القمة الروسية الأمريكية ومحاولة صياغة نظام عالمي معدل... هل ينجح بايدن في استعادة نفوذ واشنطن في الاتحاد الأوروبي؟

ثلاثاء, 2021-06-22 22:04

عقدت في جنيف بسويسرا يوم 16 يونيو 2021 قمة روسية أمريكية هي الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسبقتها قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في منطقة كورنوال جنوب غرب بريطانيا، ثم قمة حلف الناتو في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل وكانت هذه الاجتماعات هي الأولى من هذا المستوى كذلك للرئيس الأمريكي منذ تولى رئاسة البيت الأبيض في 20 يناير 2021.

الكثير قيل وسيقال عن هذه القمم الثلاث التي جمعت مجموعة من أكبر وأهم الدول والتكتلات من حيث القوة الإقتصادية والعسكرية على الصعيد العالمي، ولكن من الضرورة الإشارة إلى أن الصين لم تشارك في هذه اللقاءات التي يرى الكثير من السياسيين أنها تهدف إلى ترتيب التعامل في فترة تحول وصراع فيما يخص إعادة النظر في شكل النظام العالمي.

هناك تباين واسع في تقدير نتائج هذه القمم وما تفرع منها من لقاءات ومفاوضات ثنائية، البعض يرى أن الرئيس الأمريكي سجل نقطا إيجابية لصالح سياسته، وآخرون يقدرون أن الرئيس الروسي بوتين كسب أكثر من غيره في حلبة المواجهة مع واشنطن، وبعض آخر يرى أن النقط كانت متكافئة في لقاء جنيف الثنائي. نفس الخلاف في التقدير يتعلق بمدى نجاح الرئيس بايدن في إعادة الترابط والتوازن في علاقات بلاده مع الإتحاد الأوروبي وضخ دماء متجددة في حلف الناتو، وكذلك محاولته حشد الإتحاد الأوروبي خلف واشنطن في مواجهتها مع الصين ومع روسيا إذا فشل في جر الكرملين إلى قبول صفقات مع الغرب تبعده عن بناء تحالف كامل عسكري وسياسي مع الصين.

قال أحد المحللين السياسيين سيمضي وقت طويل، قبل أن يستقر اللاعبون الكبار على إجابة "مشتركة" على سؤال قديم لهنري كيسنغر وزير الخارجية الأمريكي السابق وأحد أكبر منظري المحافظين الجدد، حول طبيعة وقواعد النظام العالمي الجديد، الذي سيرث نظامي "القطبين" الذي ميز حقبة الحرب الباردة، ونظام "القطب الواحد" الذي أعقبها ... العالم اليوم، ما زال يمر في مخاض عسير، قبل أن يهتدي إلى قواعد جديدة لتنظيم العلاقات الدولية، فلا "القديم" قابل بمغادرة المسرح، ولا "الجديد" قادر على فرض أسسه وقواعده.

بايدن أكد يوم 9 يونيو قبيل الإقلاع على متن طائرة الرئاسة في رحلته الأوروبية أن الغرض من رحلته هو أن يؤكد "بوضوح لبوتين والصين أن التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا متين"، "رحلتي إلى أوروبا هي فرصة لأمريكا لتعبئة ديموقراطيات العالم أجمع".. وأضاف بايدن من قاعدة أندروز العسكرية في إحدى ضواحي واشنطن، أنه يعتزم الكشف عن إستراتيجية لقاح عالمية قريبا.

سوزان مالوني من معهد بروكينغز للأبحاث ومقره واشنطن علقت على تصريحات بايدن بالقول "أن الحلفاء سيتلقون هذه الكلمات المطمئنة مع بعض التشكيك". وأضافت أن "استعداد بايدن لإعادة الاتصال بهم يجب أن يتغلب ليس على ندوب السنوات الأربع الماضية فحسب بل وعلى الأسئلة العالقة حول صحة الديمقراطية الأمريكية".

محللون آخرون خاصة في برلين وباريس أشاروا أن هناك تقاطعات كثيرة في مصالح الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة مما يجعل من الصعب جدا بناء التحالف الغربي بالشكل الذي يتطلع له البيت الأبيض من أجل أن يرمم حالة التراجع في القوة الأمريكية.

شكلت قمة جنيف أهمية خاصة بالنسبة لانعكاساتها الممكنة على للتطورات في المنطقة العربية، ذلك أن هناك صراعا مفتوحا بين موسكو وواشنطن فيما يخص أزمات سوريا ولبنان وليبيا والعراق، وكذلك بشأن معارضة البيت الأبيض وضغوطه لمنع توثيق دول عربية علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الكرملين.

 

خطوة بخطوة

 

جاء في تحليل نشره موقع الحرة يوم 17 يونيو: أظهرت نتائج قمة جنيف الأمريكية الروسية دلائل على "وقف النزيف في العلاقات بين الدولتين"، رغم ما بدا وكأنه سلوك "متشائم" لبايدن قبل انعقاد الاجتماع، وفقا لتقرير عن صحيفة "واشنطن بوست". 

فمع اقتراب القمة، خفف بايدن من احتمال وجود تغيير حقيقي في سلوكيات روسيا أو التوصل لنتائج جذرية من شأنها خلق تقارب شديد بين الدولتين، بل توضيح بعض القضايا الجوهرية للرئيس الروسي. 

وعبر بايدن عن هذا بعد مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الذي دام حوالي أربع ساعات، قائلا: "هذا لا يتعلق بالثقة. بل بالمصلحة الذاتية". 

وعكس بوتين الأمر ذاته، في مؤتمر صحفي منفرد، قائلا: وفي رد على سؤال بشأن تلقيه دعوة من بايدن لزيارة البيت الأبيض، قال بوتين "لم يقم بتوجيه الدعوة لي لزيارة البيت الأبيض"، مضيفا "يجب أن نحظى بالوضع المناسب من أجل الوصول لهذه المرحلة".

ويشير التقرير إلى أن مساعدي بايدن "لم يتركوا شيئا للصدفة"، وأنهم درسوا كل خطوة خلال تنظيم الاجتماع في مدينة جنيف لكي يضمنوا "تجنب أي تقصير في تحقيق التوقعات" أو احتمالية "تحقيق إنجازات متواضعة". 

وأشار إلى أن الرئيسين تعمدا الامتناع عن الظهور في مؤتمر صحفي مشترك، لمنع أي "عفوية وارتجال". 

كما تم تجنب أي فرصة قد يبدو فيها بايدن "بمظهر ضعف"، فعلى سبيل المثال تفاوضوا على وصول الرئيس الروسي أولا إلى موقع الاجتماع، لاستبعاد أي فرصة لإبقاء الرئيس الأمريكي منتظرا، وهو "تكتيك نفسي معروف لبوتين"، وفقا للتقرير.

وذكر مسؤول أمريكي، رفض الكشف عن هويته للصحيفة، إن طاقم الرئيس الأمريكي، قرروا تنظيم إحاطة للخبراء حول الأمن السيبراني، ولا سيما بشأن أنواع السلوكيات والبنى التحتية التي يجب اعتبارها "خارج الحدود" أو "محظورة".

وسلم المسؤولون الأمريكيون بوتين قائمة بـ 16 قطاعا، في مجالات الغذاء والزراعة والخدمات المالية والاتصالات وقواعد الإنتاج الدفاعي التي تعتبر "خطا أحمر".

وكان بايدن قد تعهد بأن الهدف من اللقاء هو تحديد تلك الخطوط لبوتين وتأكيد أن الولايات المتحدة لن تقف جانبا أمام أي سلوكيات قد تشهد فيها عداوة من الجانب الروسي. 

 

خفض التوقعات

 

ومع الحرص على تخفيض التوقعات المسبقة للاجتماع، بالأخص مع انتهائه بشكل أبكر مما كان متوقعا جراء إلغاء "جلسة الوفدين"، لم يتوقع كثيرون وجود تغييرات جسيمة بعدها. 

لكن لهجة بايدن الحازمة في الأيام الأخيرة حيال بوتين أبرزت التناقض بشكل أفضل مع تقلبات سلفه الجمهوري، دونالد ترمب، وغموضه.

وهذه اللهجة المسبقة و"تشاؤم" الرئيس الأمريكي من توقع أي نتائج قبل الاجتماع كانت السبب وراء تحقيق نتائج كبيرة، حيث وصف بايدن الحوار بـ "البناء".

اللقاء تطرق إلى مجموعة كبيرة من القضايا، أبرزها الاتفاق على عودة السفراء والملف السوري فيما يخص ضرورة فتح ممر لإدخال المساعدات الإنسانية إضافة إلى الملف الإيراني. 

ووضح بايدن لبوتين أنه من الضروري التأكد من أن إيران "لن تحصل على سلاح نووي"، وأشار في الوقت ذاته إلى أن الرئيس الروسي "عرض المساعدة في ملفي إيران وأفغانستان".

ووصف بايدن أجواء الاجتماع مع الرئيس الروسي بأنها كانت "جيدة وإيجابية"، مؤكدا أنه "تمت الموافقة على اتباع الديمقراطية فيما يخص اتفاق مينسك".

وأبلغ بوتين بأن "المسألة ليست ملاحقة روسيا، ولكننا نتحدث عن مبادئنا في الدفاع عن الحريات الأساسية".

على المستوى الفردي، لا تشكل أي من الاتفاقات لحظة فاصلة، لكن محللين قالوا إنها تشكل معاً تقدما في القضايا الهامة لكلا البلدين.

فعلى مدى 40 عاما من خبرته السياسية، شهد بايدن الكثير من الاجتماعات بين رؤساء أمريكيين وروس، دون تحقيق نتائج ملموسة.

لكن خبراء يقولون إن لهجة بايدن الأخيرة وتعاطي طاقمه مع تحضيرات الاجتماع "أوقف نزيف العلاقة بين البلدين، وعلى الأرجح وضع أساساً لها"، وفقا لما قاله المحلل الروسي، سامويل تشاراب، للصحيفة. 

فقد اتفق الخصمان القديمان على عودة دبلوماسية قوية، مع تأكيد مجرى الحوار الذي سيتخذ بين الطرفين مستقبلا. 

وأضاف تشاراب "كانت هناك خطوات واضحة للتقدم.. وبشكل عام قد تكون هذه أفضل نتيجة كنا نتوقعها".

في واشنطن لا يخفي محللون أن بايدن لم ينجح في حشد حلف الناتو خلفه في سياسة متشددة في مواجهة روسيا والصين.

 

تبريد الحرب الباردة

 

تحت عنوان "قمة الناتو قررت عدم البدء بحرب باردة جديدة"، كتب غينادي بيتروف، في "نيزافيسيمايا غازيتا"، حول تكتيك جديد قرر حلف شمال الأطلسي اتباعه في التعامل مع روسيا والصين.

وجاء في المقال: استضافت بروكسل قمة للناتو، ذكر المشاركون في المنتدى أن الحلف يدخل في زمن جديد. فبدلا من عاصفة الإرهاب العالمي غير محددة المعالم، سيتعين على الحلف مواجهة روسيا والصين.

استغرق اجتماع قادة دول حلف شمال الأطلسي ساعتين ونصف فقط، وهي فترة قصيرة بشكل غير عادي لمثل هذا الحدث. كانت القمة عابرة جدا، لأنها جرت بانتظار حدث أكثر أهمية من جميع النواحي، هو المحادثات بين  بوتين وبايدن في جنيف.

في بروكسل كان من المفترض أن يناقش رؤساء دول الحلف مع الرئيس الأمريكي موضوعات محادثته مع الزعيم الروسي وأن يعبروا عن رغبتهم بخصوصها.

وقد تضمن جدول الأعمال الرسمي للقمة الموافقة على تقرير استراتيجية التحالف حتى العام 2030. وهذا التقرير يشكل أساس التصور الاستراتيجي لدى الحلف، وهو نوع من العقيدة العسكرية للناتو، وتذكر فيه الأهداف والغايات. وعلى وجه الخصوص، يشار هناك إلى أن العلاقات مع روسيا والصين يجب أن تتغير جذريا. فالناتو ينظر إلى كلا البلدين الآن بوصفهما قوتين يجب مواجهتهما. ففي البيان الختامي للقمة، وصفت الصين بأنها "تحد منهجي للنظام العالمي القائم".

كما أن الأمريكيين، على الأقل في الوقت الحالي، يناسبهم أن لا يتوسع حلف الناتو. وكان الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا قد حذّر، قبيل القمة، من التراجع عن الوعود التي قطعت سابقا لأوكرانيا وجورجيا بشأن انضمامهما إلى الحلف.

أندري سوشينتسوف، من نادي فالداي للحوار الروسي صرح: "أعتقد أنهم يجتمعون لمحاولة معرفة سبب حاجتهم إلى علاقات ثنائية بين روسيا والولايات المتحدة"، "أن تغير الإدارة في البيت الأبيض، وتبني إدارة بايدن هدف إقامة علاقات "مستقرة ويمكن التنبؤ بها" مع موسكو، يمكن أن ينتجا ديناميكية إيجابية، وهي أجندة عملية مقصودة تعكس السياسة الخارجية لروسيا".

وأشار سوشينتسوف إلى أن الاجتماع يمكن أن يسمح للجانبين بإجراء "صيانة" لمنع المنافسة من التحول إلى مرحلة أخطر.

 

سذاجة

 

علق مايكل شير في صحيفة “نيويورك تايمز” على لقاء جنيف بسويسرا بالقول إنه لو كان هناك رئيس أمريكي آخر لشعر بالإحباط والغضب، فبعد لحظات من نهاية لقاء استمر ثلاث ساعات يوم الأربعاء، قام الرئيس بوتين بتقديم قائمة مواقفهالمعتادة إلى المراسلين.

فقد نفى مسؤولية بلاده عن الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المصالح الأمريكية واتهم أمريكا بتنفيذ المزيد. وقال إن سجل أمريكا في مجال حقوق الإنسان أسوأ من سجل بلاده. واتهم حكومة بايدن بالقيام بتعزيزات عسكرية بالقرب من أوكرانيا.

وبدا بوتين نفسه وكأنه يعزز فكرة أن التبادل الدبلوماسي رفيع المستوى الذي تم التوصل إليه على ضفاف بحيرة جنيف لم يفعل شيئا يذكر لتغيير العلاقة التي تدهورت لسنوات.

وتعلق الصحيفة أن بايدن لو كان منزعجا من أداء نظيره، فلم يكن هناك ما يشير إلى ذلك خلال مؤتمره الصحافي اللاحق، أو في حديثه لاحقا مع المراسلين تحت جناح طائرة الرئاسة قبل مغادرته سويسرا ختاما لجولة دبلوماسية في أوروبا استمرت ثمانية أيام، انتقل خلالها بين ثلاث دول.

وسلط رد بايدن على خصمه الروسي الضوء على سمة ثابتة لرئاسته: تفاؤل عنيد يقول المنتقدون إنه يصل إلى حد سذاجة مقلقة ويصر الحلفاء على أنه عنصر أساسي لإحراز تقدم.

وذكر بايدن قبل ركوب طائرته، وهو يوبخ وسائل الإعلام لكونها متشككة للغاية: “لقد أبرز البلد وجها مختلفا بشأن ما كنا عليه وإلى أين نحن ذاهبون – وأشعر بالرضا حيال ذلك. أعني، انظروا، سوف أحيركم جميعا لأنني أعلم أنك تريدون مني دائما أن أعرض الجانب السلبي في كل شيء”.

وقال إن الأمر المهم هو أن “نبرز واجهة متفائلة” بينما تبقى واقعيا بشأن احتمالات التغيير الحقيقي على المدى الطويل.

وسأل بايدين المراسلين: “لو كنتم في موقعي، هل ستقولون: حسنا، لا أعتقد أن أي شيء سيحدث، سيكون هذا قاسيا حقا، أعتقد أنه سيكون أمرا سيئا حقا؟ وهكذا ستضمن عدم حدوث أي شيء”.

ويعلق شير أن من يستمع إلى بايدن في مؤتمره الصحافي فقد يستنتج بسهولة أن الاجتماع مع بوتين حقق نجاحا باهرا. فقد أشار الرئيس إلى اتفاق مع روسيا لبدء العمل على اتفاقية جديدة للحد من التسلح. وقال إن الحيلة تكمن في معرفة مصالح الخصم. وذكر بايدن إنه في حالة بوتين، يريد "الشرعية، والحضور على المسرح العالمي.. إنهم يريدون بشدة أن يكون لهم أهمية".

لكن إيجابية بايدن المطلقة جعلته عرضة للاتهام بأنه ساذج وغير راغب في رؤية الواقع الذي أمامه على الجانب الآخر من الطاولة.

 

تجنب الصراع المباشر

 

نشرت صحيفة الفايننشال تايمز مقال رأي لأندرو ويس نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومدير سابق للشؤون الروسية والأوكرانية والأوراسية في مجلس الأمن القومي الأمريكي ذكر فيه:

لقد ظلت الولايات المتحدة في موقف ضعيف إلى حد كبير منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا قبل أكثر من سبع سنوات. لقد تعلم بوتين أنه من المفيد الحفاظ على اختلال توازن خصوم روسيا. سواء كان ذلك عن طريق ملء الفراغات في النقاط الساخنة العالمية أو اللعب على الانقسامات الداخلية للغرب، فقد أظهر مرارا وتكرارا أن السياسة الخارجية الحازمة لا يجب أن تكلف الكثير حتى تكون فعالة ومستدامة. ويعتمد أسلوب عمله بشكل كبير على المفاجآت والاستفزازات التي تجبر الخصوم على التعامل معه بشروطه”.

ويشرح الكاتب “يوضح الحشد العسكري الروسي في أوكرانيا وحولها قبل بضعة أشهر كيفية عمل هذه اللعبة. من خلال إثارة الذعر من الحرب، وسعى بوتين إلى استباق موجة متوقعة من العقوبات الأمريكية الناجمة عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، واختراق سولار ويندز وسجن السياسي المعارض أليكسي نافالني”.

ويضيف “الرسالة الخفية: كن حذرا، يمكنني أن أجعل الحياة بائسة بالنسبة للغرب في الأماكن التي اختارها بنفسي. الطريقة الوحيدة للتأكد من أن الأمور لا تخرج عن السيطرة هي التحدث معي مباشرة. هذا هو التكوين الحقيقي لاجتماع جنيف”.

ويرى الكاتب أنه “لسوء حظ بايدن، فإن التصور القائل بأن بوتين يتعرض لضغوط أكبر في الداخل هو تصور خاطئ. ويضيف “مع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في عامين، يتم تجديد أرصدة خزائن الحكومة الروسية.

إن بوتين ليس متهورا. ويقوم بمعايرة تحركاته بعناية لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. انطلقت العملية السورية بعد أن تبين أن إدارة أوباما لن تتدخل لإسقاط بشار الأسد”.

ربما يكون أكثر ما يمكن أن نأمله من قمة جنيف هو إعادة إنشاء عدد قليل من قنوات الاتصال، جنبا إلى جنب مع إدارة المخاطر اللائقة والجهود المبذولة لتجنب الصراع في المناطق التي قد نتصادم فيها”.

 

بوتين حصل على ما يريد

 

إيكونوميست قالت إن جوزيف بايدن كان في سن الـ 12 عاما عندما جلس دوايت أيزنهاور في جنيف مع نيكيتا خروشوف لأول مرة في قمة ثنائية بين قادة أمريكا والإتحاد السوفييتي. وكان سن الرئيس الحالي 42 عاما يعمل كسيناتور في مجال التحكم بالسلاح عندما جلس الرئيس رونالد ريغان على الاريكة مع ميخائيل غورباتشوف لأول مرة وفي نفس المدينة، فيما نظر إليه على أنها الخطوة الأولى لنهاية الحرب الباردة.

وجاء دور الرئيس بايدن في 16 يونيو لمواجهة الرئيس الروسي بوتين والذي قوض الكثير من مكتسبات أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وأحيا بعض الممارسات السوفييتية. ورغم تشابه المكان إلا أن الحبكة للقاء كانت مختلفة. فلم يكن اللقاء قمة بين قوتين عظميين تقرران مصير العالم بينهما، ولم تكن محاولة أخرى لإعادة ضبط العلاقة كما فعل باراك أوباما، لكن كان أمرا أكثر غموضا.

وكان هدف اللقاء هو إدارة المواجهة عبر رسم خطوط حمر وتوضيح قواعد الاشتباك والتعرف على نقاط ضعف كل طرف. وكان الإنجاز الوحيد من اللقاء هو الاتفاق على بدء محادثات نووية جديدة وعودة السفراء إلى منصبيهما.

منح بايدن انتصارا جديدا لبوتين عندما تجاوز اعتراضات عدد من كبار مساعديه ورفع العقوبات عن واحدة من الشركات المشتركة في خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي تبنيه روسيا تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا متجاوزا بولندا وأوكرانيا. واعتبر بايدن أن هذا تنازلا لألمانيا وليس لروسيا مع أن الخط اكتمل بنسبة 90 في المئة. لكن بوتين والرئيس الأوكراني فولديمير زيلنسكي الذي علم عن القرار من خلال الإعلام اعتبره انتصارا لروسيا. وعبر بوتين أيضا، عن رغبة بعلاقة “مستقرة ويقينية” وعنى بذلك أن تظل الولايات المتحدة بعيدة عن شؤون بلاده وتدخلها في الحديقة الخلفية لها.

 

تعاون أم احتواء؟

 

ماذا قدمت قمة جنيف بين بايدن وبوتين للعلاقات الأمريكية الروسية؟ وهل كان توقيتها مبكرا جدا وغير ناضج سياسيا؟.

مناظرة قناة الحرة عبر برنامج "عاصمة القرار" غاصت في هذا الموضوع مع نايل غاردينر، مدير "مؤسسة هيريتدج" الأمريكية في واشنطن. وبول سوندرز، كبير باحثين في "مركز المصلحة الوطنية" في واشنطن. كما شارك من موسكو الدبلوماسي الروسي السابق فياتشيسلاف ماتوزوف.

يقول نايل غاردينر إن "قرار بايدن بالموافقة على عقد قمة مع بوتين كان سيئاً جدا. فالرئيس الأمريكي أخطأ بعقد هذه القمة" التي "سمحت لبوتين بالظهور وكأنه مساو للرئيس الأمريكي". لكن بول سوندرز يعتقد أن قرار بايدن بعقد القمة مع بوتين" كان قرارا صائبا"، فاستعمال الدبلوماسية مع روسيا أمر ضروري، رغم "قلّة فرص التعاون بين البلدين، والتصادم بينهما في مواضيع عديدة". فياتشيسلاف ماتوزوف يعتقد أن عقد القمة "انجاز بحد ذاته، وخطوة إيجابية" للعلاقات الثنائية بين البلدين وضرورية للعلاقات الدولية. 

لا يتوقع بول سوندرز أن تغير قمة جنيف تصرفات بوتين، خاصة على المدى المنظور. لكن ما بدأته إدارة بايدن هو"تفعيل الدبلوماسية المباشرة مع روسيا، دون التعويل على مستوى الثقة الأمريكية ببوتين، وهي متدنية جدا. "فالأمر يتعلق بـ " تجنب أي تصعيد حاد في المواجهة بين البلدين" برأيه. نايل غاردينر يقول "إن لا فائدة من قمة مع روسيا ما دام بوتين في السلطة". ويضيف بأنه "لا يمكن لواشنطن أن تتصرف بشكل منطقي مع هذا الدكتاتور الروسي، بل على إدارة بايدن مواجهة بوتبن وإضعافه لدرء أخطاره" عن أمريكا. 

انتقد السِناتور الجمهوري بن ساس، بايدن على قبوله عقد قمة مع بوتين، قائلا: نحن نكافئ بوتين بعقد قمة معه، وبدلا من معاملته كمجرم يرعب الشعب الروسي، نشرع أفعاله عبر عقد قمة معه. فيما أثنى خمسة عشر نائبا ديمقراطيا، على قرار الرئيس الأمريكي بلقاء الرئيس الروسي. وذلك "لخلق علاقة مستقرة وقابلة للتنبؤ مع روسيا دعما للاستقرار الاستراتيجي في أوروبا والعالم"، كما جاء في رسالة النواب لبايدن.

يشدد بول سوندرز أنه على الإدارة الأمريكية أن "تكون صارمة في التصرف والرد عندما تتخطى روسيا الخط الأحمر" الذي رسمه بايدن لبوتين قي قمة جنيف. ويضيف بأن على الإدارة الأمريكية "عدم السماح بتكرار خطأ إدارة أوباما بعدم احترام الخط الأحمر الذي وضعته" في سوريا. فيما لا يتوقع نايل غاردينر أن يغير الرئيس الروسي سلوكه، لأن بوتين "لا يفهم سوى لغة القوة والحزم، بما في ذلك العقوبات والمواجهة والحشد العسكري كي يفهم بوتين أن سلوكه غير مقبول" أمريكيا.

السناتور الجمهوري ماركو روبيو حث الرئيس بايدن على "فرض عقوبات على المسؤولين الروس الذي يقومون بتمكين الهجمات السيبرانية، وتوقيف المجرمين السيبرانيين، الذين ينتهكون القانون الأمريكي".

يتفق الخبيران الأمريكيان غاردينروسوندرز على عدم جدوى البحث عن دعم روسي لواشنطن في التعامل مع الحكومة الإيرانية، لا سيما في مسألة احياء الاتفاق النووي. لأن روسيا " لن تضغط على النظام الإيراني للتنازل" في الشأن النووي، حسب تعبير بول سوندرز. فيما يعتبر نايل غاردينر أن احتمال تعويل بايدن على مساعدة بوتين في الملف النووي الإيراني هو "خطأ أمريكي كبير يعطي نفوذا لروسيا دون أن يفيد أمريكا بشيء".

في الشأن السوري، قال الرئيس بايدن إنه شدد لبوتين على "الحاجة الملحة للحفاظ على، وإعادة فتح ممرات إنسانية في سوريا".

يعتقد الخبير الروسي فياتشيسلاف ماتوزوف أن اتفاق بايدن وبوتين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا "يسهل التواصل بين البلدين حول كل القضايا بما في ذلك الأزمة السورية". فبوتين، برأي ماتوزوف، مستعد لمناقشة "أي موضوع يهم الولايات المتحدة بكل حرية".

 

من الأكثر تشددا؟

 

يجادل السفير الأمريكي السابق في روسيا مايكل ماكفول، أنه "على خلاف سلفه ترمب الذي أمضى أربع سنوات يغازل بوتين، رسم بايدن معالم سياسة براغماتية تجاه روسيا، مبنية على التعاون والاحتواء والردع والعقاب متى دعت الحاجة". لا يوافق نايل غاردينر على أن ترمب كان مهادنا لبوتين، فالرئيس الأمريكي السابق كان "سخياً في الكلام عن بوتين لكن السياسة والعقوبات على روسيا كانت صارمة في عهده". بينما يعتبر بول ساوندرز أن "تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية عام 2016 جعل العلاقة مع موسكو مشكلة داخلية وحزبية" أمريكية. من جهته، قال النائب الديمقراطي آدم شيف إن الوقت قد حان من أجل "تبني نبرة جديدة في علاقتنا مع روسيا. أمريكا عادت مجدداً قوة راسخة من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية حول العالم. ولت أيام التغاضي عن انتهاكات بوتين العديدة".

يجادل وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو أن "إدارة ترمب كانت الأكثر تشددا ضد روسيا منذ نهاية الحرب الباردة". لكن بايدن برأي بومبيو "غير مستعد لمواجهة روسيا". فيما تقول هيلاري كلينتون إن بايدن "سيعيد ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بعد أن شجع ترمب بوتين".

جاء في نهاية تقرير الحرة: قدمت قمة جنيف نموذجا عن مقاربة بايدن لبوتين وروسيا، ويبقى على الإدارة الأمريكية أن تحول التطلعات إلى أفعال لتحقيق المصالح الأمريكية. وعلى بوتين أن يقتنع بأن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الولايات المتحدة يتطلب تغييرا في السياسات والسلوك الروسي تجاه أمريكا.

 

حصار الصين

 

لا تخفي المصادر الأمريكية أن قمة جنيف كانت مصممة لاستطلاع فرص "احتواء" الدب الروسي، ومحاولة إبعاده عن التنين الصيني لتفادي واحد من أكبر "كوابيس" الغرب: تحالف استراتيجي بين الاقتدارين، العسكري الروسي والاقتصادي الصيني. ويضيف تقرير صدر في واشنطن:

لكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن بصورة مقلوبة هذه المرة، وبالعودة ثانية إلى هنري كيسنغر، الرجل تنبه مبكرا لخطورة قيام تحالف من هذا النوع، فعمد إلى إبعاد الصين عن روسيا في سبعينات القرن الفائت، لإضعاف النفوذ العالمي للاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة، وصعود حركات التحرر الوطني وتصفية الاستعمار في العالم الثالث، فيما يعمل خلفاؤه اليوم، على إبعاد روسيا عن الصين، حيث تبدو الأخيرة مرشحة لاحتلال المرتبة الأولى على لائحة أكبر الاقتصاديات العالمية، فيما تعظّم مبادرتها المعروفة باسم "الطريق والحزام" فرص نجاحها في غزو القارتين الآسيوية والأفريقية خصوصاً.

أياً يكن من أمر، فإنه من السابق لأوانه، الجزم بما إذا كان بايدن سينجح في مسعاه أم لا، ذلك أن دوران عجلة الاقتصاد العالمي التي لا تتوقف، وهي تنبئ بميلاد "قرن آسيوي" بامتياز، وأن الزمن الذي كانت فيه دولة واحدة أو دولتان، تتحكمان بتقرير مصائر البشرية واتجاهات تطور النظام والعلاقات الدولية، قد ولّى، ولا يبدو أن التاريخ بصدد الاستدارة للوراء، أقله كما تشير لذلك معظم المؤشرات والتقديرات.

لقد نجح بايدن في ترميم جسور الثقة المنهارة بين أطراف "المعسكر الغربي"، وترك جرعة تفاؤل خلفه، بإمكانية العودة إلى صيغة من صيغ التضامن الغربي، التي تجد واشنطن نفسها بأمس الحاجة إليها لمواجهة "مهددات أمنها القومي" التي تتصدرها الصين وروسيا، فيما ترى أوروبا فيها "طوق نجاة" لمواجهة المهددات التي تأتيها من جوارها الشرقي والجنوبي والشمالي.

بيد أن مسعاه لرسم خطوط حمراء أمام بوتين لم يحقق نجاحا مماثلا، وسعيه لـ “احتواء" روسيا، أو فصلها عن الصين، ما زال في دائرة الاحتمالات المستبعدة ... لكن ذلك لا يمنع من القول أن قمة جنيف الأولى بين الرئيسين، ربما تكون نجحت في وقف الانهيار، وتفادي انزلاق العلاقة بين الدولتين إلى قعر الهاوية، بل وربما يمكن القول إن القمة نجحت في شق طريق لحوارات ومفاوضات شاقة لاحقة، لبحث الخلافات الكبرى بينهما، وفي صدارتها الاستقرار الاستراتيجي، الأمن السيبراني، أوكرانيا، حقوق الانسان، مخاوف روسيا من اقتراب "الناتو" من حدودها، ونشر صواريخه على مقربة منها، إلى جانب مروحة واسعة من الأزمات الدولية المفتوحة، وذلكم تطور إيجابي بحد ذاته.

 

قدرات أوروبا الاقتصادية

 

من أجل إعطاء فرصة نجاح لمخطط البيت الأبيض الهادف إلىمنع موسكو من تعزيز تحلفها مع بكين لم يكن هناك سوى خيارواحد أمام مخططي البيت الأبيض وهو ضم الاتحاد الأوروبيبكل طاقاته الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى الولاياتالمتحدة في مواجهة متعددة الأركان ضد الصين. الساسة فيواشنطن أدركوا بعد عناد طويل أن الوقت قد فات على تمكنواشنطن بمفردها مواجهة بكين وأنها بحاجة إلى حلفاء أقوياء إذاأرادت تجنب تحولها خلال سنوات إلى قوة عظمى من الدرجةالثانية. 

جيمس ستافريدس الأدميرال الأمريكي المتقاعد والخبيرالاستراتيجي ذكر في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء "إنبايدن سيسعى إلى إعادة الدفء للعلاقات الأمريكية الأوروبيةالتي عانت صعوبات شديدة خلال أعوام حكم سلفه دونالدترمب". 

ومن الطبيعي أن يرغب بايدن في الحديث مع حلفائه الأوروبيينعن فيروس كورونا المستجد، والتغير المناخي، والطموحات النوويةلإيران وانسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان. لكن على رأسهذه القضايا ستأتي قضية كيف يمكن للولايات المتحدة وأوروباالعمل معا لمواجهة الصين.

ومع استمرار توسع مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية علىمستوى العالم، واستمرار تنامي القدرات الاقتصادية والعسكريةوالدبلوماسية للصين، فإنها ستعترض الولايات المتحدة في أماكنعديدة، بحسب ستافريدس مؤلف رواية "2034: الحرب العالميةالتالية"، الأكثر مبيعا.

وبالنظر إلى الحجم المتوقع والتقدم التكنولوجي الهائل للصينخلال العقد الحالي، ستحتاج الولايات المتحدة إلى شبكة قويةجدا من الحلفاء والشركاء والأصدقاء للمساعدة على توفير التوازنمع صعود بكين. فمن الواضح أن الصين تعمل على إعادة تشكيلالنظام العالمي بطرق قد تلحق الضرر بالولايات المتحدة وأوروبا،حسب تحليل ستافريدس الذي نشرته "بلومبيرغ".

والحقيقة أن أوروبا هي الوحيدة التي تملك الكتلة السكانية والموقعالجغرافي والقيم، وقبل كل ذلك القدرة الاقتصادية التي تحتاجإليها الولايات المتحدة لتحقيق الثقل المطلوب في ظل عودة أجواءالحرب الباردة. ومن المهم الإشارة إلى أن الصين تجتذب روسياوإيران إلى جانبها لبناء شبكة حلفاء لها.

إذن، ما الرسالة التي يجب أن يقدمها بايدن إلى حلفائهالأوروبيين بشأن مواجهة الصين وكيفية التعامل معها؟ يجيبستافريدس عن هذا السؤال بالقول "إنه يجب البدء بقيادة الاتحادالأوروبي في بروكسل"، مضيفا أنه "أثناء عمله كقائد عسكريلحلف الناتو لعدة أعوام، عمل بشكل وثيق مع أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية حاليا التي كانت وزيرا لدفاع ألمانيافي تلك الأعوام".

وأضاف أنها "درست الطب وعاشت في الولايات المتحدة لعدةأعوام عندما كان زوجها يقوم بالتدريس في جامعة ستانفورد،وهي تتمتع بنظرة جيواستراتيجية للأمور. كما أنها كانت قدتحدثت منذ خمسة أعوام عما تمثله الصين والهجمات السيبرانيةمن تحديات بالنسبة إلى الدول الغربية وضرورة تحديث قدراتحلف الناتو لمواجهة هذه المخاطر. لذلك من المهم أن يطور بايدنعلاقة شخصية مباشرة مع فون دير لاين ومع ينس ستولتنبرغالأمين العام لحلف الناتو رئيس وزراء النرويج سابقا.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فالعنصر الأساسي للتحالفالأمريكي الأوروبي في مواجهة الصين، يرتبط بمدى قدرة كل منالولايات المتحدة وأوروبا على تنسيق مواقفهما بشأن التجارةوالتكنولوجيا. فالبعض في أوروبا يسعى إلى فرض قيود علىالقدرات الاقتصادية والتكنولوجية لكبرى الشركات الأمريكية منخلال "قانون الأسواق الرقمية"، ووفقا لهذا القانون فإن الشركاتالأمريكية العملاقة في مجال التكنولوجيا ستواجه تحقيقاتوتدخلات في أنشطتها في أوروبا، وهو ما يثير غضب الولاياتالمتحدة التي ردت بالتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية علىالشركات والمنتجات الأوروبية".

ويرى ستافريدس الذي يشغل حاليا منصب المدير التنفيذيلمجموعة كارلايل الأمريكية للاستثمار أنه يمكن القفز على هذهالخلافات من خلال تفعيل الفكرة التي طرحها أوروبيون بالفعلوتشكيل "المجلس الأمريكي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا". ويمكن أن يركز هذا المجلس أو المنتدى على صياغة مواقفمتكاملة لرصد الطموحات الصينية والتصدي لها.

وأخيرا يقول ستافريدس "إن الولايات المتحدة تتفوق على الصينمن خلال تنوع وقدرات حلفائها وشركائها وأصدقائها على مستوىالعالم، لكن أوروبا هي الشريك الوحيد الذي ستجد أمريكا معهالقيم المشتركة والقدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجياالمطلوبة لمواجهة التهديد الصيني".

 

ماذا عن الشرق الأوسط؟

 

لم تحظ قضايا الشرق الأوسط المشتعلة، باهتمام الزعيمين في جنيف، ولا نبالغ إن قلنا بأن قضية المعارض الروسي ألكسي نفالني، قد حظيت بمساحة أكبر مما حظيت به أي من قضايا المنطقة في نقاشات الزعيمين، لكن ذلك لم يمنعهما من "التأشير" إلى ساحات يمكن أن تكون لبلديهما مصالح مشتركة فيها، تملي عليهما التعاون...في هذا السياق، كانت الإشارة لأفغانستان وإيران وسوريا، لافتة للغاية.

من مصلحة واشنطن أن تتم انسحابها بأمان من هذه البلاد، بعد عقدين من الاحتلال العسكري المباشر والمكلف، ومن مصلحة روسيا، ألا تعود أفغانستان ثانية، "ملاذا آمنا" للحركات الجهادية والإرهابية ... ملء الفراغ الأمريكي الأطلسي في أفغانستان، يتطلب عملية سياسية جادة وذات مغزى، وترتيبات ما بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد، تقلق واشنطن، وتقلق روسيا كذلك، ذلك أن كرة النار التي كانت تكتوي بها القوات الأمريكية في أفغانستان قد تتدرج إلى عقر البيت الروسي.

ومن مصلحة إدارة بايدن، أن تنتهي مقاربة "أقصى الدبلوماسية" مع إيران إلى إحياء اتفاق فيينا ... ولروسيا مصلحة في إتمام اتفاق هي طرف فيه، بخلاف ما يقال عن أن استمرار التأزم بين الولايات المتحدة وإيران، يصب في المصلحة الروسية، ذلك أن بديل العودة للاتفاق، الذهاب إلى خيارات مكلفة، عسكرية وأمنية واقتصادية، وهو أمر تخشاه موسكو، وتخشى من انعكاساته على نفوذها المستعاد على الشواطئ الشرقية للمتوسط، بل وقد تمتد تداعياته إلى حدودها غير البعيدة عن ساحة الاشتباك، وسيكون لها مساس بعلاقاتها مع إسرائيل وأطراف عربية وإقليمية عديدة.

أما في سوريا، فثمة تباين واسع بين نظرة البلدين لأهمية هذه الساحة في حساباتهما الإقليمية والدولية، ففي الوقت الذي سبق فيه لترمب، أن وصفها بأرض الرمال والدماء، فإن إدارة بايدن، لم تبلور بعد، رؤية شاملة لسوريا...وهي تقارب ملفات الأزمة بـ"نظام القطعة"، تارة من منظور "المساعدات الإنسانية" وأخرى من منظور "محاربة الإرهاب"، وثالثة من بوابة "رعاية أكرادها" المحشورين بين مطرقة النظام وحلفائه وسندان أردوغان وأدواته، لكن لا يبدو للمراقبين، أن ثمة رؤية أمريكية شاملة لسوريا، وسط ترجيح بأن واشنطن لا تمانع "تلزيم" سوريا لبوتين، نظير ضمانات خاصة من نوع: دفع العملية السياسية والدستورية، تنتهي إلى دفع بشار الأسد لتقديم تنازلات وقبول مشاركة السلطة، وتأمين "الكيان الكردي" في إطار دولة سورية واحدة.

موسكو التي تعتقد أنها نجحت في استنقاذ الأسد، وربما تكون ربحت المعركة العسكرية على ثلاثة أرباع الأرض السورية، تدرك أنه سيصعب عليها مواجهة المعركة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، وتحمل أعباء إعادة الإعمار وتأهيل ملايين النازحين واللاجئين، الأمر الذي سيبقي مكاسبها في سوريا، عرضة للاهتزاز تحت ضغط هذه الأعباء ... لروسيا مصلحة، في بناء تفاهمات مع إدارة بايدن حول سوريا، لتفادي السيناريو الأسوأ في سوريا، لكن السؤال الذي سيطرح بقوة على مائدة أي حوار أمريكي روسي: ما مدى استعداد روسيا للضغط باتجاه تحقيق تسويات ومقايضات في سوريا ... أما الاختبار الأول لفرص خلق مثل هذه التفاهمات، فسيكون شهر يوليو، عندما سيبحث مجلس الأمن مسألة المعابر الحدودية بين شمال غرب سوريا وتركيا.

في المقابل، لا يكف الكرملين عن إطلاق "إشارات حسن النية" تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل من سوريا، فهو سمح لطائرات الأخيرة، باستمرار استباحة الأجواء السورية طوال أزيد من خمسة أعوام، وهو يعمل على إطلاق "عملية سلام" بين سوريا وإسرائيل، مقصودة لذاتها، وبصرف النظر عن نتائجها، ذلك أن انخراط الأسد في مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، سيسهل مهمة موسكو في إعادة "تعويمه" و"تأهيله" للعودة للمجتمع الدولي، ورفع أو تخفيف نظام العقوبات الصارم المفروض على دمشق، وتلكم أولوية أولى لموسكو ودمشق، سواء بسواء.

وستكون المفاوضات السورية الإسرائيلية، المطلوبة لذاتها كما أوضحنا، وبصرف النظر عن نتائجها النهائية، بوابة موسكو للعودة إلى عملية سلام الشرق الأوسط، بوصفها راعيا وضامنا لأحد أطرافها، سيما وانها تجد صعوبة في القيام بدور مؤثر على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل إصرار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على ترك هذا الملف حكرا على واشنطن وحدها، وانصياع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، للرغبة الإسرائيلية.

ليبيا أيضاً ستكون ساحة من الساحات التي يمكن أن تنشأ على أرضها فرص تعاون روسي أمريكي، سيما بعد أن تحولت موسكو إلى "لاعب" على هذه الساحة، داعمة لفريق من أفرقها، فيما واشنطن، ترغب في إنجاز حل سياسي للأزمة، يكفل لحليفاتها الأوروبيات، التحرر من كوابيس الهجرة غير الشرعية، ويكفل لها ولهن، فرصة منع ليبيا من التحول إلى ملاذ للإرهاب الذي يهدد أوروبا وأفريقيا.

بخلاف هذه الساحات، وحسب التقرير الأمريكي لا يبدو أن ثمة فرصاً كبرى لتعاون روسي أمريكي ذي مغزى، سيما وأن نفوذ روسيا في المنطقة، يكاد ينحصر في سوريا وبدرجة أقل في ليبيا، أما في بقية أزمات الإقليم: فلسطين، اليمن، العراق وحوض النيل، فثمة حدود ضيقة لما يمكن لروسيا أن تقوم به من أدوار، أو تعرضه على موائد الحوار مع واشنطن.

عمر نجيب

[email protected]