5 مليون برميل يوميا من المنتجات البترولية، ممايمثل 10 في المئة من حجم التجارة العالمية، وفقا لبنك الاستثمار"كوين".

ويقول التحليل إن التهديد بغزو أوكرانيا "يهز سوق النفط العالميةالهشة"، مما يدفع الأسعار إلى الاقتراب من 100 دولار للبرميل،إذ يعتقد التجار أن الإمدادات لن تكفي للتخفيف من تأثير أياضطراب كبير في صادرات الوقود الأحفوري الروسي.

وفي ظل هذا الوضع، يضطر التجار إلى فرض "بدل مخاطرجيوسياسي كبير"، أدى إلى أن ارتفاع أسعار النفط الخام، التيلم تتجاوز 100 دولار للبرميل منذ 2014، إلى أعلى مستوى لهافي ثماني سنوات بسبب تلك المخاوف.

ورغم أن الأسعار تراجعت بشكل طفيف في التعاملات المبكرة، يومالاثنين 14 فبراير، مع انخفاض خام برنت 0.3 في المئة إلى94.07 دولارا للبرميل، إلا أنه لا يزال بالقرب من أعلى مستوى لهمنذ 2014.

وتقول فرانس برس إن أسعار النفط تقترب من أعلى مستوياتهامنذ سبع سنوات، وتنقل عن فينسينت بوي، المحلل لدى شركةالوساطة المالية "آي جي فرانس" إن "كل الأنظار تتجه إلى سعرالنفط الذي يمكن أن يصل على المدى القريب إلى عتبة 100 دولار، في ارتفاع من شأنه أن يؤثر أكثر على ارتفاع معدلاتالتضخم".

ويأتي التوتر بشأن أوكرانيا في الوقت الذي تعهدت فيه دول"أوبك- بلاس" بضخ النفط في أسواقها مع زيادة الطلب، لكنها لمتحقق أهدافها، في حين تعهدت شركات النفط الصخريالأمريكي بالحد من نمو الإنتاج وإعادة المزيد من السيولة إلىالمساهمين، مما قد يحد من قدرتها على سد أي فجوة في العرض.

وتوضح وول ستريت جورنال أيضا أنه إذا أدى الصراع فيأوكرانيا إلى انخفاض كبير في تدفق النفط الروسي إلىالأسواق، فسيهدد ذلك "التوازن الضيق بين العرض والطلب".

 

تهاوي أسواق المال

 

وأدت المخاوف بشأن الغزو الروسي المحتمل إلى تقلبات في سوقالمال وسط مخاوف من ارتفاع التضخم وارتفاع عوائد السندات. وقالت فرانس برس إن الأسواق المالية العالمية "تهاوت"، يومالاثنين، على وقع المخاوف من اجتياح روسي وشيك لأوكرانيا.

وفي بداية التعاملات، سجلت الأسواق الأوروبية تراجعات قوية، إذبلغت الخسائر 3.68 في المئة في ميلانو و3.51 في المئة فيباريس و3.28 في المئة في فرانكفورت، في أدنى مستوى منذأكتوبر، و1.91 في المئة في لندن. 

وكان التراجع أشد حدة في بورصة موسكو إذ خسر مؤشر "أرتي أس" 4.29 في المئة من قيمته.

وبدأ القلق من الوضع الجيوسياسي الراهن يعتري المستثمرينمنذ يوم الجمعة 11 فبراير مع صدور أولى التصريحات الأمريكيةالمحذرة من غزو روسي وشيك ، إذ قلبت هذه التحذيرات الوضعفي وول ستريت من الأخضر إلى الأحمر قبيل انتهاء جلسةالتداولات، وأغلق مؤشر "داو جونز" على تراجع بنسبة 1.43 فيالمئة و"ناسداك" على تراجع نسبته 2.78 في المئة، بينما تراجعمؤشر "أس آند بي 500" بنسبة 1.90 في المئة.

