متاهات المفاوضات الأمريكية الإيرانية ومعادلات المصالح..... حصول طهران على السلاح النووي سيفرض على دول عربية امتلاكه

ثلاثاء, 2021-02-23 11:27

تجدد الجدل بصيغ مختلفة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية حول برنامج طهران النووي والإتفاق الاطار الموقع في 14 يوليو سنة 2015 في إطار مجموعة 5+1، التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة إضافة إلى ألمانيا” والذي ذكر أنه يستهدف منع طهران من تطوير سلاح نووي.
 وكان قد تم الإعلان عن الاتفاق النووي سنة 2015 بعد خلافات حادة استمرت أكثر من عشر سنوات وشمل الاتفاق تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بشكل تدريجي. غير أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب انسحب رسميا من الاتفاق بشكل أحادي الجانب يوم 8 مايو عام 2018 وفرض عقوبات قاسية ضد إيران وكرر أكثر من مرة تهديدات بشن عملية عسكرية لتدمير قدرات إيران النووية، كما أشار عدد من مستشاري البيت الأبيض خلال حكم ترمب إلى أن الإتفاق النووي يؤجل فقط إمكانية طهران للتوصل إلى صنع سلاح نووي خلال أجل يتراوح ما بين سبع وعشر سنوات.
وقد وصف ترمب هذا الاتفاق أنه من جانب واحد وخطير وكان يجب أن لا يحدث لأنه لم ولن يجلب السلام والهدوء.
منذ انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة وتأكيده نيته العودة إلى الالتزام بالاتفاق مع طهران سادت حالة من الالتباس حول شروط تحقيق ذلك، فلا يمر اسبوع منذ تولي بايدن السلطة إلا وتصدر تصريحات رسمية متضاربة حول وجود شروط أو عدمها وكذلك حول ربط عودة واشنطن إلى الاتفاق بإلتزام إيران بنصوص الاتفاق والتراجع عن الخطوات التي اتخذتها في مجال تطوير برنامجها النووي ردا على إنسحاب الرئيس الأمريكي السابق من الاتفاق. في الجانب الآخر يصر المسؤولون الإيرانيون على أن يجب أن ترفع كل العقوبات والحصار المفروض على بلادهم قبل تجديد التزامهم بنصوص الاتفاق كما يؤكدون رفضهم إدخال تعديلات على الاتفاق الموقع سنة 2015. الدول الأوروبية الغربية المشاركة في الاتفاق النووي وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي رفضت انسحاب ترمب من الاتفاق ولكنها امتنعت أو عجزت عن نقل هذا الرفض إلى أرض الواقع في التعامل مع إيران، مالت إلى مساندة جزء من مطالب واشنطن بشأن إدخال تعديلات على الاتفاق النووي وتوسيعه ليشمل برامج إيران للتسليح وخاصة الصواريخ البعيدة المدى وهو أمر ترفضه طهران.
الواقع الآن مع قرب نهاية الربع الأول من سنة 2021 هو أنه تم خلق متاهة يتخبط فيها الكثيرون بينما تجرى وراء الكواليس مفاوضات سرية وتتصادم المصالح خاصة بين القوى الكبرى.
 روسيا والصين بصفتهما من الموقعين على الإتفاق النووي مع طهران عارضا الانسحاب الأمريكي منه كما وقفا في مجلس الأمن الدولي ضد كل القرارات التي حاولت واشنطن استصدارها ضد طهران، وقد ذكر بعض المحللين السياسيين أن موسكو وبكين يجدان في الخلاف الإيراني الأمريكي عنصرا إيجابيا لصالحهما في الصراع الدائر من أجل إنهاء حقبة النظام العالمي القائم على الأحادية القطبية.
الولايات المتحدة وإسرائيل وأطراف أخرى وجدت في احتمال تملك طهران لسلاح نووي تهديدا خطيرا يتجاوز مسألة تعزيز قوتها، حيث أنه سيقود لا محالة آجلا إلى قيام أطراف عربية بالسعي لحيازة السلاح النووي لخلق توازن مع كل من إيران وإسرائيل.
في المرحلة الحالية يخوض الجانبان الإيراني والأمريكي جولة تطبيع المفاوضات النووية بينهما قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات الأساسية التي سيضعان عليها ملفاتهما وشروطهما، وفي المسار الفاصل ما بين التطبيع التفاوضي والتفاوض الأساسي تشهد العلاقة بينهما مرحلة شد وجذب ويتخللها تمرير رسائل تهدئة وأخرى خشنة، لكنها في النهاية جزء من أدوات التفاوض التي إما بدأت عن طريق وسطاء أو أن هناك جهة ثالثة تقوم بتدوير الزوايا بينهما. زد على ذلك أن هناك داخل الأجهزة الأمريكية من يِؤمن بأن مصالح طهرن الإستراتيجية بعيدة المدى تلتقي مع الأمريكية خاصة فيما يخص الترابط العربي، وأن الخلافات بين الجانبين منذ سقوط نظام الشاه سببها عملية تقاسم المصالح أساسا وأنه يمكن تسوية الأمر سواء في ظل استمرار النظام الحالي أو تبدله.
 
