تهافت نظرية حياد لبنان الدولي ساسين عساف

ثلاثاء, 2020-07-14 20:39

ينطلق منظّرو الحياد الدولي استراتيجية للبنان من بعض المسلّمات، منها:
حدود الدولة اللبنانية تهدّدها مطامع اسرائيلية و"مطامح سورية" ورغبة دولية في النفوذ والسيطرة.
الدولة اللبنانية دولة/حاجز تخضع للتجاذب الاسرائيلي/السوري.
الدولة اللبنانية دولة صغيرة عاجزة عن تحقيق التوازن مع هاتين القوّتين، قوّة إسرائيل وقوّة سوريا.
وعليه،
انّ الحلّ هو حياد لبنان الدولي المبني على تفاهم لبناني/عربي/دولي، وعلى اقتناع اسرائيل وسوريا.. فالحياد، في رأي هؤلاء، يضع اسرائيل وسوريا في جانب والارادة الدولية المجسّدة للحياد في جانب آخر.. حينذاك تفوّق القوّتين يواجه بسلاح القانون الدولي الضامن لأمن الدولة المحايدة.
يتحكّم بهذا الطرح شعور بالاستهداف والضعف ازاءه وبأنّه لا سبيل الى بناء القوّة المتوازنة مع طرفيه وبأنّه لا سبيل الى الخروج من دائرة الاستهداف وحال الضعف الاّ بالحياد. حول هذا الطرح أسجّل الملاحظات الآتية:
القول انّ لبنان عاجز بالمطلق عن المواجهة فاشاحة عن منجزات ثلاثة كانت للبنان ردّاً على تحديات أميركية/صهيونية: انسحاب القوّات الأطلسية في العام 1982-1983، انسحاب الجيش الاسرائيلي في العام 2000، انتصار الصمود في تموز 2006
ما دام هذا الحياد يشترط تفاهماً بين اللبنانيين فانّ تفاهماً بينهم على الموقف من اسرائيل وعلى طبيعة علاقة لبنان بسوريا قد يبطل موجبات الحياد التي منها الخلاف على السياستين الدفاعية والخارجية. في حال الاتفاق على السياستين تبطل تلك الموجبات.
ما دام هذا الحياد يشترط تفاهماً عربياً فهل هذا التفاهم ممكن في ظلّ التناقضات العربية الحادّة؟ وفي ظلّ شلل النظام العربي الرسمي الممثّل في جامعة الدول العربية وفي مؤسسة القمّة العربية؟ وفي ظلّ وجود عشرات آلاف الفلسطينيين في لبنان قضيّتهم هي محور تلك التناقضات، ووجود مئات آلاف النازحين السوريين قضية عودتهم إلى سوريا هي محور آخر لتلك التناقضات؟ ألا يشكّل الفلسطينيون والسوريون طرفين آخرين معنيين بحياد لبنان؟
ما دام هذا الحياد يشترط تفاهماً دولياً فهل الدول الخمس المعنية في مجلس الأمن على استعداد لمثل هذا التفاهم في خضمّ الصراع الدولي/الإقليمي الجاري في العراق وسوريا؟!
وما دام هذا الحياد يشترط اقتناع دول الجوار فهل تكوّن لدى اسرائيل مثل هذا الاقتناع؟!
اسرائيل انسحبت من لبنان وهي تحمل فضلاً عن مطامعها التاريخية رغبة في الثأر منه.. منظّرو الحياد يتّخذون من ميشال شيحا مرجعاً لمعظم طروحاتهم. ماذا يقول ميشال شيحا في موقف إسرائيل من الدول العربية ولبنان؟ يقول ما يلي: " كيف يمكن لدولة إسرائيل وقد أضحت على حدودنا مرفأ ارتباط لجميع يهود العالم أن تدع الدول العربية ولبنان في مقدّمها تعيش وتزدهر بسلام.." أليس الحياد في رأي هؤلاء هو ازدهار للبنان وسلام؟! اذا كان هذا هو موقف إسرائيل كما بيّنه ميشال شيحا فكيف لها أن ترضى بحياد لبنان؟
 
ويبقى السؤال المركزي: هل  توافق اسرائيل على حياد لبنان مجّاناً؟
قد يكون لإسرائيل مصلحة في حياد لبنان مشروطة بتوقيع اتفاقية سلام.
