خطاب معالي الوزير والناطق بأسم الحكومة حول افتتاح أعمال المؤتمر

سبت, 2021-11-06 18:19

خطاب معالي الوزير حول افتتاح أعمال المؤتمر الإقليمي  المنظم بالتعاون بين قطاع الثقافة و "الألسكو" و مركز "محيط".
تحت عنوان " تمكين المرأة العربية المبدعة: التحديات المستمرة والناشئة".

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

السيد وزير....

السيدة رئيسة....

السيد.......

 

أيها الجمع الموقر،

إننا نحضر معكم اليوم افتتاح ملتقى "تمكين المرأة المبدعة في البلدان العربية: التحديات المستمرة والناشئة"، المنظم من قبل  قطاعنا بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم  و  مع مركز محيط للتنمية وقضايا المرأة والسلم، وكلنا أمل في أن تتحقق الأهداف المتوخاة منه بإسهامات جميع المشاركين و المشاركات في الورشات والجلسات العلمية التي لا شك أنها ستكون عند حسن ظننا جميعا لِما يتميز به المنظمون والمحاضرون والمتدخلون من مكانة ثقافية وفكرية وعلمية مرموقة.

إخوتي الفضلاء، أخواتي الفاضلات،

بادئ ذي بدء، لا يفوتني أن أذكّر بأن الرجل والمرأةفى كُنْهِ ديننا الإسلامي الحنيف صنوانِ  متكاملان في المكانة والأدوار. لذلك قال جل من قائل "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض". وما فتئ الإسلام ينبّه، علنا ومن بين السطور، إلى تلك الترادفية  و التكاملية بينهما كما يبدو جليا من قوله تعالى: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ..."، الأمر الذي جاء حديثُ "إنما النساءُ شقائق الرجال"، في سنن أبي داود، ليكون شرحا واضحا له.

أيها الإخوة، أيتها الأخوات..

لا أراني أضيف إلى معلوماتكم كبيرَ شيء إن قلت بأن تاريخ كفاح الإنسان، من أجل السيطرة على الطبيعة، رسمه الرجل والمرأة على حد سواء: فمعًا شذّبا فؤوس الصخور وصنعا معاول الحجارة، ومعًا حفرا كهوف الجبال وبنَيَا أكواخ الأدغال، ومعًا نحتا رسوم الغزلان والفيّلة، ومعًا تصورا أفلاك السماء وما وراء البحار. إنه تاريخ مشترك بكل ما في الكلمة من معنى. لم تبدأ عملية فصل تاريخ هذين الكائنين إلا في فترة متأخرة جدا عندما بدأتْ  التراتبيات تغزو الثقافة انطلاقا من تصور وفرض أدوار لكل جنس، بل لكل فئة وعرق ولون.

أيها الحضور الكريم،

إن تاريخنا العربي الإسلامي ظل زاخرا بأسماء نساء تركن بصماتهن على جميع مناحي الحياة، فمنهن العالمات، ومنهن الفقيهات، ومنهن الشاعرات والكاتبات والطبيبات والفلكيات، وغيرهن... فقد أخَذَ العلمَ عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها، حوالي 299 من الصحابة والتابعين، واشتهرت أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة هندُ بنت أبي أمية، رضي الله عنها، بالتبحر في الفقه، وقد روى عنها حوالي 100 من الصحابة والتابعين.

وكانت الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس القرشية طبيبة بارعة، وكانت أولَ امرأة عرفت الكتابة في العهد الجاهلي واشتهرت بها في العهد النبوي المزكى.0

وذكر المؤرخون أن عائشة بنت أحمد القرطبية "لم يكن في زمانها من نساء الأندلس من يعادلها علما وأدبا، كانت حسنة الخط، تكتب المصاحف وتجمع الكتب وتعنى بالعلم".

وقد تفرغت صفية بنت عبد الله الأندلسية لنقل المخطوطات، واشتهرت ببراعتها في الإنشاء.
ويذكر المؤرخون أن أمَّ الحسن بنت القاضي الطنجالي، المولودة في القرن الثامن الهجري، كانت بارعة في الطب.

