انقلاب كوني واختفاء الصراعات الجزئية.. فمن سيخرج سالما؟

خميس, 2021-11-04 01:24

في التاريخ البشري القديم والحديث تتحكم دورات الزمن في عمر الامبراطوريات ومواقعها وكيفية انتقالها من مركز الى اخر وتحمل كل دورة زمنية معطيات مختلفة لقيام امبراطرية وانتهاء اخرى والبعض من المتابعين لحركة الامبراطوريات والحضارات يرجع الانطلاق او الانهيار الى عوامل عديدة منها الحروب الخارجية او انتشار الاستهلاك او الاوبئة اوالتراخي في النظام المالي.. وذهب البعض الى ربط ذلك بدورة القمر كل ثلاثة قرون من الزمن.. وعلى كل الاتجاهات يقف الانهيار حتمية تاريخية.

 

منذ سقوط غرناطة بدأ سقوط عالميتنا من أخطر مواقعها الحضارية،وكل ما تم منا بعد ذلك من مقاومة كان قصد تاجيل الانهيار ولكن القرون التالية حملت لنا سمات الانهيار ورياح التداعي وصولا الى سقوط القدس.. في مرحلة الانهيار الحضاري الاسلامي انطلقلت الامبراطوريات الغربية متنقلة من مركز الى آخر فمن مدريد و باريس الى لندن ثم الى واشنطن.. والآن واضح أن هذه الإمبراطورية التي تمددت كثيرا أصبحت تتآكل وتتلاشى وكان اصطدامها بالعراق وافغانستان بعد الجزائر من أهم الأسباب التي قررت مصيرها..

وفيما ترهق الديون المجتمعات الغربية وتسهم في تفككها وتدمر كيانات استراتيجية كما حدث للاتحاد الاوربي وانسحاب بريطانيا. وكما حلف الناتو الذي اصبحت العلاقة فيه مشوية بالتوتر وعدم الاستقرار وتراجع الدخول السنوية مقابل ازدياد الحاجة الى الاقتراض والديون المتراكمة.. في ظل هذا الواقع نرى ان هناك قوى تطل برأسها وهي عبارة عن طليعة كتل بشرية كبيرة لحقها الالم والقهر من لدن الامبراطورية الامريكية..

 

في التاريخ لا تعمر امبراطورية اكثر من 350 سنة ولقد جربت الامبراطوريات الكبرى حظها وراحت الى سبيل حالها.. صحيح ان الدولة الاسلامية استمرت اكثر من 10 قرون لكن العرب لم يستقروا بخلافتهم اكثر كثيرا..

سقطت الامبراطوريات القديمة والحديثة .. ومؤخرا سقط الامبراطورية البريطانية والفرنسية والسوفيتية باقل من ذلك في الزمن

الآن لا أحد يستطيع أن يوقف التدهور في الإمبراطورية الأمريكية المتسيدة على العالم.. ورغم أنها تبذل جهودا جبارة للبقاء إلا أن سنن الإنهيار دبت في أوصالها..

نحن قادمون الى ميلاد امبراطريات جديدة:

عناصر ضعف المشروع الاستعماري:

تتمثل عناصر ضعف المشروع الاستعماري في حالة الانهيار التي تمر بها كما لم تكن في اير مرحلة سبقت وذلك من خلال قراءة لطبيعتها وقوة الدفع فيها..الامر الذي ادى الى هزائم كبرى منيت بها الامبراطورية الاستعمارية الامريكية،

ولئن اعتبرنا الكيان الصهيوني قاعدة المشروع الاستعماري في الوطن العربي بل وفي الاقليم كله وان قوته تعني تلقائيا قوة الدفع الاستعماري في الاقليم فلعلنا من خلال استقصاء معلومات حقيقية عن طبيعة تكون هذه القاعدة نستطيع اعطاء اجابات علمية عن حقيقة هذا المشروع في هذه المرحلة ولعل ابلغ ما يمكن قوله هو ماذهب اليه رئيس الوزرائ الصهيوني السابق نتنياهو عندما اشار للفترة الزمنية التي يمكن للكيان الصهيوني ان يعيشها بانها في احسن حالاتها لن تتجاوز 100 عام.

