منطقة الشرق الأوسط تقترب بسرعة من عصر انتشار السلاح النووي.... متاهة الغرب في المفاوضات مع إيران وتقلص فرضية الضربة العسكرية

ثلاثاء, 2021-12-07 10:41

انتهت، يوم الجمعة 3 ديسمبر 2021، جولة التفاوض المباشرة السابعة بين إيران وكل من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وغير المباشرة بين طهران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، على أن تستأنف خلال الأسبوع الثاني من الشهر نفسه، وتتنقل أطراف المفاوضات المباشرة لتبليغ الأمريكيين سير المحادثات لرفض إيران لقاء مسؤولين أمريكيين. وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب قد انسحب من الاتفاق عام 2018 وأعاد فرض عقوبات بلاده على إيران.

المسؤولون الأوروبيون أبدوا "إحباطهم وقلقهم" من مطالب الإدارة الإيرانية الجديدة. من جهته، قال علي باقري، كبير المفاوضين الإيرانيين، إن مقترحات الحل الخاصة بأنشطة بلاده النووية، وبرفع العقوبات عنها لم تقبلها الأطراف الأوروبية المشاركة في الاتفاق.

وكانت الأطراف الأوروبية قد أشارت إلى إن الوفد الإيراني أجرى تغييرات واسعة على مسودة الاتفاقية التي تم الاتفاق عليها في المحادثات السابقة التي كانت قد جرت قبل انتخاب الرئيس الإيراني الجديد، متهمة طهران بتبني "موقف متشدد" في المحادثات.

والخميس 2 ديسمبر، قدم باقري اقتراحين لمحاولة إنقاذ الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني وذكر في حديث إلى التلفزيون الحكومي: إن "الأطراف الأوروبية غير راضية بالفعل عن مقترحاتنا، لكن النقطة المهمة هي أن هذه المقترحات تقوم على المبادئ المشتركة بين الجانبين".

وأضاف: "ذكروا أن مقترحاتنا لا تتوافق مع وجهات نظرهم الخاصة. وقد أبلغتهم أن هذا أمر طبيعي وأننا نقول ما نقول وفقا لمصالحنا وسياساتنا وليس وفق الأشياء التي تتماشى مع آرائهم".

وإذ أشار إلى أنه "يمكن للجانب الأوروبي أيضا تقديم مقترحاته الخاصة بشرط أن تكون قائمة على مبادئ مشتركة"، أكد باقري أن "أي اقتراح لا يقوم على أرضية مشتركة ليس اقتراحا للتفاوض والاتفاق، ولكنه اقتراح للحوار غير محسوم النتيجة".

وعزا باقري سبب توقف المفاوضات إلى طلب بعض الأطراف المشاركة في المحادثات العودة إلى بلادهم للتشاور بشأن المقترحات الإيرانية التي قدمت، وتقديم إجابات موثقة ومنطقية، لافتا إلى أنه تم منحهم هذه الفرصة على أن تستأنف المباحثات الأسبوع المقبل.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حذر من أن بلاده لن تسمح لإيران بتأجيل العملية التفاوضية مع الاستمرار في تعزيز برنامجها النووي، مشيرا إلى أن واشنطن ستتبع خطوات أخرى إذا فشلت الدبلوماسية.

وخلال تعليق المفاوضات، كان المسؤولون الأمريكيون المعنيونمباشرة بالمفاوضات، مثل وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، وكبيرالمفاوضين الأمريكيين في فيينا، روبرت مالي، يقولون إن استمرارإيران بالمماطلة وكسب الوقت وفي الوقت ذاته تطوير برنامجهاالنووي وتحديثه يعني أن المفاوضات سوف تصل إلى نقطة تصبحمعها العودة إلى بنود اتفاق 2015 مستحيلة.

ويكرر المفاوض مالي القول: "هذه ليست ساعة زمنية، بل ساعةتكنولوجية"، ويضيف أن استمرار إيران بتطوير برنامجها النووييعني تقويض الاتفاق، لأن التقدم الذي تكون إيران قد أحرزته لنيكون بالإمكان إلغاؤه. ولن يكون بإمكانك إحياء جثة ميتة". 

من جهته، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحفظاته على إمكانية استئناف المفاوضات، داعيا إلى إشراك إسرائيل ودول الخليج فيها.

وتزامنا مع ختام جولة المفاوضات، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إيران بممارسة "ابتزاز نووي"، داعيا إلى عدم الاستسلام لها.

في هذه الأثتاء تكثف الحديث مجددا مع توقع كثير من الملاحظين استمرار الجمود في المفاوضات، عن استعداد إسرائيل منفردة أو بمعاونة أطراف أخرى لشن عملية عسكرية واسعة النطاق لتدمير منشآت إيران النووية كما فعلت في 7 يونيو 1981 عندما هاجمت المفاعل النووي العراقي قيد الإنشاء على بعد 17 كيلومترا من جنوب شرق بغداد. ويرى العديد من الخبراء السياسيين والعسكريين أن فرص نجاح الخيار العسكري متقلصة وأن تل أبيب تدرك أن حصول إيران على سلاح نووي سيجعل عدة دول عربية تنضم بسرعة إلى النادي النووي العسكري.

