عودة العالم إلى الحرب الباردة ومعركة أوكرانيا في الميزان... هل ينجح بوتين في وقف توسع حلف الناتو في شرق أوروبا ؟

ثلاثاء, 2022-01-25 07:10

يتابع جزء كبير من العالم خاصة منذ بداية سنة 2022 بنوع من القلق والترقب مسار الصراع الدائر وسط الساحة الأوروبية حول أوكرانيا بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والى جانبها غالبية أعضاء حلف الناتو من جانب آخر. المواجهة تكتسب مع مرور الأيام أبعادا ترفع من إمكانية تحولها إلى حرب واسعة النطاق يصعب التحكم فيها لتتحول رغم عدم رغبة الأطراف الرئيسية المشاركة فيها إلى حرب عالمية ثالثة.

المواجهة على الساحة الأوكرانية تشابه في بعض جوانبها أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962.

بدأت أزمة الصواريخ الكوبية في 8 أكتوبر 1962، ووصلت ذروتها في 14 أكتوبر عندما أظهرت صور التقطت من طائرة التجسس الأمريكية "لوكهيد U-2" وجود قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا البعيدة عن ولاية فلوريدا الأمريكية قرابة 140 كيلومتراً فقط.

اعتبر عدد كبير من المحللين نشر الكرملين لصواريخ نووية في كوبا بمثابة رد على نشر الولايات المتحدة صواريخ "ثور" في بريطانيا ضمن مشروع "إميلي" عام 1958، بالإضافة لنشر صواريخ "جوبيتر" في كل من إيطاليا وتركيا عام 1961، وذلك بهدف تطويق الاتحاد السوفيتي بأكثر من 100 صاروخ ذات رؤوس نووية.

في أعقاب تأكيد اكتشاف الصواريخ السوفيتية في 14 أكتوبر، فكرت أمريكا في إطلاق حملة عسكرية واسعة على كوبا، وقصف مواقع الصواريخ وتدميرها وقتل الخبراء السوفيت، إلا أن الرئيس كينيدي كان متخوفاً من الرد السوفيتي القاسي على الجبهة الألمانية، واحتلال العاصمة برلين.

جرت مفاوضات سرية بين البيت الأبيض والكرملين وفي 28 أكتوبر 1962، انتهت أزمة الصواريخ الكوبية بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإزالة الصواريخ السوفيتية ومنصات إطلاقها من الأراضي الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وأن تتخلص بشكل سري من صواريخ "ثور" و"جوبيتر" المنصوبة في بريطانيا وكل من إيطاليا وتركيا.

وبعد قرابة 11 شهرا من الاتفاق، وتحديدا في سبتمبر 1963، سحبت صواريخ "جوبيتر" الأمريكية من تركيا، وأُعلن لاحقاإنشاء خط ساخن بين موسكو وواشنطن من أجل ضمان سهولة التواصل لمنع اندلاع صراع نووي في المستقبل.

 

وعود

 

في فترة سقوط حائط برلين في 9 نوفمبر 1989 والشروع بعدها في عملية توحيد شطري ألمانيا ثم تفكك الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991، عقب إصدار مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي الإعلان رقم (H-142) والذي أُعلن فيه الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل محل الاتحاد السوفيتي، تعهدت الولايات المتحدة بعدم توسع حلف شمال الأطلسي سوى في ألمانيا الموحدة.

واشنطن تخلت عن التزامها واستغلت فترة اضطراب الوضع في روسيا لتوسع حلف "الناتو" شرقا في محاولة جديدة لفرض طوق حصار على روسيا.

يوم الاثنين 6 ديسمبر 2021 ألمح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إلى إن واشنطن لا تعتقد أنها نكثت بوعدها لروسيا بعدم توسيع الناتو شرقا، مشيرا إلى أن واشنطن تنتهج منذ زمن طويل "سياسة الباب المفتوح".

جاء ذلك خلال إفادة صحفية، في معرض رد برايس على تذكير أحد الصحفيين بأن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعد الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عام 1990 بعدم لتوسيع الناتو "شبرا واحدا إلى الشرق".

وذكر برايس إن الناتو "تحالف دفاعي بحت" ويجب أن يكون لديه خيار قبول أعضاء جدد. وأضاف أن فكرة أن الناتو أو الطامحين للانضمام إليه مثل أوكرانيا، يمكن أن يشكلوا تهديدا لروسيا هي "فكرة مثيرة للضحك لو لم يكن الوضع بهذه الدرجة من الخطورة".

كما شدد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على أن الولايات المتحدة تدعم حق أوكرانيا في "تقرير مستقبلها" فيما يتعلق بالعضوية في الناتو "دون تدخل خارجي".

وبعد أن كرر الصحفي سؤاله عما إذا كانت واشنطن تعتبر وعد بيكر خاطئا أو أنه تم النكث به، وما إذا كانت الولايات المتحدة تتفهم سبب استعداد روسيا للرد على زحف الناتو، أشار برايس إلى أنها "سياسة طويلة الأمد" للولايات المتحدة والحلف، تم تأكيدها مرارا بما في ذلك في قمة بوخارست عام 2008، دون أن يعطي إجابة محددة عن السؤال.

وفي وقت سابق، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حوار مع شبكة "إن بي سي" أن غورباتشوف قد تلقى وعدا أمريكيا بوقف توسع الناتو شرقا. كما أكد بوتين إن بلاده ستصر في الحوار مع الولايات المتحدة وحلفائها، على وضع اتفاقيات محددة من شأنها أن تستبعد أي توسع لاحق لحلف شمال الأطلسي ونشر أنظمة أسلحة تهدد روسيا على مقربة شديدة من أراضيها.

المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا أكدت إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يعد "خطا أحمر" بالنسبة لروسيا.

وحذرالكرملين من أن "التصرفات غير المسؤولة" للغرب في إطار ملف أوكرانيا تثير مخاطر عسكرية كبيرة، قد تصل إلى نشوب نزاع واسع النطاق في أوروبا.

واشنطن رفضت المطالب الروسية، بما في ذلك وضع قيود على نشر القوات في دول أعضاء سابقة في حلفاء وارسو مثل بولندا ودول البلطيق التي انضمت إلى حلف الأطلسي بعد الحرب الباردة.

 

توقعات البيت الأبيض

 

مع نهاية شهر يناير 2022 أصبح سؤال يطرح بإلحاح أكثر من أي وقت مضى، وهو هل هناك فعلا اجتياح روسي وشيك لأوكرانيا، أم هو مجرد ضغط على الغربيين؟. يرى عدد من الخبراء أن حشد الجنود الروس على الحدود الأوكرانية يقدم لموسكو مروحة خيارات واسعة، معتبرين أن تدخلا عسكريا محدد الأهداف يبدو مرجحا أكثر من عملية ضخمة، مؤكدين في نفس الوقت أن العالم دخل فترة حرب باردة جديدة.

يوم الأربعاء 19 يناير رجح الرئيس الأمريكي، جو بايدن أن يقدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا، وقال "أعتقد أنه سيتحرك"، مشيرا إلى أن أي "توغل طفيف" من شأنه أن يثير استجابة أقل من غزو واسع النطاق للبلاد، وفق تقرير نشرته شبكة "سي إن إن".

وأشار بايدن في المؤتمر الصحفي إلى أنه "من غير الواضح" ما إذا كان بوتين "قد قرر ما سيحدث" أم لا، وأن بوتين "يحاول أن يجد مكانه في العالم بين الصين والغرب". وأضاف أنه لا "يريد حربا شاملة"، وأن بوتين "يريد اختبار الغرب والولايات المتحدة والناتو"، مؤكدا أنه "سيدفع ثمنا باهظا جدا، سيندم على ذلك".

وأكد أن "واشنطن ستحاسب روسيا إذا قامت بغزو أوكرانيا"، وإذا نفذت "روسيا غزوا واسع النطاق سيكون كارثة بالنسبة لهم".

وأوضح بايدن أنه "إذا كان شيئا أقل بكثير من غزو كبير أو أمر ليس مهما يجب تحديده، وإذا استمروا في الجهود السيبرانية فيمكننا الرد بالطريقة ذاتها".

وكشف بايدن وجود اختلافات في حلف الناتو بشأن ما ترغب الدول القيام به، وهو ما سيكون اعتماد على ما يحدث.

مصادر مقربة من الرئاسة الأمريكية ذكرت أنه يتوقع "اجتياح" روسيا لأوكرانيا خلال الفترة ما بين منتصف يناير ومنتصف فبراير 2022. وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي: "نحن قلقون لأن الحكومة الروسية تستعد للاجتياح". وتابعت: "رأينا ذلك من قبل وهذا يعيدنا إلى عام 2014، بما في ذلك التخريب وحملات الإعلام لاتهام أوكرانيا بالتحضير لهجوم حتمي على القوات الروسية في شرق أوكرانيا، والخطط العسكرية الروسية لإطلاق مثل هذه الأنشطة قبل عدة أسابيع من بدء الاجتياح الذي قد يتم ما بين منتصف يناير ومنتصف فبراير". واتهمت بساكي أن روسيا قد "تفبرك الذريعة" لشن هجوم على أوكرانيا.

 المحاضرة في جامعة كورنل سارة كريبس صرحت لوكالة فرانس برس، سواء كنا في حرب باردة أم لا، فإن الرهانات الإستراتيجية بالكاد تغيرت منذ عقود. آنذاك “كانت هناك أسلحة نووية- الكثير منها- لكن الردع نجح. لم يكن أي من الجانبين يريد إشعال حرب نووية لأن لا أحد سيفوز بتلك الحرب”، وفق كريبس. و”القليل تغير بشأن تلك الديناميكية بخلاف الأشخاص المعنيين، لكن الشيء الأكثر أهمية، أي الحسابات الإستراتيجية، ما زالت هي نفسها”.

وحذرت كريبس قائلة: “سنرى هذه الأنواع من الأزمات تأتي وتذهب” لكن في المستقبل، وكما في فترة الحرب الباردة في الماضي، فإن “الردع سيكبح الإجراءات التصعيدية الكبرى”.

 

الترحيل

 

يوم الأحد 23 يناير 2022 أمرت وزارة الخارجية الأمريكية، عائلات جميع الموظفين الأمريكيين في السفارة الأمريكية في أوكرانيا بمغادرة البلاد، وأبلغت الوزارة عائلات موظفي السفارة الأمريكية في كييف أنه يجب عليهم مغادرة البلاد، كما أن موظفي السفارة غير الأساسيين يمكنهم مغادرة أوكرانيا طوعا على نفقة الحكومة. وذكرت وزارة الخارجية إن على مواطني الولايات المتحدة في أوكرانيا "التفكير في المغادرة الآن باستخدام خيارات النقل التجارية أو غيرها من خيارات النقل المتاحة للقطاع الخاص". كما دعت المواطنين الأمريكيين إلى عدم السفر إلى أوكرانيا بسبب التهديدات العسكرية الروسية.

يشير مدير الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية ويليام ألبيرك إلى أن “الروس أعلنوا إجراء تدريبات ضخمة في بيلاروس من 9 إلى 20 فبراير، وهم في طور نقل شتى أنواع المعدات العسكرية، وطائرات قتالية، وصواريخ مضادة للطائرات…”.

