الحرب في بلاد الشام ولعبة سياسة العصا والجزرة الأمريكية.... واشنطن وانقرة وتل أبيب والبحث عن نصف نصر أو أكثر

أربعاء, 2020-10-28 00:52

منذ شهر مارس 2020 تقلصت إلى حد كبير الأخبار المتعلقة بالحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام وذلك بعد أوقف الجيش العربي السوري تقدمه في جيب إدلب آحد أهم معاقل التنظيمات المسلحة المتعددة الولاءات والتوجهات والمتمتع بدرجة حماية عسكرية تركية كبيرة. نجاح الجيش السوري في السيطرة على أجزاء واسعة من جيب إدلب والحاقه خسائر بالتنظيمات الموصوفة بالجهادية وبالقوات التركية التي حاولت صد تقدمه اعتبرت نقطة فارقة جديدة في الصراع. 

تقديرات مختلفة صدرت في ذلك التاريخ حول التطورات التالية، قلة رأوا أن المواجهات وصلت إلى حد سيجبر الأطراف التي وقفت في المعسكر الأمريكي الإسرائيلي التركي على البحث عن تسوية وستسلم بما فرضته وقائع ساحة القتال، لكن آخرين قدروا أن الأطراف المعادية لدمشق لن تقبل بتعثر مخططاتها لإسقاط سوريا وأنها ستأخذ فترة لاسترجاع الأنفاس قبل أن تعود للتصعيد لأن امتناعها عن ذلك يهدد بتدمير جزء أساسي من مشروع المحافظين الجدد لنشر ما يسمونه الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط وذلك من أجل إقامة وضع جديد يقوم على تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية وقبلية ومناطقية مما يضمن استقرار وأمن إسرائيل على الأقل لعقود، ويمكن واشنطن من اكمال جزء مهم من طوق الحصار على الجناح الجنوبي الغربي لروسيا وقطع طريق الحرير الصيني الجديد الرابط بين آسيا وأوروبا عبر المنطقة العربية.

بعد أن حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلط الأوراق بإعلانه نيته سحب القوات الأمريكية الموجودة على الأرض السورية ثم تراجعه عن ذلك، راهن البيت الأبيض على التوسع في استخدام سلاح الحصار والعقوبات على أمل أن يسفر ذلك عن انتفاضة داخلية أو انقلاب عسكري مناهض للسلطة في دمشق، كما تدخل في لبنان لتفجير أزماته الراكدة لأن من شأن ذلك كان زيادة التحديات التي تواجهها الحكومة السورية ومسانديها، وفي نفس الوقت مارس كل أنواع الضغوط لمنع اقطار عربية من إعادة علاقاتها مع سوريا ودمجها من جديد في الجامعة العربية.

الحصار الأمريكي الذي شاركت فيه دول غربية ولد معاناة كبيرة للشعب السوري خاصة في مجال المحروقات والمواد الاساسية الاستهلاكية ولكنه لم يولد الثورة التي أرادها البيت الأبيض.

يشير الكثير من المحللين أن التجارب العالمية لأساليب الحصار اثبتت أنه بعد الصدمة الأولى المتولدة عنها تجد الأطراف الخاضعة للحصار والعقوبات مسالك لتجاوز المحنة بدرجات نجاح متفاوتة، كما حدث ويحدث مع كوبا وكوريا الشمالية. دمشق استطاعت كذلك البدء في إيجاد ثغرات في طوق الحصار حيث ورد اليها النفط من إيران وروسيا وعبر لبنان والعراق وأخذت دول عربية وأجنبية تتعامل اقتصاديا معها مستغلة الشبكات البنكية التي نجحت في بناء جدار عزلها عن قدرة التتبع الأمريكية.

أمام الوضعية المتقلصة لطوق الحصار والتي تبين التقديرات الاستخبارية أنها ستتفاقم، بدأت واشنطن تكتيكا جديدا بالتعاون مع بعض حلفائها وخاصة تركيا وإسرائيل للتأثير على مسار الصراع في بلاد الشام.

 

تفاوض

 

يوم الأحد 18 أكتوبر 2020 ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مسؤولا بالبيت الأبيض سافر إلى دمشق لعقد اجتماعات سرية مع الحكومة السورية.

وذكرت الصحيفة، استنادا إلى أعضاء في إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، ومصادر أخرى مطلعة على سير المحادثات، أن نائب مساعد الرئيس الأمريكي، كاش باتيل، الذي يعد مسؤولا بارزا معنيا بمكافحة الإرهاب وعضوا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، زار دمشق في عام 2020 لعقد اجتماعات سرية مع حكومة دمشق، من أجل تحقيق الإفراج عن مواطنين أمريكيين اثنين يعتبر أنهما محتجزان لدى سلطات البلاد.