التحديات التي يواجهها الكيان الصهيوني بنيوية وعقائدية فلحتى اللحظة ورغم كل ما تم بذله لم تستطع المؤسسات الصهيونية ان تنتج شخصية اسرائيلية وظل التجمع الصهيوني عبارة عن كانتونات عرقية متناقضة بينها من الصدام اكثر مما بينها والعرب ويظهر هذا التناقض بسهولة في المعاملات ومواقع السلطة والمال وعصابات المافيا في المدن.. ولم تسعف الظروف المحيطة بالكيان بتمرير المقولات الدعائية الكبيرة عن طبيعة الدولة العبرية فهي لم تستطع ان تكون بلاد العسل واللبن بل بلاد المتفجرات والموت الاسود..

كما ان الراي العام الغربي اخذ في التطور ازاء الاحساس بان الكيان الصهيوني احد اهم اسباب عدم الاستقرار بالعلاقة مع الجنوب وانه مهدد خطير للسلم والامن الدوليين الامر الذي بدأ يتجلى في المقاطعة للمنتوج الصهيوني ومقاطعة الاكاديميين الصهاينة في الحين الذي بدأ التعاطف على المستوى الشعبي الاوربي مع قضية الشعب الفلسطيني.

العنصر الثاني يتمثل في التحديات التي يواجهها المشروع الاستعماري في الاقليم فلقد تسبب انتشار الوعي بطبيعة المشروع الاستعماري في بعث روح المقاومة الثقافية والوعي لاشكال المشروع الاستعماري ويتنامى الوعي بضرورة التصدي للطموح الامبريالي الامبرطوري وهذا ما يجعل التصرفات الامريكية على غير قبول في المنطقة العربية وفي حالة ريبة وعدم طمانينة بل ومشاعر متزايدة بالكراهية .. فعلى مدار صعود الامبراطورية الغربية بشقيها الاوربي والامريكي لم تتوقف المقاومات العنيفة الدامية التي لم تترك فرصة للتعايش والاقرار بسيادة الامبراطورية الامريكية وانتهى الامر بما نرى من انهيار للتواجد الامريكي في اكثر من مكان وهزائم ترتد على الامبراطورية بزعزعة اليقين واجراء تعديلات في السلوك تسهم في الانهيار المعنوي والسياسي في سياق تراكمي متصاعد.

لقد كان ثمن الحروب التي استخدمتها الامبراطورية الامريكية باهضا ولعل هذا هو مقتل كل الامبراطوريات السابقة.. فالحروب الخارجية وما تستجعيه من اعداد وانفاق وخسائر جعل من الولايات المتحدة اكبر قاعدة عسكرية عبر التاريخ تبعث بالسلاح والجنود عبر العالم في معارك لم تحقق الدولة الامريكية والشعوب الامريكية منها اي فائدة.. صحيح ان كبار رجال المال بالذات اصحاب المجمع الصناعي الحربي واصحاب شركات النفط حققوا ثروات هائلة ولكن الدولة تئن تحت طائلة الديون ومستحقات فوائدها الامر الذي ينعكس على النظام الاجتماعي والنفسي حيث تستمر الخسائر.

ويمكننا ملاحظة النظام الاقتصادي الامريكي ومعاناة النظام المالي كما سبق في انهيار التوسع الاسباني والبريطاني والعثماني..ولعل هذا اصبح النذير المخيف لجملة النشاط الذي تقوم به الدولة الامريكية رغم ضخم الدخل القومي سنويا الذي يبلغ 21 تريليون دولار.. الا ان الانفاق السنوي يزيد عن معدل الدخل الامرالذي يراكم الديون ويجعل الدولة تستدين لسداد الفوائد مما راكم الدين العام الى معدل مخيف ومرعب.. ولم تفلح كل الاجراءات التي اتخذته الادارة في تخفيف الدين ولم يحقق تدخل البنك الفيدرالي الفارق المطلوب.