الحياد يوجب إعترافاً بإسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية معها، فهل لبنان جاهز لمثل هذا الاعتراف؟ أين هو المنطق في أن يطلب من إسرائيل اعتراف بدولة لبنانية حيادية من دون أن تبدي هذه الدولة استعداداً للاعتراف بها؟! اذا كانت السياسة فنّ الممكن فأين الممكن في إقناع دولة اسرائيل بحياد الدولة اللبنانية بدون إقناع الدولة اللبنانية بالاعتراف بدولة اسرائيل؟ هل يمكن إقرار حياد لبنان بدون أن يوقّع لبنان معاهدة سلام مع اسرائيل؟
سويسرا أصبحت دولة محايدة بعد توقيعها معاهدة سلام دائم مع فرنسا في العام 1516 ولكن الجيش الفرنسي في العام 1789 عاد فاجتاح أراضيها. المانيا كانت من ضمن الدول الضامنة لحياد بلجيكا واللوكسمبورغ ومع ذلك لم تتورّع عن غزوهما في الحرب العالمية الأولى. هذان دليلان إلى أنّ الاعتداء على الدول المحايدة أمر ممكن. فهل تؤتمن إسرائيل على حياد لبنان؟! يقول هنري أبو خاطر:
" تنزع بعض الفئات في لبنان إلى المطالبة بحياده سلماً وحرباً علّه يباعد بين الخطر الصهيوني وبين نفسه. انّ الحياد لا ينقذ لبنان على المدى الطويل من خطر التوسّع الصهيوني على أرضه ومياهه.."
والسؤال الآخر: هل يؤدّي الحياد الى الاعتراف باسرائيل؟ الجواب عند باسم الجسر: " الحياد الذي لا يعترف باسرائيل يعدّ من المفارقات الفكرية.." والجواب الثاني عند العميد ريمون ادّه: " المغزى الحقيقي للحياد إقامة علاقات سياسية وتجارية مع إسرائيل وهذا ما لا يمكن أن نوافق عليه.."
إذا اقتنعت إسرائيل بحياد لبنان مشروطاً أو غير مشروط باتفاقية سلام واعتراف لبنان بها  فأين مصلحة سوريا في هذا الحياد؟
قد تجد فيه سعياً لفصل لبنان عنها.. وذاك سعي فشل لمرّات.. واليوم أصبح مستحيلاً بعد انخراط فئات لبنانية واسعة في المواجهة الاقليمية وبعد ممارسات الضغط على سوريا ومحاولات تطويقها من لبنان (قانون محاسبة سوريا، القرار 1559، قانون قيصر). هل لبنان المحايد يلتزم فرض العقوبات على سوريا؟
سويسرا مثلاً التزمت فرض العقوبات الاقتصادية على العراق وهذا تحوّل في ممارسة مفهوم الحياد. وبعد نهاية الحرب الباردة رأت الحكومة السويسرية أنّ التعاون مع الناتو ( حلف الشمال الأطلسي) لا يخلّ بمبدأ الحياد، وهذا تحوّل آخر في ممارسة مفهوم الحياد، ما يعني أنّ الحياد حقيقة متغيّرة وهو مفهوم معقّد مطّاط ومبهم، ليس له مدلول ثابت. رئيس دائرة القانون الدولي في وزارة الخارجية السويسرية بول زيغر يعتبر أنّ الحياد مفهوم يصعب فهمه حتى داخل سويسرا.. فالوضع الحالي السويسري يتمثّل في جغرافيا سياسية مغايرة دفعتها الى استكمال الحياد بمفهوم: " الأمن عبر التعاون." وسوريا لن ترضى بأقلّ من " أنّ أمنها من أمن لبنان."
أين مصلحة سوريا في الموافقة على حياد لبنان سؤال يستدرج السؤال التالي: هل الحياد يخرج لبنان من جامعة الدول العربية؟ الجواب عند شارل مالك: " الحياد يحتّم علينا الخروج من عضوية الجامعة أو على الأقلّ من الالتزام ببعض بنودها.."  ثمّ يضيف: " وهذا شيء مستحيل وحتى اذا كان ممكناً فلا يجوز.." والجواب الآخر نجده في دراسة نشرها " العمل " الشهري (إصدار حزب الكتائب) في العام 1975 وهي تتعلّق بالحياد الدائم للبنان: " لا تستطيع الدولة ذات الحياد الدائم أن تكون عضواً في أيّة منظّمة سياسية اقليمية.."