ولم تكشف المصادر عن المسؤولين الذي التقى بهم باتيل، لكنها أوضحت أن المحادثات أجريت بهدف التوصل إلى “صفقة مع الرئيس الأسد” ستؤدي إلى الإفراج عن الصحفي الأمريكي المستقل، أوستين تايس، الذي سبق أن خدم في قوات المشاة البحرية واختفي خلال تغطياته التطورات في سوريا عام 2012، والطبيب الأمريكي السوري، ماجد كمالماز، الذي اختفى بعد احتجازه في نقطة تفتيش للقوات الحكومية السورية عام 2017.

كما يعتقد أن هناك 4 مواطنين أمريكيين آخرين على الأقل تحتجزهم السلطات السورية، لكن هناك، حسب الصحيفة، معلومات قليلة حول قضاياهم.

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول أمريكي رفيع إلى سوريا منذ نحو 10 سنوات.

وأوضحت أن اللقاءات المعروفة الأخيرة بين مسؤولي البيت الأبيض والسلطات السورية في دمشق عقدت عام 2010، مذكرة أن الحكومة الأمريكية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا عام 2012.

وفي أغسطس 2020 أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن ترمب بعث في مارس برسالة إلى الأسد بشأن مصير الصحفي أوستين.

في العاصمة الألمانية برلين أفادت مصادر رصد أن كشف صحيفة “وول ستريت جورنال” لخبر الزيارة السرية أثار استياء كبيرا في البيت الأبيض خاصة لأن هناك خشية من أن ترى بعض الحكومات المساندة للسياسة الأمريكية في سوريا، الاتصالات كعملية استدارة من خلف ظهرها للسبق في التفاهم مع السلطات السورية، وقد تحرك عدد من المسؤولين الأمريكيين للقول أن المحادثات هدفها فقط الافراج عن المحتجزين الأمريكيين.

 

ضبابية

 

بعد حوالي 72 ساعة من نشر خبر المحادثات السرية قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الأربعاء 21 أكتوبر إن الولايات المتحدة لم تحصل حتى الآن على إجابات من سوريا بشأن اختفاء أمريكيين على الرغم من زيارة نادرة لمسؤول أمريكي إلى دمشق.

وأضاف بومبيو للصحافيين الذين سألوه عن الزيارة “نطالب السوريين بالإفراج عن تايس وإخبارنا بما يعرفونه. لقد اختاروا عدم القيام بذلك حتى الآن. … نواصل العمل ليس فقط على عودة اوستن ولكن ايضا كل الامريكيين المحتجزين”.

لم يعلن سوى القليل من المعلومات منذ اختفاء هذا المصور الصحافي المستقل في 14 أغسطس 2012 بالقرب من دمشق عندما كان يبلغ من العمر 31 عاما ويعمل مع مجموعة ماكلاتشي وواشنطن بوست وسي بي إس ووكالة فرانس برس ووسائل إعلام أخرى، مصادر مختلفة منه روسية أفادت في حينها أن تايس يعمل كذلك لحساب المخابرات المركزية الأمريكية.

وحرص مايك بومبيو على التأكيد إن محادثات إعادة أوستن تايس “منفصلة” عن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا حيث ما زالت الولايات المتحدة تنشر قوات فيما تفرض عقوبات شديدة القسوة على سوريا. وقال “لن نغير سياسة الولايات المتحدة” للإفراج عن رعايا أمريكيين، “نحن لا ندفع مقابل الرهائن”.

الأوساط الاعلامية في واشنطن لم تنظر بعين الرضى على تصريحات بومبيو مشيرة أنه لا بد أنه قبل زيارة شخصية هامة مثل كاش باتيل، المسؤول البارز بالبيت الأبيض لدمشق أن تتم تفاهمات عديدة وزيارات مسؤولين أقل مستوى، وتضيف أنه يظهر أن هناك قضايا أكبر من المختفين.

 

الدفاع عن التنظيمات المسلحة

 

إذا الوزير بومبيو قد نفى أن تكون زيارة مبعوث البيت الأبيضلدمشق تعني تبدلا في سياسة بلاده تجاه سوريا فإن أعضاء فيالكونغريس الأمريكي قدروا غير ذلك. فيوم الاثنين 26 أكتوبر2020 وجه رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النوابالأمريكي إليوت إنجل رسالة إلى مايك بومبيو، يطالبه فيهابمضاعفة جهود الحزبين في معارضة تطبيع الدول مع الحكومةالسورية.

وأعرب أنجل في رسالته عن قلقه العميق من أن “دولا مختلفة قداتخذت خطوات لتجديد العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد،وحث وزارة الخارجية على الاستمرار في التوضيح لحلفائناوشركائنا أن الولايات المتحدة تعارض أي جهود لتجديد العلاقاتالدبلوماسية مع نظام الأسد أو تمديد الاعتراف الدبلوماسيالرسمي به”.

وأضاف: “مجلس النواب ندد بجرائم الأسد ضد الإنسانية،وسجل عنف نظامه. وطالب بوقف دعم سوريا للجماعات الإرهابيةمثل حزب الله وحماس والجهاد الفلسطيني، وقف بحث وتطويرالأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية وتكنولوجيا الصواريخالباليستية، والسماح بالوصول الكامل غير المقيد للأمم المتحدةوالمراقبين الدوليين الآخرين للتحقق من هذه الأنشطة.

