
القرار 2803 الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي يوم 17 نوفمبر 2025 بشأن غزة كان من أسرع القرارات الأممية التي تعرضت لخطر الدفن العملي السريع. حركة حماس ومعها كل فصائل المقاومة الفلسطينية المعنية أساسا بهذا القرار رفضته واعتبرته مؤامرة على الحقوق الفلسطينية ومحاولة شطب قضية شعب يريد استعادة أرضه وتشكيل دولته وإنهاء معاناة أكثر من 9 ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات. روسيا والصين العضوين الدائمين في مجلس الأمن امتنعتا عن التصويت على القرار ولم تستخدما حق الفيتو بعد مشاورات ومطالب من بعض الأطراف العربية. إيران عبرت عن قلقها واعتبرت أن القرار يستجيب لكل مخططات إسرائيل. جزء كبير من وسائل الإعلام الغربي انتقد القرار واعتبر أنه لا يعالج جوهر الصراع ولهذا لا يسمح بإيجاد أسس تسوية في منطقة الشرق الأوسط وسيكون كغيره من القرارات الخاصة بالشرق الأوسط اساسا حبرا على ورق.
ولعل أوضح مثال على ذلك عدم رضوخ إسرائيل وبمساندة الولايات المتحدة أساسا للقرارات الأممية حيث أن مجلس الأمن اعتمد أكثر من 76 قرارا دعت إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وبسط السلطة اللبنانية على كامل أراضي البلاد، ووقف العنف وحماية المدنيين واحترام السيادة اللبنانية.
عشرات القرارات الأخرى صدرت من طرف مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سوريا ومصر وغيرهما بقيت حبرا على ورق.
تم تأسيس مجلس الأمن الدولي عام 1945، وشكل لمعظم دول العالم أملا بتحقيق العدالة، إلا أن احتكار 5 دول وخاصة الغربية فيه لقرار حق الرفض "الفيتو" بدد هذه الآمال.
ووفقا للأرقام الرسمية فقد تم استخدام قرار حق النقض "الفيتو" 260 مرة منذ تأسيس مجلس الأمن الدولي.
نصيب الولايات المتحدة منها 114 مرة، من بينها 80 مرة استخدمت هذا الحق لمنع إدانة حليفتها إسرائيل، و34 مرة ضد قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني.
القرار 2803 الصادر يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 جزء من مخطط أوسع بدأ قبل أكثر من عقدين من الزمن لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفرض الوصاية عليه وتقسيم دوله إلى ما بين 48 و 52 دويلة على أسس عرقية ودينية ومناطقية ليكون ساحة سيطرة الاستعمار الغربي في صورته الجديدة وجزء من طوق الحصار على روسيا من جناحها الجنوبي الغربي، وسدا أمام مخطط الصين الحزام والطريق.
إذا كانت إدارة البيت الأبيض قد احتفلت بتمرير قرارها في مجلس الأمن فهي تعي مع تل أبيب وآخرين أن الجولة بعيدة عن الحسم لصالحهم، ذلك أن المقاومة الفلسطينية في غزة تبقى قوية ولم ينجح الجيش الإسرائيلي بعد عامين من الحرب في هزيمتها، والقوة المسماة دولية التي تريد واشنطن وضعها في القطاع الفلسطيني لنزع سلاح المقاومة، لا شك ستواجه مشاكل لا تحصى وربما أكثر مما لحق بالقوات الدولية الغربية في لبنان في 23 أكتوبر 1983 حيث قتل 307 أشخاص: 241 أمريكيا و58 فرنسيا من العسكريين مما أجبرها على الرحيل.
العقبة الثانية أمام المشروع الغربي هي حزب الله في لبنان الذي تحاول إسرائيل منعه من أن يشكل تهديدا مجددا لها. والعقبة الثالثة فهي إيران، حيث يجب لواشنطن وتل أبيب أن تدمر السلطة القائمة في طهران وأن تشرذم إيران حتى يبعد كل خطر على إسرائيل ويكتمل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد قبل أكثر من ثلاثة عقود.