قضية معقدة
 
يوم 20 فبراير 2021 ذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء في تقرير أعده نيك ودهامز وديفيد وينر، وهما من كبار كتابها، أنه بعدما أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس 18 فبراير أنها على استعداد للاجتماع مع إيران إلى جانب مشاركين آخرين في الاتفاق النووي، أوضحت إيران أنه لن تكون هناك عودة سريعة من جديد للاتفاق المعروف بخطة العمل الشامل المشتركة.
وقال وزير الخارجية الإيراني إن بلاده سوف تنضم للمباحثات فقط بعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن العقوبات وهو أمر استبعدته الولايات المتحدة مرارا وتكرارا.
وذكر جيرارد أرود، وهو سفير فرنسي سابق لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة ساعد في عملية التفاوض بشأن العقوبات التي فرضت على إيران قبل التوصل لاتفاق عام 2015 إنه “قبل أي مفاوضات، هناك مرحلة الزهو، ولذلك فإن هذا ما نراه الآن من جانب إيران… فالجانبان يبحثان عن طريقة للعودة تتيح لهما حفظ ماء الوجه بالنسبة لمواطنيهما”.
وسواء كان ذلك تهيئة لأمر ما أم لا، فإن الإقبال والإدبار بين الدولتين يعد تذكيرا حادا بمدى الصعوبة التي ستكون عليها عملية إحياء الاتفاق النووي. إذ يبدو بعيد المنال أي هاجس بأن الرئيس جو بايدن بإمكانه إقناع إيران بسرعة العودة للالتزام بالاتفاق، مما يتيح للولايات المتحدة الانضمام إليه من جديد ثم التفاوض للتوصل لاتفاق أكثر قوة.
وذكر التقرير أنه ليس لدى إيران حافز كبير يدفعها لتقديم تنازلات في ظل احتمال تحقيق المحافظين مكاسب في انتخاباتها العامة التي ستجرى صيف سنة 2021. وتعني المعارضة من جانب الأعضاء الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونغرس أنه ليس بوسع بايدن أن يبدو ضعيفا حتى وهو يحاول العدول عن مسار استراتيجية عهد ترمب المتمثل في ممارسة ” أقصى ضغط” على إيران.
ويشير التقرير إلى أن الأطراف الأوروبية في الاتفاق رحبت بخطوة إدارة بايدن للعودة للدبلوماسية مع إيران وإحياء حوارها “الواثق والعميق” مع الولايات المتحدة. وحثت هذه الأطراف إيران على عدم مواصلة التهديدات بوقف عمليات التفتيش النووية المفاجئة، والمخاطرة بتقويض الجهود الدبلوماسية.
 
لا عجلة
 
دبلوماسي أوروبي كبير ذكر إن هناك الآن فرصة واقعية لتحقيق تقدم لكنه حذر من أن الكثير سوف يعتمد على الخطوات التي لدى إيران استعداد لاتخاذها، لافتا إلى أن طهران لم تظهر أية دلالة قوية على أنها تريد العودة إلى الالتزام.
ومع ذلك، فقد ألمح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة له يوم الجمعة 19 فبراير إلى أن الإجراءات الأمريكية ليست كافية للغاية، وكرر المطالب بأن تقوم إدارة بايدن أولا بإلغاء العقوبات التي فرضها ترمب قبل أن تعيد إيران نشاطها النووي ليكون متفقا مع شروط الاتفاق النووي. واستخدم ظريف في تغريدته وسما يشير إلى أن أي اجتماع يعتمد على عودة الولايات المتحدة رسميا للاتفاق وإلغاء العقوبات أولا.
ويكشف الإقبال والإدبار بعض الحقائق غير المريحة، أبرزها أنه رغم العقوبات الأمريكية، ليس لدى إيران شعور قوي بأن هناك حاجة لسرعة العودة للإلتزام بالاتفاق في القريب العاجل، وفقا لجون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وقال الترمان” أخشى أن يكون الإيرانيون على اقتناع بأن التوصل لاتفاق سوف يحرمهم من آخر ذرة لممارسة النفوذ… لذلك لست متأكدا من إمكانية اجتذاب الإيرانيين لاتفاق آخر، ومن المؤكد أنه ليس من الممكن تحقيق ذلك بسرعة”.
وكان الهدف من العرض الأمريكي لإجراء مباحثات هو استعادة مسار دبلوماسي مع إيران، التي تتخلى تدريجيا عن التزاماتها بمقتضى الاتفاق النووي منذ انسحاب ترمب من الاتفاق في عام 2018.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بسكاي للصحافيين يوم الجمعة “إن الأمر يتعلق بإجراء مباحثات عن المسار المستقبلي”.
من ناحية أخرى، تخيم الخلفيات السياسية بظلالها بدرجة كبيرة على الجانبين. فالرئيس حسن روحاني يريد إنقاذ الاتفاق وإرثه قبل تركه منصبه في وقت لاحق عام 2021، لكنه مصمم على عدم الخضوع للمطالب الأمريكية. ويعارض خصومه المتشددون، الذين يسيطرون على معظم مؤسسات الدولة واسعة النفوذ في إيران والذين من المرجح أن يهيمنوا على الانتخابات الرئاسية في يونيو 2021 أي ارتباط مع الولايات المتحدة ويريدون علاقات أكثر قربا مع روسيا.
وفي شهر يناير 2021، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق، سوف تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق” أطول أمدا وأكثر قوة” لمعالجة ما وصفه بالقضايا” المحفوفة بالمشاكل المعقدة.
واختتم الكاتبان تقريرهما بالقول إنه سوف يتعين على الجانبين، قبل كل شيء، الاتفاق على عقد اجتماع بينهما. وفي الأسبوع الأخير من فبراير يأتي أول اختبار للجهد المتجدد لتحقيق وفاق: حيث تقول إيران إنها سوف توقف السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بأي عمليات تفتيش مفاجئة وذلك من خلال وقف العمل وفقا لما يسمى بالبروتوكول الإضافي ابتداء من 23 فبراير الحالي. وإذا تم ذلك، لن يكون المجتمع الغربي قادرا بدرجة كافية على رصد الطموحات النووية لإيران بدقة.
 