موزاة مع ذلك انبرت واشنطن الرسمية للدفاع عن التنظيماتالارهابية في سوريا حيث أعرب المبعوث الأمريكي الخاص إلىسوريا، جيمس جيفري، عن قلق بلاده مما سماه الخرق السوريلاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، ويبدو ان المبعوث الامريكيكان يشير الى استهداف غارة جوية معسكرا تابعا لفصائلالمسلحة في جبل الدويلة غرب إدلب. 

وذكر جيفري في بيان صحفي، “نحن قلقون للغاية من هذاالتصعيد الخطير من قبل القوات الموالية للنظام والانتهاك الواضحلاتفاق 5 من مارس لوقف إطلاق النار في إدلب”، مؤكدا دعمهلدعوات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والمبعوثالأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وتابع جيفري، “لقد حان الوقت لنظام الأسد وحلفائه لإنهاء حربهمالوحشية التي لا داعي لها ضد الشعب السوري”، داعيا إلىضرورة التمسك بالحل السياسي.

واستهدفت غارة روسية يوم الاثنين 26 أكتوبر 2020، مركزاعسكريا لـ”فيلق الشام”، التابع لـلجبهة الوطنية للتحرير، المقربةمن تركية ما أسفر عن مقتل نحو 85 عنصرا، وإصابة حوالي100 آخرين بجروح من الفصيل واعتبرت اوساط معارضة انالغارة الروسية على الفصيل المقرب من انقرة نوعا من الضغطالروسي على تركيا، خاصة ان الغارة تعتبر أول ضربة من الروستستهدف مقرا عسكريا لفصيل تدعمه تركيا بعد اتفاق موسكو.

اللافت في هذا السياق ما ذكرته ذكرت وكالة روسية عن أن تنظيم“حراس الدين” فرع القاعدة في سوريا هو من قدم معلومات عنمعسكر “فيلق الشام” التابع لـ”الجبهة الوطنية للتحرير” الذياستهدف يوم الاثنين، وذلك بإعطاء عناصر من “حراس الدين”معلومات للمخابرات العسكرية السورية عن المعسكر المستهدف.

 

واشنطن تبحث عن مدخل

 

في موسكو كتب إيغور سوبوتين في صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا مقالا بعنوان "واشنطن تبحث عن مدخل إلى بشار الأسد" جاء فيه:

اقترحت إدارة الرئيس دونالد ترمب على الحكومة السورية إنشاء قناة اتصال مباشر للإفراج عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين لدى سلطات الجمهورية العربية السورية. لم تكن زيارة كاش باتيل لدمشق السرية المحاولة الأولى من قبل القيادة الأمريكية لمخاطبة الحكومة السورية مباشرة.

الموضوع الأساسي الذي تستعد الإدارة الأمريكية من أجله لتنظيم قناة اتصال مباشر هو مصير مواطنين أمريكيين محتجزين لدى دمشق. الحديث يدور عن الصحفي المستقل ذو الماضي العسكري أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا سنة 2012 بلا أثر، والطبيب السوري الأصل ماجد كمالماز. ووفقا لبيانات رسمية أمريكية، قد يكون ما لا يقل عن أربعة أشخاص آخرين يحملون جوازات سفر أمريكية في أيدي دمشق الرسمية، لكن لا يعرف على وجه اليقين مصيرهم.

قبل عامين، أظهرت إدارة ترامب قدرتها على عقد صفقات عملية في سياق الملف السوري. ففي العام 2018، وبضمانات من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن، تم توقيع اتفاقيات بين المتمردين السوريين ودمشق الرسمية بشأن النقل غير الدموي للمناطق الجنوبية من الجمهورية العربية السورية إلى سيطرة الجيش الحكومي. تم تقديم عدد من التنازلات السياسية والاقتصادية للمعارضين المسلحين للحكومة السورية، والتي لم يتم الوفاء بها في نهاية المطاف، لكن حقيقة إبرام صفقة من خلال وساطة لاعبين معاديين للأسد أعطت الأمل في حل عملي للأزمة السورية.

مع بقاء القوة المسلحة الأمريكية في سوريا، من المنطقي توقع مزيد من محاولات إقامة قنوات اتصال مباشر بين واشنطن ودمشق. وهذا يجعل من الواضح، في أقل تقدير، إمكانية الحفاظ على مناطق النفوذ الأجنبي في سوريا والحاجة إلى إيجاد طرق للتعايش المعقول.

 

صفقات

 

حسب وكالة "سبوتنيك" الروسية ذكر مراقبون إن “الزيارة تعتبر اعترافا ضمنيا من جانب أمريكا بفشل مشروعها لإسقاط الدولة السورية، وتغيير أمريكي لموقعها السياسي في معادلات المنطقة، والتعامل مع الحكومة السورية بمنطق مختلف”.