 

تغير ظروف المفاوضات

 

قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران عماد أبشناس: إن ظروف المفاوضات الآن تغيرت عما كانت عليه عند بدء المحادثات قبل 7 أشهر في عهد الرئيس السابق حسن روحاني الذي كان يسعى للعودة إلى الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

وأضاف أبشناس، أن أوراق الضغط الإيرانية اليوم "أقوى من ذي قبل، ولذلك تعتقد طهران أن من حقها المطالبة بحقوقها في الاتفاق النووي".

وعن أوراق الضغط الإيرانية، قال أبشناس: إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب أخطأ حين فرض كل ما في جعبة الولايات المتحدة من ضغوط عقابية على طهران التي استطاعت اجتيازها، ومواجهتها.

وأضاف أن طهران، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، استطاعت أن تصل إلى درجة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة.

وعن التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة إيران، قال أبشناس إنه "لو كان باستطاعة تل أبيب مهاجمة إيران لكانت فعلت ذلك بوجود الاتفاق أو بعدمه".

وعن دعوة ماكرون لإشراك دول الخليج في المفاوضات، أكد ابشناس أن دخول أطراف جديدة إلى المحادثات "سيعقدها".

وشدد على أن جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات تدرك أن "من مصلحتها الوصول إلى اتفاق أسرع مع إيران، لأن إطالة أمد المفاوضات سيصب في مصلحة طهران".

المحلل السياسي الإيراني، حسين روريان، صرح إن "إيران بالتأكيد تريد إحياء الاتفاق النووي، خاصة في ظل ما تعانيه من عقوبات اقتصادية، ولهذا فهي تريد تطبيق الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات الدولية".

وأضاف "أنه لا حاجة للتشكيك بنية طهران في تطبيق الاتفاق النووي أو في جديتها بالمفاوضات والمباحثات التي تجري مع الدول الغربية".

ويرى روريان أن إيران تريد أن تصل في أسرع وقت للاتفاق النووي وخاصة أنها تطالب "برفع لجميع العقوبات مرة واحدة، وليس تطبيقها على مراحل".

وأوضح أن "كل ما تريده إيران من المفاوضات العودة لتطبيق الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ولكنها ترى معضلتين تلوحان في الأفق، أولها أن الولايات المتحدة لا تريد رفعا كاملا للعقوبات، وثانيها أن الولايات المتحدة لا تريد أن تعطي أي ضمانة لاستمرارية الاتفاق".

وأشار إلى أنه في 2015 عندما وقعت إيران الاتفاق قامت بعد ذلك بأخذ الموافقة عليه في البرلمان، ولكن عندما طلب من الولايات المتحدة أخذه للكونغرس للموافقة عليه، تم تحويله إلى مجلس الأمن لتحويله لقرار دولي يفترض أنه يلزم جميع الأطراف الدولية.

وزاد روريان أن إيران لا تريد تكرار سيناريو تطبيق الاتفاق من طرف واحد ومن ثم انسحاب أطراف ثانية مثلما حصل مع اتفاق 2015 الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب.

وتطالب إيران بإلغاء جميع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وليسفقط تلك المتعلقة ببرنامجها النووي، كما تطالب بضمانات منواشنطن بأن أي اتفاق جديد يتم التوصل إليه لن يكون باستطاعةأي رئيس جديد أن يلغيه، كما فعل الرئيس السابق، دونالد ترمب،حين ألغى اتفاق 2015 من جانب واحد. وهذا طلب تعجيزيبامتياز لأن الرئيس الأمريكي، أي رئيس، غير قادر دستوريا علىإعطاء مثل هذه الضمانات.

كما تطالب طهران الآن بأن تسمح لها مجموعة الخمسة زائد واحدبالاحتفاظ بالتقدم التقني الذي أحرزته في السنتين الماضيتينلجهة تطوير أجهزة الطرد المركزي، والأهم من ذلك الاحتفاظبكميات اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، وهي نسبة أعلىبكثير من نسبة التخصيب المسموح بها وفقا لاتفاق 2015. 

ولا يوجد هناك استخدام مدني لليورانيوم المخصب بنسبة 60 فيالمئة. وهذا يعني تقريب إيران تقنيا من القدرة على تخصيباليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، وهي النسبة المطلوبة لتصنيع القنبلةالنووية، خلال بضعة أسابيع فقط وفقا لما يقوله الخبراء.

من جانبه صرح مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية، حسن راضي، لموقع "الحرة" إن " إيران لا تريد إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، خاصة وأن من يتحكمون في البلاد هم التيار المحافظ المتشدد الرافضين للاتفاق".

وأضاف أن إيران تقول إنها تريد الالتزام بالاتفاق، ولكنها على أرض الواقع تنتهكه وتمضي في خططها بالبرنامج النووي".

وأوضح راضي، أن إيران "تريد رفع جميع العقوبات، فيما تقوم بالمماطلة من خلال المفاوضات للوصول إلى القدرات النووية تحت غطاء المباحثات".

وأكد أن طهران تستغل عدم وجود سقف زمني للمفاوضات، بتعطيل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك لكسب الوقت لتحقيق أهدافها الحقيقية بتعزيز قدراتها النووية.

ويتوقع راضي أن تستمر المفاوضات في الفشل حيث ترفع إيران من سقف مطالبها مع عدم تحقيق أي التزام حقيقي بالملف النووي. 

هنري روم، المحلل في مجموعة أوراسيا قال بدوره: "لعبة إلقاء اللوم مستمرة ... وستستمر"، مضيفا أنه حتى لو توقفت المحادثات هذا الأسبوع فإن جميع الأطراف لديها مصلحة في استمرارها في الوقت الحالي، وقد تكون هناك جولة أخرى في وقت لاحق من هذا العام أو في وقت مبكر من عام 2022.