ويستنتج أن “أوكرانيا ستكون محاطة بالكامل بحوالي مئة مجموعة مسلحة” قريبة من روسيا. من الشمال بيلاروس، من الجنوب تواجد روسي في شبه جزيرة القرم التي عادت لروسيا في 2014، ومن الشرق دونباس حيث تدور حرب مع انفصاليين موالين لروسيا.

ويرى ماتيو بوليغ من مركز تشاثام هاوس البريطاني للأبحاث أن “روسيا تتحضر، من الناحية العسكرية، لعدد كبير من الاحتمالات: من حرب نفسية عبر هجمات سيبرانية وإعلامية إلى غزو ضخم”.

ويضيف “لم تعد المسألة بالنسبة لموسكو إن كانت ستتدخل في أوكرانيا ولكن متى وكيف”، لافتا إلى أن “روسيا تنتظر أي عذر” لتبرير تدخلها.

ويشير إلى أن موسكو تتعرض لضغط بفعل عامل الوقت، إذ “من الصعب أن تحتفظ بـ85 ألف إلى 100 ألف عسكري بعيدا عن قواعدهم لفترة طويلة”.

ويقول “يجب أن تحافظ على قدراتهم العملانية، ولانتشارهم تكلفة لوجستية كبيرة”.

تضاف الى ذلك العوامل المناخية. ويرى أن “روسيا لديها فرصة حاليا إلى أن تعود درجات الحرارة إلى الارتفاع في أوكرانيا. فبدءا من الربيع، تصبح العربات المدرعة صعبة الاستخدام على أرض غير جافة وموحلة”.

وتبدو بعض أجهزة الاستخبارات العسكرية الأوروبية، لا سيما الفرنسية، أكثر حذرا من الأمريكيين تجاه نوايا روسيا الهجومية في أوكرانيا.

ويعتبر الخبراء الأربعة الذين تحدثوا إلى وكالة فرانس برس أن الخيار المرجح هو توجيه ضربات روسية على أهداف إستراتيجية في أوكرانيا دون عبور الحدود.

ويعتبر الخبير بافيل باييف من معهد أوسلو لأبحاث السلام أن “القوات المحتشدة على طول الحدود مع أوكرانيا لا تكفي لغزو ضخم واحتلال البلاد”، مذكرا بأنه “عندما غزا الاتحاد السوفياتي تشيكوسلوفاكيا في 1968، أرسل على الأقل ضعف عدد القوات التي نشرتها روسيا على الحدود الأوكرانية”.

ويرجح الباحث أن يأتي التصعيد على شكل “ضربات جوية يكون الرد الأوكراني عليها ضعيفا” بسبب افتقار الدولة للدفاعات الجوية والطيران القوي.

ويقول ماتيو بوليغ “ليس لروسيا أي مصلحة في غزو أوكرانيا. احتلالها لهذا البلد تترتب عليه تكلفة سياسية وعسكرية كبيرة جدا. لا يحتاج بوتين لذلك ليحقق شكلا من أشكال النصر”.

ويضيف “يمكن أن يكتفي باستخدام طلقات مدفعية وغارات جوية لشل مراكز القيادة والتحكم الأوكرانية وتدمير قدرتها على الرد دون أن يحرك القوات الروسية”.

ويؤيد المحلل كير جايلز من مركز “دراسة النزاعات” (Conflict Studies Research center) في المملكة المتحدة هذه النظرية. ويقول “يمكن لموسكو أن تحقق أهدافها بطرق عديدة غير غزو أوكرانيا. وسبق لروسيا أن حققت هدفها الأول وهو دفع الولايات المتحدة إلى محادثات حول مستقبل هندسة الأمن الأوروبي”.

 

سيناريوهات

 

وسط تأكيدات غربية متصاعدة بشأن تخطيط روسيا لـ"غزو أوكرانيا"، يتحدث خبراء ومحللون أمريكيون عن عدة سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث "إذا قررت موسكو شن هجوم".

ووردت جملة من هذه السيناريوهات في تقرير نشرته قناة NBCالأمريكية بتاريخ 16 يناير 2022 وجمعت فيه تقييمات خبراء عسكريين بارزين، مشيرة إلى أن لدى روسيا بحكم قدراتها العسكرية الضخمة، مجموعة متنوعة من الخيارات تشمل تطويق الجيش الأوكراني، ومحاصرة الموانئ الرئيسية في البلاد وفرض الجيش الروسي سيطرته الكاملة على منطقة دونباس.

وقالت القناة في تقريرها إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر أكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا وبهذه الطريقة هو يضع الغرب أمام ثلاثة فرضيات: غزو واسع مع سيطرة كاملة على منطقة دونباس أو عملية محدودة أو عدم تحريك القوات وممارسة الضغط على كييف والغرب".

وحسب التقرير، فإنه نظرا لامتلاك روسيا قوة جوية وبحرية هائلة، من المرجح أن يتضمن أي هجوم قصفا جويا وضربات صاروخية وهجمات إلكترونية ما يمكن أن يدمر البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا ويعطل الاتصالات ويقيد تحرك القوات البرية الأوكرانية.

وذكر فيليب بريدلوف، الجنرال الأمريكي المتقاعد من فئة الأربع نجوم الذي كان القائد الأعلى لحلف الناتو من 2013 إلى 2016، إن "هناك قوة كبيرة بشكل لا يصدق على الحدود"، ورغم أن القوات البرية الأوكرانية أصبحت "أفضل وأقوى بكثير منذ العام 2014"، السيطرة في الجو والبحر ستكون للروس".