والأحد، جددت واشنطن تحذيراتها من أن روسيا يمكن أن تغزوأوكرانيا "في أي وقت"، بعد أن فشلت الجهود الدبلوماسية المكثفةالتي بذلت خلال عطلة نهاية الأسبوع بين الزعماء الغربيينوالكرملين في خفض التوتر.

وذكر جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز جامعة كولومبيالسياسة الطاقة العالمية لوول ستريت جورنال: "نحن نستعد لفترةمن الاضطرابات... يصبح التهديد أكثر وضوحا عندما تكونأسواق الطاقة محدودة".

 

اضطراب في العالم

 

ويقول محللون ومستشارون إن روسيا التي تعتبر أحد أكبرمصدري السلع، بما في ذلك القمح، قد يؤدي صراعها مع أوكرانياإلى حدوث اضطراب في أسعار السلع العالمية.

ويمكن أن يكون للارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي والنفطآثار مضاعفة على أسعار البنزين والعديد من السلع الاستهلاكيةحول العالم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم.

ويحذر محللون من حدوث اضطراب في صادرات الغاز الطبيعيلروسيا التي تصدر حوالي 23 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا،أي حوالي 25 في المئة من التجارة العالمية، ويذهب 85 في المئةمن هذا الغاز إلى أوروبا.

وقد يتعطل تدفق الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا إذا توقفتشبكة خطوط الأنابيب في أوكرانيا في حال حدوث نزاع.

وإذا خفضت روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا أو فرضتالولايات المتحدة عقوبات عليها، ستجد الشركات الأوروبية صعوبةشديدة في الحصول على الإمدادات.

وقد وصلت أسعار الغاز الأوروبية مؤخرا إلى مستويات قياسية،ونتيجة لذلك، يوجه السوق بالفعل الكثير من الإمدادات الاحتياطيةمن الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مثل الشركات في الولاياتالمتحدة وقطر وأستراليا التي أصبحت تعمل بكامل طاقتها.

ويقول المحللون إن خفض إنتاج الغاز الطبيعي قد يكون له أيضاآثار مضاعفة في أسواق النفط حيث أن المنافسة الشديدةوارتفاع أسعار الغاز قد يجبران بعض محطات توليد الطاقةوغيرها التي تعمل بالغاز على استخدام النفط بدلا من ذلك، مايؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار النفط.

وتذكر وول ستريت جورنال إنه حتى لو لم تستهدف الولاياتالمتحدة صناعة الطاقة في روسيا بالعقوبات، فقد يكون للعقوباتالأخرى آثار غير مباشرة على أسواق السلع الأساسية. 

وقال ماثيو ريد، المحلل في شركة الاستشارات "فورين ريبورتس" ومقرها واشنطن، إن العقوبات المفروضة على المؤسسات الماليةالروسية، على سبيل المثال، قد تجعل تمويل عمليات الطاقة أكثرصعوبة.

ويشير ريد إلى قلق البعض من أن الجولة الثانية من العقوبات،إذا فشلت الأولى في ردع روسيا، ستوجه بشكل مباشر إلىإمدادات الطاقة.

وذكر إن "الخطر الحقيقي هنا ليس بالضرورة الجولة الأولى منالعقوبات.. إنها الجولة الثانية التي تأتي بعد ذلك، إذا أدركالجميع أن الأولى كانت مضيعة للوقت".

 

ثلاثة سيناريوهات محتملة

 

جاء في تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية خلال النصفالأول من شهر فبراير 2022: 

على الرغم من سلسلة الاجتماعات التي عقدت في الأسابيعالأخيرة، لم تقترب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسيوأوكرانيا وروسيا من التوصل إلى حل دبلوماسي لخفض التوتراتعلى الحدود الأوكرانية الروسية.