هنا وفي مواجهة كل هده المشاريع تتشكل ضرورة وحتمية المواجهة بين الغرب وكل من الصين وروسيا، تماما كما حتم توسع حلف الناتو شرقا في أوروبا الحرب في وسط شرق أوروبا.
التشكيك
حققت الولايات المتحدة رغبتها بتحويل ورقة رئيسها بشأن غزة إلى قرار أممي، وطغتِ الأجواء الاحتفالية على المواقف الأمريكية التي تلتِ الخطوة، لكن الأصعبَ يبدأ الآن.
القرار 2803 فيه الكثير من البنودِ المرفوضة من جانب الفصائل الفلسطينية، على رأسها قضية نزع السلاح، وصلاحيات قوات حفظ السلام. ليس واضحا حتى الآن كيف سيرفض الفلسطينيون القرار، وما هي الأوراق أو الخيارات التي يملكونَها في هذا الشأن. لكن، في مقابل الترحيب الإسرائيلي الرسمي بالقرار، صدرتِ انتقادات حادة للحكومة من جانب المعارضة، متهمة نتنياهو بالمسؤولية عما وصفته بالفشل. والسبب هو أن في القرار تلميحا إلى حل الدولتين. فهل هي مناكفات سياسية داخلية؟ أم أن القرارَ المذكور فعلا يرسم مسار إقامة دولة فلسطينية ولو بعد حين؟ حذرت روسيا في توضيحها لقرارها عدمَ التصويت على القرار من أن القرار فيه الكثير من الأفخاخ وأبدت تشاؤمها إزاء النتائج التي يمكن أن يؤدي إليها.. فكيف يتوقع أن تكون نتيجته؟.
روسيا والصين
انتقدت روسيا والصين القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بعدما وافقت عليه 13 دولة، بينما امتنعت الدولتان عن التصويت.
جاء ذلك على لسان مندوبي الدولتين ضمن سلسلة الكلمات التي ألقاها عدد من المندوبين خلال جلسة المجلس التي عقدت مساء الاثنين بالتوقيت المحلي لمدينة نيويورك الأمريكية.
وفيما يلي أبرز ما جاء في كلمة المندوب الروسي عقب انتهاء التصويت:
• ببساطة لا نستطيع دعم هذا القرار.
• موسكو أصرت على منح مجلس الأمن دورا للرقابة على وقف إطلاق النار بغزة.
• القرار لا يتناسب مع صيغة دولتين لشعبين وفق ما تم اعتماده في إعلان نيويورك.
• القرار يفتقر لأي وضوح بشأن أطر زمنية لنقل السيطرة على غزة للسلطة الفلسطينية.
• لا يوجد أي يقين بشأن مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية.
• القرار قد يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
أما المندوب الصيني فقد كان أبرز ما جاء في كلمته ما يلي:
• مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة غير واضح.
• مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة يمثل مصدر قلق بالغ بالنسبة لنا.
• القرار يتضمن ترتيبات الحكم في غزة بعد الحرب لكن يبدو أن فلسطين غير مرئية فيه بشكل كامل.
• السيادة والملكية الفلسطينية لا تنعكسان في القرار بشكل كامل.
• القرار يفشل في التأكيد صراحة على الالتزام الراسخ بحل الدولتين باعتباره إجماعا دوليا.
يوم الثلاثاء 18 نوفمبر أعلنت الخارجية الروسية أن مشروع القرار الأمريكي يتعارض مع القرارات الدولية التي تقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وأكدت الخارجية الروسية في بيان لها: "نضطر للتأكيد على أن قرار 2803 لا يمنح مجلس الأمن الدولي الصلاحيات المطلوبة للحفاظ على السلام والأمن ويتعارض مع روح صنع السلام والقرارات القانونية الدولية المعترف بها، التي تقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وهي تعيش بسلام وأمن مع إسرائيل".
وأوضحت الخارجية الروسية أن "روسيا امتنعت عن التصويت آخذة بعين الاعتبار موقف قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية والإسلامية المعنية التي أيدت المشروع الأمريكي، وكذلك تفاديا لاستئناف العنف والأعمال القتالية في قطاع غزة".