ويعتقد الخبراء أن الخيارات المتاحة لروسيا في حال إقدامها على شن هجوم على أوكرانيا، تشمل ما يلي:

تطويق الجيش الأوكراني:

يشير الخبراء إلى أن معظم القوات العسكرية الأوكرانية متمركزة على طول خط التماس في منطقة دونباس، حيث تواجه الجيش الشعبي التابع لدونباس والمدعوم من موسكو.

وإذا حرك الكرملين بسرعة وحدات مدرعة إلى منطقة غرب خط التماس، فقد ينجح في عزل معظم القوات البرية الأوكرانية دون الحاجة إلى احتلال المدن الكبرى، وبهجوم سريع سيتمكن الجيش الروسي من القضاء على الجيش الأوكراني وأسر الجنود والسيطرة على الأسلحة والمعدات الخاصة بالقوات المسلحة الأوكرانية، وذلك سيكون بمثابة ضربة كبيرة للإمكانات العسكرية الأوكرانية.

 

حصار المواني الأوكرانية

 

اعتبر المحللون الأمريكيون أن موسكو تعمل على حشد قواتها البحرية قبالة السواحل الأوكرانية، حيث يهيمن الأسطول الروسي على بحر آزوف ويتفوق على أسطول أوكرانيا البحري بشكل كبير. كما تعمل موسكو "بشكل متزايد على تقييد حركة السفن في المنطقة" المتجهة إلى الساحل الأوكراني.

وأشار الخبراء إلى أن أحد السيناريوهات المطروحة هو إغلاق مدينتي بيرديانسك وماريوبول البحريتين في الجنوب الشرقي، وبالتالي ستقوم روسيا بإغلاق قناة شحن مهمة. أما في البحر الأسود، ستكون السفن الحربية الروسية قادرة على إغلاق مواني أوديسا ونيكولاييف وخيرسون والتي تعد طرقا حيوية للأسواق العالمية، ما سيشكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد الأوكراني الذي يعاني أصلا من مشاكل وأزمات كبيرة، وبالتالي ستتمكن روسيا من محاصرة المواني الأوكرانية كافة وتفرض قوتها العسكرية على الشواطئ دون أي مقاومة تذكر.

كما توارد إلى أذهان المحللين والخبراء سيناريو محتمل آخر يتمثل في قيام روسيا بشن عمليات عسكرية جنوبا انطلاقا من شبه جزيرة القرم، وذلك عبر إرسال قوات لتأمين قناة أغلقتها كييف عام 2014، ما فاقم مشكلة نقص المياه في شبه الجزيرة.

كما يمكن أن تحاول موسكو أيضا إقامة جسر بري بين القرم ومناطق أوكرانيا المجاورة، مع احتمال ربط تلك المناطق بالأراضي التي تسيطر عليها قوات الدفاع عن دونباس الموالية لروسيا.

توسيع منطقة دونباس والسيطرة عليها

قد تدخل القوات الروسية المناطق التي يسيطر عليها "الانفصاليون" في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من جانب واحد، "في استعراض للقوة رمزي في الغالب"، ما سيسمح لروسيا بإبقاء التوترات عالية مع كييف دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة، حسب خبراء.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا أن تسعى إلى توسيع المنطقة التي يسيطر عليها "الانفصاليون"، ربما عن طريق الاستيلاء على نقاط الاتصال أو محطات الطاقة التي من شأنها أن تجعل جمهوريتي دونباس "أكثر قابلية للحياة".

الاستيلاء على النصف الشرقي من أوكرانيا:

في أسوأ السيناريوهات، حسب التقرير، ستطلق روسيا حملة جوية وبرية عبر أوكرانيا للاستيلاء على منطقة دونباس بأكملها في الضفة الشرقية لنهر دنيبر.

ويرى الكثير من الخبراء إن سيناريو "الغزو والاحتلال الكبير" أقل احتمالا، وليس من الواضح إن كانت لدى روسيا قوات كافية للاحتفاظ بهذا القدر الكبير من الأراضي.

وحسب بعض المراقبين، فإنه إذا اختارت روسيا عملية أوسع، فيمكنها أن تقرر تجنب احتلال طويل الأمد للمدن وتنسحب ببساطة بعد توجيه ضربة مدمرة للجيش الأوكراني.

وحسب الخبراء الأمريكيين، فإن روسيا "قد تستولي على جزء كبير من شرق أوكرانيا وتطالب بترتيب سياسي جديد من كييف أو ببساطة ضم المنطقة".

 

الانقلاب

 

تتهم المعارضة الأوكرانية وموسكو الولايات المتحدة بالتدخل في كييف عبر ما أصبح يطلق عليه الثورات الملونة سنة 2004 ثم 2013 لقلب نظام الحكم الصديق للكرملين.

في 20 مايو 2019 تم تنصيب الممثل فولوديمير زيلينسكي رئيسا لأوكرانيا بعدما نجح بحملة انتخابية "بسيطة" حسب وكالة فرانس برس. وقطع زيلينسكي، وهو من أصول يهودية، الخط الفاصل بين الواقع والخيال بتأديته في مسلسل تلفزيوني شخصية أستاذ تاريخ يصبح رئيسا للدولة بعد تنديده بالفساد المزمن. وعكس صورة محببة لشخصيته، مقدما نفسه كرجل من الشعب، يتحدث بعفوية ويصف نفسه بـ"المهرج". ويذكر مرارا بطفولته في مدينة كريفي ريه العمالية والصناعية التي يتحدث سكانها الروسية.

