في تجل جديد من مظاهر إفلاس نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي اختطف السلطة في البلاد قبل عدة سنوات ، قرر النظام اطلاق حوار وطني شامل ( بمن حضر) غير عابئ بشروط و تحفظات قوى المعارضة التي تتحرى صدقا ومصداقية لدى نظام لا مكان لهما في قواميسه السياسية نهائيا .
وفعلا اطلق النظام الاثنين الماضي من خلال ببغاواته حماقةً جديدة حشد كل طاقات الدولة المادية والبشرية للترويج لها في مغالطة جديدة للرأي العام الوطني والدولي ، لكن السحر هذه المرة انقلب على "الساخر" من الشعب وقواه الحية .
فبعد الضربة القاتلة في الخاصرة السياسية للنظام التي سددتها قوى المعارضة بمقاطعتها بجميع اطيافها الحزبية والنقابية والمستقلة ، ظهر أو أظهر النظام نفسه في حالة من البلادة السياسية يرثى لها ، تماما مثل السارق الذي يغلبه النعاس داخل متجر تجاري وحين تبزغ الشمس من مشرقها لا يملك سوى الاعتراف بجريرته ، هذا بالضبط ما حصل مع النظام وببغاواته حيث مثلت جوقة حوار السابع من سبتمبر اعترافا صريحا امام الرأي العام الوطني والدولي أن البلاد ترزح تحت كومة من الازمات المتفاقمة وعلى شتى المستويات والأصعدة وهذا ما يتطلب حوارا وطنيا لإخراج البلاد من المأزق .
فأي بلادة سياسية تلك التي تضطر نظاما التهم الاخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل وعاث فسادا في البلاد والعباد للاعتراف ؟!
نظام اختطف السلطة نهارا جهارا و سرق الحلم الديمقراطي واستحوذ على خزائن البنك المركزي والخزينة العامة ، وسرق شوارع وساحات ومدارس ومباني الجمهورية ، وسرق احلام الشباب و احلام الفقراء في موريتانيا الاعماق وسرق الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية ، وقبل ذلك وبعده سرق الهوية السياسية للمعارضة وأصدر لها شهادة وفاة سياسية مزورة على لسان ولد محم الذي يعتبر من "خيرةِ" المدافعين عن النظام بشتى وسائل التملق .
سرق كل ذلك بعد ما سرق وسائل الاعلام العمومية والخصوصية ، وانتج اعلاما جديدا من ابرز رموزه "زيدان، و ولد عمير، وولد هيبة، ناهيك عن سلطة عليا للصحافة شغلها الشاغل هو الدفاع عن شرف جنرال انقلابي سقط في كل امتحانات "الشرف" .!
نظام هذه بوائقه وتلك هناته يعلن فجأة انه يريد إشراك الجميع في الحوار الوطني الشامل في محاولة بائسة للضحك على الذقون كالعادة، لكن هيهات لقد انكشفت كل الأوراق وضحك الجميع على أساليب النظام البائسة .
فالشعب الموريتاني لم تعد تنطلي عليه أباطيل ومغالطاتُ نظامٍ دفع به إلى فوهة بركان ، ووضعه في أوضاع اجتماعية وحقوقية وسياسية مزرية نرصد هنا ملامحَ من أبرز تجلياتها ...
الوضع الاجتماعي
أيهما أجدى وأولى ، التحاور الهزيل مع ثلة من المترفين والإنتهازيين في قصر "المؤامرات" أم الحوار الجاد مع شعب يتضور جوعا وعطشاً، وتضربه المآسي وتُصبِّحُه بشكل يندى له الجبين ..؟!
في تكانت والحوضين ولعصابة أعلن برنامج الغذاء العالمي مؤخراً أن هناك ستة عشر ألف طفل مصنفين في الدرجة الحمراء وهي أسوأ مرحلة من مراحل سوء التغذية .
هذا بالإضافة لتقرير نشره مكتب تنسيق المنظمات الإنسانية للأمم المتحدة يفيد بأن حوالي 800 ألف شخص مهددين بالمجاعة في موريتانيا .
وهي الأرقام والإحصائيات التي يؤكدها الواقع على الأرض من خلال الإرتفاع الجنوني لأسعار المواد الإستهلاكية والمحروقات ، ناهيك عن شبح البطالة الجاثم بقوة على شرائح واسعة من المجتمع ، والذي فاقمه تسريحُ الشركات للمئات من العمال بطريقة تعسفية مخالفة لكل قوانين الشغل .