وأكد بيان الخارجية الروسية أن "المهم الآن هو ألا يصبح القرار غطاء للتجارب الخارجة عن السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وألا يتحول إلى القضاء نهائيا على الحقوق المشروعة للفلسطينيين في تقرير المصير وآمال الإسرائيليين بالأمن والتعايش السلمي في المنطقة".
متعارض مع الحقوق الفلسطينية
في طهران التي تتوقع مصادر كثيرة عبر العالم قرب شن تل أبيب وواشنطن حربا جديدة عليها أكد بيان صادر عن وزارة الخارجية مساء الثلاثاء، أن واضعي القرارالأممي "تجاهلوا عمدا المكانة والدور المحوري للأمم المتحدة، وحتى القرارات السابقة لهذه المنظمة بشأن قضية فلسطين".
شدد البيان على أن القرار "بإرسائه نوعا من نظام الوصاية على قطاع غزة، فإنه يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية، وخاصة حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
وحذرت طهران من أن "أي إضفاء شرعية على احتلال قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني المعتدي، وتقسيمه وفصله عن جغرافية فلسطين الموحدة، أمرا يتعارض مع تطلعات الشعب الفلسطيني"، منبهة إلى "عواقبه الوخيمة".
وطالبت الخارجية الإيرانية بأن "تعمل القوات الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة"، مؤكدة أن من واجبها "الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار ودخول وتوزيع المساعدات الإنسانية الدولية".
كما دعت إلى "مقاضاة ومحاسبة مجرمي الحرب ومرتكبي الإبادة الجماعية"، معتبرة أن ذلك يمثل مسؤولية مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه "نظرا للفشل الواضح وتقاعس المجلس خلال العامين الماضيين عن وقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين".
وأكد البيان على "شرعية مقاومة الاحتلال والفصل العنصري والاستعمار وفقا للقانون الدولي"، معتبرا أن "المقاومة هي الرد المشروع للشعب الفلسطيني على استمرار احتلال الأرض الفلسطينية واعتداءات الكيان الصهيوني المتواصلة".
وشدد على أن "أي نقاش حول مصير الشعب الفلسطيني، بما في ذلك كيفية إدارة الأراضي الفلسطينية، يجب أن يتم في إطار التوافق الوطني الفلسطيني"، مع رفض "فرض أي حل من قبل جهات خارجية".
منطقة خضراء
ذكرت صحيفة ذي غارديان البريطانية في تقرير لها يوم السبت 22 نوفمبر 2025 إن الولايات المتحدة تعمل على خطة لإنشاء ما تسميها “منطقة خضراء” آمنة داخل الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من غزة، بهدف إبعاد المدنيين عن مناطق سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وأوضحت الصحيفة، في تقرير بقلم دوف ليبر وسامر سعيد- أن مهندسين أمريكيين يضعون مخططات لهذه التجمعات الجديدة ويزيلون الأنقاض والذخائر، مع أن البناء لم يبدأ بعد.
ورأت الصحيفة أن هذه الخطة تعكس اعترافا ضمنيا أمريكيا بأن إزاحة حماس عن السلطة لن تحدث قريبا، ولذلك تجهز ما يسمى المجتمعات الآمنة البديلة التي توفر لها السكن والمدارس والمستشفيات، وتعتبر نموذجا لإعادة الإعمار المستقبلي.
وتأمل واشنطن أن تشجع هذه الخطوة السكان على الابتعاد عن مناطق سيطرة حماس التي ازدادت شعبيتها منذ وقف إطلاق النار بفضل حملتها ضد الجريمة ودعمها مواجهة إسرائيل، كما تقول الصحيفة.
ومن المقرر بناء أولى هذه التجمعات السكنية في رفح، المدينة الجنوبية التي دمرتها العمليات الإسرائيلية، والتي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة منذ أسابيع، لأن المانحين المحتملين لن يمولوا إعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها حماس، وقد لا يمولون العمل في الجانب الإسرائيلي أيضا، حسب الصحيفة.
وذكرت ذي غارديان بأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قسم غزة إلى نصفين تقريبا، يعيش معظم الفلسطينيين في النصف الغربي الذي تسيطر عليه حماس، في حين تسيطر إسرائيل على النصف الآخر.