أمّا جواب منظّري الحياد الجدد فيدّعون أنّ الحياد لا يعني عزل لبنان عن محيطه العربي: " الحياد لا يلغي مصالح لبنان المشتركة مع محيطه العربي.."
بعد ذلك يرتفع هؤلاء بالحياد الى مستوى آخر يتجاوز مستوى المصالح فيروّجون الى أنّ الحياد لا يلغي علاقات لبنان الاتنية واللغوية مع محيطه العربي.. السؤال: هل هذه العلاقات التي هي جوهر الهويّة والانتماء هي أصلاً قابلة للالغاء؟!
كيف لاقتناع دول الجوار، إذاً، أن يتكوّن؟
هناك ثلاثة سبل لتكوينه: بالاقتناع الذاتي/المجّاني، بتأمين المصالح، وبالاكراه.. فأيّ منهما متوافر أو أين هي قدرة  لبنان على توفيره؟
ما دام هذا الحياد يضع إسرائيل وسوريا في جانب والارادة الدولية صاحبة القرار بشأن الحياد في جانب آخر (الخطاب المطالب بالحياد موجّه إلى الأمم المتحدة وهو سير في الإتجاه المعكوس فالأمم المتحدة أو مجلس الأمن لا يفرضان حياد دولة ما على شعبها وجوارها الإقليمي ما لم يشكّل عدم حيادها خطراً على السلم الإقليمي أو الدولي) أوليس في الأمر تسليم بأنّ الأخلاقيات المنتصرة للحقّ هي التي تقود سياسات الدول خصوصاً سياسات الدول العظمى المسؤولة عن تطبيق القانون الدولي؟ هذا والقانون الدولي يضمن أمن الدول كافة المحايدة منها والمنحازة. ولكن أين هو؟ من يطبّقه؟ وكيف؟ أليست اسرائيل دولة استثنائية تعلو عليه وتتعالى؟ أليست اسرائيل هي المعتدية على المجتمع الدولي وعلى الارادة الدولية وعلى القانون الدولي ومؤسساته الضامنة والمسؤولة عن تنفيذه. انّها الدولة الوحيدة في العالم التي تتعامل مع الأمم المتّحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي باستهتار واحتقار!
انّ القانون الدولي القادر على حماية الدولة المحايدة هو نفسه القادر على حماية لبنان من مطامع اسرائيل و"مطامح سوريا"..
إنّ نظريّة الانتقال بحماية لبنان من الحماية بالسلاح الى الحماية بالقانون الدولي مسألة فيها نظر.. وما المانع من اللجوء إلى الاثنين معاً من دون اللجوء الى الحياد؟
ما دام الحياد هو رهان لبنان السلام بعد نصف قرن من الرهان على لبنان الحرب فانّ لبنان الحرب لم يكن خياراً لبنانياً.. اسرائيل بوجودها وعدوانها واحتلالاتها لأرض لبنان ومؤامراتها عليه عبر تعاملها مع فئات متنوّعة من أبنائه منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي وبداية خمسينياته حتى اليوم هي التي أوجدت لبنان الحرب ساعية الى الهيمنة عليه واحتيازه مدفوعة بمبرّرين لاهوتي توراتي حول أرض اسرائيل وديموغرافي عنوانه هجرة اليهود الى فلسطين.. انّ سعي الدولة العبرية هذا يضع لبنان في صميم استراتيجية التوسّع الصهيوني فكيف لاسرائيل أن تقبل بحياده؟!
أمّا الكلام على " لبنان السلام " وعلى الحياد رهانه فقد يفهم منه البعض دعوة للسلام مع اسرائيل أو للتقليل من خطورة عقيدتها التوسّعية أو إقامة نوع من التعايش السلمي بين لبنان وبينها وذلك بالعودة إلى تطبيق اتفاقية الهدنة للعام 1949. الجميع في المبدأ إلى جانب نظرية " لبنان المسالم"، ولكن لبنان المعتدى عليه لا تصحّ فيه سوى نظرية " لبنان المقاوم ."