وأضاف أن إبقاء المحادثات مستمرة ربما يساعد إيران على "إطالة الفترة قبل حدوث تحول نحو موقف غربي أكثر قوة وحزما، وهو أمر مرجح للغاية حسب اعتقادي".

 

خيارات أخرى

 

يوم السبت 4 ديسمبر 2021 اتهمت الولايات المتحدة، إيران بعرقلة المفاوضات لإنقاذ الاتفاق النووي بينما تواصل تطوير برنامجها، وحذرت من أنها "لا يمكنها أن تقبل" ذلك، لكنها لم تغلق باب الحوار.

وذكر مسؤول رفيع عائد من المفاوضات في العاصمة النمساوية: إن "إيران لم تظهر موقف بلد يفكر جديا في عودة سريعة" إلى اتفاق 2015، الذي هدف إلى منع طهران من حيازة سلاح نووي.

واعتبر المسؤول الأمريكي أنه في وقت أظهرت الولايات المتحدة "صبرا" خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، فإن الجمهورية الإيرانية "واصلت تسريع وتيرة برنامجها النووي بشكل استفزازي".

وتابع أنه مع عودتها أخيرا إلى فيينا الإثنين، قدمت طهران "اقتراحات تشكل تراجعا عن كل التسويات التي اقترحتها" من أبريل إلى يونيو، وذلك بهدف "الاستفادة من كل التسويات التي طرحها الآخرون، ولا سيما الولايات المتحدة، والمطالبة بالمزيد".

وأردف المسؤول: "لا يمكن أن نقبل بوضع تسرع فيه إيران وتيرة برنامجها النووي مع المماطلة في دبلوماسيتها النووية"، مكررا تحذيرا وجهه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

وتبدو واشنطن على وشك مغادرة المفاوضات أكثر من أي وقت، وتقول: إنها تستعد "لوضع لم يعد من الممكن فيه" إنقاذ الاتفاق.

لكن المسؤول أكد أن قرار قطع الحوار وتنفيذ الخطة "ب"، التي لا تزال خطوطها العامة غير واضحة، والتي تهدد بإغراق الشرق الأوسط في اضطرابات شديدة، لم يتخذ بعد.

وأوضح أن واشنطن تأمل أن تعود طهران قريبا إلى هذه المحادثات "مع استعداد للتفاوض بجدية"، وهو أمر يرجح أن يتم منتصف الأسبوع المقبل، وإن كان المنسق الأوروبي لم يحدد بعد الموعد. 

ونص الاتفاق الذي وصف بالتاريخي ساعة إبرامه قبل ستة أعوام، على فرض قيود صارمة على برنامج إيران النووي ووضعه تحت رقابة الأمم المتحدة من أجل ضمان أن يظل مدنيا وسلميا. في المقابل، استفادت إيران من رفع العقوبات القاسية التي خنقت اقتصادها.

وأعرب الرئيس الحالي جو بايدن عن استعداده للعودة إلى الاتفاق، إذا عاودت طهران تنفيذ التزاماتها.

لكن تفاؤله خلال الربيع انقلب تشاؤما واضحا بشكل متزايد، لدرجة أن حكومة الولايات المتحدة حذرت منذ مطلع الخريف بأنها مستعدة للجوء إلى "خيارات أخرى" في حال فشل الدبلوماسية، في إشارة إلى الخيار العسكري. 

وشدد المسؤول الأمريكي الرفيع مرة أخرى يوم السبت 4 ديسمبر على أن الدبلوماسية هي الطريق الأنسب لإدارة بايدن، لكن لديها "أدوات أخرى" يمكن أن تلجأ إليها.

في السنوات والعقود الماضية، سعت الولايات المتحدة لوقف أوتأخير البرنامج النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية أحيانا،وبواسطة العقوبات الاقتصادية أحيانا أخرى، ومن خلال عملياتالتخريب الإلكتروني، إما بمفردها أو بالتعاون والتنسيق معإسرائيل.

وفي السنوات الأخيرة قامت إسرائيل وفقا لمصادر استخباراتيةغربية وتلميحات إسرائيلية بعمليات تخريب إلكترونية للمفاعلاتالنووية الإيرانية، إضافة إلى اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.

ومع أن هذه العمليات أخّرت البرنامج النووي الإيراني لأشهر،وربما لسنوات، إلا أنه من الواضح أن عمليات التخريب هذه كانتحافزا لإيران لتطوير أجهزة الطرد المركزي وزيادة نسبة تخصيباليورانيوم. 

وهناك حدود لما يمكن أن تحققه الوسائل الالكترونية لتأخيرالبرنامج النووي الإيراني. كما أنه من الصعب على الولاياتالمتحدة أن تفرض عقوبات اقتصادية جديدة وجدية أكثر ضدإيران، لم يفرضها ترمب خلال ما عرف بسياسة "الضغوطالقصوى"، التي اخفقت في تعديل السلوك الإيراني النووي أوالسياسي وما تصفه واشنطن بالتخريبي في منطقة الشرقالأوسط.

 

روسيا والصين

 

بينما تنحاز الدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات بدرجات متفاوتة إلى أطروحات البيت الأبيض تتبع موسكو وبكين منهجا مختلفا.