ومع أن روسيا لم تتخل تماما عن الدبلوماسية، إلا أن الفجوة بينالمطالب الروسية والغربية تبدو كبيرة، كما أوضح المسؤولونالروس أنهم غير مهتمين بالمقترحات التي تركز فقط علىالاستقرار الاستراتيجي أو على المناورات العسكرية، أو حتىعلى وقف عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.

وتسري تكهنات بأن روسيا باتت قريبة من التحرك لغزو أوكرانيا،فيما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، إنالبنتاغون لا يزال يعتقد أن الرئيس الروسي لم يتخذ بعد قرارانهائيا بشأن غزو أوكرانيا، لكنه أشار إلى أن المعلوماتالاستخباراتية لا تزال تشير إلى أن الروس قد يلجأون إلى الخيارالعسكري.

وبحسب مقال منشور على المجلة لأمريكية فإن الرئيس الروسي،فلاديمير بوتين، يسعى إلى التفكيك الكامل للبنية الأمنية فيأوروبا في فترة ما بعد الحرب الباردة والتراجع عن الاتفاقاتالدولية الأساسية التي تحكم حقوق الدول في تقرير المصير - وهي النتيجة التي لن تقبلها الولايات المتحدة وشركاؤها وحلفاؤهاأبدا.

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التأكيدات بأن روسيا ليس لديهاخطط "لغزو" أوكرانيا - حيث يحتل الجيش الروسي أراضيأوكرانيا ويخوض حربا على الأراضي الأوكرانية منذ عام 2014 - استمر الحشد العسكري على طول الحدود الأوكرانية الروسية بلاهوادة.

وفي الآونة الأخيرة، تتحرك المعدات العسكرية من المنطقةالعسكرية الشرقية الروسية غربا في حين تتحرك مروحيات الهجوموالنقل وكذلك وحدات الدعم في مكان يؤهلها لشن هجوم واسعالنطاق.

وبررت روسيا أيضا الحشد العسكري شمال أوكرانيا بأنها تنظممناورات عسكرية مشتركة مع بيلاروس تستمر حتى 20 فبراير.

وتتركز القوات الروسية بالفعل بالقرب من الحدود الجنوبيةوالجنوبية الشرقية مع أوكرانيا. ولا تزال هناك خطوات إضافية قبلبدء العملية، ولكن التدريبات والمناورات بالذخيرة الحية التي تجريحاليا ووصول الوحدات اللوجستية تدل على وجود قوة تستعدللعمل.

وفي وقت سابق، توقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن يقرربوتين في نهاية المطاف شكلا من أشكال الغزو أو التوغل، وقال"هل اعتقد أنه سيختبر الغرب ويختبر الولايات المتحدة وحلفشمال الاطلسي بقدر ما يستطيع؟ نعم، اعتقد أنه سيفعل ذلك".

 

الأهداف النهائية

 

إن صراعا عسكريا كبيرا في أوكرانيا من شأنه أن يشكل كارثة. ولكن من المرجح الآن أن الولايات المتحدة تستعد لذلك. فماذاسيحدث في التالي للغزو إن حدث؟

بافتراض فشل الدبلوماسية، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة،تعتمد كلها على الكيفية التي يقرر بها بوتين أنه قادر على تحقيقأهدافه النهائية على أفضل وجه.

وهذه الأهداف هي شل القدرات العسكرية الأوكرانية، وزرعالاضطرابات في الحكومة الأوكرانية، وفي نهاية المطاف، تحويلأوكرانيا إلى دولة فاشلة - وهي النتيجة التي يسعى إليها بوتينلأنها من شأنها أن تنهي تهديد أوكرانيا كخصم مستعصي وتحدأمني متزايد الخطورة.

وتقول مجلة فورين أفيرز  إن بوتين يكره احتمال وجود نموذجديمقراطي مزدهر ومزدهر في مهد الحضارة السلافية الشرقية،وهو تطور من الممكن أن يوفر للمواطنين الروس إطارا ملهما علىنحو متزايد من أجل انتقال ديمقراطي في بلادهم.