الدولة المحايدة تتخطّى في عرف هؤلاء "المحايدين" ثقافة العنف وتلتزم ثقافة السلام.. الدولة المحايدة لا تحارب ولا تحارب.. كلام جميل ولكنه جدير بالسؤال: ثقافة العنف ازاء من؟ وثقافة السلام مع من؟ لبنان يقاوم ولا يحارب.. الثقافة الصهيونية هي ثقافة العنف المقدّس، ثقافة الحرب والتدمير ومحو الآخر..
انّ البعض في لبنان يتحدّث عن " ثقافة السلام ". أنا أريد أن أسأل: السلام مع من؟ .. انّ هؤلاء لديهم خطأ في تقدير الآخر وفهم استراتيجياته.
في هذه الدعوة سوء تقدير الآخر والذات معاً.. فالآخر جحيمنا وما زال منذ اغتصابه لأرض فلسطين وهو لا يسعى إلى سلام معنا بل إلى فرض سلامه علينا، ما يعني إدخالنا في سلامه PAX ISRAELIANA ، وهو لا يعرف السلام المبني على التسامح، ونحن بدورنا خليق بنا ألاّ نقبل اإاّ السلام العادل المبني على إعادة الحقوق كاملة إلينا وإلى الفلسطينيين ليس فقط لأنّهم أشقّاؤنا بل لأنّهم شعب مقتلع من أرضه وله الحقّ الكامل في العودة إليها.
" ثقافة السلام " في رأي "الحياديين" تخرج اللبنانيين من "استراتيجية الموت والدمار الى استراتيجية الحياة " ذلك أنّ "علاقة توجد بين الرؤية الخاصة للعالم في كلّ ثقافة وبين الاستراتيجية "، ما يعني تفريقاً بين استراتيجية نابعة من ثقافة الحرب والموت  واستراتيجية نابعة من ثقافة السلام والحياة..
إنّ " ثقافة الموت "، بالمعنى الذي يشيرون إليه، هي ثقافة الحقّ في مقاومة الاحتلال، ثقافة الاستشهاد في سبيل القيم والأرض وليست ثقافة حرب وموت.. إنّ ثقافة المقاومة لا تصنع الحرب والموت. ثقافة الاحتلال والاغتصاب والتهجير والقتل والتدمير والاقتلاع والاستعمار والتوسّع والعدوان هي التي تصنع الحرب والموت.
انّ ثقافة السلام والحياة الحقيقيين هي الثقافة المبنية على حماية الحقّ الانساني والاّ تحوّلت إلى ثقافة اذعان ومذلّة..
إنّ ما يسمّيه البعض " ثقافة الحياة " ويدعو إليه يليق به ما تسميته "ثقافة العيش"..  
أمّا الكلام على إسقاط الرهان على " لبنان الحرب" فقد يفهم منه البعض دعوة للعودة إلى نظرية " لبنان قوّته في ضعفه.." فهل هذا ما يمكن استنتاجه من خطاب "الحياديين"؟
القوّة في الضعف والسلامة في الحياد مقولة لا شأن لها في عالم متصادم حتى الالغاء.
اذا أردنا أن نستخلص متطلّبات الحياد ممّا سبق نجملها بالآتي:
موافقة جميع اللبنانيين أو غالبيتهم الساحقة
موافقة  سوريا واسرائيل
موافقة الدول العربية
موافقة الدول العظمى
القبول بدور وساطة للدولة المحايدة والتعامل مع المتحاربين بدون انحياز وذلك في اطار ما يسميه بعض المنادين بالحياد "تأدية الدور الاقليمي للبنان ورسالته الكونية.." 
تعليقاً على هذه المتطلّبات يقول شارل مالك: " إنّ واحداً من هذه المتطلّبات غير متوافر للبنان.."
يبقى السؤال المركزي هو الآتي:
أين هي الظروف الموضوعية التي يجب أن تتوافر لجعل استراتيجيا الحياد قابلة للاقرار والتنفيذ؟
إنّ لي من الملاحظات ما يشي بأنّ هذه الظروف غير متوافرة.
مقبولية الطرح تحدّدها معطيات وظروف سياسية. الرئيس شارل حلو طرح فكرة الحياد في العام 1958 تخوّفاً من الخطوة الوحدوية التي أقدمت عليها مصر وسوريا ثمّ تراجع عنها في العام 1964 عبر بيان توضيحي نشر في الأوريان والجريدة وبعد 36 ساعة على نشر هذا التراجع انتخب رئيساً للجمهورية.. وفي عهده راح يحذّر من مخاطر فكرة الحياد في الصراع العربي/الصهيوني.. وخلال الحرب الأهلية عاد وغيّر موقفه فقال بلبنان سويسرا الشرق على الصعيد السياسي..
قد يكون للبنان نصيب من نظرية الحياد عند تقاطع المصالح الدولية والاقليمية الذاهبة في هذا الاتجاه. قد يستفيد من لحظة تلتقي فيها المصالح. انّ قراءة عادية في المصالح المعلنة وبرامج تحقيقها تنبئ بأنّ المنطقة متّجهة الى المزيد من تصادم المصالح وقد يكون لبنان مجدّداً الساحة المفتوحة لهذا التصادم ما دامت قادرة على امتصاص سائر التصادمات.
نظرية لبنان المحايد تستمدّ قوّتها من افتراض وحدة الإرادة اللبنانية وحسن النوايا عند  سائر المعنيين الإقليميين والدوليين وليس بمثل هذا الإفتراض/التمني تبنى استراتيجيات الدول؟
التوازن في النظام الدولي قد يساعد على طرح الحياد، أمّا طرحه في زمن الفوضى الدولية لغياب التوازن وانعدام الميل الى ايجاده بين القوى فمسألة فيها نظر.. لذلك، أن يكون " وجود الدولة المحايدة ضرورة للمحافظة على التوازن الدولي " مبدأ ساقط في الواقع الدولي الراهن.
أمّا تأمين حماية السلم الإقليمي بايجاد حاجز يفصل بين سوريا وإسرائيل لتجنّب الاحتكاك أو التصادم بينهما فلي بشأنه ملاحظتان:
ايجاد حاجز فاصل بين دولتين لمنع الاحتكاك والتصادم هذا ما لا ينطبق على واقع لبنان وسوريا واسرائيل، فبين سوريا واسرائيل جبهة طويلة.
لبنان لا يقع على تقاطع الدول المتعادية أو المتحاربة، انّه طرف في الصراع وفريق.
وأن يكون " الحياد لمصلحة الدولة المحيّدة والقوى العظمى " فمبدأ سليم. أمّا اليوم فهو لمصلحة " القوّة العظمى ".. وتالياً لمصلحة ربيبتها اسرائيل.. 
أخيراً يرتقي "الحياديون" بالحياد الى درجة تقيم منه مبدأ كيانياً ميثاقياً لا يستمرّ الكيان اللبناني أو الميثاق إلاّ به، فيحوّله إلى قيمة وجود أو لا وجود.. ويستند في هذا إلى رأي الأستاذ ادوار حنين القائل: " الحياد تتويج للميثاق الوطني ."
بشأن هذه الارتقائية أسجّل الملاحظتين الآتيتين:
-الميثاق الوطني، ميثاق 1943، وضع قبل ايجاد الكيان الصهيوني ويوم كان لبنان ذا وجه عربي ويوم كان الشعار سليماً لضرورات استقلالية كيانية لا للشرق لا للغرب، لا للوحدة لا للحماية الأجنبية.. وهو بالطبع مختلف عن وثيقة الوفاق الوطني، وثيقة الطائف التي أصبحت دستوراً، والتي تقوم على معادلة علاقات لبنان المميّزة بسوريا ونهائية كيانه العربي هويّة وانتماء يترجمهما في الميادين كافة..
-المبدأ الكياني الميثاقي له أن يجسّد إرادة اللبنانيين. معظم الذين طرحوا الحياد الدولي للبنان ( بصيغ مختلفة، حياد دائم، مؤقّت، إيجابي...) مسيحيون، سياسيين ومفكّرين. السؤال: كيف لهذا الطرح أن يعبر الى أرض الواقع ما لم يحظ بتأييد مسلمين، سياسيين ومفكّرين؟!