غزوة بدر؛ دروس وعبر / يحي بن محمدن عابدين

سبت, 2015-07-04 10:21

لا ينبغي لغزوة مثل بدر أن تمر على المسلمين مرور الكرام، ودون الوقوف عندها وقفة تأمل كبيرة، فغزوة بدر محطة كبيرة في حياة الإسلام وفي مسيرة المسلمين، بل إنها الحدث الذي غير مجرى التاريخ كله، ومنح للمسلمين فرصة الانطلاقة القوية للدعوة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي،

وسهل عليهم أمر فرض الذات بالقوة وسط جحيم من الفتن والقلاقل، ومكنهم من تحويل أنظار العالم إليهم كقوة يحسب لها ألف حساب.
ودروس غزوة بدر  وعبرها كثيرة وحري بالمسلم أن يعرف بعضها، ففي السنة الثانية للهجرة، وفي السابع عشر من رمضان وفي يوم الجمعة، أي في مثل هذه الأيام، خرجت تلك الطائفة التي باعت أنفسها لله، ونذرت أرواحها في سبيله، وآمنت وصدقت رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يخذلها الله ولم يرجئ عنها النصر، ومع أنها خرجت في طلب العير إلا أنها وجدت نفسها مرغمة على المواجهة في مثل هذا اليوم الذي سماه القرآن يوم الفرقان، نعم لقد سماه القرآن بهذا الاسم، لأنه فرقان بين الحق والباطل، فرقان بين التوحيد والوثنية، بين الإسلام والجاهلية، بين جند الله وجند الطاغوت، وهي أول معركة للمسلمين، لكنها كانت لمركزيتها ونصرها الكبير مع عدم العدة والعتاد تثبيتا لأقدام المسلمين واطمئنانا لقلوبهم، وكانت معركة حاسمة في التاريخ، فقد كان يكفي الصحابي أن يقال أنه بدري، وما النصر إلا من عند الله.
ولن أسرد قصة الغزوة باعتبارها معروفة مألوفة، فقد واجه فيها 333 رجلا أكثر من 900 تسعمائة رجل، مدججين بالسلاح وعلى أهبة للقتال، لكن مع ذلك استشهد فيها من المسلمين 14 شهيدا، وقتل من المشركين 70 سبعون رجلا وأسر 70 سبعون رجلا، وسنحاول أن نتبين أسباب هذا النصر المبين:
1. الاستشارة قبل الحرب، (أشيروا علي أيها الناس!!)مع أن الله وعد رسوله إحدى الحسنين، لكن بعض المؤمنين كارهون، والمهم هو رأي الأغلبية، وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا كبيرا بإجماع الصحابة على القتال،  وبكلمة سعد بن معاذ التي كانت تمثل الأنصار وهم الأغلبية، لأن المهاجرين كانوا قلة، فقال سعد: والله يا رسول الله لقد آمنا بك وصدَّقناك وأيقنّا أن ما جئت به هو الحق، والله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه وراءك ما تخلف منا رجل واحد وإنا لصُبُر في الحرب، صُدُق عند اللقاء، سالم بنا من شئت وحارب بنا من شئت لعل الله يريك منا ما تقر به عينُك.
2. الحرص على الروح المعنوية للجنود: وذلك بوجود القائد معهم، بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، وحينها يعطيهم ذلك دفعا معنويا قويا داخل ساحة النزال والوغى، ويمكنهم من الاستماع له، وقد وظف ذلك بشحذ الهمم والعزائم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض).
3. الدعاء أحد الأسلحة الفتاكة، فقد بات النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه متضرعا إلى الله حتى سقط ردائه من فوق كتفه، وهو يقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد على الأرض بعد اليوم)، وهذا يرينا مركزية الغزوة.
4. ابتكار الخطط الحربية، والأخذ برأي الحباب في تغوير المياه، والنزول عندها.
5. النصر من عند الله: حيث أمد الله جنده لما رأى صدقهم وإيمانهم القوي وعقيدتهم الراسخة وصبرهم وتوحد كلمتهم بالملائكة ليقاتلوا إلى جنبهم العدو، وليثبتوا الذين ءامنوا.
ولا يمكن أن ننسى أن عمر الدولة الإسلامية حينإذ سنتين، لكن جهود النبي صلى الله عليه وسلم التي استمرت في الدعوة بمكة 13 سنة، لم تعرف اليأس ولم تتوقف لحظة، مع أن من دخل معه وقتها لا يتجاوز 300 رجل إلا قليلا، لكن إيمانهم كالجبال، نظرا لاستمراريتهم في الدعوة والإيمان كل هذه المدة.
فأسرار النصر كانت في الدعوة والصبر وتوحيد الهدف والإيمان به، ولم الشمل بين المهاجرين والأنصار وغيرهم، فقد كان الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، في غزوة بدر نجد سنة من سنن الله في الكون وهي أن الله سبحانه وتعالى يعطى دائما الفرصة للجهد البشري في صنع القرار، وأنه يمهل الظالمين ولا يهملهم، فمصيرهم دائما هكذا، ويعز المؤمنين وينصرهم متى رآى منهم الأهبة والاستعداد والتضحية والصبر، ولا يضير ذلك من زيادة إعداد العدة والعتاد، فقد قال تعالى: (وأعدوا لهم)، وقد استخدم النبي في هذه المعركة العيون، فهل من مدكر!! إن غزوة بدر الكبرى ليست حدثا تاريخيا ولى زمانه، وإنما هي معلمة ومنار ينير للمسلمين في كل زمان معالم طريق العزة والحياة الطيبة الكريمة متى استوفوا شروط التمكين والنصر التي بها تأهل أهل بدر لتأييد الله تعالى.