تواجه الخطة الأمريكية اعتراضات عربية خاصة من مصر، التي تخشى أن يؤدي تجميع الفلسطينيين في رفح إلى دفعهم نحو سيناء مستقبلا. كما أن مسألة فحص المدنيين قبل دخولهم هذه المجتمعات تطرح تحديات أمنية حساسة، في ظل مخاوف من تسلل عناصر حماس إليها.
ورأت الصحيفة أن الأوضاع الأمنية تعقد العملية، إذ تقول إسرائيل وحماس إن نحو 180 مقاتل من الحركة ما زالوا يتحصنون في أنفاق تحت رفح، كما تواصل إسرائيل تحصين “الخط الأصفر” الفاصل بين شطري القطاع، وتمديد بنى تحتية استعدادا لبقاء طويل الأمد.
وفي هذه الأثناء، تسعى الولايات المتحدة لتشكيل قوة أمنية دولية لغزة، لكن خلافات حول طبيعة مهامها تعرقل تقدمها، ولذلك طرحت أيضا فكرة استخدام مليشيات "مرتزقة" مدعومة من إسرائيل لتأمين التجمعات، إلا أنها بدت مثيرة للجدل وغير مضمونة الفعالية حسب الصحيفة.
وتأمل واشنطن أن تنكمش مناطق سيطرة حماس تدريجيا، لتتولى قوة دولية وشرطة فلسطينية إدارة الأمن، في الوقت الذي يشرف فيه مجلس السلام التابع لترامب على إعادة الإعمار.
القوة ليست حلا
كتبت كسينيا لوغينوفا، في صحيفة "إزفيستيا" الروسية يوم 22 نوفمبر 2025:
رفضت حماس قرار مجلس الأمن الدولي الذي يكرس خطة دونالد ترامب للتسوية في غزة. ترى حماس أن القرار يتجاهل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بل ومصالحهم بشكل عام. وهذا يعرض مبادرة السلام الأمريكية الهادفة إلى نزع سلاح غزة وإعادة إعمارها للخطر.
وقد أشار الباحث في قسم دراسات الشرق الأوسط وما بعد الاتحاد السوفيتي بمعهد المعلومات العلمية في العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي أوستانين-غولوفنيا، إلى أن حماس، على الرغم من الاتفاق السابق على وقف إطلاق النار، تظهر موقفا مبدئيا: فأي حل من دون مشاركتها محكوم عليه بالفشل.
وأضاف: "السلطة الفلسطينية لا تملك سلطة حقيقية في غزة. ولا يزال استقطاب مواقف الأطراف المتفاوضة واضحا. الاتفاق قائم بين الوسطاء فحسب. ولا يمكن الاعتماد على البيانات الاجتماعية". ومع ذلك، حتى لو أخذنا في الاعتبار البيانات الاجتماعية الحديثة حول تنامي دعم حماس في غزة، فإن النتائج لا تفسر بالموافقة على أساليب الحركة، إنما بيأس السكان، الذين يرونها القوة الوحيدة التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي والقادرة على التواصل المباشر مع المحتاجين. الجميع يحجب المساعدات الإنسانية من الخارج، ولا تزال حماس تحتفظ ببعض الاحتياطيات في أنفاقها".
واحتمالات التوصل إلى تسوية ضئيلة. فـ "خطة ترامب تفرض حكما خارجيا على الفلسطينيين بلا مراعاة لتطلعاتهم الوطنية. لا يمكن تحقيق عملية سلام حقيقية إلا بإشراك جميع الفصائل الفلسطينية في الحوار والاعتراف بالحق في دولة فلسطينية مستقلة. لذلك، من المرجح جدا أن نشهد تصعيدا في الأشهرالمقبلة- فلا أحد من الجانبين مستعد لتقديم تنازلات حقيقية".
أسلحة الناتو ضد غزة
ليست واشنطن وحدها من يدعم تل أبيب في حربها ضد غزة فقد كشف تقرير عسكري نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية خلال الثلث الأول من شهر نوفمبر 2025 أن حلف الناتو يواجه نقصا كبيرا في المتفجرات بعد استخدام كميات كبيرة من إمدادات مادة "تي إن تي" خلال الحرب على غزة.
