ملاحظات سريعة على بعض ما ورد في مذكرات محمد يحظيه !

خميس, 2020-11-26 00:33

يبدو ان وفاة المرحوم محمد المصطفى ولد بدر الدين كانت مناسبة لليعبر من خلالها محمد يحظيه ولد بريد الليل عن ذكريات جمعته في بعض من مناحيها بالمغفور له ولد بدر الدين و ذلك باعتبارها مرحلة نضالية يراد منها اكتساب وسام مناضل ان امكن ذلك !
و بمقتضى ما سبق فيجب علينا وقفة تأمل و مراجعة حيال ما حصل من نضال في تلك المرحلة بكاملها، وهل ما جرى فيها يومئذ يمكن تسميته نضالا بالمعنى المتعارف عليه مثل ما علمنا من نضال ينسب الى كل من (شي گيفارا ) و نلسون منديلا و المرحوم ياسر عرفات الذين اكتسبوا عن جدارة ذلك الوسام الرفيع من طرف من يعشقون الحرية و يقدرونها !
اما اذا كان البعض منا فلابد له من ذلك الوسام فعليه ان يلجأ الى قاموس النضال العالمي لليفصل على مقاسه منه وساما بمقدار ماقدم من نضال، علما انه في هذا المجال لايمكن تزوير التاريخ مثل ما يحصل عندنا في الانتخابات او الامتحانات.
و لنعد الى ما حصل من نضال يوم كان المرحوم المختار ولد داداه رئسيا و كذا الفصول الاولى من حكم العسكر، و سنجد ان معظم ما حصل من نضال هو مجرد احتجاجات من طرف تلامذة الاعدادية و بعض الثانويات القليلة يومئذ، و دافع تلك التحركات في معظمه مطالب بسيطة و الباقي مجرد تقليد لما يحدث في بلدان اخرى ثم تتم بعض الاعتقالات لنقابيين او اضراب عمال شركة المعادن ( ميفرما) و عادة ما تواجه الشرطة تلك التحركات بمسيلات الدموع و اعتقال من تبقى لم يهرب 
من ميدان التحرك، و الجميع يطلق سراحه بعد مدة وجيزة نتيجة تدخلات النافذين.
ان تلك التحركات لا يمكن ان يدعي قيادتها او المسؤولية عنها مناضلي ( صلوهات انواكشوط ).
و ما اشرنا اليه سابقا يقودنا الى طرح بعض النقاط على الحروف خاصة حول اهم ملحمة نضالية قادها السيد محمد يحظيه و المرحوم بدر الدين و زميلهما و تتلخص في انه نتيجة سوء فهم ما ربما يكون قد حصل مع بعض السلطات شيئا ما ادى  الى تخوف الجماعة من مجرد دخول مخافر الشرطة او الاعتقال الاداري، و بالتالي فضلوا الذهاب الى السنغال في رحلة اشبه ما تكون بالاستجمام منها الى خوف او توجس من شيئ ما لانهم في الواقع لم يقوموا بأي عمل مهما كان نوعه يستدعي منهم كل ذلك الحذر الشديد و التوجس.
ثم يضيف محمد يحظيه لمسة مسرحيه على تلك الرحلة التي لعب بطولتها بلا منازع و ذلك بتقمصه شخصية الشريف ( حيدره ) تلك الصفة المحترمة لدى اخوتنا السنغاليين جزاهم الله خيرا عن الاسلام، و كذا حمل رفيقيه عنه حمله و ترك مسافه بينه معهما لتكتمل و ظيفة صورة حيدره.
و من وجهة نظري ان الهدف من ذلك (الاسكتش ) كما يبدوا امران اولا التخفي عن عيون النظام ان كان لذلك داعيا، و الثاني من اجل ضيافة لائقة و هدية معتبرة من مضيفهما ذلك الرجل الذي اكرمهم رغم الخصاصة وضيق الحال و اخاف عليهم من ان يكونوا وقعوا في فخ انتحال الشخصية .
ثم تبدأ أحداث المسرح باعتلاء الزملاء او الرفقاء صهوة الزورق الخشبي و الذي بدأ قائده يسحبه فوق الماء رويدا رويدا بمجذافيه في الظلام الدامس خوفا من اكتشاف الفريق الى ان حطهم مشكورا على الضفة الشرقية من النهر . 
و لليبدأ الجانب ( التراجيدي ) من المسرحية و هو تتابع الرجال يحملون امتعتهم كسرية نمل يتسربون عبر الاشجار و الحشائش  و كأنهم يتوجسون - حقا - خيفة من مجهول ما، الى ان وقعوا في بعض الاوحال التي صبغت ثيابهم للأسف بلون الطين الداكن .
و ما حصل لهم يومئذ من متاعب بسبب الوحل و اتساخ الثياب يقع يوميا لمزارعي المنطقة و رعاتها و لا يدعي ايا منهم بطولة تذكر.
و تتوالى احداث المسرح مسرعة و اذاهم فجأة في انواكشوط و لسان حاله يقول لهم ما قالت (التيدومه ) للطائر الذي نزل عليها و لم تشعر بنزوله اصلا ثم طار و لم تحس به كذلك، لأن الجماعة لما رجعت الى نواكشوط لم تتعرض لأي مشكلة كحالها لما ذهبت منه !
ثم تتوقف احداث القصة برهة لتبدأ الجماعة خلالها بالاتفاق مع العسكر للمشاركة في انقلاب عسكري ضد نظام شرعي، مما يجعلهم ذلك ربما يتعرضون لاحقا للمتابعة الجنائية بسبب مشاركتهم في انقلاب عسكري عقوبته المؤبد على الاقل و لا تتقادم تلك العقبة مهما طال الزمان ! 
و كذا التسجيل في سجل التاريخ بأنهم شاركوا في عمل مناف لحقوق الانسان و الديومقراطية.
ثم ان حركة الكادحين و البعثين حسب ما قال محمد يحظيه انهما كانتا تشتركان مع العسكر في رفض تلك الحرب و بغضها و لكل منهم دوافعه الخاصة .
فدوافع البعثين و الكادحين من وجهة نظر محمد يحظيه هو عدم تكافئ القوة العسكرية مع البوليساريو المدعومة من الجزائر، و نسيا ان موريتانيا مدعومة هي الاخرى من طرف شريكتها في الحرب المغرب و من ورائهما فرنسا التي تسيطر يومئذ على اقتصاد موريتانيا من خلال شركة ( ميفرما).
ثم ان تلك الحركات لها سوابق تدل على كرههم الشديد للحرب، فمن قادتها مثلا من كان من القومين العرب ولما هزمت مصر في حرب 67 وحصلت انتفاضة داخل موريتانيا بين طلاب عرب و افارقة كان ذلك كافيا في حد ذاته ان يدوروا يسارا 360 درجة نحو الماركسية، لأنهم في الحقيقة يفضلون ( العافية ).
اما العسكر فدوافعهم السياسية لتغيير النظام بالقوة هم ظروف الحرب و قساوة مناخ الصحراء صيفا و شتاء و كذا خشونة المعاش، لأن معظم الضباط حديثي القيادة و قد تدربوا من طرف المستعمر و بلغته، و لم يكونوهم على عقيدة عسكرية وطنية صلبة، تجعلهم قادرين على التجلد لمخاطر الحرب و ضغوطاتها النفسية، ثم ان تلك الحرب قد سبقتها سنوات من الراحة و الاسترخاء بالنسبة لهم و كذا ( اطواجين ) بسنام الابل و اكبادها و اشرطة الموسيقى الوطنية في السهرات الليلية و ما يرافق ذلك عادة من الاجواء المريحة ( الهوى قتال ).
و هنا اعود لأسأل محمد يحظيه من جديد عما اذا كانت موريتانيا احق بالصحراء و شعبها من المغرب و الجزائر اللتان تنفقان بسخاء من اجل الصحراء مليارات الدولارات و سيولا من الدماء، و نضن نحن عن الصحراء و شعبها الذي نتقاسم معه نفس النسب و الثقافة و الحضارة و العدات و التقاليد و الآمال و الآلام  بما لدينا من اموال و لو كانت قليلة، و كذا قطرات دم زكية يسيل ربما اكثر منها داخل البلاد في نزاعات قبلية على مجرد منبع ماء او مسحات كلإ !
سيدي الفاضل هل كان عدم التكافئ كافيا وحده ليتقاعس الإنسان عن الدفاع عن حقه، ولو كان ذلك واردا لما قاد صلى الله عليه و سلم معركة بدر بمجرد 314 من صحابته الاجلاء عليهم رضوان الله ضد جحافل جيش قريش المتفوقة عددا و عدة، و لما قاوم الفيتناميون امريكا رغم تفوقها العسكري و نفوذها الدولي، و لما قاد نلسون منديلا ثورته المظفرة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، و لما استمرت المقاومة  الفلسطينة اكثر من سبعين سنة ضد الغرب بكامله الداعم لإسرائيل، عتادها الوحيد العزيمة و الإمان و الصبر و مشروعية الهدف.
و ايضا فلتسمحوا لي مرة ثانية بالعودة الى مشاركتكم العسكر في الانقلاب لنسجل في سجل تلك المشاركة اذا لم يضق فيه المقام انكم قد اتخذكم الجيش كمرجعية له و ذراعا مدنية تقودون له الجماهير في ما يسمي التطوع و كذا استشارتكم في كيفية اصلاح التعليم، و بعد دراستكم المعمقة لذلك الطلب، فأتت استشارتكم للعسكر في مجال التعليم ككارثة مازالت تبعاتها تتفاقم و لا ندري الى اين ستقف نرج السلامة للوطن .
و حيث قد اعترفتم بأنكم قدمتم لهم تقريرا تشيرون فيه عليهم بتعويم التعليم كالعملة التي تفقد رصيدها بحيث يحق لكل شخص ان يعلم ولده اللغة التي يرغب، و كانت النتيجة ان العرب علموا ابناءهم باللغة العربية و الزنوج علموا ابناءهم باللغة الفرنسية، و الحاصل اننا اصبحنا شعبين في دولة واحدة، جزء منه ثقافته فرنسية مهلهلة و الثاني ثقافته عربية مستعجمة، (المفرنسون ) منهم خلفية ثقافتهم علمانية و المعربون  ثقافتهم خلفيتها شبه اسلاموية و اصبح الجميع يتصارع على سوق العمل الضيق اصلا و الشحيح كل يدلي بدلو لغته و ثقافته يريد لهما اكبر نصيب من الكعكة الوطنية .
حقيقة ما حصل منكم يومئذ يجب عليكم ان تتوبوا منه لله عز وجل و ان تطلبوا من الشعب المسامحة و العفو.
و اخيرا ايها السيد محمد يحظيه اذا كُنت ما زلت ترغب في ان تكمل مذكراتك بالقدر الذي يجعلك مناضلا و بالتالي تنال وسام الشرف ، فما عليك الا النزول من الصومعة الى صفوف الجماهير و ان تقودهم من اجل استرجاع حقوقهم المسلوبة من طرف المفسدين و كذا انقاذهم من الاوبئة و البطالة و استرجاع دولتهم المختطفة منذ 42 سنة من طرف العسكر، و بذلك تكون فعلا تستحق ذلك الوسام الذي يعد اجمل زينة توضع فوق صدور الرجال او النساء !

ذ/ اسلم محمد المختار مانا