أما عائشة بنت أبي عبد الله بن الجيار السبتية فكانت متخصصة في علوم الطب وأسرار الأدوية والعقاقير والصيدلة، لذلك ذاع صيتها في ربوع المغرب والأندلس حتى كرّمها ملوكُ بني مرين.
وبدورها، اشتهرت مريم العجلية الحلبية، المولودة في القرن العاشر، بمهارتها في صنع الأدوات والأجهزة الفلكية. وقد فتح لها سيف الدولة الحمداني بلاطه مع الشعراء والأدباء والعلماء. وهي أول عالمة طورت آلات تحديد  مواقع الكواكب والنجوم.

وعلى المستوى الإفريقي، عرفت القارة العديد من النساء اللائي ساهمن في صياغة التاريخ. فلا يمكن الحديث عن التحرر والحرية في إفريقيا دون ذكر الوالدة ويني مانديلا التي ناضلت إلى جانب زوجها الأيقونة نيلسون مانديلا أزيد من ثلاثين سنة من أجل انعتاق واستقلال الأفارقة عموما وجنوب إفريقيا خصوصا. وكانت هاوا كيتا، المولودة 1912، أول قابلة مالية متمدرسة وأول مناضلة سياسية ونقابية بارزة في شبه المنطقة، شأنها شأن المناضلة النيجيرية الشهيرة، فونميلايو رانسوم كوتي، المولودة 1900، التي برزت بشكل لافت في نشر الثقافة الحقوقية. كما كانت تايتو البتول، المولودة 1851 والمتوفاة 1918، إمبراطورة أثتيوبية فريدة إذ كانت أول إفريقية تُبدع في فنيْ السياسة والدبلوماسية.

أما هنا، في بلاد شنقيط، بلاد المليون شاعر، أرض المنارة والرباط، فلم تكن المرأة أبدا إلا الانسان الحر، ذلك الذي يلعب أدوارا عظيمة ومتقدمة في جميع مناحي الحياة. 

وما "تانيتْ"المجسّم الأنثوي كما عرَفه تاريخ منطقة الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا قبل الميلاد بسبعة قرون، إلا الرمز  للأمومة والخصب والنماء والحياة. ما يعني أن تاريخ هذه البلاد مع تقدير المرأة قديم قِدَمَ الأرض.

ولكي لا أطيل في هذا الجانب، يكفي أن أورد مثالين على المكانة العلمية لنساء شنقيط. فهناك السيدة اخناثه بنت بكار ، المتوفاة سنة 1730م، وهي أديبة و فقيهة. تزوجت السلطان العلوي مولاي إسماعيل بن الشريف. وكانت أول امرأة تتولى الوزارة في المغرب، وقد برعت في كل الميادين العلمية والسياسية والدبلوماسية. ولها تعاليق واستدراكات منها حاشية على كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني. 

وهناك السيدة خديجه بنت العاقل، وهي عالمة جليلة بلغت شأوًا لم يبلغه غيرها في علم الكلام والمنطق. وقد أخذ عنها علماء كبار من أمثال أخيها العلامة أحمد بن العاقل، والعلامة المختار ولد بونا، والعلامة حرمه بن عبد الجليل، والإمام الفوتي عبد القادر. ومن أشهر مؤلفاتها كتاب في عقيدة السنوسي وشرح على سلم الأخضري في علم المنطق.

دون أن أنسى ما خرّجته البلاد من سياسيات ومهندسات وطبيببات وكاتبات وشاعرات كن وما برحن يلعبن أدوارا ريادية منهن المشاركات    و منهن الحاضرات المباركات لمنتداكن هذا.
 

جمْعَنا الموقر،

لا شك أن طريق تمكين المرأة العربية ما يزال غير سالك تماما، لأنه ثمة عقليات بائدة ما تزال تعيق تقدمها، وبالتالي يكون لزاما علينا التخلى بشيئ غير يسير من الجراءة و الجسارة من أجل محاربة الذهنيات الثقافية المعادية لرقي المرأة و نهضتها.

ذلك هو ما نراه ديباجة حقيقية لأي تحفيز فكري وثقافي واجتماعي يسعى إلى تمكين النساء عموما والمبدعات منهن بشكل خاص.

إننا أمام وضع يتسم فى جزء غير قليل من جوانبه، بالعداء المفرط لأي مبادرة من شأنها تمكين المرأة من لعب دورها في بناء الدولة والمجتمع على قدم المساواة و التكاملية مع الرجل. إنه وضع متعنت قائم منذ قرون، وهو ما يستدعي منا، ومنكم ومنكن إخوتي وأخواتي الحضور، أن تسارعوا إلى تشخيص ودراسة التحديات وتقديم الاقتراحات ومتابعة التوصيات الكفيلة بإحداث قطيعة مع تهميش الدور النسوي.