ودخل الممثل السياسة بإعلانه ترشحه ليلة رأس السنة 2019 في ما بدا وكأنه جزء من عمل استعراضي. غير أن الكوميدي تمكن بعد أربعة أشهر من تحقيق فوز ساحق على الرئيس السابق بترو بوروشنكو. ووعد بإيصال أشخاص "يفكرون بعقلية القرن الحادي والعشرين" إلى السلطة. وقد ضاعف لقاءاته في الفترة ما قبل الانتخابية مع أشخاص من أوساط الأعمال وناشطين وخبراء، واعدا بتعيينات "شفافة" في حكومته.

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإنه خلف الصورة البسيطة التي أظهرها زيلينسكي خلال حملته، 20 عاما من مهنة قوية في عالم الاستعراض والترفيه، جعلت منه رجل أعمال ناجح في مجاله حيث يدير ستوديو إنتاج كفارتال 95 وتقدر ثروته بملايين الدولارات.

وزيلينسكي أب لطفلين ومجاز في الحقوق. وقد أدى أدوارا في أفلام معروفة وضاعف حضوره التلفزيوني في أوكرانيا كما في روسيا. واتهم أيضا بأنه دمية بيد الثري سيء السمعة إيغور كولومويسكي، عدو الرئيس بترو بوروشنكو وهو ما ينفيه زيلينسكي.

منذ منتصف سنة 2020 ومع تأزم الوضع الاقتصادي في أوكرانيا وتصاعد التوترات مع روسيا حذرت المخابرات المركزية الأمريكية والأجهزة الأمنية البريطانية والألمانية من خطر وقوع انقلاب عسكري موال للكرملين خاصة وأن قيادات في الجيش الأوكراني أصبحت تخشى من عواقب الانصياع وراء وعود الغرب الواهية بالازدهار الاقتصادي والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتي ظهر فشل مثيلاتها في بولندا وعدد من دول شرق أوروبا الاشتراكية سابقا.

 

اتهامات بريطانية

 

يوم الأحد 23 يناير 2022 اتهمت بريطانيا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالتخطيط لتمكين شخصية سياسية موالية لروسيا كي يقود الحكومة في أوكرانيا.

واتخذت الخارجية البريطانية خطوة غير مسبوقة بالإشارة إلى اسم عضو البرلمان الأوكراني السابق، يفين مورايف مرشحا محتملا يفضله الكرملين.

وفقد مورايف مقعده في البرلمان الأوكراني حين أخفق حزبه في تأمين خمسة في المئة من الأصوات في انتخابات عام 2019.

كما ذكرت الخارجية البريطانية أسماء أربعة من الساسة الأوكرانيين، تقول إن لهم علاقات مع المخابرات الروسية.

وأضافت أن هؤلاء الساسة يعملون مع ضباط في المخابرات الروسية يحضرون للغزو.

وضمت هذه الأسماء، مايكولا أزاروف، الذي كان رئيسا للوزراء لأوكرانيا خلال حكم الرئيس السابق، الموالي لموسكو، فيكتور يانكوفيش، والذي أطيح به في عام 2014.

وقد فر أزاروف إلى روسيا حيث أسس ما كان ينظر إليه على نطاق واسع على أنها حكومة دمية في المنفى.

وفرضت عليه عقوبات أمريكية وأدرج اسمه في "النشرة الحمراء" التي تصدرها الإنتربول بناء على طلب الحكومة الأوكرانية، بتهم من بينها الاختلاس واستغلال النفوذ.

كما ذكر اسم فولوديمير سيفكوفيتش، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، الذي كان موضوع العقوبات الأمريكية بزعم العمل مع المخابرات الروسية.

والآخرون هم سيرغي أربوزوف وأندريه كلوييف، وكلاهما شغل منصب نائب رئيس الوزراء في عهد يانوكوفيتش.

وقالت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، في بيان صادر عنها: "إن المعلومات التي أُفرج عنها اليوم، تسلط الضوء على حجم النشاط الروسي المصمم لتخريب أوكرانيا، وهي تمنحنا رؤية ثاقبة لكيفية تفكير الكرملين. يتوجب على روسيا نزع فتيل الأزمة، وإنهاء حملتها العدائية وسلك نهج دبلوماسي والتوقف عن نشر المعلومات المغلوطة".

وأضافت تروس: "كما قالت بريطانيا وشركاؤها مرارا، إن غزو روسيا لأوكرانيا سيكون خطأ استراتيجيا فادحا، وسيخلف تكاليف باهظة".

ورفضت وزارة الخارجية البريطانية تقديم أدلة لدعم اتهاماتها، لكن محررة التقارير الدفاعية والأمنية في قناة "سكاي نيوز" البريطانية، ديبورا هاينس، وعبر "تويتر" قالت: "حسبما فهمته ادعاءات وزارة الخارجية البريطانية حول خطط روسيا لتنصيب حكومة موالية للكرملين في كييف مستندة إلى المعطيات الاستخباراتية الأمريكية وليست البريطانية".

في هذه الأثناء يتصاعد الخلاف بين المانيا وبعض حلفائها حول أوكرانيا، فقد استقال قائد البحرية الألمانية كاي أشيم شونباخ من منصبه بعد تصريحات مثيرة للجدل بشأن الأزمة في أوكرانيا، بحسب ما أعلن ناطق باسم وزارة الدفاع مساء السبت 22 يناير.

وكان شونباخ قد اعتبر خلال اجتماع لمجموعة دراسات عقد الجمعة في نيودلهي، أن فكرة غزو روسيا لأوكرانيا "حماقة". وقال إن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، "لن تعود" إلى أوكرانيا.