وأضافت "سبوتنيك" نقلا عن صحيفة “الوطن” السورية أن مسؤولين أمريكيين رفيعين زارا العاصمة دمشق منذ فترة قريبة بهدف البحث في عدة ملفات، منها ملف ما يسمى “المخطوفين” الأمريكيين، والعقوبات الأمريكية على سوريا.

وأضافت الصحيفة أن كلا من روجر كارستينس، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل مساعد الرئيس الأمريكي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، زارا دمشق في أغسطس 2020، واجتمعا باللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في مكتبه في دمشق، وناقشا سلة واسعة من المسائل حملت جملة من العروض والطلبات، وأضافت الوطن نقلا غن مصادر فضلت عدم الكشف عن هويتها: “أن هذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أمريكيين بهذا المستوى الرفيع وأنه سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية”.

ووفقا للصحيفة، حاول المسؤولان الأمريكيان كسب تعاون دمشق مع واشنطن في ملف “المخطوفين” الأمريكيين في سوريا وعلى رأسهم من يقال إنه صحفي أمريكي مستقل يدعى “أوستين تايس”، لكن دمشق بقيت متمسكة بمطلب الانسحاب الأمريكي قبل البحث في أي مسألة أخرى.

الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي، عضو الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، ذكر في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “على المستوى الاستراتيجي والجيوبوليتيكي تعكس هذه الزيارات اعترافا أمريكيا وقناعة ضمنية بفشل مشروع إسقاط الدولة السورية، وتغيير موقعها السياسي في معادلات المنطقة، بما في ذلك تحويلها إلى حليف يقبع تحت الهيمنة الغربية، وطرفا قابل بالتسوية مع إسرائيل دون استعادة الأرض والحقوق”.

وتابع: “بل أن هذه الزيارات تحمل في مدلولاتها سحب مشروع الحل الصفري ضد دمشق، واستعادة المنظور البراغماتي الأمريكي حيال سوريا بما يقتضي الإقرار بضرورة التواصل مع دمشق على وضعها السياسي الراهن”.

وأكد أن “من هذا المنطلق فإن هذا التواصل يشير إلى أن سياسة الضغوط القصوى على دمشق يجب النظر إليها على أنها أداة ضغط تفاوضية وليست أداة تهدف لتحقيق تغيير جوهري في منظومة الحكم السورية”.

أما على المستوى التكتيكي، والكلام ما يزال على لسان دنورة، فمن المفهوم عمليا أن ترمب دخل مرحلة حرجة وفاصلة يمكن أن يعتبر أي إنجاز فيها بمثابة رافعة سياسية تحسن شعبيته التي تبدو متدهورة قبل الانتخابات، فالوصول إلى أي إنجاز وإن كان على مستوى العثور على أمريكيين مفقودين واستعادتهم سيتم توظيفه لمصلحة حملة ترمب الانتخابية”.

ومضى قائلا: “الموقف السوري كان واضحا حسب التسريبات، وهو لا يقبل على الإطلاق التعاطي وفق معادلة تخفيف العقوبات مقابل المساعدة السورية في معرفة مصير واسترداد أمريكيين مفقودين، بل المعادلة التي تصر عليها دمشق هي إنهاء الاحتلال الأمريكي للمناطق الشرقية السورية قبل أي بحث في ملف إنهاء أو تخفيف العقوبات بصرف النظر عن المقابل المطلوب أمريكيا، فالانسحاب الأمريكي يعني زوال العدوان على السيادة السورية من قبل الولايات المتحدة، وهو شرط لازم، وربما يكون كافيا أيضا لإطلاق حوار سياسي”.

وأشار إلى أن “الانسحاب الأمريكي هو بحد ذاته ميزة لإدارة ترمب، التي ستثبت بذلك التزامها بالتخلص من “الحروب اللا نهائية” التي لطالما وعد ترمب بإنهائها، وستنهي التورط الأمريكي في ساحة لا تبدو فيها مصلحتها المباشرة واضحة المعالم، في حين يبدو من العسير سوريا وإقليميا ودوليا المضي في بناء رؤية استراتيجية للاحتلال الأمريكي وأهدافه في شرق سوريا دون تحويل هذا المشروع إلى ساحة تورط أمريكية جديدة”.

من جانبه قال المحلل السياسي السوري، الدكتور فريد سعدون، إن “أمريكا لم تغير سياستها تجاه المنطقة وسوريا، فهي لم تتغير منذ بداية الأزمة وإلى الآن، حيث لم ترفع شعار إسقاط النظام، لكنها تبحث عن تغيرات تناسب سياستها وأجندتها في المنطقة”.

وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “أمريكا تتصرف بناء على أجندتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، ولهذا دخلتالمنطقة الغنية بالنفط في شمال شرق سوريا، والتي لها علاقة مباشرة جغرافيا مع العراق وإقليم كردستان، ودعمت القوى المسلحة الموجودة في شمال شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف”.

وتابع: “ترمب الآن يحاول أن يقدم شيئا يعزز من فرص نتائجه في الانتخابات الأمريكية، فعندما يقوم بإطلاق صراح أحد المعتقلين سيضاف لرصيده في الحملة، فهو لا يقدم تنازلات بقدر ما يحاول أن يكسب العوامل التي تساعده في تحقيق مآربه في الانتخابات الأمريكية”.