ان ما حصل نتيجة للانتخابات الامريكية لايعبر عن تصارع تنافسي بين مرشحين انما هو شرخ عميق في المجتمع الامريكي فلقد تمترس 75 مليون امريكي حول الرئيس اليميني العنصري المتطرف الى درجة هددت في لحظة ما السلم الاجتماعي ومؤسسات الدولة وقد تم مشاهدة عبر التلفزيون كيف اقتحم مسلحون الكونجرس الامريكي وكيف تصرف الرئيس على اعتبار انه يقود قطاع من الشعب وليس الشعب كله وفي المقابل كان هناك الشحن العاطفي والايديولوجي بشكل صارخ انحازت اليه مؤسسات عريقة كالسي اي ايه والاعلام والهوليود.

ثم ان صعود الاقتصاد الصيني واقتحام ساحات واسعة في اسيا وافريقيا والسيطرة على اسواق معتبرة يعني بوضوح ان الهجوم الاقتصادي الصيني لايجد مقاومة معتبرة من الاقتصاد الامريكي الا من خلال قيام الدولة الامريكية باجراء عقاب او حصار او محاولة ضغط بغواصات وتحرشات لثني الصين عن مواصلة الهجوم الا ان كل ذلك حتى الان لم يحقق الا اخفاقا ذريعا للامريكان.

كما ان جبهة الحلفاء اصابها تصدع كبير فلم تعد قوة الناتو وتماسكه كما كان عشية الحرب العالمية الثانية وذلك لفقدان العدو المتفق عليه.. ففي حين تواجه امريكا الخطر الاقتصادي الصيني تتجه كثير من الدول الغربية الى علاقات متطورة مع الصين وفي ظل الحسابات الخاصة تتجه الولايات المتحدة الى انشاء تحالفات جديدة تستثني منها الدول الحليفة الاوربية.. وهذا رغم ما قد يكون منطقيا حسب تبدل مواقع الخصومة الا انه يضر بعمق التحالف التقليدي في الناتو.. والموقف لا يقتصر على بايدن فلقد سبقه ترمب في التملص من علاقات مكلفة مع الاتحاد الاوربي.

تتفق دراسات استراتيجية وازنة معتبرة على ان الامبراطورية الامريكية ستنهار اسرع مما يتوقع الكثيرون حيث لن تستطيع مواجهة التحديات الذاتية والموضوعية والصمود في المعركة المكلفة

الصين أو إيران أوتركيا؟:

فمن يكون قادرا على الانطلاق بمشروع امبراطوري مع انهيار الامبركورية الامريكية؟ هذا السؤال واقعي ومنطقي تماما صحيح قد لا تأتي الاجابة عليه خلال سنوات قليلة ولكنها تقترب من الوضوح مع كل هزة دولية او اشتباك هنا او هناك.. وفي هذه الطريق ستتلاشى كثير من المعارك الجزئية او تنصهر في معارك كبرى وتصبح المصلحة الاساسية في تجمع قوى كونية وتحالفات متجددة لشق الطريق امام الامبراطورية القادمة..فمن هو المرشح القادم؟

يطرح مباشرة لدى الكثيرين الاجابة بان الصين هي البلد العملاق في الاقتصاد العالمي وهو بهذا سيكون اقوى بديل اقتصادي لكنه من المعلوم ليس فقط القوة الاقتصادية من يحمل مشروع ما ليكون امبراطورية فهناك العقيدة التي تكمن في المشروع والطموح الكوني فالمشروع الصيني بلا شك فاقد للحس الانساني والقدرة على استيعاب الاخر داخله وهو مشروع اناني استغلالي حتى لو ظهر فيه تشارك مع الاخرين فهو يشغلهم في هامش المشروع.. وهو لاياتي بجديد عن الامبراطورية الامريكية التي كانت متسعا للتنوع البشري الثقافي العرقي وكانت مهياة للتمدد لما تحويه من تعدد وتنوع على الاقل ظاهريا.