وأثار كاي أخيم شونباخ عاصفة دبلوماسية عندما وصف فكرة غزو روسيا لأوكرانيا بأنها "حماقة"، مضيفا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يستحق على الأرجح" الاحترام.

يذكر أن مستشار ألمانيا أولاف شولتس أكد خلال الثلث الثاني من يناير رفض بلاده تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وذلك بعد أن قررت بريطانيا إمداد أوكرانيا بمزيد من أسلحة "الدفاع عن النفس" والتدريب،

 

حيرة الغرب

 

جاء في تحليل نشر في العاصمة الألمانية برلين نهاية سنة 2021: طبول الحرب تدق من جديد بين روسيا وأوكرانيا في لعبة بوكر روسية جديدة بطلها الرئيس الروسي فلادمير بوتين في تحد واضح للغرب الذي يسعى، عبر التلويح بالعقوبات، لزيادة تكلفة أي مغامرة عسكرية على غرار ما حدث في جورجيا والقرم.

تصاعدت التحذيرات الغربية لموسكو من مغبة قيامها بأي عمل عسكري لا تحمد عقباه في أوكرانيا. فسواء تعلق الأمر ببرلين أو واشنطن أو بروكسيل، فالخطاب هو نفسه الموجه للرئيس الروسي فلادمير بوتين، الذي يطالب بمحادثات "فورية" وبضمانات تسمح بـ"منع التوسع المستقبلي للحلف "الناتو" نحو الشرق أو نشر منظومات أسلحة تهدد روسيا انطلاقا من الأراضي الأوكرانية وفي دول أخرى مجاورة". كما طلب في لقاء عبر الفيديو، نظيره الأمريكي جو بايدن بالتزامات قانونية بهذا الشأن. وتعتبر موسكو أن الغرب انتهك وعودا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت تقتضي بعدم توسيع حدود الناتو لتشمل دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة.

وترفض الدول الغربية استبعاد توسع الناتو شرقا، فيما تصر موسكو على أنها لن تقبل انضمام كييف للحلف وتعتبر ذلك "خطا أحمر". يذكر أن روسيا تعتبر الداعم السياسي والاقتصادي والعسكري الرئيسي للانفصاليين الموالين لها والذين يخوضون حربا ضد القوات الأوكرانية منذ نحو ثماني سنوات. وازداد قلق الدول الغربية بعد شكوكها بشأن تحضير روسيا لغزو جديد لأوكرانيا بعد نشرها لعشرات الآلاف من جنودها مدججين بمختلف أنواع الأسلحة على طول الحدود بين البلدين. غير أن موسكو تؤكد أنها هي المهددة في أمنها القومي.

موقع "شبيغل أونلاين" في 14 ديسمبر 2021 نقل عن صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية تصريحا للرئيس الأوكراني فولوديمير سيلينسكي، أفاد فيه بأن جهود الردع الغربية لم تسفر عن أي نتائج لحد الآن. وأضاف "نحن ممتنون للدعم، لكن هذه الجهود الجماعية في الوقت الحالي ليست كافية لتغيير سياسة موسكو". وبالفعل ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة لم يتغير أي شيء على طول الحدود الروسية الأوكرانية، ولم يعطِ الرئيس بوتين أي إشارة تنم عن استعداده لوقف التصعيد ولو قيد أنملة.

 

لعنة الجغرافيا

 

معضلة أوكرانيا أن الجغرافيا فرضت أن تكون ضحية دوامة لا متناهية، فكلما استعانت بالمظلة الأطلسية زادت التهديدات الروسية لها. فموسكو تعتبر توسيع حلف الناتو شرقا، تهديدا لأمنها القومي على غرار التهديد الكوبي للولايات المتحدة إبان الحرب الباردة. البرلمان الأوكراني صوت الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 لصالح تمديد تواجد قوات حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية في رد على الحشود العسكرية الروسية. ويسمح القانون الجديد بانتشار نحو أربعة آلاف من قوات الناتو في أراضي البلاد، ومن بينهم 2000 أمريكي، خلال عام 2022، وهو نفس العدد الذي تمت الموافقة عليه بالنسبة لعام 2021، كما سيتم زيادة عدد طائرات ومروحيات الناتو من عشرة إلى أربعين خلال عام 2022. ويسمح هذا القانون بزيادة عدد سفن دول الناتو في المياه الإقليمية الأوكرانية إلى عشرين سفينة. ومن المقرر أيضا إجراء تسع مناورات عسكرية بمشاركة قوات أجنبية خلال عام 2022. وتوفر قوات الناتو تدريبات للجيش الأوكراني منذ عام 2015، لمساعدته في صد الانفصاليين المؤيدين لروسيا والذين يسيطرون على مساحات واسعة في شرق البلاد.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة، لقي نحو 13 ألف شخص حتفهم خلال الصراع الذي استمر على مدار ثماني سنوات، ورغم التوصل إلى خطة سلام، إلا أنه لم يتم تنفيذها حتى الآن. ومنذ أن فرضت روسيا سيطرتها على شبه جزيرة القرم عام 2014، تعتبر كييف نفسها في حرب مع موسكو، ولهذا السبب، جعلت أوكرانيا الانضمام إلى الناتو هدفا لها ينص عليه الدستور منذ عام 2019. غير أن الدستور ذاته يحظر على الجيوش الأجنبية إقامة قواعد لها على الأراضي الأوكرانية. وتشير مصادر حلف شمال الأطلسي إلى أن روسيا حشدت ما بين 75 ألف إلى 100 ألف جندي قرب الحدود الأوكرانية خلال الأسابيع الأخيرة. وبهذا الشأن كتب موقع صحيفة "بيلد" الشعبية الألمانية الواسعة الانتشار في 14 ديسمبر 2021 "عليك أن تتخيل التهديد الروسي عمليا: أكثر من مائة ألف جندي روسي جاهزون على الحدود لمهاجمة أوكرانيا. الرئيس فلاديمير بوتين ينتقد بشدة ويهدد بأسلحته النووية. والحقيقة هي أن هناك معتد واحد واسمه فلاديمير بوتين. لم تتعرض أوكرانيا للتهديد من قبل الاتحاد الأوروبي أو الناتو بل من قبل روسيا".