وأكد أنه “أرسل مبعوثه لسوريا من أجل التفاوض على إطلاق سراح الموجودين في سوريا، الأمر لا يتعدى أكثر من ذلك، ان السياسية الأمريكية في المنطقة لم تتغير ولن تتغير في المستقبل”.

مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين والروسية موسكو أفادت أن ترمب بعث رسائل عديدة إلى الاسد منها تأكيدات لتبني البيت الأبيض عروض وردت في تصريحات لمسؤولين خليجيين عن صفقة تتخلى بموجبها دمشق عن تحالفها مع طهران وحزب الله اللبناني وتقوم بتبريد للروابط مع روسيا مقابل عملية تأهيل أمريكية ومعونات لإعادة الاعمار وفتح مفاوضات تسوية مع لإسرائيل بشأن هضبة الجولان التي تحتل إسرائيل ثلثي مساحتها.

محللون يشيرون أيضا إلى أن تزايد العمليات المناهضة للقوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات ورغم عدم وجود دليل على أنها كانت ناجحة حتى الآن اثارت مخاوف البنتاغون من أن تسفر عن سقوط قتلى من الأمريكيين ولهذا فهي تريد تحركا استباقيا لتجنب حدوث خسائر لا يتقبلها الشارع الأمريكي.

 

هكذا فشلت أمريكا

 

جاء في تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية بتاريخ 11 أكتوبر 2020:

منذ خمسينيات القرن الماضي، حاولت الولايات المتحدة تغيير الحكومات في دول الشرق الأوسط الكبير، وقد فعلت ذلك في إيران وأفغانستان والعراق ومصر وليبيا وسوريا، وهي قائمة لا تتضمن سوى الحالات التي كانت فيها تنحية قادة دولة ما وتحويل نظامها السياسي بشكل كامل.

وتباينت الدوافع الكامنة وراء هذه التدخلات على نطاق واسع، وكذلك أساليب واشنطن، حيث شملت في بعض الحالات رعاية انقلاب، وفي حالات أخرى غزو واحتلال دولة، وفي حالات أخرى الاعتماد على الدبلوماسية والخطابات والعقوبات.

ومع ذلك، تشترك كل هذه المحاولات في شيء واحد، فقد فشلت جميعها. وفي كل حالة، بالغ صانعو السياسة الأمريكية في تقدير التهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة، وقللوا من خطورة الإطاحة بالنظام، وروجوا للخطابات المتفائلة من المنفيين أو الجهات الفاعلة المحلية محدودة النفوذ والقوة.

وفي كل حالة، باستثناء سوريا حيث احتفظ النظام بالسلطة، أعلنت الولايات المتحدة النصر قبل الأوان، وفشلت في توقع الفوضى التي ستنجم حتما بعد انهيار النظام، ووجدت نفسها في نهاية المطاف تتحمل تكاليف بشرية ومالية ضخمة لعقود من أجل لا شيء.

فلماذا يعتبر تغيير النظام في الشرق الأوسط بهذه الصعوبة؟ ولماذا يستمر قادة ونقاد الولايات المتحدة في التفكير في أنه يمكنهم فهم الأمر بشكل صحيح؟. ولا توجد إجابات سهلة على هذه الأسئلة، ومن المهم الاعتراف أنه في كل حالة، كانت بدائل تغيير النظام غير جذابة.

لكن بينما يفكر صانعو السياسة في الولايات المتحدة في تحديات التعامل مع هذه المنطقة المزعجة، يجب أن يروا أنماط خداع الذات وسوء التقدير التي جعلت تغيير النظام أمرا مغريا للغاية مرارا وتكرارا، قبل أن يظهر في النهاية أنه كارثي للغاية.

 

تضخم الذات

 

في عام 2011، بينما كان كبار المسؤولين يناقشون ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية ضد الزعيم الليبي "معمر القذافي"، ذكر وزير الدفاع الأمريكي "روبرت غيتس"، العضو الأكثر خبرة في فريق الأمن القومي للرئيس "باراك أوباما"، زملاءه بأنه "عندما تبدأ حربا لا تعرف أبدا كيف ستسير الأمور". 

وكان تحذير "غيتس" بسيطا، ففي كل حالة فردية، مهما كان الإعداد بعناية، كان لتغيير النظام في الشرق الأوسط عواقب غير متوقعة وغير مرحب بها.

وربما كان أقوى مثال على هذه الظاهرة هو الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عندما أنهت واشنطن حكم "صدام حسين"، لكنها عززت نفوذ إيران في نفس الوقت، وغذت الجهاد، وأظهرت للديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم القيمة المحتملة لامتلاك أسلحة نووية لردع مثل هذه الغزوات.

وزاد الغزو الشكوك في جميع أنحاء العالم حول القوة الأمريكية العدوانية، وأثار استياء الرأي العام الأمريكي بشأن التدخل العسكري لعقود قادمة.

 

الفراغ

 

جوهر المشكلة هو أنه كلما تم تدمير نظام قائم، أو حتى إضعافه بشكل كبير من قبل قوى خارجية، كما هو الحال في سوريا، ينشأ فراغ سياسي وأمني ويبدأ صراع على السلطة.

وفي ظل غياب الأمن، لا يشعر الناس بأي بديل سوى تنظيم أنفسهم وتسليح أنفسهم والتوجه إلى شبكات القرابة والقبائل والطوائف بحثا عن الأمان، ما يفاقم الطائفية والخصومات الداخلية ويؤدي أحيانا إلى المطالبة بالانفصال.

وفي الفترة التي تسبق التدخل، تشكل المجموعات التي لديها القليل من القواسم المشتركة ائتلافات ملائمة.

لكن بمجرد سقوط النظام، سرعان ما ينقلبون على بعضهم البعض. وفي كثير من الأحيان، تسود الجماعات الأكثر تطرفا أو عنفا ويتم تهميش القوى الأكثر اعتدالا أو براغماتية.

وحتما، يعمل المستبعدون عن السلطة على تقويض من استولوا عليها. وعندما حاولت الولايات المتحدة ملء الفراغ بنفسها، كما فعلت في العراق وأحيانا في أفغانستان، وجدت نفسها هدفا للسكان المحليين والدول المجاورة التي تقاوم التدخل الأجنبي، وانتهى الأمر بها بالتضحية بآلاف الأرواح وإنفاق تريليونات من الدولارات، لكنها ما زالت تفشل في خلق الاستقرار.

ولا يؤدي الفراغ الأمني الناجم عن تغيير النظام إلى نشوء صراع على السلطة داخل الدول فحسب، بل يولد دائما منافسة لا هوادة فيها بين الخصوم الإقليميين أيضا.

وعندما تسقط الحكومات، أو تقترب من السقوط، تندفع القوى الإقليمية وحتى العالمية بالمال والسلاح، وفي بعض الأحيان بالقوة العسكرية المباشرة، لوضع وكلائها في السلطة وجذب البلاد إلى فلكها.

في المرة القادمة التي يقترح فيها قادة الولايات المتحدة التدخل في المنطقة للإطاحة بنظام معاد، يمكن توقع أن مثل هذا المشروع سيكون أقل نجاحا وأكثر تكلفة ومليئا بالعواقب غير المقصودة أكثر مما يدركه المؤيدون أو يعترفون به. وحتى الآن، على الأقل، لم يظهر عكس ذلك.

 

مناورات تركيا

 

في الوقت الذي يكثر فيه الجدل عن نوايا واشنطن قامت تركيا التي تحتل مناطق في شمال وشرق سوريا بسحب قواتها فجأة من قاعدة مورك العسكرية في ريف حماة مما أثار فرضيات عديدة.

مصدر مقرب من القوات الحكومية السورية ذكر لوكالة (د. ب. أ) الألمانية أن ” التفاهمات الروسية التركية أثمرت غن إخلاء القواعد التركية من مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف حماة ونقلها كخطوة أولى إلى قاعدة قوقفين في ريف ادلب الجنوبي، تمهيدالنشرها في على طول الطريق السريع حلب اللاذقية. وتنتشر 12 نقطه عسكرية تركية في مناطق سيطرة الجيش السوري في مناطق ريف حماة وإدلب وحلب ومن المتوقع افراغ جميع تلك القواعد قبل نهاية عام 2020.

ولم يصدر أي تعليق من أنقرة حول الانسحاب أو وجهة قواتها، خصوصا أنها أكدت مرارا عدم رغبتها الانسحاب من أي من نقاط المراقبة التابعة لها رغم أنها مطوقة من جانب الجيش السوري.

في موسكو كتبت ماريانا بيلينكايا، في “كوميرسانت”، عن سحب تركيا بعض نقاطها العسكرية في شمال سوريا على خلفية حتمية قيام دمشق بعملية عسكرية جديدة بدعم من موسكو، هناك.

وقالت مع ذلك، فتركيا، لا تقوم، بأي حال من الأحوال، بتقليص وجودها العسكري في شمال سوريا. فبالتزامن مع الأنباء عن انسحاب الأتراك من مورك، وردت معلومات عن تعزيز مواقع الجيش التركي جنوب الطريق السريع أم 4 في محافظة إدلب، شرقي جبل الزاوية.

خبير العلاقات التركية الروسية، أيدين سيزر، ذكر لصحيفة عرب نيوز، إن الجيش التركي يستعد لاشتباكات عسكرية محتملة في المنطقة. “فقد تصاعدت التوترات بين تركيا وروسيا مؤخرا، خاصة بعد تورط البلدين في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وانتقاد الكرملين أنقرة على الدفع بحل عسكري للصراع في ناغورني قره باغ”.

خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، قال من جانبه لـ”كوميرسانت”: “سحب نقاط المراقبة، لا يمكن أن يشير إلى أي حلول وسط بين موسكو وأنقرة، فلم يكن لدى روسيا حوافز لتقديم تنازلات لتركيا بسبب هذه النقاط. على الأرجح، أدركت أنقرة حتمية عملية عسكرية جديدة في إدلب، وأن النقاط المحاصرة، في الواقع، يمكن أن “تصبح رهينة” للسلطات السورية، إذا قررت تركيا تقديم دعم عسكري للمعارضة”.

وأضاف سيمونوف: “في الوقت نفسه، فلن ينظروا، الآن، داخل تركيا نفسها، إلى سحب هذه النقاط بوصفه تراجعا، لانعدام أي ضغط عسكري على أنقرة، بل يمكن تفسير سحبها بأنها أدت دورها”. كما أشار سيمونوف إلى أن تعزيز مواقع تركيا في جبل الزاوية يرجع إلى ترجيح أن تبدأ هنا دمشق عملية عسكرية بدعم من موسكو. وشدد على أن “الحجة الرسمية يمكن أن تكون ضرورة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بإنشاء منطقة أمنية على طول الطريق أم 4”.

يذكر أن الرئيس التركي كان قد أعلن في وقت سابق "أن تركيا ما تزال ملتزمة بمذكرة التفاهم التي أبرمتها مع روسيا بشأن إدلب في 5 مارس 2020، لكنها في الوقت نفسه لن تتهاون حيال عدوان دمشق"، حسب تعبيره.

وشهدت منطقة الباب في ريف حلب الشرقي يوم 2 اكتوبر 2020، اشتباكات عنيفة على محور قرية الدغلباش الواقعة غرب المنطقة، إثر هجوم نفذه مسلحو الميليشيات "التركمانية" التابعة للجيش التركي، باتجاه نقاط مشتركة للجيش السوري وما يسمى "مجلس الباب العسكري" التابع لمجموعات "قسد".

وأفادت مصادر ميدانية لـ"سبوتنيك" بأن الاشتباكات بدأت مع حلول الساعة التاسعة تقريبا من ليل يوم الجمعة 2 أكتوبر، حيث نفذ مسلحو الفصائل "التركمانية" عمليات قصف بالقذائف الثقيلة باتجاه النقاط المستهدفة، قبل أن تبدأ الاشتباكات المباشرة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين الجانبين.

وبينت المصادر بأن الاشتباكات أسفرت عن إصابة عدد من مسلحي الفصائل المدعومة تركيا، والذين انسحبوا من محور الاشتباك تحت وطأة الخسائر، مؤكدة أن الاشتباكات لم تسفر عن حدوث أي تغير يذكر على خارطة السيطرة في المنطقة.

 

قوات برية روسية

 

جاء في تقرير لمركز دراسات الحرب نشر يوم الخميس 22 أكتوبر 2020:

تضغط روسيا وتركيا على بعضهما البعض للحصول على تنازلات في المفاوضات المتعلقة بمحافظة إدلب التي تسيطر عليها النصرة.

لا يزال الانتشار العسكري الروسي التقليدي أمرا غير مرجح، لكن العديد من المؤشرات المعاكسة كثرت في الأسابيع القليلة الماضية، ما يشير إلى أن موسكو قد تستعد لذلك.

مثل هذا الانتشار من شأنه أن يمثل انعطافا في مشاركة روسيا في سوريا وتصعيدا في الصراع بين روسيا وتركيا.

تسعى تركيا وروسيا إلى تحقيق درجة نفوذ كافية لتهيئة الظروف المواتية لجولة جديدة من المفاوضات حول مصير محافظة إدلب خاصة مع استمرار حالة الجمود هناك حيث لم تسفر المفاوضات الروسية التركية بشأن إدلب في 16 سبتمبر 2020 عن تسوية، وعززت تركيا لاحقا مواقعها العسكرية في المحافظة، في حين صعدت روسيا والجيش السوري الضربات الجوية والقصف ومحاولات التوغل، ومن المرجح أن تسعى روسيا إلى انسحاب تركي من أجزاء من جنوب إدلب لتمكين الجيش السوري من شن هجوم ضد قوات النصرة، دون تدخل تركي، في حين من المحتمل أن تسعى تركيا للحصول على تنازلات في مسارح أخرى حيث تشتد المنافسة الروسية التركية مثل شمال شرقي سوريا وليبيا والقوقاز.

لتركيا في إدلب وحدات عسكرية بحجم فرقة أكثر من 20000 جندي وتحتفظ انقرة في مناطق مجاورة أيضا بقوات كبيرة.