لقد أثبت التاريخ، في العديد من مناطق العالم، أن النساء الفاعلات والنساء المبدعات قادرات على المساهمة البناءة في صياغة المشهد الثقافي والاقتصادي والسياسي، وتحقيق كل أهداف التنمية الاجتماعية. وإن بلداننا العربية بحاجة إلى تشجيع وإشراك النساء المبدعات والرائدات، بالتمويل والتأطير والمواكبة، وبتمكينهن من الوصول إلى مراكز القرار وإلى الوظائف السامية، ومنحهن الفرصة للمشاركة في السياسات الاستراتيجية والتنموية.

إيها الجمع الكريم،

إن تضافر جهود الجميع بات ضروريا لوضع خطة عمل ناجعة تضمن ولوج النساء المبدعات إلى سوق العمل والاستفادة من القروض ومن التكنولوجيا ومن الثورة الرقمية. كما لابد من التفكير، عبر ورشاتكن، في تصور السبل الكفيلة برفع التحديات التي تواجهها المرأة عموما، فالمرأة لكي تكون مبدعة يجب أن تتحرر من أغلال الفقر والجهل والمرض والعنف والتمييز والاستغلال وغياب التكوين. إن علينا أن نتصور خطة لتحرير المرأة من كل ما من شأنه أن يقف في وجه إبداعها، ثم تشجيعها، في مرحلة الإبداع، على المساهمة في العملية التنموية بالحصول على العمل اللائق والمنتج والمعوّض، في ظروف تكتنفها الحرية والإنصاف والأمن والكرامة كما تنص عليه مواثيق منظمة الشغل الدولية.

ولا أخالكم إلا تدركون أن تمكين المرأة يمر حتما بمعالجة التفاوتات بين الجنسين ورفع التحديات على مستوى الأمن الغذائي ومساعدة النساء في الأرياف العربية على تحسين وضعيتهن المتسمة بالفقر المدقع. إن النساء يمثلن اليوم 70% من مليار شخص في العالم يعيشون بأقل من دولار يوميا، ولنا أن نتصور كم تمثل النساء العربيات من هذه النسبة الكبيرة.!!!

ولا شك، إخوتي-أخواتي، أن ورشاتكم بحاجة إلى استلهام الدروس الناجحة في البلدان التي وضعت سياسات محكمة لدمج النساء وتمكينهن في شتى مناحي الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية النشطة. فبفضل سياسات ترقية المرأة، ارتفع معدل نشاطات النساء ببعض الدول، مثلا، من 45% إلى 60%.

إخوتي، أخواتي..
في ختام هذه الكلمة، أريد أن أؤكد أن تمكين المرأة العربية المبدعة يمر من أبواب عديدة من أهمها تغيير العقليات المتعلقة بالنظرة النمطية، وإشراك المبدعات في مراكز القرار، وتثمين منتوجهن الفكري أو الأدبي أو الفني أو التكنولوجي، وتسهيل ولوجهن إلى التمويلات، وتخصيص جوائز لتمجيد تفوقهن، وتثمين أعمالهن وتكريمها وتشجيعها.

إننا نعتز بشاعراتنا وكاتباتنا ومهندساتنا ومحامياتنا العربيات، لكننا نريد أيضا مبدعاتٍ فريداتٍ في عوالم أخرى. إننا نريد للمرأة العربية أن تكون جَرّاحة، نريدها قبطانَ سفينةٍ، نريدها ملاحةَ طائرةٍ... 

والحقيقة أن كل ذلك مرهون بالتعليم، وجدوائية تعليم النساء لا يعتريها أي شك، لذلك قيل "إذا علّمْتَ طفلا فإنك تُكوّن رجلا، وإذا علمت فتاة فإنك تكوّن قرية بأسرها".

أشكر المنظمة العربية للتربية و الثقافة و التعليم الألسكو و مركز "محيط" لقضايا المرأة و الأمن و السلم على حسن التعاون فى تنظيم هذا المنتدى المتميز مواضيع وعناوين و مشاركات و مشاركين و الذى لا شك سيكون متميزا نقاشات و خلاصات و توصيات،....

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته