معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تلفظ أنفاسها الأخيرة الممكن والمستحيل في الصراع بين واشنطن وإيران وكوريا الشمالية

ثلاثاء, 2021-03-30 10:24

تسلط كثير من أجهزة الإعلام الدولية الضوء منذ الثلث الأول من سنة 2021 على محاولات الحكومة الأمريكية وبعض حلفائها على عقد صفقات مع كل من كوريا الشمالية وإيران بهدف أما نزع أسلحتها النووية والصاروخية البعيدة المدى أو الحيلولة دون وصولها إلى إمتلاك تلك القدرات التسليحية. التقديرات التي تقدمها الأجهزة الاستخبارية ومواقع الرصد والمحللون بشأن هذا الموضوع متباينة، فهناك من يقدم تصورا إيجابيا ويتوقع التوصل إلى تسويات مع إيران وكوريا الشمالية، في حين أن هناك من يقدر العكس ويذهب إلى حد القول أن طهران وبيونغ يانغ ستواصلان مسيرتهما التسليحية وستضيفان مسمارا آخر في نعش الاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووي قبل دفنها النهائي.

عدد من المحللين يرون أن حديث السياسيين في واشنطن عن فرص التوصل إلى تسويات للوصول إلى الهدف المنشود مع وبيونغ يانغ وطهران في سنة 2021 يدخل في إطار الأوهام أكثر من أي أمر آخر، وأنه بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وهجوم حلف الناتو على ليبيا وتدميرها في سنة 2011، أدركت كوريا الشمالية وإيران وبالطبع أطراف أخرى أن التخلي عن أسلحة الردع الكبرى مهما كان شكلها يعتبر بمثابة القبول بلف حبل المشنقة على عنق المتخلي.

في مارس 2021 حلت الذكرى السنوية الـ51 لدخول معاهدة الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة النووية حيز النفاذ، وبالمناسبة تجدد النقاش حول عدالة هذه المعاهدة التي تكيل بمكيالين حيث تسمح لدول بإمتلاك السلاح النووي بينما تحرمه على دول أخرى تحت غطاء مبررات مختلفة.

في عالم يتزايد فيه التنافس بين القوى العظمى وتتزايد النزعات القومية الإقليمية القوية، تبرز ثلاثة اتجاهات.

الأول هو الانهيار البطيء الذي لا يمكن إيقافه على ما يبدو للمعاهدة.

التوجه الثاني هو تصاعد التنافس بين الدول التسع، المعروفة، المسلحة نوويا التي تنفق جميعها مبالغ كبيرة على تطوير ترساناتها. وهي: الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تمتلكان أكثر من 90 في المائة من الأسلحة النووية في العالم، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية.

التوجه الثالث هو تفجر توترات ومواجهات حول القوى النووية الجديدة، أو التي تطمح أن تكون كذلك، مثل كوريا الشمالية وإيران. 

واشنطن بدرجة أولى استخدمت سلسلة من الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على كوريا الشمالية وإيران من أجل نزع سلاحهما النووي وأرادت أن يكون أسلوبها هذا رادعا لأي طرف يسعى لسلوك الطريق نفسه، ولكن بعد سنوات يظهر أن تلك الضغوط لم تؤت الثمار المطلوبة وتبين أنه يمكن تجاوزها والتغلب عليها.

إضافة إلى ذلك يقدر أن الحرب الباردة المتجددة بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين والصراع من أجل إقامة نظام عالمي جديد مبني على التعددية القطبية سيخدم مصالح القوى التي تريد كسر الاحتكار النووي.

 

تجارب مختلفة

 

جاء في تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية بتاريخ 26 مارس 2021 حول مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية: إن الاختبارات الصاروخية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية هي بمثابة "تذكير بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يواجه مشكلة سياسية خارجية أكثر صعوبة من كيم جونغ أون".

"لقد جرب أسلاف بايدن كل نهج تجاه كوريا الشمالية ما عدا الحرب. على مر السنين، شدد عدة رؤساء أمريكيين العقوبات تدريجيا على كوريا، إضافة لعدة قرارات من مجلس الأمن، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية. ورفع الرئيس السابق دونالد ترمب حدة لهجته تجاه كوريا، ثم حاول دون جدوى إقناع كيم بالتخلي عن أسلحته النووية في ثلاث قمم رفيعة المستوى في 2018 و2019.

"طوال هذه الفترة، استمرت كوريا الشمالية في إنتاج الأسلحة النووية بمعدل سريع، بالإضافة إلى الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي يمكن أن تستهدف اليابان وكوريا الجنوبية، وتنتج كوريا الشمالية أيضا صواريخ قادرة على الوصول إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وأشارت المجلة إلى أن "بيونغ يانغ ربما لم تتقن هذه التكنولوجيا، لكن الأمريكيين لم يعد بإمكانهم افتراض أنهم في مأمن من أي ضربة نووية كورية شمالية. وتعمل كوريا الشمالية على صواريخ سريعة ويصعب اكتشافها، ويصعب على دفاعات الصواريخ الباليستية إيقافها".

ونبهت لخطورة اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين بالقول إن "شن ضربة وقائية على كوريا الشمالية، كما كان يفكر ترمب عام 2017، هي فكرة ليست جيدة. ومن غير المرجح أن تؤدي إلى القضاء على ترسانة بيونغ يانغ بأكملها، ولكنها قد تشعل حربا إقليمية وربما نووية.

وتابعت أن "محاولة إقناع كوريا الشمالية بشكل دبلوماسي للتخلي عن أسلحتها النووية مقابل تخفيف العقوبات ستأتي بمخاطر سلبية أقل، ولكن قد لا ينجح ذلك، على غرار محاولات ترمب في عامي 2018 و2019. وعدم القيام بأي شيء مع استمرار العقوبات، هي استراتيجية احتواء، وهي أكثر أمانا من الحرب أو الدبلوماسية، لكنها تسمح لكوريا الشمالية بتوسيع برامجها النووية والصاروخية".

وعن الحلول المتوقعة التي يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة للتعامل مع كوريا الشمالية، قالت المجلة إن "هناك طريقة أخرى يمكن أن تتعامل بها إدارة بايدن مع كوريا الشمالية، وهي استراتيجية يتم من خلالها التوقف عن محاولة إقناع كيم بنزع السلاح بالكامل، وتسعى بدلا من ذلك إلى إبطاء نمو ترسانته من أسلحة الدمار الشامل وتقليل مخاطر الحرب".

وأضافت "بعبارة أخرى، يمكن للولايات المتحدة أن تسعى إلى تجميد أو الحد من قدرات كوريا الشمالية وتقليل التوترات، بدلا من الإزالة الكاملة لترسانة كيم النووية. ويجب ألا تتخلى الولايات المتحدة عن الهدف طويل المدى المتمثل في نزع السلاح النووي، ولكن في غضون ذلك، يمكن أن تحاول إبرام صفقة أكثر واقعية ومنع التهديد من التفاقم".

وأشارت إلى أن هناك مجموعة واسعة من القيود التي قد تسعى الولايات المتحدة لفرضها بغية الحد من التسلح في كوريا الشمالية، ومنها "إغلاق مركز يونغبيون للأبحاث النووية في كوريا الشمالية ووقف إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات".

وتوقعت المجلة أن تلجأ الولايات المتحدة لأساليب تساهم بتخفيف حدة المواجهة، وقالت إن "أمريكا قد تسعى أيضا إلى اتخاذ تدابير لتقليل مخاطر الحرب، مثل الحوار الاستراتيجي مع كوريا الشمالية. ويجب أن تركز واشنطن جهودها الأولية على الحد من قدرات كوريا الشمالية التي يمكن أن تشكل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة".

وتابعت أنه "يمكن للولايات المتحدة أن تقدم حوافز مثل الإعفاءات من العقوبات الأمريكية أحادية الجانب أو إزالة بعض عقوبات الأمم المتحدة على صادرات كوريا الشمالية أو واردات النفط، وبالإضافة إلى تخفيف العقوبات، يمكن لإدارة بايدن النظر في إعلان إنهاء الحرب الكورية، والسماح بتبادل مكاتب الاتصال، واستئناف المشاريع المشتركة بين الكوريتين".

وذكرت بما حصل خلال لقاء ترمب وكيم بالقول إن "ما عرضه كيم على ترمب خلال قمة هانوي عام 2019 كان صفقة سيئة، وعرضت بيونغ يانغ التفكيك الدائم لمنشأة يونغبيون للأبحاث النووية في مقابل رفع خمسة قرارات للأمم المتحدة تم تمريرها في عامي 2016 و 2017 وفرضت عقوبات شديدة على صادرات كوريا الشمالية من الحديد والفحم ووارداتها من البترول".

وأوضحت أن "رفع هذه العقوبات كان سيسمح بمليارات الدولارات من العائدات التي كان بوسع بيونغ يانغ أن تحولها بعد ذلك إلى برامج تسعى الولايات المتحدة إلى وقفها. وكان ترمب محقا في رفض هذا العرض، ولا ينبغي على بايدن قبول مثل هذه الصفقة".

وشددت المجلة على أنه "إذا قررت إدارة بايدن متابعة مفاوضات الحد من التسلح مع كوريا الشمالية، فستحتاج إلى العمل بجد لإبقاء اليابان وكوريا الجنوبية بمأمن. وسوف تشعر اليابان وكوريا الجنوبية بالقلق من أن أي نوع من الصفقات المحدودة التي تركز على الصواريخ بعيدة المدى، والتي سوف تعزز الوضع النووي لكوريا الشمالية إلى الأبد وتترك قدراتها قصيرة المدى التي يكون كلا البلدين عرضة لها".

 

تجاوز الحصار

 

وبشكل مرتبط ذكرت المجلة أن إدارة بايدن ستحتاج أيضا إلى دراسة كيف ستؤثر إجراءات الحد من التسلح على سياسته تجاه الصين، وأوضحت أن "نشر أنظمة الصواريخ الأمريكية متوسطة المدى في المنطقة من أجل ردع الصين، على سبيل المثال، قد تجعل محادثات الحد من التسلح مع كوريا الشمالية أكثر صعوبة".

وفي سياق متصل، تحدثت المجلة عن ما وصفته بـ"أكبر عقبة أمام التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية" وذلك يتمثل بنشر مراقبين دوليين للبرنامج النووي، وقالت إن "كوريا الشمالية تخشى أن يسمح ذلك للولايات المتحدة برسم خريطة لمنشآتها النووية لتوجيه ضربة عسكرية".

وذكرت أن "بيونغ يانغ سمحت للمفتشين الدوليين بزيارة منشأة يونغبيون بعد أن وقعت اتفاقية لوقف إنتاجها من البلوتونيوم مع إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون في 1994، لكن الصفقة انهارت بعد ثماني سنوات بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أن كوريا الشمالية كانت تخصب اليورانيوم سرا. وفشلت المحاولات اللاحقة من قبل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لفرض القيود على البرنامج النووي لكوريا الشمالية في عامي 2005 و2007 لأن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن المراقبين".

في تأكيد لفقدان أنظمة العقوبات والحصار الأمريكي لجزء كبير من فعاليتها جاء في تقرير نشرته وكالة فرانس برس يوم 6 مارس 2021:

اكد خبراء الأمم المتحدة تجاوز كوريا الشمالية بشكل حاد في عام 2020 القيود المفروضة على استيراد المنتجات النفطية بموجب العقوبات الأممية.

وأشارت الوكالة إلى أن تقريرا سلمته هيئة الخبراء الأمميين إلى مجلس الأمن الدولي ينص على أن كوريا الشمالية، خلال الفترة من يناير وسبتمبر عام 2020، استوردت كميات من المنتجات النفطية تتجاوز بعدة أضعاف الكميات المحددة بموجب العقوبات الأممية أي ما لا يزيد عن 500 ألف برميل سنويا.

وذكرت الوكالة الفرنسية أن التقرير الذي يعتمد على صور وبيانات وتقييمات، أن كوريا الشمالية تسلمت خلال الفترة المذكورة ما لا يقل عن 121 شحنة من المنتجات النفطية المكررة، مثل البنزين ووقود الديزل، تم نقل بعضها على متن ناقلات تابعة لدولة عضو في الأمم المتحدة لم يتم الكشف عن اسمها في التقرير.

كما لفت الخبراء الأمميون، حسب “فرانس برس”، إلى أن كوريا الشمالية تستمر في إنتاج المادة الانشطارية التي تمثل عنصرا رئيسيا مطلوبا لإنتاج أسلحة نووية، وأن بيونغ يانغ استولت خلال فترة بين 2019 ونوفمبر 2020 على أصول افتراضية تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 316.4 مليون دولار لدعم برنامجها النووي.

وتحدث خبراء الأمم المتحدة عن انتهاكات للحظر على صادرات كوريا الشمالية من الفحم والحديد والمأكولات البحرية والأسلحة ومنتجات أخرى تحقق عائدات بمئات الملايين من الدولارات.

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن "العقوبات المالية تبقى الإجراءات الأضعف من حيث التنفيذ وأكثر ما يتم تجاوزه بشكل نشط في نظام العقوبات" المفروض على بيونغ يانغ.

وأضافت أن دبلوماسيي كوريا الشمالية يلعبون دورا رئيسيا في الإلتفاف على هذه العقوبات عبر فتح حسابات مصرفية متعددة.

وبالرغم من منع انشاء شركات مشتركة مع كوريا الشمالية، كشفت الأمم المتحدة عن أكثر من 260 شركة مختلطة، يشارك العديد منها في أعمال بناء ونشاطات أخرى في روسيا والصين ودول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.

يذكر أنه يوم الثلاثاء الأول من ديسمبر 2020 وجهت الولايات المتحدة انتقادات حادة إلى الصين، بدعوى عدم تنفيذها العقوبات الأممية المفروضة على كوريا الشمالية.

وأطلقت وزارة الخارجية الأمريكية موقعا إلكترونيا جديدا يحمل اسم "دي بي آر كاي ريووردز دوت كوم" سيقدم جوائز مالية تصل إلى خمسة ملايين دولار للحصول على معلومات يمكن أن تشدد تنفيذ العقوبات على كوريا الشمالية، حتى لو كانت تتعلق بشركات تعمل في الصين.

وذكر مسؤول أمريكي إن سفن البحرية الأمريكية قدمت معلومات إلى بكين 46 مرة منذ عام 2019 حول عمليات تهريب للوقود الى كوريا الشمالية في المياه الصينية، وعام 2020 رصدت سفن البحرية الأمريكية 555 شحنة كورية شمالية من الفحم تم تصديرها إلى الصين.

وأشار المتحدث الأمريكي أن السلطات الصينية "لم تتحرك في أي من هذه المناسبات لوقف هذه الواردات غير الشرعية، ولو لمرة واحدة".

 

شبكات دولية

 

تذكر مصادر رصد في العاصمة الالمانية برلين أن تكثيف واشنطن لأسلوب فرض العقوبات على دول وأفراد عبر العالم ساهم في خلق أو تنمية شبكات عابرة للحدود تقوم بتجاوز الإجراءات الأمريكية وتقدم البدائل، ورغم تمكن البيت الأبيض من الكشف عن بعضها إلا أن ذلك لا يشكل سوى قطرة من محيط. ويشار مثلا إلى عجز أغلب الدول عن وقف أن تجارة المخدرات في العالم التي تجاوزت قيمتها في سنة 2020 حوالي 780 مليار دولار، أو التجارة غير الشرعية للأسلحة التي تفوق سنويا 62 مليار دولار وكذلك عمليات التهرب الضريبي وتبييض الأموال التي تصل سنويا إلى أكثر من 1100 مليار دولار.

ووفقا للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، كشفت وثائق مسربة من وزارة الخزانة الأمريكية أن بنوكا عالمية كبرى تتعامل منذ سنوات مع عملاء يشكلون مخاطر كبيرة.

واستند التحقيق المنشور في سبتمبر 2020 إلى آلاف الوثائق المسربة لـ"تقارير الأنشطة المشبوهة" التي تم تقديمها إلى وكالة مكافحة الجرائم المالية "فنسن" في وزارة الخزانة الأمريكية. وتتحدث الوثائق التي سميت "ملفات فنسن" عن تحويلات بنحو تريليوني دولار من الأموال المشبوهة جرى التداول بها بين عام1999 و2017.

وذكر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين إن الملفات أظهرت كيف أن البنوك، وكثير منها أسماء مألوفة، نقلت "مبالغ هائلة من النقد غير المشروع" لمجرمين متورطين في الجريمة المنظمة وأفراد خاضعين لعقوبات أمريكية. وأضاف الاتحاد أنه على الرغم من اللوائح الصارمة، فقد قبلت البنوك الكبرى أيضا مجرمين مشتبه بهم كعملاء وأجرت تحويلات بمليارات الدولارات لهم. وكشف التقرير عن أن البنوك ترددت أيضا في الإبلاغ عن مثل هذه المعاملات المشبوهة للسلطات وأحيانا كانت تفعل ذلك بعد تأخير لسنوات. 

وأفاد التحقيق الذي أجراه موقع "بازفيد نيوز" و"الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية" "آي سي آي جاي" بمشاركة 108 مؤسسات اعلامية من 88 دولة إن "أرباح حروب عصابات المخدرات الدامية والثروات المنهوبة من الدول النامية والمدخرات التي كد أصحابها لجمعها ثم تم السطو عليها بطريقة بونزي الاحتيالية، جميع هذه الأموال سمح لها بالتدفق من والى هذه المؤسسات المصرفية، على الرغم من تحذيرات موظفي هذه المصارف".

وفي عملية كشف لعجز العقوبات الأمريكية يشار كذلك أنه رغم الحرب التجارية الأمريكية ضد بكين صعد حجم تجارة الصين مع أوروبا إلى 586 مليار دولار في عام 2020، والرقم للمعهد الأوروبي للإحصاء، الذي سجل عجزا تجاريا أوروبيا لصالح الصين قيمته 181 مليار دولار في العام نفسه، وهكذا أزاحت الصين أمريكا من فوق عرش التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، الذي تراجع حجم التبادل التجاري لدوله مع واشنطن إلى 555 مليار دولار، وبفائض لصالح أوروبا بلغت قيمته 151 مليار دولار.

 

طعنة لواشنطن

 

بينما يدور جدل كبير بين طهران وواشنطن حول رفع العقوبات الأمريكية والعودة للإلتزام بالاتفاق النووي 1+5 الموقع سنة 2015، يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد بايدن يعلق آمالا أكثر في الاتفاق مع إيران بالمقارنة مع كوريا الشمالية.

يوم 27 مارس 2021 كشفت مجلة "فورين بوليسي" نقلا عن دبلوماسيين أوروبيين - لم تكشف عن هويتهم – أن مسؤولين بريطانيين وفرنسيين وألمان اقترحوا على الإدارة الأمريكية المبادرة برفع جزء من العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب على إيران تمهيدا للعودة للاتفاق النووي.

كانت الفكرة هي تقريب الولايات المتحدة من الامتثال للاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب بشكل أحادي في عام 2018، ووضع مسؤولية الرد بالمثل على إيران، وفقا للدبلوماسيين الأوروبيين.

وطبقا للتقرير، فإن أوروبا تعتقد أن بايدن يمكن أن يحتفظ بمجموعة من الإجراءات الإضافية التي فرضها ترمب، للحفاظ على بعض النفوذ على إيران في طاولة المفاوضات، وإحراز تقدم في القضايا التي تهم جميع الأطراف، لا سيما برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعمها لمجموعة من الميليشيات المسلحة في المنطقة.

في المقابل، أصر بايدن على اتخاذ إيران الخطوة الأولى من خلال التراجع عن خروقات زيادة تخصيب اليورانيوم لمعدلات تفوق عن النسبة المحددة في الاتفاقية من أجل عودة الولايات المتحدة.

في الأشهر الأخيرة، قاوم البيت الأبيض طلبات أوروبية إضافية لرفع العقوبات المفروضة على السلع الإنسانية والإفراج عن الأموال الإيرانية في البنوك الأجنبية كإجراءات لبناء الثقة، وأصر على أن تتحرك طهران أولا لتقليص الأنشطة التي تنتهك الاتفاقية.

وفقا للخبير في شؤون إيران لدى مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز، فإنه "قيل للأوروبيين منذ البداية أن الرئيس لا يريد القيام بأي مبادرات أحادية الجانب تجاه إيران".

ويسعى الجانب الأوروبي إلى عودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية قبل الانتخابات الإيرانية المزمع إقامتها في يونيو 2021، والتي من الممكن أن تسفر عن وصول المحافظين إلى السلطة، ما يعقد عملية المفاوضات بشأن هذه الاتفاقية المعروفة رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".

يقول السفير الفرنسي السابق في الولايات المتحدة، جيرار أرو، "كانت نصيحة الأوروبيين للأمريكيين هي أن يفعلوا ذلك بسرعة وعلى الفور، لأن كل الإشارات التي تلقوها من الجانب الإيراني كانت عودتهم للامتثال بالاتفاق بمجرد عودة الولايات المتحدة". 

وينص الاتفاق النووي الموقع بين القوى الكبرى وطهران على الالتزام بخفض نسب تخصيب اليورانيوم إلى معدلات بسيطة لا تتجاوز 4 في المئة مقابل رفع العقوبات على إيران والسماح لها باستخدام أموالها المجمدة في الخارج.

الرئيس الإيراني، حسن روحاني، صرح علنا إن طهران يجب أن تكون على استعداد للعودة إلى قيود الاتفاق النووي إما دفعة واحدة أو على مراحل، طالما أن الولايات المتحدة ترفع على الأقل بعض العقوبات الاقتصادية المدمرة التي فرضتها.

في غضون ذلك، يجادل السياسيون المعارضون الأكثر تحفظا، الذين يسيطرون على البرلمان، بأنه يجب على واشنطن رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب قبل أن تستأنف إيران الامتثال للاتفاقية.

إلى ذلك، قال مسؤول أمريكي - لم يكشف عن هويته - لوكالة رويترز إنها ليست قضية " ليست المشكلة في الطرف الذي يتحرك أولا. المشكلة هي هل نتفق على الخطوات الذي سنتخذها على نحو متبادل".

وسعى المسؤول الأمريكي إلى إيضاح أن الولايات المتحدة تصر على التزام إيران الكامل بالاتفاق قبل اتخاذ واشنطن أي خطوات لاستئناف التزاماتها.

وأضاف المسؤول إن الولايات المتحدة لا تصر على ضرورة اتخاذ طهران خطوة أولى للالتزام قبل شروع واشنطن في اتخاذ إجراء، ما يشير إلى مزيد من المرونة من جانب واشنطن.

وأضاف: "ليس موقفنا أن تلتزم إيران بشكل كامل قبل أن نقوم بأي إجراء. إذا اتفقنا على خطوات متبادلة، فإن مسألة التسلسل لن تكون هي المشكلة". وتابع المسؤول: "سنكون براغماتيين حيال ذلك".

 

الاتفاق القديم مات

 

في هذه الأثناء وفي وقت تتواصل المساعي لاسيما الأوروبية من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن انتهاكات إيران جعلت العودة السريعة للاتفاق السابق مستحيلة.

وأعرب المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، عن اعتقاده بأن الاتفاق القديم مات، وأن الطريقة الوحيدة للمضي قدما هي في اتفاق جديد، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الباييس.

كما أكد أن الوكالة "لا تقبل استخدام إيران لقضية تفتيش المنشآت النووية كورقة ضغط". وشدد على أن السلطات الإيرانية تجاوزت النسب المسموح بها لتخصيب اليورانيوم.

وفي التفاصيل، أوضح خلال مقابلته مع الصحيفة الإسبانية، أن طهران أنتجت ما يمكن أن يعتبر الحد الأدنى من المواد اللازمة لإنتاج سلاح نووي، لكنه أشار في الوقت عينه إلى أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من المواد، لبناء القنبلة.

وللمرة الثانية خلال الأشهر القليلة الماضية، اعتبر غروسي أنه لا توجد طريقة سريعة للعودة إلى الاتفاق النووي بعد الآن، مضيفا "عدة أمور والتطورات جرت في السر مؤخرا" في إشارة إلى ما سماه الانتهاكات الإيرانية الجسيمة للاتفاق.

كما جدد التأكيد أن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى بكثير مما يسمح به الاتفاق، مضيفا أن السبيل الوحيد للمضي قدما الآن هو الوصول اتفاقية جديدة، لاسيما بعد رفع طهران نسب تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 في المئة واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة IR-4 وزيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى 13 ضعف الكمية المتفق عليها، إلى ذلك، شدد على أن الوكالة الدولية لا تملك سلطة رفع العقوبات عن طهران.

يذكر أن غروسي كان قد أعلن في العاشر من شهر مارس أن "التحقيق الدولي في الأنشطة النووية الإيرانية قد يستمر لسنوات". كما لفت إلى أن الأشهر القليلة المقبلة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ستكون معقدة جدا. وأضاف في حينه أنه: "حتى لو تمكنت طهران من توضيح مصدر جزيئات اليورانيوم التي اكتشفت عام 2020 في عدة مواقع غير معلنة، فلن ينتهي عمل فريق التفتيش الدولي".

وكانت الوكالة الدولية قد أعلنت مطلع شهر مارس إجراء محادثات فنية في أبريل 2021، حول كيفية اختفاء جزيئات من اليورانيوم عمرها عقود من مستودع في طهران، بالإضافة إلى مواقع أخرى.

 

بكين تعزز طهران

 

في تحرك أزعج واشنطن واعتبره البعض دعما لطهران في مواجهتها مع الغرب وقعت طهران وبكين يوم السبت 27 مارس 2021 معاهدة تعاون اقتصادي واستراتيجي مدتها 25 عاما. وكان وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، قد وصل إلى طهران، الجمعة، لتوقيع الاتفاقية.

ومن المتوقع أن تشمل الاتفاقية، التي لم تعلن تفاصيلها النهائية حتى الآن، استثمارات صينية في قطاعي الطاقة والبنية التحتية بإيران، وفقا لوكالة رويترز. 

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية للتلفزيون الرسمي، سعيد خطيب زاده، إن "هذه الوثيقة عبارة عن خارطة طريق كاملة تشمل بنودا سياسية واقتصادية استراتيجية تغطي التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والنقل. مع التركيز تحديدا على القطاع الخاص في الجانبين".

وأوضح أن الاتفاقية تركز على "الأبعاد الاقتصادية التي تعد المحور الأساس لها ومشاركة إيران في مشروع "الحزام والطريق"، الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وأشار إلى أن مشروع الاتفاقية يعود إلى زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى طهران في يناير 2016، حين قرر مع الرئيس الإيراني حسن روحاني تعزيز العلاقات بين البلدين.

وتعهد البلدان في ذلك الحين في بيان مشترك بـ"إجراء مفاوضات لإيجاد اتفاق تعاون موسع لمدة 25 سنة" ينص على "تعاون واستثمارات متبادلة في مختلف المجالات، ولا سيما النقل والموانئ والطاقة والصناعة والخدمات".

يذكر أنه في 2016 وافقت الصين، أكبر شريك تجاري لإيران، على زيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى 600 مليار دولار خلال العقد المقبل.

ووفقا لتسريبات، فإن الصين سوف تستثمر في قطاعات مختلفة داخل إيران مقابل الحصول على النفط بأسعار مخفضة وذلك خلال المدة التي تنص عليها الاتفاقية.

وستعمل الصين على ضخ استثمارات الضخمة في الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى تطوير التعاون الاستخباراتي والعسكري، في وقت تشير أخبار أمريكية المصدر إلى أن بكين ستشيد قاعدة عسكرية في جزيرة كيش الواقعة في الخليج العربي، وفقا لتقرير نشرته مجلة "بتروليوم إيكونيميست"، وهي معلومات كانت طهران تنفيها.

ففي سبتمبر من عام 2019، نشرت "بتروليوم إيكونيميست" بعض بنود هذه الاتفاقية بين بكين وطهران، استنادا إلى مصادر غير رسمية.

وقالت المجلة الشهرية إن الصين تعتزم استثمار 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز الإيراني و120 مليار دولار في قطاع النقل، في المقابل تحظى الشركات الصينية بالأولوية في تنفيذ مشاريع البنى التحتية.

وفي يوليو 2020، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسودة الاتفاقية المكونة من 18 صفحة، مشيرة إلى أن إيران والصين صاغتا بهدوء شراكة اقتصادية وأمنية شاملة من شأنها أن تمهد الطريق لمليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في الطاقة والقطاعات الأخرى.

تتضمن الاتفاقية أيضا مقترحات للصين لبناء البنية التحتية لشبكة اتصالات بتقنية الجيل الخامس، وتقديم نظام تحديد المواقع العالمي الصيني الجديد.

وفسر محللون بأن هذه الاتفاقية التي تأتي ضمن إطار مبادرة "طريق الحرير" الصينية المعروفة باسم "حزام واحد طريق واحد" جاءت بهدف زيادة نفوذ بكين في المنطقة باعتبار الموقع الاستراتيجي التي تملكه إيران على الضفة الشرقية من مياه الخليج العربي.

 

تعميق النفوذ الصيني

 

في الولايات المتحدة ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن المعاهدة الإيرانية الصينية سوف تعمق النفوذ الصيني في الشرق الأوسط وتقوض الجهود الأمريكية لإبقاء إيران في عزلة".

وأشار التقرير إلى الرفض الإيراني للانخراط في مباحثات مع الولايات المتحدة بخصوص الاتفاق النووي، وقد أيدت الصين هذا الموقف الإيراني، رغم كون الصين واحدة من الدول التي وقعت على الاتفاق في عام 2015.

ويضيف تقرير "نيويورك تايمز" قائلا "إن الصين مستعدة حتى، لاستضافة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في تلميح إلى أن الهيمنة الأمريكية في المنطقة قد أعاقت السلام والتنمية".

كما ذكر التقرير بتعليق محلل اقتصادي إيراني، على الاتفاقية مع بكين، إذ قال "لفترة طويلة جدا في ما يخص تحالفاتنا الاستراتيجية، وضعنا كل بيضنا في سلة الغرب، ولم تسفر عن نتائج، الآن إذا حولنا السياسة ونظرنا إلى الصين، فلن يكون الأمر سيئا للغاية".

 

الاستقلال النووي

 

جاء في تحليل نشر في لندن: صممت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية خصيصا لمنع توسع النادي النووي، ومنذ توقيعها، حصلت أربع دول فقط هي الهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية على أسلحة نووية. تحقق هذا النجاح في جزء كبير منه بفضل الجهود المركزة للولايات المتحدة في توسعة مظلتها النووية لتشمل البلدان الحليفة. وعلى أثر تطمينات بأنهم سيحظون بحماية الولايات المتحدة في حال تعرضهم للتهديد أو الهجوم النووي، قرر حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا عدم تطوير قدرات نووية تخصهم.

لكنهم قد يكونون حاليا بصدد إعادة التفكير في هذا القرار. في كل من آسيا وأوروبا، يواجه حلفاء الولايات المتحدة تهديدا من قوى تمتلك أسلحة نووية، بينما تعمل كل من الصين وروسيا على شحذ قواهما النووية وتحديثها. أما الولايات المتحدة، فلا يزال الحلفاء يرون فيها حكومة تخلّت عن التزاماتها طويلة الأمد في اتفاقيات الحد من الأسلحة، وشعبا لا يبدو أنه يريد الاستمرار في التزامه العالمي. كل هذا ترك حلفاء الولايات المتحدة يتساءلون عما إذا كان من الممكن الاستمرار في الاعتماد على واشنطن في الدفاع والأمن أو عما إذا كان الوقت قد حان للتفكير في الحصول على القنبلة.

في خطاب تنصيبه، تعهد الرئيس جو بايدن قائلا: "سوف نصلح تحالفاتنا". لكن بعد الكثير مما اقترفته إدارة ترمب لزعزعة الثقة، سوف يتطلّب من الولايات المتحدة ما هو أكثر من الكلمات لطمأنة الحلفاء بشأن التزامات الولايات المتحدة ومحو أفكار الانضمام إلى النادي النووي.

عمر نجيب

[email protected]