
مسلسل المخططات الإسرائيلية الأمريكية الغربيةلتصفية غزة يتواصل رغم الفشل والتعثر الذي رافق من صنعه طوال 26 شهرا من مواجهات مسلحة وعملياتإبادة، جربوا كل تكتيكات الحرب والفخاخ السياسية،ومن حين لآخر ومنذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 ومع كل ما يقدم من مشاريع خادعة للتسوية يسقطونفي وهم الوصول إلى تحقيق أهدافهم في تصفيةالقضية الفلسطينية هذه المرة من باب غزة. الجري داخلالسراب الذي يمارسه خصوم فلسطين لا يثمر لأنهم لايدركون أنه بالإضافة إلى البطولات الأسطورية لأهلالقطاع، فإن جذور غزة وكل فلسطين تمتد في كل الأرضمن ما هو أبعد من بلاد ما بين النهرين شرقا حتىسواحل شمال أفريقيا على المحيط الأطلسي غربا وأنهلا يمكن اقتلاعها رغم ما قد تعيشه الأمة في فتراتقصيرة بالمقياس التاريخي من ضعف وتراخ وتراجع.
جربوا تكتيك هجوم الصدمة بقوة كبيرة لكسرتشكيلات المقاومة وتحطيم معنوياتها، وتبعوهبالتطويق بمحاصرة غزة من جميع الجهات، ثم انتقلواعمليات الاختراق بتركيز القوة النارية والجنود علىنقط ضعيفة في خطوط المقاومة الفلسطينية لشقها.
جربوا أسلوب الاستهداف المتكرر لنقاط ضعف المقاومة(القناصة في الحروب الحضرية). استخدامواالتضاريس لشن هجمات خاطفة والانسحاب.
مارسوا كل جرائم الحرب وخاصة أسلوب الأرضالمحروقة، وهي استراتيجية تعتمد على إحراق وتدميرأي شيء قد يستفيد منه الفلسطينيون عند التقدم أوالتراجع في منطقة ما.
بالغوا في تكتيكات الحرب النفسية والخداعواستخدموا كل وسائل الإعلام الخاضعة لإرادتهم لبناءوهم نصر لم يأت. واصلوا حرب تفتيت المنطقة الشرقأوسطية وإسقاط ما أمكن من أنظمة لا تخضع لأوامرهمفحققوا بعض المكاسب التي قد لا تدوم كما أثبتتالتجارب التاريخية في الشرق الأوسط منذ نهاية الحربالعالمية الأولى وإنهيار الدولة العثمانية.
تعثر التحالف الإسرائيلي الغربي في الشرق الأوسطاعترف به ضمنيا المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورياتوماس براك خلال جلسة حوارية في منتدى الدوحةخلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2025 حيث قالأنّ القرارات التي اتخذها الغرب بشأن الشرق الأوسطمنذ إتفاق سايكس-بيكو كانت خاطئة، مضيفا أن العالملا يزال يتعايش مع العواقب الناتجة من تلك السياسات. وفي وقت سابق، أكد براك، أن "واشنطن جربت مرتينتغيير النظام في إيران ولم تحقّق نتائج"، وزاد بكشفنوايا واشنطن بالقول إنه "يجب جمع سوريا ولبنانمعا لأنهما يمثلان حضارة رائعة". وأضاف أنالإنجازات التي تحققت في سوريا كانت بطولية، مؤكداعلى ضرورة تشجيع القائمين عليها ودعمهم.
وأوضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "اتخذقراراته بشأن سوريا بعد دراسة معمقة، وارتأى منحالفرصة للرئيس أحمد الشرع".
شعب لا يقهر
جاء في تقرير نشر في العاصمة الروسية موسكو يومالسبت 6 ديسمبر 2025:
تواصل آلة القتل حصد الأرواح في قطاع غزة، فيمشهد يؤكد أن النزف الفلسطيني ما زال مستمرا دونتوقف.
فرغم الإعلان عن وقف لإطلاق النار، تعيش غزة واحدةمن أكثر فصولها دموية وقسوة، حيث يثبت الواقعالميداني أن ما يسمى بـ"وقف النار" لا يتجاوزالبيانات، بينما النار ما زالت تتساقط على رؤوسالمدنيين، والبحر محاصر، والسماء مشبعة بالطائراتالمسيرة، والحصار يخنق تفاصيل الحياة اليومية لأكثرمن مليوني إنسان.
