الصين في الشرق الأوسط عام 2025… فرص كبيرة وتحديات عميقة

أحد, 2025-01-12 20:59

منذ أن تسلّم الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئاسة عام 2013، بدأت الصين توسع حضورها في مختلف أرجاء المعمورة، ولم يكن الشرق الأوسط بعيداً عن الحضور الصيني المتزايد.

فعلى الرغم من أن الصين ودول الشرق الأوسط كانا يرتبطان بعلاقات قوية قوامها الطاقة والاقتصاد، إلا أن العلاقات بين الجانبين نمت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة لتشمل قطاعات أخرى غير الطاقة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة والفضاء والاقتصاد الرقمي وغير ذلك من مجالات التعاون التي يتفق الجانبان على تعزيزها وتطويرها عبر توقيع عشرات الاتفاقيات، فضلاً عن ربط مشروع الحزام والطريق الصيني بالخطط التنموية التي وضعتها دول المنطقة، والاتفاق على إجراء المبادلات التجارية بالعملات الوطنية.

يحتل الشرق الأوسط أهمية كبرى لدى صنّاع القرار السياسي في الصين لأن أكثر من نصف احتياجات الصين من الطاقة تأتي من دول المنطقة. وخلال السنوات الماضية عززت الصين من نفوذها في الشرق الأوسط فقد كشفت بيانات الجمارك الصينية أنه من عام 2017 إلى عام 2022 تضاعف حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط من 262.5 مليار دولار إلى 507.2 مليار دولار. ووفقاً لمجلس الدولة الصيني كان الشرق الأوسط أسرع شريك تجاري للصين نمواً في عام 2022، بزيادة 27.1% على أساس سنوي.

وتُعد السعودية ثاني أكبر مصدر للنفط إلى الصين بعد روسيا خلال الأشهر 11 من العام 2024، كما تحتل العديد من دول المنطقة بما في ذلك العراق ، الإمارات، عمان، الكويت، قطر ، إيران مراكز متقدمة من واردات الصين من الطاقة.

 من أجل ضمان أمنها في مجال الطاقة، عملت الصين على تجنب الإفراط في الاعتماد على دولة واحدة بحيث لا تستورد أكثر من 20% من نفطها الخام من أي دولة. كما ازدادات الاستثمارات الصينية في دول المنطقة لاسيما في السعودية والإمارات العربية.

إزاء هذا الحضور المتنامي للصين في الشرق الأوسط، الذي يشهد توترات بين الحين والآخر، وجدت الصين أنها بحاجة إلى حماية مصالحها في المنطقة، فبدأت تنخرط في الأوضاع الأمنية والسياسية إنما بحذر شديد.

لا تريد بكين أن تغوص في نزاعات المنطقة، لكنها كانت تتدخل إذا وجدت الظروف مؤاتية لتدخلها لأن الصين تدرك بأن الغوص في نزاعات المنطقة سيؤثر على اقتصادها وعلاقتها بدول الشرق الأوسط التي تتباهى الصين بأنها على علاقات جيدة معها.

جلّ ما تريده الصين هو ضمان أمن الطاقة لأن إغلاق الممرات المائية، أو حدوث توترات فيها من شأنه أن يؤثر على السفن وناقلات النفط المتجهة من وإلى الصين وبالتالي الأضرار بالاقتصاد الصيني وإيجاد أسواق لمنتجاتها.

كثر الحديث خلال السنوات الماضية عن أن بكين تريد ملء الفراغ في الشرق الأوسط الذي تركته واشنطن. فبعد تسلّم الرئيس جو بايدن الرئاسة الأميركية عام 2021 ، ركز على محاصرة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأدار وجهه لدول الشرق الأوسط، وتوترت علاقات الإدارة الأميركية مع دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية، ما أدى إلى فقدان الثقة بالولايات المتحدة واتجهت دول المنطقة نحو الشرق.

إلا أن إدارة الرئيس بايدن تراجعت لاحقاً عن سياستها بتقليل اهتمامها بالشرق الأوسط، فقد قال الرئيس يايدن خلال كلمة ألقاها في قمة جدة للأمن والتنمية المنعقدة في السعودية عام 2022، أن أميركا لن تنسحب من الشرق الأوسط وترك الفراغ في المنطقة تملؤه روسيا والصين وإيران.

وبالفعل فقد أثبتت الحروب والصراعات التي حصلت مؤخراً في غزة ولبنان أن واشنطن ما زالت صاحبة النفوذ في المنطقة. وعلى الرغم من أن الصين حاولت التدخل لوقف حرب غزة، ولعب دور الوسيط بين حركتي فتح وحماس، عبر استضافت الفصائل الفلسطينية في بكين، إلا أن مساعيها لم تسفر عن أي تقدم يذكر لوقف إطلاق النار واتمام المصالحة الفلسطينية.

بشكل عام، تدرك الصين جيداً أن مساعيها لوقف إطلاق النار، أو حتى إتمام المصالح الوطنية الفلسطينية، لن تحقق النتائج المرجوة منها نظراً لأن من يمسك بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي واشنطن والتي لن تسمح لبكين بأن يكون لها دور في هذا الملف ولا في الشرق الأوسط ويدخل ذلك ضمن إطار التنافس الصيني الأميركي.