مأساة أوكرانيا تكمن أيضا في عدم إحساسها باستعداد الدول الغربية لحمايتها بما يكفي، حيث تنتقد العراقيل التي توضع أمام رغبتها في الانضمام إلى الناتو أو تزويدها بمنظومات أسلحة متطورة. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي وفي نفس الحوار لصحيفة لاريبوبليكا المشار إليه أعلاه، اتهم بشكل خاص ألمانيا التي تمنع حسب رأيه، تسليم بلاده أسلحة دفاعية. وقال موضحا "منعتنا ألمانيا مؤخرا من الحصول على شحنات بنادق مضادة للطائرات المسيرة وأنظمة مضادة للقنص في إطار التعاون مع حلف شمال الأطلسي، وهي أسلحة دفاعية بحتة".

 

العلاقات الألمانية الروسية

 

في آخر تحرك تجاه الأزمة الأوكرانية، حذرت برلين على لسانوزيرة خارجيتها، أنالينا بيربوك، موسكو في اتصال هاتفي معنظيرها الروسي سيرغي لافروف، من مغبة المساس بوحدةالأراضي الأوكرانية. وأكدت القيادية في حزب الخضر أن ألمانيا"تريد تبادلا صادقا ومفتوحا لوجهات النظر"، وألمحت إلى ضرورةتحقيق تقدم في إطار مبادرة نورماندي التي تتوسط من خلالهاكل من ألمانيا وفرنسا بين روسيا وأوكرانيا بشأن الأزمة بين البلدينفي منطقة دونباس منذ عام 2014. من جانبها، أعلنت الخارجيةالروسية أن لافروف طالب في محادثاته مع بيربوك، الغرب بتقديمضمانات أمنية وقانونية بعدم توسع حلف شمال الأطلسي "ناتو" في شرق أوروبا وعدم تمركز البنية التحتية للحلف الغربي بالقربمن الحدود الروسية.

وتتعرض العلاقات بين برلين وموسكو لهزات متتالية تضع ألمانيافي موقع لا تحسد عليه. فهي من جهة حريصة على حد أدنى منالعلاقات الجيدة مع شريك مهم من حيث "أمنها الطاقي" ولكنأيضا من حيث دوره المتزايد في عدد من ملفات السياسة الدولية. ومن جهة أخرى تتعرض لضغوط من شركائها الغربيين وعلىرأسهم واشنطن التي تلوح بفرض عقوبات قاسية للسيطرة فيحال تجاوزت موسكو الخطوط الحمراء، عقوبات تعول فيهاالولايات المتحدة على ألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام، فحلفاءالناتو في أوروبا يمثلون شركاء تجاريين مهمين ومراكز ماليةبالنسبة لروسيا. وتصطدم برلين مع موسكو في عدد من الملفاتمنها على سبيل المثال لا الحصر، هجمات قراصنة روس علىالبرلمان الألماني في عام 2015 أو الهجوم على المعارض الروسيالبارز ألكسي نافالني.

وبهذا الشأن علقت شبكة التحرير الألمانية "إر.إن.دي" السابع منديسمبر وكتبت "نشرت روسيا على الحدود مع أوكرانيا عشراتالآلاف من جنودها وعتاد كالدبابات والطائرات. يمكن أن يكونالأمر مجرد خدعة، أو تهديد عبر لعبة استعراض العضلات أوتكتيك خالص. لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن خطر الحرب لايمكن استبعاده تماما. يمكن للخداع أن ينفلت بسرعة لخطأ مافي أي لحظة".

 

سلاح أم فخ

 

كلما تأزمت العلاقة بين الغرب وروسيا، عادت قضية خط أنابيبالغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" إلى الواجهة، بشكل يضع كل مرةألمانيا تحت الضغط. ولا شك أن واشنطن ستكون حريصة علىوفاء برلين بالتزاماتها بشأن هذا الملف الحساس. بموجب اتفاقتسوية أبرمته ألمانيا مع الولايات المتحدة تعهدت برلين بدعمأوكرانيا. ولا شك أن الكرملين قد سجل تغير لهجة وزيرة الخارجيةالألمانية الجديدة أنالينا بيربوك وصرامتها تجاه موسكو بشكلعام، وموقفها الرافض لخط أنابيب "نورد ستريم 2" في شكلهالحالي. وفي لقاء مع القناة الثانية للتلفزيون الألماني الأحد 12 ديسمبر أكدت بيربوك أن أحزاب ائتلاف "إشارة المرور" اتفقتعلى أن قانون الطاقة الأوروبي سيسري على مشاريع الطاقة" وهذا يعني عمليا أن خط "نوردستريم 2" وفقا للوضع الحالي لايمكن الموافقة عليه لأنه لم يستوف مقتضيات قانون الطاقةالأوروبي، كما أن المسائل المتعلقة بالسلامة لا تزال مطروحةللنقاش".

