لو افترضنا أن معهدا مهنيا دوليا ومتفقا عليه، أجرى استطلاعا للرأي في أي مجتمع عربي، وحصل أي معارض على أعلى نسبة تأييد تفوق 90%. فهذا لا يعني أي شيء ولا يقدم ولا يؤخر في أي صفة اعتبارية أو وظيفية له. بل إنه ربما تقل قيمته الفعلية والاعتبارية ويتحوّل الى مطارد ومكافح من أجل البقاء. ولو أن نفس استطلاع الرأي أعطى أي حاكم أو مسؤول نسبة 1% فان هذا لا يعني أي شيء ولا يقدم ولا يؤخر في بقائه في الحكم ومواصلة مهماته بصورة أشد وأقوى من قبل!!!!
السلطات العربية لم تكتف بالسلطة، فهذا لا يشفي غليلها، وإنما هي تريد المعارضة أيضا. بل تقوم العديد من الحكومات مؤخرا بارتكاب جرائم الكترونية من خلال اختلاق مواقع اخبارية وهمية، وصفحات تواصل اجتماعي تنتحل صفة المعارضة وتقوم بالاعمال "الوسخة" التي لا تريد أن تقوم بها علانية من خلال شتم الخصوم وتصفية حسابات سياسية معهم. وحتى لو ثبت ذلك ووصل الأمر الى المحكمة فإن الملف لا يعني شيئا ولن يغيّر في الواقع.
أمّا المعارضة فهي سلطوية أكثر من أي سلطة قائمة، وهي تمارس السلطة والدكتاتورية والبطش على معارضيها (داخل المعارضة نفسها). فهي راغبة في السلطة وتعيش التقمّص لأبعد حدود وبشكل محترف.
في غالبية المجتمعات العربية، لا أهمية لرأي الجمهور، كما أن لا أهمية لرأي النخبة، ولا أهمية لرأي البرلمان، ولا أهمية لرأي الصحافة ولا منظمات حقوق الانسان. والجديد أنه لا أهمية لرأي جهات الإختصاص والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء العالمي و..... .
والمواطن العربي يكتب لنفسه، ويقرأ الردود على ما يكتب، فيسارع للرد على الرد، ويسارع صاحب الرد الاول للرد على الرد الثاني وهكذا حتى تنتهي باقة الجيل الثالث.
السلطة لا تملك حلولا لأزمات المواطن ... والمعارضة لا تملك البديل وإنما تسابق السلطة على مبدأ الحياة من دون حل. ولو أن السلطة طرحت حلولا لرفضت المعارضة، ولو أن المعارضة اكتشفت حلا لرفضته السلطة !!!
في المجتمعات العربية جميعها ... وفي ظلّ عدم وجود مؤسسات قائمة على العمل بروح الفريق وتراكم المعرفة والكفاءات. بات الجميع ينتظر من شخص واحد هو الحاكم وأن يدلنا على المشكلة، وأن يدلنا على الحل، والجميع ينتظر.
وحين يوفق الله الحاكم ويعرض علينا أي حل ... سننقسم مرة أخرى إلى سلطة ومعارضة. لأننا نؤمن بالديمقراطية.
سالني أحد الزملاء الجدد في المهنة: هل تموت الثورة؟
قلت: لا. ولكن الثائر يموت قهرا.
د. ناصر اللحام