ترى روسيا والصين أن إيران ترغب في إحداث تغيير جذري في مسودة الاتفاق في فيينا، كما تدافعان عن أمرين أساسيين، هما: رغبة إيران في الحصول على ضمان بعدم انهيار أي اتفاق مقبل، بالإضافة إلى رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية غير القانونية عن طهران.

وهنا، يبرر المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، الموقف الأوروبي الحاد تجاه المسودتين، قائلا: "كان لدى شركائنا الغربيين انطباع قوي بأن الجانب الإيراني اقترح تغييرا جوهريا، وإجراء تعديلات جذرية على مسودة الوثيقة النووية، والتي تم الاتفاق عليها خلال الجولات الست السابقة. وبدا لهم أن هذا النهج راديكالي للغاية. لذلك، ظهر رد الفعل الحاد".

وتدرك روسيا، وحتى الصين، أن هذه الجولة لن تحسم الاتفاق النووي، ولن تكون الجولة الأخيرة. لذلك، وصفت الصين المحادثات بأنها "محادثات جوهرية"، وأملت أيضا في أن يعطي التوقف، مدة أسبوع، دفعا جديدا للمفاوضات النووية.

مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين ذكرت أن الأجهزة الأمنية الأمريكية جددت للرئيس جو بايدن في شهر يناير 2021 تأكيداتها السابقة بأن موسكو وبكين لا تريان أن امتلاك طهران لسلاح نووي سيشكل تهديدا خطيرا لهما وأن الخسارة الأساسية من حدوث ذلك ستكون للولايات المتحدة وإسرائيل.

 

تحدي كبير

 

جاء في تقرير أمريكي نشر يوم الأحد 5 ديسمبر 2021: تتأهب إسرائيل منذ عقود لتوجيه ضربة عسكرية محتملة لإيران توقف طموحاتها النووية، وأصبحت هذه المساعي "أكثر جدية" في الآونة الأخيرة مع تعقد المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي، وفق كارولاين روز، المحللة الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط.

وتعتقد روز أن الحديث الدائر في إسرائيل حاليا عن الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران سيكون "تحديا كبيرا" لها، "إذا لم تحصل على مساعدة خارجية وتدخل في تحالف أمني للمساعدة في أي حملة هجومية أو دفاعية".

وترى روز أن إسرائيل تستعد لمواجهة مع طهران منذ سنوات، لكن المشكلات التي تعتري المفاوضات النووية التي استؤنفت قبل أيام، واحتمالات فشلها جعلها تستعد لذلك "بشكل أكثر جدية منذ أي وقت مضى".

ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون، في تصريحاتهم، أنهم على استعداد لاستخدام أي وسائل متاحة لتعطيل امتلاك إيران لسلاح نووي، وفتح الحادث الأخير قرب منشأة "نطنز" الإيرانية الباب أمام تساؤلات بشأن مدى جاهزية إسرائيل بالفعل لمثل هذا التحرك.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينيت نفتالي، قد طلب في مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن "وقفا فوريا" للمحادثات الجارية في فيينا معتبرا أنها تمارس "ابتزازا نوويا" وأن الرد المناسب "يكون بوقف المفاوضات فورا واتخاذ خطوات صارمة من قبل الدول الكبرى".

وقال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، ألون شوستر، يوم الأحد : "لقد استخدمنا القوة ضد أعدائنا في الماضي، ونحن مقتنعون أنه في الحالات القصوى، هناك حاجة للعمل باستخدام الوسائل العسكرية". وتابع: "نأمل أن يتم تعبئة العالم كله لهذه المهمة. لذلك، خصصنا مبلغا كبيرا لزيادة استعدادنا".

وكانت إسرائيل قد خصصت 5 مليارات شيكل (1.5 مليار دولار) لاستخدامها في توجيه ضربات عسكرية محتملة ضد برنامج إيران النووي.

 

استعدادات تجري منذ عام

 

ويشير تقرير لموقع "تايمز أوف إسرائيل" إلى أنه قبل نحو عام، أعلن قائد الجيش فيف كوخافي البدء في إعداد خطط جديدة لضربة ضد برنامج إيران النووي.

ومنذ ذلك الحين، بدأ الجيش في إعداد القوات الجوية والاستخبارات العسكرية لمثل هذه العملية، وكثف التدريبات وركز موارد هائلة على جمع المعلومات الاستخباراتية، وتم ضخ مليارات شيكل إضافية في ميزانية الدفاع خصيصا للتحضير لشن ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأجرى الجيش أيضا تدريبات على كيفية التعامل حرب متعددة الجبهات، قد تأتي بعد هجوم على إيران.

ويعمل الجيش أيضا على تحسين دفاعاته الجوية، لاسيما في شمال فلسطين المحتلة، في محاولة لمنع أسوأ الأضرار الناجمة عن قصف الصواريخ وغارات الطائرات بدون طيار في أي مواجهة مستقبلية.

لكن رغم ذلك "لا يزال الجيش الإسرائيلي على بعد أشهر على الأقل من الاستعداد الكامل لشن مثل هذه الضربة، لكن يمكن تنفيذ عملية محدودة في وقت قريب"، وفق التقرير.

ويقول التقرير إن أي عملية ضد إيران ستكون "أكثر تعقيدا وصعوبة من أي عملية أخرى قام بها الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك عملية استهداف المفاعل النووي العراقي عام 1981، التي نفذت من خلال ضربة واحدة استهدفت عنصرا محددا.

