في الجالية الموريتانية في المهجر، وتحديدًا في مدينة لويزفيل بولاية كنتاكي، يبرز الأستاذ إسلمو ولد مانا كقامة علمية وإنسانية فريدة، تُجسد قيم النبل والإخلاص. رجل صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، نادر الزلل، ووقور يفرض احترامه على كل من عرفه. بروحه المتفانية وشخصيته الملهمة، أصبح رمزًا للعطاء والمبادئ الراسخة.
كان وما زال الأستاذ إسلمو دائم التذكير بجذوره واعتزازه العميق بوطنه الأم موريتانيا. ومن بين الكلمات التي تعبر عن هذا الحب والانتماء، يستشهد دومًا بهذه الأبيات التي تلخص فلسفته:
وليس كل مكانٍ آمنًا وطنًا
وليس كل بريقٍ لامعًا ذهبًا
وكيف دون بلادي أرتضي وطنًا؟
أعن أبيه فقيرٌ يستعير أبًا؟
بهذه الأبيات، عبّر الأستاذ إسلمو عن قناعته بأن الوطن ليس مجرد مكان للإقامة، بل هو انتماء راسخ وجذور لا يمكن اقتلاعها. كان يرى أن الغربة فرصة لاكتساب الخبرات والمعارف التي يمكن توظيفها في خدمة الوطن الأم، الذي يبقى دائمًا هو البوصلة.
عمله الدؤوب في أرض المهجر كان رسالة مفتوحة للشباب بأن التعلم والعمل هما السبيلان الحقيقيان لبناء الأوطان. كان يؤكد دائمًا أن الشهادات والمهارات الحرفية على حد سواء هي أدوات النهضة، وأن كل إنجاز فردي يمكن أن يكون لبنة في صرح الوطن.
في منزله، الذي كان وما زال عنوانًا للكرم والتواضع، يستقبل الجميع بحفاوة تعبر عمن يحمل في قلبه حبًا صادقًا للناس. كانت لقاءاته أشبه بجلسات من الحكمة والإلهام، حيث تفيض كلماته بالنصح والإرشاد، مما يجعل كل زائر يغادر محملًا بالعزم والطموح.
وعلى مستوى الجالية، كان الأستاذ إسلمو شخصية بارزة ومؤثرة. ساهم في تأسيس النظام الأساسي والداخلي لأول مكتب للجالية الموريتانية في لويزفيل، واضعًا بذلك أسس التنظيم والوحدة، ومؤكدًا أن العمل الجماعي هو الطريق الوحيد لتحقيق الإنجازات الكبرى وضمان تماسك المجتمع.
الأستاذ إسلمو ولد مانا ليس مجرد رجل قانون أو معلم، بل هو نموذج للرجل الذي يجعل من الغربة منصة لخدمة الوطن والمواطن، ويبقى وفيًا لقيمه ومبادئه أينما كان. قصته ليست مجرد صفحة في تاريخ الجالية الموريتانية، بل هي فصل مشرق من كتاب كنوز موريتانيا في المهجر، الذي يوثق حكايات رجال ونساء أضاءوا سماء الغربة بحكمتهم وعطائهم، وبقوا أوفياء لوطنهم مهما ابتعدوا عنه.
إنها رسالة خالدة: أن الوطن هو الانتماء، وأن المبادئ هي الركيزة، وأن العمل والعلم هما السبيل لبناء مستقبل مشرق. وما زال القادم يحمل المزيد من الشخصيات الملهمة التي تستحق أن تُروى قصصها، لتظل دروسًا نابضة نابضة بالحياة للأجيال القادمة
كامل الود
اسلكو امخيطير
12/01/2024
BUFFALO NY