لو قُيّض للرئيس الأميركي دونالد ترامب التصرّف دون ضغوط صقور ادارته وقادة إسرائيل، لرأيناه اليوم يصافح الرئيس الايراني حسن روحاني بحرارة تشبه تلك التي صافح بها رئيس كوريا الشمالية. فهو لا يُريد حربا مع إيران ولا مع أي دولة أخرى. وقد كشفت الهجمات على منشآت أرامكو في السعودية عقب استقالة صقر الحرب جون بولتون، سقوط وهم الحماية الأجنبية، ورسّخت حقيقة تفكير ترامب.
قال سيد البيت الأبيض بصراحته المعتادة انه يريد "تجنّب الحرب مع إيران، وان الدبلوماسية لا تُستنفد أبدا عندما يتعلق الأمر بها"، ثم عاد الى نغمة الاستعلاء والتحقّير ذاتها التي يستخدمها كلما تعلّق الأمر بحليفٍ عربي (ربما لا يستسيغ كلمة حليف مع العرب)، وقال انه لم يَعِد السعوديين بحمايتهم وانه "يتعيّن عليهم تحمّل المسؤولية الكبرى في ضمان أمنهم، ويشمل ذلك دفع المال".
المال، المال ثم المال. هذا هو هدف ترامب، ولا شيء غيره. لأجله، دعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضد رياح العالم أجمع قبل قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي.. وبعده، ولأجله أيضا استقبل وحاور مرارا أمير قطر بعد حصار بلاده من قبل بعض الدول الخليجية، ولأجله أيضا تقارب مع الامارات، وربما لأجله كذلك يتم حاليا تحريك مستقبل الكويت الذي يكتنفه غموض حقيقي بسبب صحة أمير البلاد، وبسبب الطموحات الأمنية والسياسية لبعض الجوار الخليجي.
لماذا لا يحمي ترامب السعودية؟
- بغض النظر عن أهدافه المالية، فان ترامب لا يريد خوض حرب مع إيران لا يعرف نتائجها وكوارثها الأمنية والسياسية والاقتصادية. فلا أحد حتى الآن قادر على الجزم بقدرات ايران الصاروخية وربما النووية. يكفي ان نذكر انه قبل كل هذه القدرات الصاروخية لم تستطع اكثر من 12 دولة اجنبية وعربية بينها اميركا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وإيطاليا، ترجيح كفة انتصار الرئيس صدام حسين ضد ايران، برغم كل ما قدمت له من معلومات استخبارية ومختلف أنواع الاسلحة، وبينها البيولوجية والكيماوية والجرثومية. فكيف الحال الآن إذا.
لا يريد ترامب تعطيل مساعي التفاوض العربية والدولية للتقارب مع طهران. هذه أمور تسير عادة بسرية تامة وفي الكواليس.
- من الواضح أن ترامب يفضل الاستمرار بالضغط الاقتصادي الذي شلّ فعليا الكثير من قدرات إيران المالية والاقتصادية. فحرمانها مثلا من نظام "سويفت" المصرفي الذي استخدمته نحو مليوني مرة لإرسال او تلقي تحويلات في العام 2010 فقط، عطّل حركتها المصرفية العالمية، تماما كما ان العقوبات في عهد ترامب أدت الى تدهور العملة الإيرانية، فيما يكاد الحصار النفطي والغازي يخنقها.
- تبين كذلك، أن إيران تبنّت فعليا استراتيجية العين بالعين (التي ذكّر بها الرئيس حسن روحاني مؤخرا)، فأسقطت طائرة أميركية، واحتجزت ناقلة نفط بريطانية، وهددت بإغلاق مضيق هرمز وكثفت مساعداتها للحوثيين ضد المنشآت السعودية، ودعمت الدولة السورية، والحشد الشعبي العراقي والفصائل المقاتلة الفلسطينية، المتدينة والعلمانية وحتى الشيوعية.
- لا يريد ترامب تعطيل مساعي التفاوض العربية والدولية للتقارب مع طهران. هذه أمور تسير عادة بسرية تامة وفي الكواليس. فمن كان يعتقد مثلا أنه في أوج اندلاع الحرب السورية، تفاوض الطرفان الأميركي والإيراني بوساطة عُمانية، فتبادلا معتقلين، وتوصلا الى الاتفاق النووي الشهير (2015). لعلّ هذا التقارب الحالي لعب دورا في اقالة بولتن.
- لا ينظر الرئيس الأميركي بعين الرضا الى توجه السعودية ودول أخرى صوب الصين (التبادل الصيني السعوديي يتخطى 70 مليار دولار سنويا) وروسيا، مع ما يتخلله من كلام عن صفقات سلاح روسية للسعودية. لذلك، يريد ترامب ان يُبقي هذه الدول دائما في دائرة القلق والسعي لإرضائه.
- ومع تدني شعبية ترامب العازم على خوض انتخابات ولايته الثانية، وارتفاع نسبة معارضي حرب اليمن، ثمة من يعتقد بأن الإنجاز السياسي الأهم في سياسته الخارجية سيكون التفاوض مع إيران على أسس جديدة. أما دول الخليج، فهو يعتبرها حتما ودائما الى جانبه مهما فعل، ومستعدة لمساندته ماليا كلما احتاج، لذلك، فهو سيضغط لإنهاء حرب اليمن قريبا وهذا يفترض تبادل رسائل مع إيران.
- يتعرض ترامب لضغوط إسرائيلية كبيرة بغية دفع دول خليجية وفي مقدمها السعودية لفتح علاقات علانية مع إسرائيل. هو يريد تمرير صفقة القرن قبل الانتخابات الاميركية. لم يكن موقف الرياض وجامعة الدول العربية، مريحا حين شجبت بشدة تصريحات نتنياهو حيال الضفة الغربية والمحت الى رفضها الصفقة. ولعل التقارب الخليجي السوري الحالي يفترض نقمة إسرائيلية إضافية.
احتمالان أمام ترامب بشأن هجمات أرامكو
الاحتمال الاول، هو السير خلف من بقي من صقور في ادارته وتحميل إيران المسؤولية المباشرة، دون أي توجّه صوب الحرب، وانما لزيادة الضغوط باتجاه التفاوض معها من جهة، وكسب مزيد من المال الخليجي من جهة ثانية، وهذا يفترض عقوبات إضافية.
الاحتمال الثاني، هو تمييع المسألة عبر مجلس الأمن بحيث أن الدول الحليفة لإيران وفي مقدمها روسيا والصين سترفضان أي اجراء عقابي وستشككان بكل تحقيق. وهذا ما بدا واضحا مما تسرّب تصريحا أو تلميحا من القمة الثلاثية الروسية الايرانية التركية أمس في أنقرة، وكذلك من التصريحات الصينية.
خلاصة الأمر، أن ترامب لم ولن يشأ الخوض في حرب ضد إيران نصرةً لأي دولة عربية. ثم لنتذكّر أنه منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، تولى 7 رؤساء أميركيين السلطة في بلادهم، ولم يشن أيا منهم حربا فعلية ضد ايران سوى بالواسطة (عبر العراق، أو من خلال الاغتيالات الإسرائيلية لعلماء نوويين). أما روسيا التي حاربت إيران تاريخيا واحتلت قسما من أراضيها فقد أصبحت اليوم أبرز حلفائها الاستراتيجيين. كفانا اوهاما .
من صفحة الصحفي العروبي سامي كليب