لكن في حالة إيران "فليس لديها منشأة نووية واحدة يمكن لمجموعة واحدة من الطائرات أن تدمرها بضربة واحدة، ولكن العديد منها منتشر في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يتطلب بالتالي مستويات غير عادية من التنسيق لضمان قصف جميع المواقع في نفس الوقت".

ومما يزيد الأمر صعوبة أن العديد من المنشآت تقع في أعماق تحت الأرض، مما يجعلها غير قابلة للاختراق من قبل الهجمات الجوية، ولا سيما في مفاعل فوردو، حيث بدأت إيران مؤخرا في تخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي متطورة.

وتمتلك الولايات المتحدة الذخائر الهائلة الخارقة للتحصينات اللازمة لضرب مثل هذه المنشآت، وأهمها الذخائر الضخمة GBU-57 التي يبلغ وزن الواحدة منها 13600 كيلوغرام، لكن واشنطن رفضت حتى الآن تزويد إسرائيل بها، كما لا تمتلك القوات الجوية الإسرائيلية طائرة قادرة على حملها.

وكان الدبلوماسي الأمريكي السابق، دينيس روس، قد دعا في مقال الإدارة الأمريكية إلى تزويد إسرائيل بها في حال فشل المفاوضات، وقال: "سيحتاج البيت الأبيض إلى التوصل إلى تفاهم قوي مع الإسرائيليين حول دوافع استخدام القنبلة، لكن الاستعداد لتزويد إسرائيل بمثل هذا السلاح المخيف وتأجير القاذفة "بي-2" التي يمكنها حملها سوف يرسل رسالة قوية". 

وليس لدى المحللة الأمريكية أي شك في أن إسرائيل ستحتاج إلى مساعدة أمريكية، مشيرة إلى أن العلاقات الأمنية بينهما قوية للغاية رغم وجود خلافات، فضلا عن إيران خصم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وذكرت: "لو حدث صراع مباشر أو أي إشارات على قرب حدوث مواجهة مباشرة، سوف تقدم واشنطن المساعدة العسكرية، مثل الدعم الجوي والاستخبارات".

 

إيران طورت قدراتها

 

ويشير تقرير "تايمز أوف إسرائيل" إلى تحد آخر هو أن إيران استثمرت أيضا بكثافة في تطوير دفاعاتها الجوية، سواء من خلال شراء أنظمة روسية متقدمة أو تطوير قدراتها المحلية.

وتقول المحللة إن أنظمة إيران الصاروخية وطائراتها من دون طيار تقدمت بشكل كبير "ولدى إسرائيل مخاوف بشأن مدى قدرة نظام "القبة الحديدية" في صد هجوم إيراني، ومدى قدرتها على التعامل مع هجمات تتعدى الهجمات الإلكترونية.

وتحدث تقرير "تايمز أوف إسرائيل" أيضا عن حتمية استخدام إيران لحلفائها في لبنان واليمن في مثل هذه المواجهة، وقال: "لا يمكن لإسرائيل مهاجمة إيران إذا كانت مشغولة بصد الهجمات الصاروخية من حزب الله من لبنان، كما لا تستطيع السعودية مهاجمة إيران إذا كانت تواجه الحوثيين في اليمن".

وأفاد تقرير لفورين بوليسي إن مثل هذه العميلة ستوصل قدرات إسرائيل العسكرية إلى "أبعد مدى"، لكن "ستكون أراضيها بالكامل وسكانها وبنيتها التحتية الوطنية معرضة لضربة انتقامية حتمية من إيران وأنصارها، بما في ذلك ما يصل إلى 150 ألف قذيفة فتاكة في أيدي حزب الله".

لكن "هذا لا يعني أن إسرائيل لن تشن هجوما ضد إيران أبدا خوفا من هجوم مضاد، ولكن أي قرار للقيام بذلك يجب أن يقاس، ليس فقط بقدرة الجيش على تنفيذ العملية، ولكن باحتمالات ما سيحدث بعدها".

ويشر تقرير فورين بوليسي إلى أن "المواجهة الكاملة مع إيران ستؤدي إلى "إلحاق أضرار واسعة بالولايات المتحدة".

وتقول المحللة الأمريكية كارولاين روز "إن الولايات المتحدة لا تريد اندلاع أي صراع مباشر بين إسرائيل وإيران في المنطقة بينما تحاول التركيز على المنافسة مع الصين".

ولا تتوقع حدوث مواجهة مباشرة بين الطرفين، ولا تعتقد أنها لو حدثت ستؤدي إلى "انتصار حاسم لإسرائيل وستكون النتيجة متقاربة"، مما يؤكد حاجة إسرائيل إلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والشركاء الإقليميين.

نهاية شهر نوفمبر 2021 وفي تل أبيب أشار القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" الجنرال احتياط في الجيش عاموس غلعاد إلى تقارير تحدثت عن أن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل من أن الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية غير مجدية، وقال: "أنا لا أعلم من الذي هو غير راضٍ، فهل لدينا بديل عن الولايات المتحدة كحليف؟".

وذكر غلعاد، الذي شغل أيضا منصب رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيليّة إن "أسلوب التفكير الذي يوصى به مختلف"، سائلا: "هل نحن نمضي قدما للتعامل بشكل فعال مع التهديد الإيراني؟"، واعتبر أن "إستراتيجية الحكومة السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو فشلت لأنها ساهمت في إلغاء الاتفاق وحينها تقدم الإيرانيون".