ويعد مصنع "نيترو كيم تي إن تي" المملوك للدولة في بولندا الوحيد من نوعه في أوروبا ولا يواكب الطلب العالمي المتنامي فوق الطاقة الإنتاجية.
وتوفر الولايات المتحدة 90 في المئة من مادة "تي إن تي" الخام التي تستوردها لتصنيع مجموعة متنوعة من الذخائر، بما في ذلك قنابل MK-84 وBLU-109 الخارقة للتحصينات، التي تزن 2000 رطل.
وقد تم توريد هذه الأسلحة إلى إسرائيل بكميات هائلة وارتبطت بهجمات أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا في مناطق مكتظة بالسكان في غزة وبيروت.
ووفقا للتقرير الذي أعدته مجموعة من جماعات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك "حركة الشباب الفلسطينية"، فقد قامت شركة "نيترو كيم" بتزويد إسرائيل بشكل مباشر بالمتفجرات، بما في ذلك مادتا TNT وRDX..
وأشارت الصحيفة إلى إرسال واشنطن دفعة أخرى من الذخيرة إلى إسرائيل، تحتوي على 1800 قنبلة ثقيلة من طراز إم كيه-84، وفي الوقت الذي أُبلغ فيه الكونغرس بطلب جديد لشراء 2800 قنبلة من طراز إم كيه-82.
ويقول التقرير: "لولا مادة تي إن تي البولندية الصنع، لما كان من الممكن تحقيق هذا القصف الجوي الهائل والكثيف الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين ودمر ظروف الحياة في غزة".
ويشير التقرير أيضا إلى أن الولايات المتحدة أرسلت إلى تل أبيب، بين أكتوبر 2023 ويوليو 2024، ما لا يقل عن 14000 قنبلة من طراز MK-84 و8700 قنبلة من طراز MK-82 وزنها 500 رطل.
ويدعو التقرير شركة "نيترو كيم" والسلطات البولندية إلى التوقف عن توريد مادة "تي إن تي" التي تُملأ بها القنابل والمدفعية التي تستخدمها إسرائيل.
ورفضت "نيترو كيم" التعليق على نتائج التقرير، نظرا "للطبيعة الحساسة لعمليات شركتها"، وأكدت أن جميع أنشطتها "تتوافق مع القانون الدولي الساري".
القوة التي لم تهزم
نهاية شهر أكتوبر 2025 كشفت مصادر مطلعة على معلومات استخباراتية إسرائيلية وعربية، أن حزب الله اللبناني "يعيد تسليح نفسه"، وفقا لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وحسب المعلومات المتاحة، فإن هذه المعطيات "تزيد من احتمالية تجدد الحرب مع إسرائيل"، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو عام، إلا أنه يتعرض لانتهاكات متكررة من جانب إسرائيل. وبلغ إجمالي خروقات الجيش الإسرائيلي منذ بدء سريان الاتفاق نحو 4500 خرق، وفق إحصاء للجيش اللبناني في سبتمبر 2025.
وقالت المصادر إن "المعلومات الاستخباراتية تظهر أن حزب الله المدعوم من إيران، يعيد تخزين الصواريخ والمضادات للدبابات والمدفعية".
وذكرت أن بعض هذه الأسلحة يصل عبر الموانئ البحرية اللبنانية، ومن خلال طرق تهريب عبر سوريا "ما زالت تعمل رغم ضعفها وتحكم واشنطن".
كما أضاف أحد الأشخاص المطلعين على الملف لـ"وول ستريت جورنال"، أن حزب الله يصنع بعض الأسلحة الجديدة بنفسه.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كثفت إسرائيل هجماتها على مناطق متفرقة من لبنان، لا سيما في جنوبي البلاد وحتى بيروت، مستهدفة ما تقول إنها "بنى تحتية لحزب الله"، كما نفذت عمليات اغتيال لعدد من قادة الحزب.
