وَزَارَةُ الشُّؤُونِ القَانُونِيَّة.. أَعْتَقِدُهَا ضَرُورِيَّة..

ثلاثاء, 2015-09-22 18:11

  فِي ثلاث دول عربية على الأقل، حتى الآن توجد ـ حسب علمي ـ وزارة باسم وزارة الشؤون القانونية، يناط بها اختصاص عام يتعلق بتعزيز الشرعية القانونية وحماية حقوق ومصالح أجهزة الدولة، وتقديم الخدمات القانونية والتشريعية للقطاعين العام والخاص..

وتندرج تحت هذا الاختصاص العام مهام تفصيلية من قبيل التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية من أجل الوفاء بالتزاماتها القانونية التي تفرضها القوانين الوطنية أو الأحكام والقرارات القضائية أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وكذلك القيام بمهام:

ـ الإفتاء القانوني والتشريعي، وإبداء الرأي، والتفسيرات الرسمية المعتمدة لدى الحكومة، لصالح مختلف الفاعلين..

ـ قضايا الدولة بما فيها الدعاوي القضائية لصالح الدولة أو التي ترفع ضدها، وتهيئة تلك القضايا والدفاع فيها، وتمثيل الحكومة في المنازعات أمام القضاء الوطني والدولي، وفي قضايا التحكيم..

ـ إعداد مشاريع القوانين والمراسيم الحكومية، والإطلاع في هذا الإطار بمهمة توحيد الصياغة القانونية واللغوية والاصطلاحية..

ـ دراسة وصياغة ومراجعة جميع العقود المبرمة التي تكون الدولة، أو مؤسساتها العامة طرفا فيها مع جهات داخلية أو خارجية..

ـ دراسة ومراجعة جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تريد الدولة الانضمام إليها، أو التصديق عليها..

ـ الرقابة القانونية على أعمال المرافق الحكومية، بما يضمن شرعيتها، وملاءمة العمل الحكومي مع مقتضيات القوانين المعمول بها..

ـ تدريب الموظفين في القطاع العمومي في مجال تطبيق القانون، ونشر الثقافة القانونية، والقيام بالتوعية القانونية لصالح الجمهور..

ـ  الجريدة الرسمية، والنشر القانوني والتشريعي، والإيداع القانوني..

تتميز هذه الوزارة باختصاصاتها ومهامها عن وزارة العدل واختصاصاتها التقليدية، التي هي بالأساس الإشراف الإداري والمالي على المحاكم، حيث يسميها بعض الباحثين "وزارة شؤون المحاكم"..

إذا نظرنا إلى اختصاصات ومهام وزارة الشؤون القانونية نجدها في غاية الأهمية خاصة في دولة القانون..

وعند إمعان النظر في وضعية هذه الاختصاصات في بلادنا نجد بعضها مشتتا بين إدارات مختلفة كالإدارة العامة للتشريع، و بعض الإدارات ذات الصلاحيات القطاعية المحدودة..

بينما لا نجد لكثير منها جهة معنية به مثل قضايا الدولة، وهي بدرجة عالية من الأهمية والخطورة، ذلك أن الدولة المعاصرة من أكبر المتقاضين مدعية ومدعى عليها، ولا توجد جهة حكومية مركزية مكلفة بهذا المجال، ويكتفي القانون الموريتاني بترتيب تقليدي يعطي للنيابة العامة صفة مفوض الحكومة في النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها، وهو ترتيب قاصر في ضوء تشعب مهام النيابة العامة وكثرتها..

وأدى إهمال قضايا الدولة إلى خسارتها دائما لكثير من الدعاوي التي ترفع ضدها، والحكم عليها في القضايا الإدارية والمالية من جهة، وإلى بروز عقبات كبيرة تطرح بإلحاح فيما يتعلق بالتنفيذ على الدولة والمؤسسات العامة من جهة أخرى..

ومن تلك القضايا أيضا دراسة الأبعاد القانونية في العقود المحلية والدولية التي تكلف الدولة أعباء مالية، وطَرَح ذلك في بعض الأوقات مشاكل نتذكرها جميعا..

ومنها كذلك الصياغات القانونية الموحدة، وتوحيد المصطلحات التشريعية، والتدريب القانوني للموظفين، فهي مسائل نهملها، ولها تأثيرات بادية..

هناك مسألتان كثيرا ما اكتشفت الحاجة إليهما من خلال ممارستي المهنية، وهما التوعية القانونية للجمهور، والتدريب القانوني للموظفين في مختلف القطاعات الحكومية، وأعتقد أن كثيرين غيري يلاحظون معي ذلك، ويشعرون بوقعه..

في بعض الدول التي لا توجد بها وزارات للشؤون القانونية، تسند الصلاحيات المذكورة لإدارات عامة بوزارة العدل مثلا، بأسماء الإدارة العامة لقضايا الدولة، والإدارة العامة للشؤون القانونية، وإدارة التدريب القانوني، لكن هذه الإدارات لا توجد للأسف في وزارة العدل الموريتانية..

لأهمية هذه الاختصاصات والمهام، في دولة القانون، ومن أجل بنية إدارية وقانونية أكثر كفاءة ونجاعة، أعتقد أن وزارة للشؤون القانونية تجمع شتات هذه الاختصاصات والمهام وتنهض بها لصالح الجهاز الحكومي بما يرجع بمزيد من الحكامة أصبح وجودها ضروريا..    

بعض الدول التي أنشأت وزارة الشؤون القانونية كلفتها بمهام العلاقات مع المجالس النيابية، وجعلت اسمها مركبا من الشؤون القانونية والعلاقات مع مجلس النواب، وأدرجت في صلاحياتها  إدارة ملفات حقوق الإنسان، والعدالة الإنتقالية..

وقد نفذت موريتانيا في مجال حقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية خلال السنوات الأخيرة، مشاريع طموحة من قبيل إعادة دمج المبعدين، وتسوية الإرث الإنساني، وتعويض ضحاياه، وأنشأت وكالة حكومية متخصصة في محاربة آثار الاسترقاق..

يمكن إلحاق مهام إضافية بوزارة الشؤون القانونية بعد سحبها من قطاعات أخرى، مثل منح التراخيص لمنظامات المجتمع المدني مع الوصاية عليها، وكذلك الترخيص للمنظمات النقابية والمهنية، والإيداع القانوني، وحماية الاستثمار..

وإذا كانت جميع الدول تقريبا تسعى لتقليص الوزارات والهياكل الحكومية ترشيدا للموارد، وتجنبا للبيروقراطية، فإن إنشاء وزارة للشؤون القانونية تدمج فيها ملفات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية من خلال إدارة عامة لحقوق الإنسان، وكذلك الوصاية على المجتمع المدني، مع الاختصاصات المتقدمة يمكن أن يساهم في ترشيد الموارد، وتقليص الهيئات الحكومية..

 

القاضي أحمد عبد الله المصطفى