وتابع غلعاد "لم ننجح في السياسات باختبار النتائج لأننا لم نطور قدرات التعامل مع إيران على قاعدة فرضية أن الاتفاق سيتم احترامه، لافتا في ذات الوقت إلى أن "رئيس الأركان السابق، الجنرال غادي آيزنكوط، عمل على أساس أن هناك اتفاقا ورئيس الموساد عمل على تقويض الاتفاق، وفي النهاية توصلنا إلى إلغاء الاتفاق وإيران تقدمت".

وخلص الجنرال الإسرائيلي إلى القول إنه "يجب علينا أن نتوقع من الولايات المتحدة أن تقنع ايران بأنه إذا كان هناك خيار لتطوير سلاح نووي فإن كل التوازن الأمني الذي نتمتع به يمكن أن يتقوض بالكامل، وهذا هو المهم"، على حد قوله.

وكان الجنرال غلعاد، الذي يشغل حاليا منصب رئيس معهد هرتسليا ومدير سلسلة المؤتمرات التي يقيمها المعهد سنويا، قد وصف في عام 2019 إسرائيل بأنها منزل محمي بجدران قوية بينما يأكله النمل الأبيض من الداخل. وجاء هذا الوصف في مقابلة تمهيدية لمؤتمر المعهد متعدد المجالات الذي تناول في هذه الدورة موضوعات عديدة تتعلق بخريطة التهديدات التي تواجهإسرائيل.

 

رفع نسبة التخصيب

 

يوم الأربعاء الأول من شهر ديسمبر أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران بدأت بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تبلغ 20 في المئة، باستخدام أجهزة طرد مركزية تقع في منشأة "فوردو" النووية.

وذكرت الوكالة إن أجهزة الطرد المركزي الجديدة في المنشأة، المدفونة في جبل، يمكنها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. 

وأضافت الوكالة في بيان أنها تحققت، الثلاثاء، من أن إيران ضخت كمية من سداسي فلوريد اليورانيوم بنسبة نقاء تصل 5 في المئة إلى 166 جهازا للطرد المركزي من طراز "IR-6" في منشأة "فوردو" بهدف تخصيبها لتصل إلى درجة نقاء بنسبة 20 في المئة. 

وأعلنت الوكالة، في تقرير لأعضاء الأمم المتحدة اطلعت عليه رويترز، أنها تخطط لرفع درجة الرقابة في منشأة "فوردو" "FFEP اختصارا".

وقالت في تقريرها إن "الوكالة قد قررت وإيران وافقت على رفع درجة التحقق من النشاطات في منشأة "FFEP" وستواصل استشاراتها مع إيران للتوصل إلى إجراءات عملية لتطبيق تلك النشاطات". 

ومن المتوقع أن تساهم الخطوة الأخيرة في رفع درجة التوتر بالمحادثات التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، المعروف أيضا باسم "خطة العمل المشتركة".

وفي نفس السياق، ذكرت الوكالة الدولية بأن لدى إيران 94 جهازا من طراز آي.آر-6 مثبتة في سلسلة في فوردو لم تعمل بعد. وأضاف تقرير أشمل للوكالة، جرى توزيعه على الدول الأعضاء، أنه نتيجة لتحرك إيران، فإن الوكالة تعتزم تكثيف عمليات التفتيش في محطة فوردو لتخصيب الوقود التي تضم أجهزة الطرد المركزي، لكن التفاصيل لا تزال بحاجة إلى توضيح. 

في المقابل، قللت إيران من شأن التقرير باعتباره تقريرا روتينيا على الرغم من أن وكالة الطاقة الذرية تصدر تقاريرها عادة لإبراز التطورات المهمة مثل الانتهاكات الجديدة للقيود النووية التي ينص عليها الاتفاق.

وفي هذا الشأن، كتبت بعثة إيران الدائمة لدى منظمات الأمم المتحدة في فيينا على تويتر "التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الأنشطة النووية الإيرانية هو مجرد متابعة اعتيادية لآخر المستجدات بما يتماشى مع عملية التحقق المنتظمة في إيران".

لكن مدير عام الوكالة رفائيل غروسي أوضح أنه ينظر إلى هذا التطور بعين القلق. وقال غروسي لقناة فرانس 24 إن "هذا "زيادة مستوى التخصيب" يعاود دق جرس الإنذار. الأمر ليس عاديا. إيران يمكنها فعله، لكن إذا كان لديك هذا الطموح فعليك بقبول التفتيش. إنه ضروري".

يذكر أن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي كان قد أعلن مساء السبت 9 أكتوبر 2021 للتلفزيون الإيراني الرسمي إن بلاده تملك أكثر من 120 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة. وذكر: "لقد تجاوزنا 120 كيلوغراما"، مضيفا "لدينا أكثر من هذا الرقم".

وتابع إسلامي "شعبنا يعلم جيدا أنه كان عليهم "القوى الغربية" تزويدنا بالوقود المخصب بنسبة 20 بالمئة لاستخدامه في مفاعل طهران، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك". وأشار إلى أنه "إذا لم يقم زملاؤنا بالأمر، من الطبيعي أننا كنا سنواجه مشاكل في نقص الوقود النووي لمفاعل طهران".