وفي مواجهة تراجع النفوذ والسيطرة على السياسة الداخليةوالخارجية الأوكرانية، لا يستطيع الكرملين تحقيق أهدافه إلا بالقوةالعسكرية.

وتقول المجلة إن السيناريو الأول يتمثل في حل دبلوماسي للأزمةالراهنة، ويمكن لروسيا أن تتحرك للاعتراف رسميا بمنطقةدونباس المحتلة في شرق أوكرانيا أو ضمها إليها.

وقد اتخذ الحزب الشيوعي الروسى بالفعل خطوة تقديم مشروعقانون إلى مجلس الدوما الروسي يعترف بالدولة الانفصالية فىدونباس بطريقة مشابهة للطريقة التى اعترفت بها روسيا بأبخازياوأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان منفصلتان فى جورجيا.

وهذا من شأنه أن يسمح للكرملين بتجنب المزيد من التصعيدالعسكري، ويبقى مع ذلك يحقق "فوزا". وقد تأمل القيادة الروسيةأيضا في دفع أوكرانيا إلى سوء تقدير مماثل للخطأ الذي ارتكبهفي عام 2008 الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، الذياختار محاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا في أبخازياوأوسيتيا الجنوبية، وبالتالي تزويد الكرملين بذريعة للقيام بعملعسكري إضافي مع الإنكار لأي مسؤولية.

مشكلة هذا السيناريو بالنسبة لموسكو أنه سيزيد من تحجرالوضع الراهن، وسيفقد روسيا السيطرة على السياسة الداخليةفي أوكرانيا كما أنه لا يمنع الولايات المتحدة وحلف شمالالأطلسي من الرد بعمليات نشر جنود إضافية على طول الجناحالشرقي للحلف، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نوع منالمعضلة الأمنية التي يريد الكرملين تجنبها.

 

السيناريو الثاني

 

أما السيناريو الثاني فينطوي على هجوم روسي محدود، مع قوةجوية محدودة، للاستيلاء على أراض إضافية في شرق أوكرانياوفي دونباس، ربما كامتداد للاعتراف أو الضم الكامل. 

وفي هذا السيناريو، ستستولي روسيا على ماريوبول، وهو ميناءأوكراني رئيسي على بحر آزوف، فضلا عن خاركيف، وهي مدينةكبرى ذات أهمية رمزية باعتبارها عاصمة الجمهورية الاشتراكيةالسوفيتية الأوكرانية السابقة.

كما يمكن لروسيا أن تحاول إصدار نسخة أكثر طموحا وتوسعامن هذا الهجوم من خلال القيام بتشكيل كماشة من الشرقوالجنوب بقوة برية وجوية وبحرية.

كما يمكنها شن عملية برمائية للاستيلاء على أوديسا، أهم ميناءفي أوكرانيا، ومن ثم الدفع نحو القوات الروسية المتمركزة بالفعلفي ترانسنيستريا، وهي منطقة منشقة عن مولدوفا.

ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تحرم أوكرانيا من الموانئالاقتصادية الحيوية على طول ساحلها الجنوبي، وتجعل أوكرانياغير ساحلية، وتحل المشاكل اللوجستية التي تواجهها روسيا منذفترة طويلة فيما يتعلق بتوفير الإمدادات، بما في ذلك المياه، لشبهجزيرة القرم.

لكن هذه ستكون هذه عملية هائلة تتطلب الزج بجميع القوات التيجمعتها روسيا في شبه جزيرة القرم وعلى طول الحدود الشرقيةوالشمالية لأوكرانيا، وسيتطلب ذلك أيضا الاستيلاء على الأراضيالمتنازع عليها والاحتفاظ بها، كما ستضطر روسيا إلى الانخراطفي جهد مكلف لاحتلال المدن الأوكرانية الكبرى فضلا عن ذلكفإن الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها من أجل احتلالطويل الأمد من شأنه أن يضعف أوكرانيا، ولكنه لن يؤدي إلى دولةفاشلة.