حق الدفاع
رغم المطالبات بتسليم سلاحه، حافظ حزب الله على سردية المقاومة، وعمل على إعادة ترميم واسعة لموارده العسكرية والتنظيمية، بحسب عدة تقارير صحفية.
وفي بيانه في يوليو 2025 تحت عنوان "كتاب مفتوح إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني"، أكد الحزب على "الحق المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان".
وشدد على رفض أي طرح يهدف إلى نزع سلاح المقاومة، معتبرا أن الحديث عن هذا الملف في الظرف الراهن "يخدم العدو الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة". وتشير تقييمات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية إلى أن حزب الله يخزن الصواريخ والأنظمة المضادة للدبابات والمدفعية الثقيلة تحت الأرض. ونشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا في أكتوبر 2025 قالت فيه إن حزب الله يعمل حاليا بشكل شبه كامل تحت الأرض، مشيرة إلى أن الحزب يعيد بناء هيكله القيادي وقوته العسكرية بشكل سري.
على الجانب الإسرائيلي، تترسخ القناعة بأن حزب الله يواصل التركيز على إعادة بناء قدراته العسكرية، وقال تقرير لمركز معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل إنه "منذ وقف إطلاق النار، يعيد الحزب تنظيم نفسه بشكل واضح، حيث يعمل على تجديد احتياطاته المالية، والبحث عن طرق جديدة لتهريب الأسلحة إلى لبنان، وتجنيد أفراد، وإعادة هيكلة مؤسساته".
وأفادت مصادر عسكرية إسرائيلية بأن حزب الله هرب مئات الصواريخ القصيرة المدى من سوريا إلى لبنان في الأشهر الأخيرة، ويعمل على إعادة بناء هيكله القيادي.
وعلى مستوى حجم القوات والذخائر، يقول موقع نقابة الأخبار اليهودية في تقرير بشأن تقديراته المتعلقة بعديد الحزب وعتاده "يبلغ قوام حزب الله في لبنان 40 ألف عنصر، ولديه ما بين 15 ألفا و20 ألف صاروخ وقذيفة تحت تصرفه"، وينقل الموقع عن المبعوث الأمريكي الخاص توم براك أن "هذا المخزون يمثل قاعدة مبدئية لعملية التعافي العسكري للحزب، وإن ظل أقل بكثير من قدراته السابقة".
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن ترسانة حزب الله تبلغ حوالي 20 ألف جندي من قوات النخبة وآلاف آخرين، كما وسع الحزب برنامج طائراته المسيرة، وأعاد بناء مرافق التخزين والتجميع، في إشارة إلى تنوع أدوات الاستعادة وعدم اقتصارها على الصواريخ التقليدية.
ويشير تقرير لموقع "واي نت" الإسرائيلي إلى أن حزب الله يعيد بناء قدراته بسرعة في ثلاثة محاور "الصواريخ والقذائف، والطائرات المسيرة، والبنى التحتية".
وتقدر إسرائيل أن حزب الله يمتلك عشرات الآلاف من هذه الصواريخ وعدة آلاف من الصواريخ المتبقية، بالإضافة إلى إنتاج آلاف الطائرات المسيرة الجديدة والمحمولة جوا منذ نهاية الحرب.ويضيف التقرير أن عناصر قوات الرضوان أعادوا تنظيم صفوفهم في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود في مدن كبيرة مثل النبطية.
ونشرت صحيفة معاريف أن الجيش الإسرائيلي أدرك الخطوات التي يتخذها حزب الله لإعادة تأهيل نفسه، فهو يعيد بناء قوته من خلال تجنيد مكثف للعناصر، ويحاول تكديس الأسلحة، بل بنى خط دفاعه الجديد شمال نهر الليطاني، وهو جيش وليس تشكيلًا قتاليا، بالإضافة إلى منظومات صاروخية ومدفعية.
وأبلغت إسرائيل الأجهزة الأمريكية أن حزب الله نجح في تهريب مئات الصواريخ من سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، كما نجح في تشغيل صواريخ ومنصات إطلاق تضررت خلال المعارك، إضافة إلى تجنيد آلاف العناصر الجدد.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، يوفق حزب الله بين الإنتاج الضخم للأسلحة البسيطة كالصواريخ القصيرة المدى والأسلحة الخفيفة وإنتاج الأسلحة الدقيقة والمتطورة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والوسائل الإلكترونية المتطورة.