صحيفة "نويرتسوريشرتسايتونغ" الصادرة في سويسرا ذكرت في الثالث من يناير 2021: "هل تسعى إيران حقا لصنع القنبلة، أم أنها تسعى فقط لامتلاك قدرات تمكنها من ذلك دون اتخاذ الخطوة النهائية لصنعها؟. القدرة على صنع القنبلة من شأنه أن يوفر ردعا معينا". من الواضح أنه حتى عام 2003 كان لدى إيران برنامج نووي عسكري. واستشهدت الصحيفة برأي أوليفر ماير من معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن في هامبورغ الذي يقول "هناك الكثير من الأدلة على أن إيران قد نفذت أنشطة نووية في السنوات السابقة لا يمكن تفسيرها بأهداف مدنية". غير أنه من الواضح أيضا أن البرنامج العسكري النووي الإيراني هذا قد توقف رسميا نهاية عام 2003 بقرار من القيادة الإيرانية.

وكالات المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية تقدر أن إيران امتلكت في فترة من الفترات برنامجا للسلاح النووي وأنها أوقفته. وثمة أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لقنبلة نووية ونفذت أعمالا مختلفة تتصل بتصنيعها.

 

تصنيع أسلحة نووية

 

جاء في تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية يوم الجمعة 21 مايو 2021:

بعد ثلاث سنوات من انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي، أصبحت إيران أقرب أكثر من أي وقت مضى إلى امتلاك المواد اللازمة لصنع سلاح نووي.

فخلال السنوات القليلة الماضية "ما بعد عام 2018"، قام الإيرانيون بتخصيب المزيد من اليورانيوم باستخدام تقنيات أكثر تطورا، وهو ما لم يكن بإمكانهم الوصول إليه في ظل نظام مراقبة صارم، الذي كان يفرضه الاتفاق النووي لعام 2015.

ووفقا للتقرير، راكمت إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنابل نووية عدة، في حال اختارت رفع نسبة عمليات تنقية المعدن الثقيل إلى 90 في المئة المستخدم عادة في الأسلحة، وهو أمر غير مستبعد، إذ تنتج طهران حاليا كميات صغيرة من اليورانيوم عالي التخصيب المنقى، وصلت مستوياته إلى 60 في المئة، ما يدل على أن مهندسيها من الممكن أن ينتقلوا بسرعة إلى مستوى صنع الأسلحة.

وأفاد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران خزنت أكثر من 3 آلاف كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، الذي يحتوي عادة على نحو 5 في المئة من "نظير اليورانيوم 235" المركز. وهو 10 أضعاف الحجم المسموح به بموجب اتفاق 2015.

الحصول على المواد اللازمة لإحداث انشطار ذري، بحسب التقرير، يعد أصعب خطوة في عملية صنع الطاقة النووية أو القنابل.

وتحتاج البلدان المهتمة بهذا الشأن إلى تطوير بنية تحتية صناعية لإنتاج "نظير اليورانيوم 235" المركز، والذي يشكل أقل من 1 في المئة من المادة في خام اليورانيوم، ولكنه أساسي للحفاظ على تفاعل سلسلة الانشطار.

وفي هذه الخطوة، يتم استخدام الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تدور بسرعة تفوق سرعة الصوت، لفصل المواد.

وتتعقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التغييرات على مستوى الغرام الواحد في مخزونات اليورانيوم في جميع أنحاء العالم، لضمان عدم تحويل المواد إلى أسلحة.

يذكر أن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، كان قد صرح خلال الثلث الأخير من شهر نوفمبر 2021 أن “بلاده تمتلك قدرات صنع السلاح النووي منذ مدة طويلة، لكن عقائدهم وتعليمات قائد الثورة تمنعنهم من الحصول عليها".

واعتبر أن “مطالب الوكالة خارجة عن اطار اتفاق الضمانات، وبموجب قانون البرلمان الإيراني لا يسعنا قبول أي رقابة خارج هذا الاطار"، مضيفا: “نهجنا الحالي يصب في مصلحة إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية..وفق قواعد الوكالة في حال تم إحياء الاتفاق النووي على الوكالة الاعتراف بسلمية نشاطاتنا في تقاريرها، وكان من المفترض أن تستمر الكاميرات في العمل دون تصل الوكالة إلى محتوياتها".

 

النظام العالمي

 

كتب المحلل بيتر أوبورن مقالا نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني بداية شهر ديسمبر ذكر فيه أن المفاوضات الجارية فيالعاصمة النمساوية فيينا لا تتعلق ببرنامج طهران النوويفحسب، بل تتعلق أيضا بالنظام العالمي الجديد الذي تتكشفملامحه مع تراجع قوة الولايات المتحدة. 

يستهل الصحافي البريطاني مقاله بالقول أن فيينا تستضيفالمناوشات الافتتاحية للحرب الباردة القادمة. وأوضح أن هذهليست الحرب الباردة القديمة بين الولايات المتحدة والاتحادالسوفيتي، لكنها حرب جديدة بين الولايات المتحدة والقوة الصينيةالعظمى الناشئة، لافتا إلى أن هذه المحادثات تتعلق جزئيا فقطبإيران، وتتعلق أيضا بالنظام العالمي الجديد الناشئ، مع التراجعالمتسارع للولايات المتحدة في جميع أنحاء آسيا والشرق الأوسطبعد الهزائم المذلة في العراق، وفي الآونة الأخيرة بأفغانستان.