اوبالتالي، فإن النتيجة الثالثة والأكثر ترجيحا هي هجوم روسيواسع النطاق يستخدم القوة البرية والجوية والبحرية على جميعمحاور الهجوم.

وفي هذا السيناريو، ستبني روسيا التفوق الجوي والبحري فيأسرع وقت ممكن، ثم تتقدم بعض القوات البرية الروسية نحوخاركيف وسومي في الشمال الشرقي، بينما تتقدم قوات اخرىمتمركزة الان فى القرم ودونباس من الجنوب والشرق.

وفي الوقت نفسه، يمكن للقوات الروسية في بيلاروسيا أن تهددكييف بشكل مباشر، وبالتالي تحاصر القوات الأوكرانية التي قدتتحرك لتعزيز الشرق والجنوب، ويمكن لهذه القوات أن تتقدم نحوكييف لتسريع استسلام الحكومة الأوكرانية.

لكن، بحسب المجلة، فإنه من غير المرجح أن يحدث احتلال طويلالأجل في هذا السيناريو لإن اقتحام المدن الكبرى واحتلالها منشأنه أن يخلق تصعيدا في الحرب داخل المدن وخسائر إضافيةربما يرغب الجيش الروسي في تجنبها.

ومن المرجح أن تستولي القوات الروسية على الأراضي وتمسك بهالإنشاء خطوط إمداد وحمايتها ثم تنسحب بعد التوصل إلى تسويةدبلوماسية مواتية أو إلحاق أضرار كافية، ثم تترك أوكرانيا والغربلترميم الخسائر.

وستركز هذه العملية على الضربات العقابية على الحكومةالأوكرانية والجيش والبنية التحتية الحيوية كما ستعطي روسياالأولوية لتدمير مصنعي الأسلحة الأوكرانيين. والقضاء على قدرةأوكرانيا على تطوير وإنتاج صواريخ كروز من طراز نبتون،وأنظمة صواريخ سابسان، والصواريخ الباليستية القصيرة المدىمن طراز Hrim-2، فإن روسيا قادرة على إزالة التهديد المحتملللردع التقليدي من أوكرانيا في المستقبل القريب.

ومن شأن هذه الضربات أن تلحق عشرات الآلاف من الضحاياوأن تؤدي إلى كارثة إنسانية، مما يؤدي إلى الفوضى داخلسلاسل القيادة المدنية والعسكرية وربما قطع القيادة الأوكرانية.

وإذا سارت كل هذه الهجمات وفقا لخطة روسيا، فإنها ستشلالحكومة الأوكرانية والجيش والبنية التحتية الاقتصادية - وكلهاخطوات مهمة نحو تحقيق هدف جعل أوكرانيا دولة فاشلة.

 

استجابة غير مسبوقة

 

وبغض النظر عما إذا كانت روسيا تختار توغلا محدودا أكثر أوهجوما أوسع نطاقا، فإن العواقب التي تواجهها من الولاياتالمتحدة وحلفائها وشركائها يجب أن تكون غير مسبوقة، كماحذرت إدارة بايدن سابقا من أنها ستكون كذلك.

وقد قدم السيناتور الأمريكي روبرت مينينديز، الديمقراطي عنولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلسالشيوخ، بالفعل "مشروع قانون الدفاع عن سيادة أوكرانيا لعام2022 ".

وهو يتضمن قروضا إضافية لدعم الجيش الأوكراني، تعزيزالقدرات الدفاعية الأوكرانية، زيادة الدعم لبرامج التبادل العسكريبين الولايات المتحدة وأوكرانيا ومساعدة إضافية لبرامج مكافحةالتضليل في أوكرانيا.