محادثات متعددة
 
يوم الخميس 18 فبراير 2021 ذكرت الولايات المتحدة إنها مستعدة لمحادثات متعددة الأطراف مع إيران، وردت طهران بفتور على الفكرة الأمريكية، التي طرحها وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال اجتماع عبر الفيديو مع نظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا الذين تجمعوا في باريس.
وذكر بيان مشترك للدول الأربع “أكد الوزير بلينكن مجددا… أنه إذا عادت إيران للوفاء التام بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة فإن الولايات المتحدة ستقوم بالمثل وهي مستعدة للدخول في مناقشات مع إيران تحقق هذا الهدف”.
وأبلغ مسؤول أمريكي رويترز أن واشنطن ستقبل أي دعوة من الاتحاد الأوروبي لإجراء محادثات بين إيران والقوى العالمية الست التي تفاوضت على الاتفاق.
وقال المسؤول لرويترز، مشترطا عدم الكشف عن اسمه، بعدما قال مسؤول كبير في الاتحاد إنه مستعد للدعوة إلى عقد اجتماع بين أطراف الاتفاق “نحن مستعدون للمشاركة إذا عقد مثل هذا الاجتماع”.
وتختلف إدارة بايدن بشأن من يتعين عليه أن يتحرك أولا لإنقاذ الاتفاق. وقال ظريف في تغريدة على تويتر “بدلا من السفسطة وإلقاء العبء على إيران، يجب أن تفي مجموعة الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي بالتزاماتها الخاصة وأن يطالبوا بإنهاء إرث ترمب المتمثل في الإرهاب الاقتصادي ضد إيران”.
وتابع قائلا “إجراءاتنا رد على انتهاكات الولايات المتحدة والثلاثي الأوروبي. تخلص من السبب إذا كنت تخشى النتيجة”.
وكان ظريف قد أشار في السابق إلى الانفتاح على المحادثات مع واشنطن والأطراف الأخرى حول إحياء الاتفاق.
ولمح المسؤول الأمريكي أيضا إلى إمكانية إيجاد سبيل لتجاوز الخلاف حول من ينبغي أن يبدأ أولا بالعودة إلى الاتفاق: الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات الاقتصادية، أم إيران بالالتزام بالقيود على البرنامج النووي. وقال إن التحدي الأكبر ربما يتمثل في تحديد ما الذي يعنيه الامتثال.
 