وصحيح أن محادثات فيينا، التي تجري في قصر كوبورغ، وهومبنى كلاسيكي أُعيد تجديده، ويرجع تاريخه إلى ما قبلالإمبراطورية النمساوية المجرية، لا تهم إلا إيران، ولكن فيالواقع، هناك أمور كثيرة على المحك، إذ إن البنية الأمنية العالميةالجديدة أمر يؤثر تأثيرا عميقا على كل الدول المشاركة في هذهالمحادثات، فرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والصين، وألمانيا، أو مايعرف بـ"مجموعة 4+1"، التي تفاوضت إلى جانب الولاياتالمتحدة على الصفقة التي أُبرمت عام 2015.

ولعبت الولايات المتحدة دورا مركزيا في إنجاز تلك الصفقة، التيوافقت إيران بموجبها على تقليص طموحاتها النووية مقابل إنهاءالعقوبات، لكنها اليوم غير حاضرة في غرفة التفاوض، وذلك لأنإيران رفضت السماح بذلك بعد أن تراجعت الولايات المتحدة منجانب واحد عن الصفقة في عام 2018. ومع ذلك هناك وفدأمريكي في فيينا يقبع في فندق ماريوت المجاور، ويجوبالمبعوثون الأوروبيون شوارع فيينا الباردة والخالية لإيصال رسائلإلى الدبلوماسيين الأمريكيين المعزولين في الفندق.

ونوه الكاتب إلى غياب الإجماع بين المفاوضين، إذ أنهم في واقعالأمر منقسمون فيما بينهم، وهو ما برز في اليوم الافتتاحيللمفاوضات، عندما أدلى الصينيون بتعليقات لاذعة بشأن "النفاقالنووي" الذي ينتهجه الغرب، وتشير هذه الملاحظات بقوة إلى أنالصينيين يتعاطفون مع الحجة الجوهرية التي ساقها المفاوضالإيراني علي باقري كني بأن بلاده تعرضت لظلم أساسي منجانب الولايات المتحدة، وهو الظلم الذي كان الأوروبيون متواطئينفيه.

وفي مقابلة مع "ميدل إيست آي" يوم الأربعاء الأول من ديسمبرأشار باقري كني إلى أن صفقة عام 2015، التي وافقت فيهاإيران على فرض قيود على تخصيب اليورانيوم مقابل رفعالعقوبات، يشوبها عيب فادح: فبينما امتثلت إيران من جانبهاللصفقة لم ترفع العقوبات أبدا.

ولفت الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما،مهندس الصفقة، تحدث عن السلام بالتأكيد. لكن وراء الكواليسهددت وزارة الخزانة الأمريكية أي كيان يحاول التعامل مع إيران. وعلى هذا النحو لم يكن هناك فارق كبير بين دخول إيران أوخروجها من الاتفاق النووي. وكثَّف ترمب العقوبات في وقت لاحق،ولم يستطع الأوروبيون فعل أي شيء حيال ذلك.

ويدعو الكاتب للتأمل في موقف حكومة روحاني التي وقَّعت علىالاتفاق النووي، فهي لم تحصل قط على أي شيء جدي فيمقابل شجاعتها السياسية في محاولة إحلال السلام مع الولاياتالمتحدة وحلفائها، وكان هذا يعني أنها لم تتمكن داخل إيران منالدفاع عن نفسها ضد المنتقدين المحليين، وهي المجموعة التيضمت باقري كني، والتي زعمت أن الحكومة أبرمت صفقة غيرمتوازنة.

ولهذا السبب استدعى باقري كني فريق تفاوض قويا قوامه 40 فردا، من بينهم محافظ سابق للبنك المركزي الإيراني ونائب وزيرالخارجية وهو يحتاج إلى هذا الفريق للإصرار على التحقق منأن الولايات المتحدة ستسمح لإيران بالتعامل في الأسواق الدوليةمرة أخرى، ويستبعد الكاتب أن يلبي الدبلوماسيون الأمريكيونهذا الوعد من موقعهم في ماريوت، وحتى لو فعلوا فمن الصعبأن نرى كيف يمكن للرئيس جو بايدن أن ينفذ ذلك، ولهذا سيكونمصير هذه المحادثات الفشل على الأرجح.

وهذا يعيدنا إلى الخلاف بين الصين وروسيا من ناحية،والأوروبيين من ناحية أخرى، لقد بعث الإذلال الأمريكي في كابلفي أغسطس برسالة إلى جميع أنحاء المنطقة، التي أصبحتتُعرف على نحو متزايد باسم غرب آسيا بدلا عن الشرق الأوسط،مفادها أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج من المنطقة، ولناأن نتوقع أن تقاوم الصين القوية أكثر من أي وقت مضى محاولاتالولايات المتحدة لاستخدام الدولار الأمريكي باعتباره سلاحالفرض عقوبات على الدول التي لا تروق لها، مثل إيران.

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكيةأنتوني بلينكين حذر إيران يوم الخميس 2 ديسمبر بغطرسة من أن"الوقت أوشك على النفاد" للعودة إلى الاتفاق النووي. وليست هذههي الطريقة التي ترى بها إيران القضية، إذ يعتقد الفريقالمفاوض أن الوقت ينفد من بين أيدي الولايات المتحدة، وأن موقفهاأضعف كثيرا مما تعتقد، وأن الوقت قد حان لبلينكن وبايدنللاستيقاظ على الحقائق المزعجة للحرب الباردة القادمة.

عمر نجيب

[email protected]