غير أن العقوبات الاقتصادية سلاح ذو حدين وفق صحيفة "نويهتسوريخه تسايتونغ" 12 ديسمبر الصادرة في سويسرا والتيكتبت تقول إن "وراء العقوبات الاقتصادية يلوح في الأفق أيضاالخيار النووي: فهل سيتم إقصاء روسيا من نظام الدفع بالدولار؟الأمريكيون سيفكرون مرتين قبل الإقدام على هذه الخطوة التيستضر بروسيا، لكنها ستجبرها أيضا على البحث عن بدائل. على سبيل المثال جارتها الشرقية الصين التي تتمتع بعملةمستقرة للغاية وتقدم حاليا نسخة رقمية من اليوان، بهدف طويلالأجل يتمثل في ترسيخ عملتها في التجارة أيضا. الدولار قويلأن الكثير من مناطق العالم تعتمد عليه. ومع ذلك، فإن دوره كأهمعملة تداول عالمية ليس معطى إلهيا. الولايات المتحدة تعيش علىالائتمان. ولأنها تملك عملة عالمية بامتياز، فهذا ما يمكنها منتمويل عجزها بثمن بخس". 

وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك لم تتردد في تهديد روسيا بعواقباقتصادية قاسية في حال هاجمت أوكرانيا. جاء ذلك في أعقابمشاورات لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاثنين 13ديسمبر،مؤكدة أن دول التكتل ستتبنى موقفا مشتركا في حال حدوثعدوان روسي جديد. وأضافت بيربوك أن الاتحاد الأوروبييتضامن بشكل كامل مع أوكرانيا وحذرت من "عواقب دبلوماسيةواقتصادية قاسية"، وتابعت القول بأن سيادة أوكرانيا غيرمطروحة للنقاش. وبهذا الصدد كتب موقع دويتشه فيله في نسختهالألمانية السابع مم ديسمبر "لحماية أوكرانيا، يجب على ألمانياوحلفائها الآخرين أن يفهموا أن العدوان الروسي لا يقتصر علىالدبابات والقوة العسكرية. فالأعمال العدائية التي يشنها الكرملينضد أوكرانيا جزء من نموذج أوسع لحرب تشمل قطاعات الطاقةوالمال والاقتصاد. فروسيا لا تتردد في استعمال الغاز وبشكلمتكرر كسلاح سياسي". صحيفة هاندلسبلات" الاقتصاديةالثامن من ديسمبر كتبت معلقة " خط أنابيب الغاز نوردستريم 2،خطأ فادح للسياسة الخارجية في عهد المستشارة أنغيلا ميركل. غير أن هذا الأنبوب قد يكتسب اليوم وظيفة إيجابية غير متوقعة: أن يصبح أداة للضغط على بوتين".

 

سيناريو المغامرة

 

يرى عدد من الخبراء أن سيناريو الحرب بين روسيا وأوكرانيا لايزال نظريا لحد الآن على الأقل. وفي حال تحقق فسيشكل أحدأكبر الانتكاسات للسلام في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم أن موازين القوى العسكرية تميل بشكل واضح لروسيا، ليسفقط من حيث القوة العسكرية التقليدية، ولكن أيضا باعتبارها قوةنووية معترف بها دوليا. غير أن أوكرانيا تعتبر بدورها قوة عسكريةإقليمية لا يستهان بها. وبهذا الصدد أوردت وكالة الأنباء الألمانية13 ديسمبر وجهة نظر خبير الشؤون السياسية الألماني أندرياسأوملاند" من مركز ستوكهولم لدراسات أوروبا الشرقية" بالمعهدالسويدي للشؤون الدولية، وذلك في تقرير نشرته مجلة "ناشيونالانتريست الأمريكية"، اعتبر فيه أن أوكرانيا "أسست على مدارالأعوام السبعة الماضية، جيشا تقليديا هائلا ومحنكا.

فالقوات الأوكرانية مجهزة جزئيا، بأسلحة حديثة ذات تقنية عاليةتم انتاجها في أوكرانيا وخارجها. كما سيتم دعمها بالمزيد منالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الغربية، في حال واجهت أيتصعيد من الجانب الروسي. وبالتالي، فإنه من غير الواضح ماإذا كان من الممكن لروسيا أن تحقق النصر على أوكرانيا سريعاوبسهولة، مثلما فعلت مع جورجيا في الحرب الروسية الجورجيةالتي استمرت لمدة خمسة أيام في أغسطس من عام 2008".

ويرى الخبير الألماني أن التجارب العسكرية السابقة للرئيس بوتينزادت من شعبيته في روسيا، كما زادت من عداء الروس تجاهالغرب. ويشير هنا بذلك إلى سيطرة روسيا على خمس مساحةجورجيا في عام 2008، ثم ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. غير أن رد فعل القوى الغربية كان فرض عقوبات لا تزال روسياتعاني منها إلى اليوم. يشير الخبير إلى أن العلاقات بين الجانبينسجلت تحسنا بعد المغامرة العسكرية الروسية في جورجيا. ويتساءل "ماذا يمكن أن تفعل أوكرانيا في ضوء الدروس التي قدتكون موسكو تعلمتها من مغامراتها في عامي 2008 و2014؟". وخلص إلى أن العوامل التي حددت السلوك الروسي في السابقوستحدده في المستقبل ستكون التكاليف النسبية للتصعيدالعسكري، وتقييم المواطنين الروس لتلك التكاليف. وتسعى القوىالغربية للتلويح بعقوبات اقتصادية "قاسية" علها تردع الرئيسبوتين عن الإقدام على مغامرات مماثلة لتلك التي قام به فيجورجيا والقرم. وبهذا الصدد يجري الاتحاد الأوروبي محادثاتمع الولايات المتحدة وبريطانيا حول إمكانية وشكل العقوبات الماليةعلى روسيا في حال تجرأت وشنت هجوما على أوكرانيا.

 

عمر نجيب

[email protected]