واما ايران فرغم انها تقدمت في منطقة المشرق العربي واصبحت فخورة بان اربع عواصم عربية صارت بيدها وان مليشياتها “محور المقاومة” صارت حول ممرات مائية وفي القرب من البحر المتوسط الا انها تغرق في ازمات اقليمية نتيجة حساسيات حادة عنيفة حجمت تمددها وهي غارقة بلا شك في الملفات الاقليمية .. ايران بلغت الذروة ولا اتوقع لها التقدم اككثر مما وصلت اليه فلقد وضعوا في اقدامها قيودا صعبة بالاضافة لفقدانها شروطا ذاتية ضرورية تكمن في اضمحلال لغة التخاطب الايجابي مع الكتلة الاسلامية الواسعة والمتنوعة.. وهناك تحديات لم تستطع الاجابة عليها على صعيد المذهب والقومية

هناك تركيا يبدو انها تتحرك بسياسة ميكافيلية لا يضبطها إلا طموح العودة الى الوضع التاريخي بشكل يتم اعادة صياغته بما يتناسب مع التحديات الحالية وهاهي تجمع لها عناصر قوة مستفيدة من التاريخ والانتماءات التاريخية وواضح ان نصيبها سيكون وافرا في التقدم لقيادة كتلة الكمونولث العثماني في الجمهوريات التي اصبح التواصل الجغرافي معها ممكنا بعد انتصار اذريجان ورسم خرائط سياسية جديدة ..

ومع اني احاول البحث عن الوجود العربي في هذا النهوض يبدوو ان فرصه قليلة وغير مرئية في الوقت الحالي لان الامبراطوريات الغربية المتتالية عملت كل جهدها لتكسير مقومات النهضة لدى العرب بدءا بلغتهم وصناعة اختراقات خطيرة في مجتمعاتهم وتكريس التجزئة وتربية حكام يقومون بمهمة تعطسل الشعوب وقهرها عن التفكير في مستقبلها الحضاري..

الا ان هذا الكلام عن العرب ليس نهائيا فلقد كان العرب قبل انطلاقتهم الحضارية الكبيرة في وضعية اسوا مما هم عليه الان فلقد كانوا تيوزعون على امبرطوريتي ذلك الزمان الفرس والروم ولكنهم في خلال خمسين سنة اصبحوا يقودون البشرية من الاندلس حتى انطاكية..والتميز الخاص لدى العرب انهم اصحاب الرسالة الاوائل وان الدين بلغتهم وان قادة المشروع الحضاري الكبير كانوا جلهم عربا وهكذا يمكن القول انه رغم كل ما يعيشه العرب اليوم فانه لاداعي للحسم السلبي في قدرة العرب في المرحلة القادمة فمتى توفرت لهم قيادة بمستواهم سيتولون هم قيادة النهضة حتما ولكنها لن تتوقف عليهم وسيكونوا ضمن المشروع الكبير الذي سيكون للترك فيه عصب النهضة وسيكون للدول الاسلامية باكستان وماليزيا وسواها حضور كبير مما سيلون المشروع النهضوي بالوان لم تكن له في عالميته الاولى.

لكن بكلمة مختصرة تماما سيكون الخطر الروسي ماثل امامها وسيكون هو مغول العصر الحالي في مواجهة تركيا

انقلاب كوني اكيد

اتوقع لتركيا ان تصبح رقما صعبا

ولكني اتوقع صداما عنيفا مع روسيا

ان هذا القرن قرن التحولات الكونية الكبرى وحتما سيكون قرن دورتنا الحضارية الثانية

حتميات الاستبدال:

صالح عوض