بنية سرية
وحسب القناعات الإسرائيلية، فإنه بموازاة عمليات التعافي العسكري فوق الأرض، انخرط حزب الله في تعزيز بناه التحتية السرية التي تعتبر في نظره صمام أمان يضمن استمرار قدرته على الصمود، ويوفر مسارات بديلة تشمل الإطلاق والتخزين والتنقل.
وقدم تقرير لمركز "ألما" للأبحاث والتعليم الإسرائيلي توصيفا لهذه البنية بالقول إن "حزب الله يعمل على تسريع إعادة تأهيله، لا سيما في المنطقة الواقعة شمال الليطاني، في مركز ثقله الجغرافي الجديد -قطاع وحدة بدر- الذي أصبح نقطة محورية لنشر حزب الله في الجبهة الجنوبية من حيث تفعيل النيران والدفاع وتخزين الأسلحة".
ويضيف التقرير أن "جهود إعادة تأهيل حزب الله تركز على القدرة على البقاء والانتقال إلى عمليات أكثر سرية، وصيانة الأسلحة وإصلاحها وإنتاجها، والتهريب، والعمليات التنظيمية، وتحديث الخطط العملياتية العسكرية، وإجراء التدريبات والتمارين".
وتقدر المؤسسة أن الحزب "يحتفظ حاليا بحوالي ثلث القوة النارية التي كان يمتلكها قبل الحرب".
وفي تحليل آخر لموقع إسرائيل ألما، يوضح تال بيري أنّه "فيما يتعلق بالأنفاق التابعة لحزب الله في لبنان بشكل عام، نقدر أنه لا تزال هناك بنية تحتية كبيرة من الأنفاق التكتيكية والإستراتيجية التي لم تتضرر".
ويضيف أن "الوضع غير واضح" بشأن الأنفاق المزروعة بالألغام، موضحا أن الحزب لم يستخدمها أثناء الحرب، مما يجعل الخريطة الفعلية لهذه المنظومة غامضة.
وتؤكد التقارير الإسرائيلية أن منطقة البقاع تظل العمق الإستراتيجي لحزب الله من الناحيتين العملياتية واللوجستية، وتضم المنطقة البنية التحتية للتدريب وإنتاج الأسلحة وتخزينها، وتضم مواقع لمصفوفات إستراتيجية من الصواريخ والذخائر، بعضها يقع تحت الأرض في منشآت مهمة لم تتضرر.
رسائل ردع
وفي ظل هذا التصعيد السياسي، عادت إسرائيل لتربط موقفها الأمني بما تعده فشلًا لبنانيا في ضبط حزب الله، وحذرت من تكثيف الضربات في حال فشل نزع سلاح الحزب، مما أعاد تسخين المشهد الدبلوماسي، وزاد من حدة المخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة جديدة إذا تعثرت المسارات السياسية.
وأعلن الاحتلال عقيدة عمليات جديدة تقوم على مبدأ الضربة الاستباقية، لخصها في عبارة "علينا ألا ننتظر هجوم العدو، بل أن نسبقه بضربة من جانبنا"، مما يعزز استمرار التصعيد ويضع المنطقة أمام احتمالات مفتوحة.
وفي السياق، أكد قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء تومر بار على تشديد الضغط على وحدة الطائرات المسيرة التابعة لحزب الله ومنع عودتها إلى العمل، مما يعكس خوفا متصاعدا من تطوير الحزب برنامجه المسير.
ومع اتساع الخشية الإسرائيلية من مساعي حزب الله لإعادة ترميم قدراته، اتجهت المؤسسة العسكرية في تل أبيب إلى إرسال رسائل ردع مباشرة عبر تكثيف النشاط العملياتي.
وأكد تقرير لقوات اليونيفيل حجم الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق، التي تجاوزت "2200 هجوم عسكري وأكثر من 6200 انتهاك للمجال الجوي" منذ نوفمبر 2024، مما يظهر أن تل أبيب تعتمد تكتيك الاستنزاف والضغط المتواصل بهدف تقويض أي محاولات لإعادة بناء القوة الصاروخية أو القتالية.