لكن من المحتمل ألا ترغب روسيا أو تركيا في مواجهة عسكرية كبيرة في إدلب، حيث إن روسيا تخشى وقوع خسائر في وحدات من الجيش السوري التي استثمرت فيها بكثافة، مثل فرقة المهام الخاصة الخامسة والعشرين المعروفة أيضا باسم قوات النمر والفيلق الخامس، كما ستتكبد القوات التركية والمليشيات المدعومة من طرف أنقرة خسائر، بالنظر إلى قدرات المدفعية والجوية للقوات السورية، بالإضافة إلى ذلك ستخاطر تركيا بفقدان الأرض في إدلب وبالتالي صورة الطرف القوي الذي يفرض نفسه، وربما الأهم من ذلك، فقدان فرصة الوصول إلى تنازلات روسية التي تأمل أنقرة تحقيقها في المفاوضات، وبالتالي من المرجح أن يكون الهدف من نشر وحدة تقليدية روسية هو إجبار تركيا على التنازل في المفاوضات بدلا من المشاركة في القتال.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف صرح في 21 سبتمبر 2020، بأنه “لا حاجة للجيش السوري وحلفائه لشن أي هجوم على إدلب، من الضروري فقط استهداف مواقع “الإرهابيين” والقضاء على بؤرتهم الاستيطانية الوحيدة المتبقية على الأراضي السورية”.

إن الرفض الواضح للعملية الهجومية في الجملة الأولى تقابله لغة مشفرة في الثانية، شدد لافروف على أن تركيا مسؤولة بشكل أساسي عن مهمة مكافحة الإرهاب في إدلب، وسبق أن اتهمت موسكو تركيا بالفشل في الوفاء بمسؤولياتها في هذه المهمة، وبررت روسيا الهجمات السابقة للقوات السورية في إدلب على أنها عمليات لمكافحة الإرهاب.

اقتصرت عمليات الانتشار الروسية حتى الآن على عناصر المقرات والوحدات الجوية وأعداد صغيرة من القوات الخاصة الروسية والشرطة العسكرية والمتعاقدين العسكريين الروس مع استثناء وحيد، حيث تم نشر لواء المشاة البحري 810 لإنشاء قاعدة حميميم الجوية والدفاع عنها في عام 2015، والمشاركة في عمليات هجومية محدودة على الخطوط الأمامية القريبة، لكن روسيا أوقفت ذلك الإجراء في عام 2017.

تعتبر البيانات الإعلامية الروسية الصادرة في سوريا والمناورات المعلن عنها التي تستعد للعمل في بيئة حرب كيميائية علامة غامضة أخرى على الخطط المحتملة لنشر القوات التقليدية الروسية. المركز الروسي للمصالحة في سوريا أكد في 11 سبتمبر، و20 سبتمبر، و28 سبتمبر، و13 أكتوبر أن هيئة تحرير الشام تخطط لهجوم كيماوي كاذب في إدلب ويبدو أن موسكو تستعد عمليا لحدوث ذلك.

فقد شاركت العديد من الوحدات الروسية المرابطة اساسا بسوريا في مناورات قوقاز 2020 في تدريبات خاطفة وغير مخطط لها مسبقا على التصدي لهجمات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، كما تدربت كتيبة مشاة روسية على العمل مع معدات عزل الأسلحة الكيميائية بما في ذلك استخدام الأقنعة الواقية من الغازات في 19 سبتمبر، وقامت كتيبة أخرى بالتدريب على عمليات تفريغ وتطهير الأرض باستخدام المعدات والأسلحة في 16 أكتوبر، ومن الجدير بالملاحظة أن روسيا تقوم بتدريبات عديدة من هذا النوع، لكن حجم وطبيعة هذه التدريبات جديران بالملاحظة أكثر من الفترات الماضية، لاسيما عندما تقترن بالعملية الإعلامية الجارية في سوريا.

قد تشير التحركات الأخيرة للجيش السوري وروسيا إلى استعداد القوات السورية لهجوم على جسر الشغور، وهي منطقة مهمة للدفاع عن القاعدة الساحلية لروسيا، وقد استهدفت غارات جوية روسية في 20 سبتمبر 2020 مركز قيادة وعدة مستودعات تابعة لتنظيم “حراس الدين” المتشدد، حيث يتركز مقاتلو “حراس الدين” بالأساس حول جسر الشغور، كما أن الجيش السوري قصف نقطة مراقبة تركية بالقرب من جسر الشغور في 20 سبتمبر أيضا، وشنت روسيا غارات جوية على قوات الفصائل المسلحة بالقرب من جسر الشغور في 14 أكتوبر، حيث تعتبر المدينة مركزا حضريا محصنا تسيطر عليه الفصائل ويهدد أمن قاعدة حميميم الجوية الروسية وريف محافظة اللاذقية.

لقد دعمت روسيا محاولات الجيش السوري المتعددة للسيطرة على جسر الشغور منذ عام 2015 عبر المناطق الجبلية إلى جنوب وغربي المدينة، وقد تكون القوات التقليدية الروسية بإمكانياتها الأوسع قادرة على النجاح في المهمات التي لم تستطع القيام بها القوات السورية، كما أن مكاسب القوات السورية في جنوب إدلب من أواخر عام 2019 إلى مارس 2020 قد مهدت لوضع خطط للهجوم على جسر الشغور من الأرض المسطحة شرق المدينة، حيث ستسيطر القوات السورية على سهل الغاب وتعبر نهر العاصي للوصول إلى المدينة.

 

عمر نجيب

[email protected]