تخصيب اليورانيوم
 
مصدر دبلوماسي فرنسي اعترف إن التحول في موقف واشنطن يمثل فرصة لإيران، لكن الطريق مليء بالعقبات. وأضاف عقب المحادثات في باريس “قال الأمريكيون إنهم مستعدون لمحادثات مع إيران” في اجتماع مع أطراف الاتفاق الأصليين… هذه فرصة”.
وحددت طهران لبايدن موعدا نهائيا في 23 فبراير كي يبدأ في التراجع عن العقوبات التي فرضها ترمب، وإلا ستتخذ أكبر خطواتها حتى الآن لانتهاك الاتفاق النووي بحظر عمليات التفتيش المفاجئة التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب بروتوكول إضافي.
وحثت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة باسم مجموعة الثلاث، والولايات المتحدة طهران على عدم اتخاذ أي خطوات إضافية “فيما يتصل بتعليق البروتوكول الإضافي وأي تقييد لأنشطة التحقق التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران”.
وأكد الوزراء إنهم مصممون على عدم امتلاك إيران أسلحة نووية “وعبروا عن قلقهم المشترك بشأن تحركات إيران في الآونة الأخيرة لإنتاج اليورانيوم المخصب لنسبة تصل إلى 20 في المئة ومعدن اليورانيوم”.
وقال المصدر الفرنسي “ما زلنا في موقف محفوف بالمخاطر” مضيفا أنه إذا تجاهلت إيران تلك التحذيرات فسيكون هناك على الأرجح “رد فعل صارم للغاية”.
وقدم المسؤولون الأمريكيون بعض المبادرات التصالحية تجاه إيران مثل تخفيف قيود حركة الدبلوماسيين في بعثتها بالأمم المتحدة، والتي كانت إدارة ترمب قد فرضتها في 2019 حيث قصرت وجودهم على منطقة صغيرة بمدينة نيويورك.
كما أبلغ ريتشارد ميلز القائم بعمل السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي، في رسالة اطلعت عليها رويترز، بأن الولايات المتحدة سحبت تأكيد إدارة ترمب بإعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران في سبتمبر.
وكانت وكالة رويترز قد ذكرت في تسريبات، أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مجموعة من الأفكار حول كيفية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وأضافت الوكالة نقلاً عن "ثلاثة مصادر مطلعة" أن هذا البحث يتضمن خيار اتخاذ خطوات صغيرة بين الجانبين دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.
هذه الخطوة قد تساعد على تخفيف تدهور العلاقات بين البلدين بيد أن هذا لا يعني أن هذه الخطوات ستكون خالية من المطبات، كما يذكر الكاتب السياسي ديفيد غاردنر في مقاله لصحيفة "فايننشال تايمز"، إذ أن فريق السياسة الخارجية لبايدن، والمليء بالمحاربين القدامى من إدارة باراك أوباما، يدرك مدى صعوبة إعادة الاتفاق النووي مع إيران، لأنه يعرف من التجربة المباشرة حجم "دهاء" المفاوضين الإيرانيين، وإلى أين وصلت العلاقات العدائية مع طهران خلال فترة إدارة ترمب.
 
خيارات إدارة بايدن
 
ذكرت مجلة "بوليتكو" يوم 19 فبراير 2021 إن هناك "الكثير من الآراء المختلفة" داخل الإدارة الأمريكية الجديدة، بشأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، وفقا لأحد الأشخاص المطلعين على المناقشات.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن محور النقاشات داخل الإدارة الأمريكية يتمثل في العودة إلى الاتفاق الأصلي أو السعي إلى صفقة أكبر تشمل قيودا على برنامج الصواريخ البالستية الإيراني.
في كلتا الحالتين، فإن أحد الخيارات المطروحة على الطاولة هو الحصول على نوع من الاتفاق المؤقت الذي يمكن أن يبني الثقة بين الجانبين.
وأفاد أشخاص مطلعون على المناقشات إن الاتفاقية المؤقتة لن تبدو بالضرورة مثل الاتفاقية الأصلية، إذ ربما تشمل تخفيف عقوبات محدودة على إيران، كالسماح بمبيعات النفط، مقابل وقف طهران لبعض التحركات التي قامت بها منذ انسحاب الرئيس ترمب من الاتفاق، مثل رفع تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 في المئة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن يكرر إن الولايات المتحدة ستنضم مجددا إلى الاتفاق النووي الإيراني الأصلي إذا استأنفت طهران الامتثال لشروط الاتفاق.
لكن داخل إدارة بايدن، تمحورت النقاشات بين كبار المساعدين حول ما إذا كان هذا المسار هو أفضل طريق، أو ما إذا كان يجب اتباع طرق أخرى، ربما تكون أكثر تعقيدا، وقد تتجنب الصفقة الأصلية الموقعة بين إيران والقوى الدولية، وفقا لخمسة أشخاص مطلعين على المناقشات.
وذكر أشخاص مطلعون على المناقشات إن كبار مسؤولي الأمن القومي ربما يكونون أكثر ميلا إلى السعي للتوصل إلى صفقة أشمل على الفور، بدلا من محاولة إحياء نسخة عام 2015.
وأشار 3 من الأشخاص المطلعين على المناقشات إلى أن منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي، بريت ماكغورك، هو من بين الأصوات الأكثر تشددا بشأن إيران، وأن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يتخذ أحيانا موقفا أكثر تشددا من العديد من زملائه.
ومع ذلك، أعلن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مؤخرا، أن احتواء البرنامج النووي الإيراني يمثل "أولوية مبكرة حاسمة" للإدارة، مما يشير إلى الرغبة في حل هذا الملف.
ويجادل بعض المدافعين عن العودة السريعة لاتفاق 2015 بأن الوقت جوهري، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في يونيو 2021.
ومن المرجح أن يكسب السياسيون الإيرانيون الأكثر تشددا تجاه الولايات المتحدة تلك الانتخابات على حساب أولئك الذين تفاوضوا على الصفقة.
يشير أولئك الذين يجادلون ضد أي عودة سريعة للولايات المتحدة إلى الصفقة إلى أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية، فإن الألم الاقتصادي الذي تعانيه البلاد من العقوبات وتداعيات جائحة فيروس كورونا سيجبر الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات.
 
سياسة بايدن
 
جاء في تقرير نشره موقع الحرة الأمريكي يوم 19 فبراير 2021:
وصف خبراء طريقة تعامل إدارة بايدن مع النظام الإيراني بالناعمة، بالمقارنة مع سياسة سلفه دونالد ترمب، والذي تبنى "سياسة الضغط القصوى" مع طهران، إلا أن آخرين أكدوا أن بقاء واشنطن خارج الاتفاق النووي من شأنه تعزيز دعم طهران للميليشيات والعمل على ضرب استقرار المنطقة.
التغيير في السياسة الأمريكية تجاه طهران تعرض لانتقادات، صدر آخرها عن وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، الذي صرح لموقع "واشنطن فري بيكن"، "إن مرشد الثورة الإيرانية لا يفهم سوى القوة. وفي تلميح بشأن موقف الإدارة الأمريكية للسعي في بدء مفاوضات للعودة للاتفاق النووي مع إيران والدول الأوروبية، قال بومبيو "اعتماد نموذج التوافق الأوروبي، سيضمن لإيران طريقا إلى ترسانة نووية".
وكان بومبيو قد علق لـ "فوكس نيوز" على سياسة بايدن تجاه إيران، في منتصف فبراير، "لا يمكننا العودة للاتفاق النووي، عندما يتحدث الرئيس بايدن عن العودة، لا يستطيع الشعب الأمريكي العودة إلى تلك السياسات".
ويوم الجمعة 19 فبراير، أكد بايدن أن على الولايات المتحدة العمل مع القوى الكبرى في العالم "للتعامل" مع أنشطة إيران "المزعزعة للاستقرار". وذكر، أمام مؤتمر ميونيخ للأمن المنعقد عبر الإنترنت، إن إدارته "مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضات" مع مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج طهران النووي، إلا أنه أضاف "علينا أن نتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط. سنعمل مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدما".
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد شجبت الهجوم الصاروخي الأخير، الذي استهدف، مساء الاثنين 15 فبراير، قاعدة جوية في منطقة كردستان شمال العراق وأسفر عن مقتل متعاقد أجنبي وجرح خمسة آخرين بالإضافة إلى جندي أمريكي، متعهدة بـ"محاسبة المسؤولين عنه".
وسبق أن استهدفت الميليشيات العراقية المرافق العسكرية والدبلوماسية الأمريكية بعشرات الصواريخ والعبوات الناسفة منذ خريف عام 2019، وتركزت غالبية أعمال العنف في العاصمة بغداد.
كما استهدفت ميليشيات محسوبة على إيران حلفاء لواشنطن، مثل السعودية، حيث ضرب مطار أبها الدولي عن طريق درون مفخخة أطلقها الحوثيون من اليمن.
ويضيف تقرير الحرة أنه بعدما أعلنت الولايات المتحدة وقف دعمها لحرب اليمن التي تقودها السعودية والإمارات، تقف الرياض حائرة بين خيارين إما المضي قدما في الحرب، وإما التوقف وسط استمرار إصابة صواريخ جماعة الحوثيين اليمنية للأراضي السعودية.
وقبل ذلك أيضا، ادعت ميليشيا عراقية على الأرجح موالية لإيران مسؤولية هجوم في نهاية شهر يناير 2021 على العاصمة الرياض، أسفر عن وقوع أضرار طفيفة في مجمع مهم.
 
اختلاف الردود
 
 رد الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس السابق، دونالد ترمب، كان يأتي دائما على هيئة عقوبات اقتصادية ضد مسؤولين وأفراد ميليشيات تابعة لإيران، مثل الحشد الشعبي في العراق.
بل وصل الأمر إلى قتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بغارة جوية أمريكية قرب بغداد يوم 3 يناير 2020، وذلك ردا على استهداف ميليشيات عراقية لقاعدة "K-1" العراقية، بهجمة صاروخية أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة جنود أمريكيين في 27 ديسمبر 2019.
موقع الحرة حاور أربعة محللين سياسيين أمريكيين، الذين اختلفوا بشأن أسباب موقف الولايات المتحدة في التهدئة مع إيران، وما إذا كان ذلك يصب في صالح الولايات المتحدة أم لا.
مدير السياسات بمركز "ديفنس بريوريتي" للأبحاث الأمنية، بنجامين فريدمان، يرى إدارة بايدن تدرك مصلحة الولايات المتحدة تكمن في كبح إيران من صنع أسلحة نووية، وهو ما قد تحققه صفقة العودة للاتفاق النووي.
وذكر فريدمان لموقع قناة "الحرة"، "ما تفعله الميليشيات في العراق، والتي قد تحظى بمباركة إيران أو لا- لا يغير ذلك "قدرة إيران لامتلاك سلاح نووي". الهدف من الصفقة مع إيران ليس هدفه في المقام الأول معاقبة إيران أو مكافأتها، بل تحقيق هدف منع انتشار السلاح النووي".
ويرى فريدمان أن بقاء الولايات المتحدة خارج الصفقة النووية سيؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث هذه الأنواع من الهجمات لثلاثة أسباب، أولها أن ترك الاتفاقية "أدى إلى زيادة العداء مع إيران وشجع القادة الأمريكيين على إبقاء القوات في العراق".
أما السبب الثاني في رأي فريدمان أن ترك الاتفاقية قد أدى إلى "إلى تعزيز الدعم للمتشددين في إيران، والذين يتوقون إلى دعم السياسات العدوانية. وثالثا، أن البقاء خارج الاتفاق قد يقطع الطريق أمام محادثات مستقبلية لمعالجة الأمور السابقة".
ولا زال الحوثيون مستمرين في الهجوم على السعودية رغم الخطوات الأمريكية الرامية لتهدئة الوضع في اليمن
وعبر التصعيد الحوثي ضد السعودية.. تستغل إيران المهادنة الأمريكية لـ"أهداف نووية"
ويأتي التطور الأخيرة، رغم إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، دعم بلاده للسعودية في مواجهة الهجمات من اليمن، معلنا في نفس الوقت إيقاف شحنات أسلحة إلى السعودية، وعزم الولايات المتحدة على رفع اسم جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية.
الباحث الأمريكي في شؤون الدفاع والأمن القومي بالجامعة الكاثوليكية بواشنطن، غيلمان بارندولار، يرى أن "بايدن يعتقد أن منع إيران من بناء أسلحة نووية هو المصلحة الأمريكية العليا في هذا الأمر".
وتابع بارندولار، أن "الاتفاق النووي مهما كان غير كامل، إلا أنه استطاع أن يسير في الطريق الصحيح. أما بخصوص الصواريخ الباليستية والميليشيات الإيرانية، فإنها قضايا شائكة للغاية، لكن استبعاد القضية النووية من على الطاولة ولو مؤقتا، أسهل بكثير من السعي وراء 'صفقة كبرى' مع إيران".
على النقيض ترى الباحثة المتخصصة في الأسلحة النووية، بمركز الدفاع عن الديمقراطيات "FDD"، أندريا سترايكر، أن سبب سعي الولايات المتحدة للتفاوض مع إيران، هو أن فريق بايدن المكلف بالمباحثات النووية مع إيران، هو نفس فريق أوباما، والذي يميل إلى التهدئة.
وقالت سترايكر في حديث مع موقع "الحرة"، "إذا كان الموظفون يمثلون سياسة "الدولة"، فإن الكثيرين في إدارة بايدن، ممن عملوا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، يعتقدون أن المصالحة هي أفضل طريقة لخفض التوترات مع النظام في إيران".
وحسب رأي سترايكر، إن فريق بايدن مخطئ في أن العودة إلى الاتفاق النووي ستحل القضايا الإقليمية الكبرى الناجمة عن العدوان الإيراني، كما أن الإدارة مخطئة أيضا بشأن إلغاء العقوبات وقيود التأشيرات على إيران، حيث سيفهم ذلك على أن الابتزاز النووي والهجمات على الأمريكيين هي أفضل طريقة لإيران للحصول على تنازلات من جانب الولايات المتحدة.
وأضافت سترايكر، أن "بنود الاتفاق النووي ستنتهي بالفعل. وفي أقل من ثلاث سنوات، ستكون طهران قادرة على تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة، وشراء أنظمة صواريخ، وتنفيذ عمليات إطلاق صواريخ بعيدة من حظر الأمم المتحدة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تنظر إلى الاتفاق النووي لحل أي من هذه القضايا، وستتخلى أمريكا عن تأثير العقوبات اللازم للحصول على صفقة أفضل مع إيران".
من جانبه، يرى الباحث السياسي الأمريكي بمركز "نيو أمريكا فاونداشن" للدراسات السياسية، جيرمي هودغ، أن تخفيف التوتر من جانب إدارة بايدن مع إيران، يعود إلى دوافع "أيديولوجية". وقال هودغ لموقع "الحرة"، إن "إدارة بايدن مثل إدارة أوباما، جامدة أيديولوجيا'".
ومن هذا المنطلق، يرى هودغ أنه "نظرا إلى أن إيران كان ينظر تقليديا إليها كدولة معادية من قبل الولايات المتحدة، فإن هذا المنطق يفرض على الولايات المتحدة حاليا أن تكون أنعم مع إيران".
وأوضح هودغ رؤيته قائلا أن "هذا الدافع يتجاوز ما يراه الأمريكيون والأجانب في أن يكون لصالح واشنطن. بالنسبة لإدارة بايدن، فإن حماية المصالح الأمريكية يأتي ثانيا بعد التشدد بعقيدته الأيديولوجية، والتي سيطرت على الإدارة في مجال السياسة الخارجية".
وعن التطورات الأخيرة، قال هودغ، "إن الهجمات التي وقعت في العراق ضد السفارة الأمريكية وأهداف أخرى، على الرغم من اعتبارها محليا هامة، لكنها غير مهمة في نظر معظم الأمريكيين، لا سيما عند مقارنتها بالحاجة إلى التمسك بالعقيدة الأيديولوجية للإدارة".
 
الرهان على المواجهة
 
جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية بيروت يوم 18 فبراير:
قبل سنوات، مع إعلان الرئيس السابق، ترمب، عقوباته القصوى وغير المسبوقة على إيران، ارتفع منسوب الرهانات في تل أبيب، ولدى بعض الجهات السياسية والإعلامية في المنطقة العربية، على أن إيران باتت في مأزق استراتيجي يضعها أمام سيناريوهات محددة: إما التدحرج باتجاه سقوط النظام، أو خضوعه للمطالب الأمريكية، أو انتفاضة شعبية تؤدي إلى أحد السيناريوهَين السابقَين. وأي تقدير آخر اعتبر غير موضوعي، ومعبرا عن آمال أكثر منه عن وقائع. الآن، انقلب المشهد بالنسبة إلى إسرائيل، بعدما بدأت تتلمس فشل رهاناتها وخياراتها، في ظل حقيقتَين متوازيتَين: الأولى أن إيران تجاوزت الأسوأ على المستوى الاقتصادي، وأيضاً تقديرات دولية تحدثت عن أن إيران ستحقق نمواً إيجابياً سنة 2021، على الرغم من العقوبات الاقتصادية، والثانية، على المستوى الاستراتيجي، أن طهران حددت شروطاً للعودة إلى الاتفاق النووي، وهي رفع العقوبات عملياً وليس كلامياً، وأن يتلمس الشعب الإيراني ذلك. فضلاً عما تقدم، يسود اعتقاد في تل أبيب بأن المؤشرات المتوالية تعزز التقدير بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تتبنى خيار العودة إلى الاتفاق، ولو بصيغة ما، لن تكون بالتأكيد بمستوى الآمال التي تطمح إليها إسرائيل، ما يعني، بمعايير الأمن القومي الإسرائيلي، تدحرج المخاطر التي يواجهها الكيان اليوم في بيئته الإقليمية، إلى مأزق استراتيجي أكثر خطورة.
تتجلى معالم هذا المأزق، أولاً، في أن السيناريوهات المفضلة لدى إسرائيل، أي إخضاع إيران أو ارتداعها أو توجيه ضربة عسكرية أمريكية إليها، باتت، نتيجة متغيرات سياسية إقليمية ودولية في معادلات القوة أكثر بعداً عن التحقق من أي وقت مضى، في حين أن السيناريوهات الممكنة البديلة ينطوي كل منها على مخاطر تختلف النظرة إلى بعضها بين الأجهزة والقيادات السياسية والأمنية في تل أبيب. الأهم في هذا المشهد، أن منشأ المسار الذي يدفع نحو السيناريوهات التي تتخوف منها إسرائيل، يعود، بالدرجة الأولى، إلى صمود إيران أمام "الضغوط القصوى"، وإلى فشل سياسة التهويل بخيارات عسكرية دراماتيكية هدفت إلى ثنيها عن خياراتها، ومن ثم ارتقاؤها في ردها المتدحرج في المجال النووي.
في ما يتعلق بالسيناريوهات الممكنة البديلة، تجمِع القيادات السياسية والعسكرية والاستخبارية الإسرائيلية على رفض العودة إلى اتفاق 2015، وخاصة أنه سيؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران. هنا، تحضر المخاوف من تداعيات ازدهار اقتصادي محتمل في إيران، وانعكاساته على مواصلتها تطوير قدراتها واقتصادها ودعمها حلفاءها. أيضاً، ترفض تل أبيب العودة إلى الاتفاق كونه ينص على تحديد تواريخ لنهاية السريان، فبموجبه يسمح لإيران منذ بداية عام 2023 باستيراد وتطوير قطع صواريخ باليستية، وفي عام 2026 سيكون بإمكانها العودة إلى الأبحاث والتطوير النووي، وفي عام 2030 بإمكانها تخصيب اليورانيوم مثلما تشاء. ويعني ذلك أنه بعد انتهاء المواعيد، ستملك إيران المشروعية حسب مفاهيم منظمة الأمم المتحدة والقدرة على إنتاج أسلحة نووية، بعد أقل من عقد. أما بخصوص التوصل إلى اتفاق محسن، فقد كشفت صحيفة "معاريف" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كرر، في محادثات كثيرة خلال الأشهر الأخيرة، أنه "لا يؤمن أن بالإمكان التوصل إلى اتفاق نووي محسن مع إيران"، في إشارة إلى تبدّد الرهان لديه على إمكانية إخضاعها. ويبدو أن هذا هو ما استخلصه من تجربة "العقوبات القصوى".
في المقابل، يختلف العديد من المسؤولين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع نتنياهو، ويرون أن هناك "إمكانية للتوصل إلى اتفاق محسن، يبقي إيران على مسافة عشرات السنوات من القدرات النووية العسكرية". وأضافت "معاريف" إن رئيس الأركان، أفيف كوخافي، "الذي بدا كَمَن يتفق مع نتنياهو في الموضوع الإيراني، يؤمن أن بالإمكان التوصل إلى اتفاق محسن مرغوب فيه". وفي السياق نفسه، ثمة اقتناع لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأن "الفرق بين الاتفاق النووي السيئ الذي أبرمه أوباما، وبين اتفاق محسن، يكمن في تفاصيل صغيرة، يمكن أن تقبل بها إيران ولا تجعل الفرق كبيراً". ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية والعسكرية تتخوف من إيران متطورة نوويا، وانعكاسات ذلك على الأمن القومي الإسرائيلي. وعلى الخلفية ذاتها، أيدت تلك الأجهزة، قبل خمس سنوات، الاتفاق النووي، كونه أبعد إيران عن القدرة على إنتاج أسلحة نووية ولو إلى حين.
وبخصوص الموقف من استمرار العقوبات كبديل من اتفاق محسن تقبل به إيران، يلاحَظ أن هناك اختلافاً في تقدير منسوب مخاطر السيناريوَهين. من جهة، ترى الأجهزة الأمنية أن هذا المستوى من الاتفاق "أفضل من الوضع الحالي"، في حين أن نتنياهو أكد، عبر بيان صادر عن مكتبه، تعليقاً على الخطوات الأمريكية الأخيرة تجاه إيران، أن "الوضع الحالي من دون اتفاق أفضل من اتفاق محسن قليلاً". هكذا، يتجلى بوضوح كيف تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى الاختيار بين الخطِر والأخطر، نتيجة استنفاد خيارات بديلة ثَبت عقمها، وبفعل المخاوف من أي مغامرة عسكرية، تدرك أنها ستكون محدودة النتائج وعالية الكلفة.
في هذه الأجواء، توالت المؤشرات التي تعزز المخاوف في تل أبيب، وأحدثها المواقف الأمريكية التي هدفت إلى توجيه رسالة إلى طهران تؤكد تمسك واشنطن بخيار المفاوضات والتوصل إلى اتفاق بديل. ومع أن إيران ترفض الخطوات الرمزية بعيداً عن أي خطوات عملية تؤدي إلى رفع العقوبات، إلا أن ذلك يؤدي إلى تعزيز التقديرات في إسرائيل بأن مسار التطورات سيؤدي في نهاية المطاف إما إلى التنسيق مع الولايات المتحدة حول التكيف مع السقف الذي ستتبناه الأخيرة، ومحاولة التأثير في بلورته، أو محاولة التفرد بخيارات تدرك تل أبيب أنها غير قادرة على الذهاب بها حتى النهاية، أو محاولة القيام بدور المجنون الذي ثبت عقمه في المراحل السابقة، ولا يتوقع أن يحقق أكثر مما حَققه. وإلى حين تبلور الخيار النهائي، يبدو أن مؤسسة القرار الإسرائيلية تراقب المشهد، في الوقت الذي تشهد فيه حالة من التجاذب حول تقدير المخاطر والخيارات الواجب اتخاذها. وفي كل الأحوال، ليس أمام تل أبيب سوى البحث عن الخيار الذي ترى أنه، بالمقارنة، أقل خطورة. لكنها قد تواجه تحديا من نوع آخر، متمثلا في أن ما هو أقل خطورة في المدى المنظور قد ينطوي على مخاطر مرتفعة على المدى البعيد، وبالعكس.
 
عمرنجيب
[email protected]