شهد العام 2024 مزيداً من التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط على مختلف الأصعدة والمجالات. كما تبادل المسؤولين الزيارات التي أسفرت عن توقيع عشرات الاتفاقيات.

من المتوقع أن تشهد العلاقات بين الصين ودول المنطقة خلال العام 2025 تطوراً وزيادة في نسبة الاستثمارات الصينية لاسيما في دول الخليج ومصر والمغرب وإيران وتركيا، وتوقيع عشرات الاتفاقيات مع بعض دول المنطقة تتناول قطاعات مختلفة لاسيما النفط والطاقة المتجددة، فضلاً عن زيادة استثمارات دول المنطقة في الصين.

وإزاء الحرب التي شنّتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية عبر رفع الرسوم الجمركية عليها، ربما تسعى الصين إلى إيجاد أسواق بديلة لسياراتها الكهربائية من خلال أسواق الشرق الأوسط. ويساعد الصين في ذلك أن العديد من دول المنطقة تسعى إلى أن تكون لاعباً أساسياً في قضايا التغير المناخي فتسعى إلى توطين صناعة السيارات الكهربائية على أراضيها وهذا من شأنه أن يعزز العلاقات بين الجانبين في مجال صناعة السيارات الكهربائية.

بعيداً عن التعاون الاقتصادي، ستجري الصين وتركيا مشاورات تتعلق بمنع عودة مقاتلي الإيغور من الحزب الإسلامي التركستاني إلى الصين أو أفغانستان وباكستان وبالتالي تهديد المصالح الصينية فيها، كما ستعمل على أن يكون لها حضور في سوريا من خلال المشاركة في إعادة الإعمار.

أما بالنسبة إلى علاقة الصين وإيران فالبلدان بينهما شراكة استراتيجية شاملة تتضمن التعاون في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة والاستثمار والاقتصاد والصحة وغيرها من القطاعات وهذا يعني مزيداً من الاستثمار الصيني في إيران. غير أنه يمكن أن يواجه تعاون البلدان تحديات تتعلق بضغوطات الرئيس الاميركي دونالد ترامب على الصين لتقليل وارداتها النفطية من إيران عبر فرض عقوبات إضافية على إيران. غير أن الضغوطات التي من المحتمل أن يمارسها ترامب على كل من بكين وطهران قد تدفع البلدان إلى التقارب.

ولكن على المقلب الاخر قد تدفع التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل وقيام الأخيرة بضرب المنشآت النووية الإيرانية إلى رد من قبل طهران وضرب إسرائيل الأمر الذي من شأنه أن يثير قلق الصين على استثماراتها في المنطقة ولاسيما في إيران وإسرائيل .

وفي إطار آخر من المحتمل أن تشهد عودة ترامب إلى البيت الأبيض زيادة في توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، فترامب تعهد بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية قد تزيد عن 60 % وهو ما سيدفع الصين إلى إيجاد أسواق بديلة لبضائعها في الشرق الأوسط.

ولكن من ناحية أخرى يمكن أن يضغط ترامب على دول المنطقة، لاسيما دول الخليج، لتقليل تعاونها مع الصين خاصة في المجالات العسكرية والتكنولوجيا. ويرتبط ترامب بعلاقات مميزة مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات وربما تجميد السعودية انضمامها إلى تكتل البريكس كعضو كامل يعكس أن المنطقة ستشهد تنافساً محتدماً بين الصين وأميركا.

خلال العام 2024 تعرضت السعودية والإمارات لضغوط أميركية لتقليل التعاون مع الصين. فمثلاً أفادت تقارير بأن إدارة الرئيس جو بايدن ناقشت وضع سقف لمبيعات الرقائق المتقدمة من شركة “إنفيديا” إلى دول عدة من بينها دول الخليج خشية من أن تنتهي الرقائق الالكترونية في الصين. كما اضطرت شركة التكنولوجيا الإماراتية جي 42 ، تحت الضغط الأميركي ، إلى التخلي عن حصتها في شركة بايت دانس المالكة لـ تيك توك والتي تقدر بنحو 100 مليون دولار اميركي.

وفي الاطار نفسه، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة “آلات” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودية أنها ستسحب استثماراتها من الصين إذا طلبت الولايات المتحدة منها ذلك. وقد تطلب واشنطن من الرياض لقاء التعاون الدفاعي بينهما، عدا عن التطبيع مع “إسرائيل”، أن تخفض السعودية تعاونها العسكري والتكنولوجي مع الصين.

بالمحصلة، هناك آفاق واعدة للتعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط خلال العام 2025، في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والثقافة والصحة، ومع ذلك فإن هناك عقبات تقف بوجه التعاون الصيني الشرق أوسطي لاسيما الأوضاع الأمنية غير المستقرة، والضغوطات التي من المتوقع أن تمارسها الادارة المستقبلية للرئيس الأميركي دونالد ترامب على دول المنطقة لتقليل تعاونها مع الصين.

د. تمارا برو باحثة لبنانية في الشؤون الصينية

[email protected]