***
الوضع الحقوقي
الزيف الديمقراطي الذي تعيشه البلاد في نظام الجنرال الإنقلابي ولد عبد العزيز له عدة أبعاد متناهية في التمويه والكذب ، لكن خيوط ذلك الأخطبوط بدأت تتكشف لتزيل كل الرتوش التي غطت الوجه القمعي والإجرامي لنظام يحفلُ سجله الدموي بأسماء مواطنين قتلوا بدم بارد ، ( المشظوفي ، لمين مانغان ، عبد الرحمن بزيد ، الشيخ ول الراجل ، ..إلخ... ) ناهيك عن مئات المعتقلين الذين ضجت بهم زنازينُه ومعتقلاته ، إضافة لحالات تعذيب عديدة تم تسجيلها داخل السجون ومفوضيات الشرطة ، في حين يتم تسريح المجرمين في الشوارع يرتكبون أبشع الجرائم من قتل واغتصاب وسرقات واعتداءات تحدث بشكل يومي ، ويتغاضى النظام عنها بشكل متعمد رغبة منه في ترويع الآمنين وترهيب المواطنين من أجل إحكام السيطرة وإرساء قواعد راسخة للدولة البولسية تمهيداً لفرض قانون الطوارئ الذي يكاد يكون ساري المفعول بشكل فعلي ..
***
الوضع السياسي
في أكثر من إطلالة تلفزيونية أنكر الجنرال عزيز وجود أزمة سياسية في البلاد رافضاً أي حوار مع المعارضة ، ليعود في إطلالات أخرى معترفاً بوجود أزمة سياسية ومعرباً عن استعداده للحوار ، ليحرق الجنرالُ المُخادع سنوات سيزيفية من الإنكار والإثبات في سعي متعمد لإطالة أمدِ الأزمة السياسية وتعقيدها ، وإلهاء الرأي العام عن المشاكل الإقتصادية والتنموية التي تطرح نفسها بشكل مُلح في مرحلة جدُّ مُلحة و بالغة الخصوصية .
***
أيُّ نظام يحكمنا اليوم ؟
المتأمل لطبيعة النظام الحاكم في هذه الدولة "الأوليجاركية" يستعصي عليه فهم التركيبة المعقدة المشكلة لنظام تتزاوجُ فيه السلطة العسكرية برأس المال، في تمظهر قبلي صارخ و لبوسٍ استبدادي مقيت ، تُحيطه هالة من رجال الأعمال المتهربين من الضرائب ، وحفنة من الوجهاء التقليديين الكافرين بأي مفهوم للدولة .
ومن خلال هذه التشكلة ندرك أن الحوار مع النظام أمر عبثيٌ مفرغٌ من محتواهُ ، وإلا فكيف لنا أن نثق في جنرال انقلابي، متورط بالعديد من التهم الكبيرة ، أخفها تبييض الأموال وتجارة المخدرات ..؟!
***
أبجديات الحوار
يتطلب أي حوار جاد أن تكون هناك أطراف جادة وصادقة في إرادتها ونبل مساعيها ، وهو ما نفتقر إليه في الحالة الموريتانية الراهنة ، حيث نرى نظاماً عسكرياً انقلابيا ، يُسيِّر البلاد بطريقة أحادية يشوبها الكثير من الفساد وسوء التسيير وإهدار المال العام ونهب الثروات الوطنية بشرهٍ من طرف المحيط الضيق لهرم السلطة .
في حين توجد في الطرف الآخر معارضة تم إقصاءها من المشهد السياسي الذي لا يريد لها النظام أن تكون شريكة في تسييره أو فاعلة أو مطلعةَ على تفاصيله الغامضة ..
لذا اضطر النظام في فصل جديد من فصول عبثيته أن ينظم لقاءه " التشاوري التمهيدي" في قصر "المؤامرات" مع بعض جرذان السياسة والحقوقيين و الإنتهازيين ، الذين تم تجميعهم بطريقة "مخزنية" من أجل التستر على الصفعة التاريخية التي وجهت إلى النظام من قبل قوى المعارضة .
***
خلاصة الأمر أن أي حوار مع نظام هذه طبيعته العبثية ما هو إلا طوق نجاة وهدية سياسية يُراد منها توقيع شيك على بياض لصالح الجنرال ولد عبد العزيز ونظامه الراقص على مسرحٍ سياسي مُوشكٍ على الإنهيار ..
فلئن كان الحوار في أصله فضيلةً ديمقراطية لا بديل عنه ، إلا أنه في حالتنا هذه يعتبر جريمة نكراء في حق وطن ذاق الأمرين من هذه الميليشيا الانقلابية وكتيبتها المدنية .
والحوار الجاد والمطلوب لن تلوح آفاقه ما لم يتم توقيف واعتقال العصابة الحاكمة التي تتصدرها عائلة الجنرال وبعضُ المقربين منهُ اجتماعياً وسياسياً ، حيثُ طفح الكيل بسرقاتهم ، وعمليات استحواذهم وقرصنتهم التي طالت كل الثروات الوطنية