في عام 2007، وبعيد انتهاء الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية آنذاك، سجل الكاتب الصحفي محمد فال ولد عمير وبحرفية مبهرة، أن موريتانيا إذ تنظم أنظف انتخابات في تاريخها، بعد انقضاء حوالي نصف قرن على استقلالها، كان عليها أن تختار بين رجلين ينتميان إلى أول نظام سياسي يحكم البلاد : "سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وأحمد ولد داداه" !
في الواقع، كان ولد عمير يندب حظه وحظنا العاثر، ويعبر بطريقته الخاصة عن خيبات الموريتانيين المتتالية من نخبهم السياسية، التي عجزت على مدى سنوات طويلة، أن تفرز شخصيات قيادية جديدة،
اليوم، وبعد مرور عقد من الزمن على تلك الانتخابات، ما تزال "حسرة" ولد عمير قائمة كما هي، لم يتغير لونها ولا طعمها، فعلى بعد أشهر معدودات من عامنا الانتخابي الكبير، ما زلنا نتسقط أخبار مرشح الموالاة، أما مرشح المعارضة فحدث ولا حرج، لا أحد يأتي على ذكر سيرته البتة، بما في ذلك المعارضة نفسها، التي تبدو منهمكة أكثر في قراءة فنجان الرئيس، ومعرفة الأشياء التي يفكر فيها الرجل،
ولكن، ألا نقسو كثيرا على المعارضة، حين نلح في طلب مرشح خاص بها لرئاسيات 2019؟
ليست هناك معارضة واحدة حتى نتحدث عن مرشح موحد لها، بل توجد معارضات متعددة ومتنافرة في ما بينها، فهناك معارضة مقاطعة وهناك معارضة محاورة، وحين نتوغل في المعارضة المقاطعة، التي تبدو منسجمة تحت مظلة مجموعة الثمانية، يمكننا أن نميز أيضا بين عدة معارضات داخلها : أحزاب المنتدى والأحزاب المغاضبة للمنتدى و آخرين جاؤوا من كل حدب وصوب، والأمر نفسه ينطبق أيضا على المعارضة المحاورة،
علاوة على هذا التشظي الحاصل في الكيان المعارض، فإننا نقسو كثيرا على المشهد السياسي كذلك، حين نفتش عن مرشح موحد للمعارضة، لأننا في هذه الحالة، ننطلق من فرضية مؤداها أن الصورة الحالية لهذا المشهد (موالاة ومعارضة)، ستبقى على ما هي عليه، حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، في حين تشي أغلب المؤشرات بأن "الخلاط السياسي" سيشتغل قريبا، الموريتانيون لديهم عادة سيئة للغاية، فهم لا يقومون بالأشياء إلا في اللحظة الأخيرة، لكنهم في النهاية يجدون دائما الوقت الكافي للقيام بكل الأمور،
هذه المعطيات مجتمعة، تدعونا وبإلحاح كبير إلى التوقف عن الحديث عن "مرشح خاص بالمعارضة" لرئاسيات 2019، وتحثنا بدلا من ذلك، على البحث والتقصي عن "مرشح التناوب"، وهو مرشح سيجمع من المعارضة ومن غيرها ليواجه "مرشح التداول"، الذي ستدفع به السلطة إلى حلبة رئاسيات 2019، فطلب "مرشح الممانعة" يبدو أكثر واقعية من الطمع في "مرشح المعارضة"، كما أنه الأقرب إلى طبيعة ومنطق المرحلة ومقاسات الحدث القادم،
ولكن، ما هي ملامح "مرشح التناوب" المنتظر؟
تاريخ الممانعة في موريتانيا، يقدم لنا عرضا مغريا للإجابة عل هذا السؤال، فباستثناء انتخابات 2007، التي كانت فيها موريتانيا تخضع لسلطة انتقالية (المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية)، سنجد أنه في كل مرة دغدغ فيها "أمل التناوب" أحلام المعارضين الموريتانيين، طفق هؤلاء يبحثون عن شخصية من خارجهم لحمل لواء التناوب المنشود،
حدث ذلك في رئاسيات 1992، مع الخبير الاقتصادي الدولي آنذاك أحمد ولد داداه، وعاد الأمر ليتكرر في انتخابات 2003، مع "بشائر التغيير" والرئيس العسكري السابق، محمد خونه ولد هيداله،
في كلتا الحالتين دفعت "الممانعة" برجل من خارج دوائرها وصراعاتها، رجل خبر السلطة وتقلب في أعلى مناصبها، ويملك من الصفات ما يكفي لطمأنة الموريتانيين الذين، بطبعهم، يتوجسون خيفة من كل تغيير، وهذا يعني باختصار شديد، أن الذين يبحثون عن "مرشح التناوب" بين صفوف المعارضين الحاليين، "ينقبون" في المكان الخطأ،
من أين سيأتي إذن "مرشح التناوب" المنتظر؟
المؤكد هو أنه لن يأتي من داخل المعارضة، فهي ليست في وضعية تمكنها من إنتاج سلعة سياسية قادرة على المنافسة في أسواق 2019، أما الاحتمالات الأخرى فتبقى كلها مفتوحة على مصراعيها، بما في ذلك احتمال خروج هذا المرشح من عباءة النظام الحالي، إذ لا يستبعد حدوث مثل هذا الأمر، في لحظة تأفف وتذمر داخلي، حين تلقي السلطة بجميع "زهر النرد" الذي بحوزتها، وتكشف عن آخر أوراق مرشحها لرئاسيات 2019،
وبصرف النظر عن المكان أو الجهة التي ستسعف موريتانيا ب"مرشح التناوب" المنتظر، فإن أهم ميزة يجب أن يحوزها الرجل الذي سيحمل على كتفيه آمال الحالمين بالتناوب، هي أن يكون قادرا على أن يستقطب من جميع الأطراف، من المعارضة المقاطعة ومن المعارضة المحاورة ومن الموالاة، وفوق هذا وذاك، أن يكون قادرا على المنافسة بقوة على كسب ثقة الأغلبية...أغلبية الشعب الصامتة.