كما أكد تقرير لصحيفة لوموند أن سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن "111 مدنيا" في لبنان منذ أواخر نوفمبر 2024، مما يجعل وقف إطلاق النار أقرب إلى هدنة هشة تتعرض للخروق بشكل يومي.
أسلحة صينية وروسية
جاء في تقرير نشره موقع فورين أفيرز الأمريكي: "أن روسيا وقوى محور المقاومة رفاق سلاح، يجمعهم هدف رئيسي كبير وهو إضعاف الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط، الأمريكية على وجه الخصوص". ولن تستطيع واشنطن تقويض هذه "الشراكة" ما لم تسارع إلى وقف الحرب الإسرائيلية في غزة والعمل على تهدئة كل التوترات في المنطقة".
تقارير من مصادر رصد غربية وحسب معلومات مسربة من العاصمة الألمانية برلين فإن موسكو بشكل أساسي وبكين بأسلوب أقل كثافة تقوم بتسهيل حصول حزب الله على معدات عسكرية متقدمة خاصة تلك التي تستخدم لمواجهة الطائرات والدبابات.
نفس المصادر تحدثت عن تعزيز ضخم تقوم به كل من روسيا والصين للقوات المسلحة لكل من اليمن وإيران في حين تتعثر جهود مصر للحصول على طائرات حربية وصواريخ صينية بسبب تهديدات أمريكية بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكري للقاهرة وحرمان جيشها من الحصول على قطع الغيار والمعدات للأسلحة الأمريكية التي توجد في حوزة الجيش المصري.
منتصف شهر أكتوبر 2025 كشفت تسريبات جديدة نشرتها مواقع روسية معارضة تمولها المخابرات الأمريكية عن ملامح تحالف عسكري متنام بين روسيا وإيران، أثار قلقا متزايدا لدى العواصم الغربية بسبب ما يحمله من مؤشرات على تحول استراتيجي في ميزان القوى الإقليمي، يمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا.
بحسب موقع Panorama الإيطالي، فإن الوثائق المسربة من شركة الدفاع الروسية العملاقة Rostec، والتي نشرها موقع المعارضة الروسية The Insider بعد حصوله عليها من مجموعة القراصنة Black Mirror، تكشف عن صفقات تسليح سرية تشمل بيع طائرات مقاتلة وأنظمة إلكترونية متطورة لإيران، في عقود تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات.
تظهر التسريبات، التي بلغ عددها أكثر من 300 وثيقة مصنفة سرية، تفاصيل مالية وتقنية لعقود تصدير أسلحة روسية إلى دول تخضع لعقوبات غربية. وبعد تحليلها من قبل موقع Army Recognition المتخصص في الشؤون الدفاعية، تم تحديد رمز العميل 364 كإشارة إلى إيران، التي يعتقد أنها أبرمت عقدا مع موسكو لاقتناء 48 طائرة مقاتلة من طراز “سوخوي-35”، مزودة بأنظمة حرب إلكترونية متطورة، بقيمة إجمالية تقارب 635 مليون دولار.
ورغم عدم صدور تأكيد رسمي من موسكو، فإن هذه المعطيات تتماشى مع سياسة روسيا لتوسيع صادراتها العسكرية نحو حلفاء غير غربيين، وتعزيز التعاون الدفاعي مع دول تشاركها الموقف المناهض للسياسات الغربية.
وكانت إيران قد أعلنت عام 2023 عن إبرام اتفاق رسمي مع روسيا لشراء طائرات “سوخوي-35”، معتبرة أن الطائرة "متوافقة تقنيا مع احتياجات قواتها الجوية". ويأتي ذلك في إطار تبادل المصالح بين موسكو وطهران، حيث زودت الأخيرة روسيا بمئات الطائرات المسيرة الهجومية “شاهد-136” التي استخدمت في بداية حرب أوكرانيا، مقابل حصولها على تقنيات متطورة ودعم عسكري روسي مباشر.
عمر نجيب