 

سيطرة كاملة

 

في الدوائر السياسية والعسكرية المسيطرة على قرارت البيتالأبيض يسود اعتقاد أنه رغم التحشيد العسكري الروسي الهائلعلى 3 جهات، إلا أن 130 ألف جندي قد لا يكفون لاحتلالأوكرانيا بالكامل والسيطرة عليها، وفق تقرير لصحيفة "وولستريت جورنال". 

وذكر عسكريون متخصصون إن حرب المدن ستظل تمثل تحديالموسكو، تماما كما هو الحال للقوات الروسية التي تقاتل فيالشيشان منذ أكثر من عقد.

ويتميز التعزيز العسكري الهائل لروسيا بالقرب من أوكرانيابأنظمة الأسلحة الأكثر فاعلية، ويزود الكرملين الجيش الروسيبالوسائل لمهاجمة القوات الأوكرانية من اتجاهات متعددة، مما قديؤدي على الأرجح إلى إرهاق دفاعاتها.

وتسارعت في الأسابيع الأخيرة نشر روسيا لقواتها على ثلاثةجوانب من أوكرانيا: في بيلاروسيا وغرب روسيا وشبه جزيرة القرموعلى السفن البحرية في مياه البحر الأسود. 

وتضم القوات بعض أفضل الكتائب الروسية المدربة والقواتالخاصة وصواريخ أرض - أرض التي يمكن أن تضرب أهدافا فيجميع أنحاء أوكرانيا، وفق للصحيفة الأمريكية.

وقالت الخبيرة في الشؤون العسكرية الروسية، دارا ماسيكوت،إنه "مع مرور الوقت، ستصبح المهمات أكثر تعقيدا بالنسبةللجيش الروسي، مثل السيطرة على الطرق وتأمين التضاريسوتطويق المدن الكبرى".

وذكرت ماسيكوت إن حرب المدن ستكون مرهقة للغاية، وهم لايتدربون على هذا النحو.

وفي سياق متصل، تحسنت القوات الأوكرانية، التي يبلغ تعدادهاحوالي 260 ألفا، منذ عام 2014، منذ أن ضمت روسيا منطقةشبه جزيرة القرم ودعمت قوة انفصالية بالوكالة في شرق البلاد. 

منذ ذلك الحين، استفادت القوات الأوكرانية من الدعم المتزايدللمستشارين الأمريكيين والغربيين الآخرين. 

وتتمركز أفضل القوات الأوكرانية على حدود دونباس، حيث يستمرالقتال ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ عام 2014. 

ومع ذلك، قد تكون تلك القوات الأوكرانية عرضة للتطويق إذا عكفتالقوات الروسية على الهجوم من جهتي الشمال والجنوب.

وأرسلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في منظمة حلف شمالالأطلسي "الناتو" أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ "ستينغر" للدفاع الجوي وأنظمة قتال أخرى إلى أوكرانيا. 

وحصلت أوكرانيا أيضا على طائرات بدون طيار تركية الصنع،واستخدمت إحداها في أكتوبر لتدمير مدفع هاوتزر يديرهالانفصاليون الذين يتلقون الدعم من روسيا.

ومع ذلك، فإن شحنات الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدةوشركاؤها لم تشمل الدفاعات الجوية المتطورة أو الصواريخالمضادة للسفن، مما يعيق قدرة الأوكرانيين على الدفاع عنأنفسهم ضد الجيش الروسي الأكثر حداثة.

من بين خيارات بوتين ممارسة الضغط العسكري على كييف دوندخول المدينة وتحريك المزيد من القوات الروسية إلى دونباس التييسيطر عليها الانفصاليون، كما يقول فيليب بريدلوف، وهو جنرالمتقاعد من القوات الجوية الأمريكية وخدم كقائد لحلف الناتو من2013 إلى 2016. 

وذكر الجنرال بريدلوف: "لقد صمم بوتين مجموعة من الأدواتالتي تمنحه خيارات مميزة، وهذه الأدوات جاهزة الآن".

عمر نجيب

[email protected]