ومنذ ساعات الفجر الأولى يوم السبت 6 ديسمبر، دوتانفجارات عنيفة في شرق مدينة غزة نتيجة تفجيرروبوتات مفخخة، أعقبها قصف متواصل استهدفأحياء الشجاعية، التفاح، الزيتون، والشعف، في وقتواصل فيه الطيران الحربي غاراته على رفح وخانيونس والمغازي، بينما أطلقت الزوارق الحربية نيرانهابكثافة على قوارب الصيادين في بحر خان يونس، فيمشهد يعكس استباحة إسرائيلية كاملة للبر والبحرمعا.
وعاش الأهالي في أحياء غزة الشرقية ليلة قاسية،تخللتها أحزمة نارية، قنابل إنارة، نسف لمنازل سكنية،وإطلاق نار من طائرات "كواد كابتر" باتجاه البيوت،حتى في المناطق المصنفة "آمنة". أصوات الانفجاراتسمعت من شمال القطاع إلى وسطه، بينما كان القلقسيد المشهد، والأطفال يلتصقون بأمهاتهم، ينتظرونصباحا قد لا يأتي.
وزارة الصحة في غزة أعلنت وصول قتلى وجرحى جددإلى المستشفيات خلال الـ48 ساعة الماضية، مؤكدة أنعدد القتلى منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر 2025 ارتفع إلى مئات ونحو ألف إصابة، ماينسف عمليا أي ادعاء بوجود تهدئة حقيقية علىالأرض.
أما الحصيلة الإجمالية للعدوان، فقد تجاوزت سبعينألف قتيل وأكثر من مئة وسبعين ألف جريح منذ السابعمن أكتوبر 2023، في واحدة من أبشع الكوارثالإنسانية في العصر الحديث، ترتكب أمام أعين العالم.
التجويع كسلاح
المأساة لا تتوقف عند القصف. فالحصار ما زال يخنقغزة، حيث كشف المكتب الإعلامي الحكومي أن الجيشالإسرائيلي سمح بإدخال 104 شاحنات غاز طهي فقطمن أصل 660 شاحنة مقررة، أي ما يعادل 16 في المئةفقط من الاحتياج الفعلي.
هذا النقص الحاد حرم أكثر من 2.4 مليون إنسان منأبسط متطلبات الحياة اليومية، وأجبر مئات آلاف الأسرعلى الانتظار لأشهر للحصول على حصة لا تتجاوز 8 كيلوغرامات من الغاز، في ظل شلل شبه كامل للمطابخ،المخابز، والمرافق الصحية.
الدفاع المدني في غزة وجه رسالة مؤلمة إلى منظماتحقوق الإنسان الدولية، محذرا من تفاقم أزمة المفقودين،حيث تعيش آلاف العائلات في قلق دائم، لا تعرف مصيرأبنائها الذين خرجوا ولم يعودوا. معرفة المصير، كمايقول الدفاع المدني، باتت حلما بسيطا لعائلات أنهكهاالانتظار والخوف.
رغم كل شيء… غزة تصمد
في مقابل الموت اليومي والحصار الخانق، يواصل أهلغزة "صمودهم الاستثنائي"، بحسب مراقبين. "يشيعون شهداءهم، ينتشلون جثامين أحبتهم بأيديهم،يرممون ما يمكن ترميمه من بيوت مدمرة، ويصرون علىالبقاء فوق أرضهم مهما اشتد القصف والجوع".
غزة اليوم لا تطلب شفقة، بقدر ما تصرخ في وجهالعالم: هذا ليس وقف نار، بل حرب متواصلة بأدواتمختلفة… وهذا شعب، مهما اشتد النزف، لا ينكسر.
مخطط تل أبيب لتدمير المقاومة في غزة من الداخلصدم بضربة موجعة بتصفية أحد أهم قادة عملائهافمع مقتل ياسر أبو شباب يبدو أن مشروع "الجيشاللحدي" في غزة وصل إلى خواتيمه، خصوصا معإقرار الاحتلال بأن التجربة كانت "مقامرة تكتيكية غيرمحسوبة ولا مدروسة". تبعتها موجة استسلام فيصفوف العملاء.
وأصدرت عشيرة أبو سنيمة في قطاع غزة يوم الخميس4 ديسمبر، بيانا حول مقتل ياسر أبو شباب، مشيرةإلى أن أحد أفرادها هو من قتله.
وجاء في بيان صادر عن عطية عودة أبو سنيمة، مختارالعشيرة: "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعريملؤها الحزن والفخر، تنعي عشيرة أبو سنيمة أبناءهاالذين ارتقوا شرق رفح، بعد أن قدموا أرواحهم الطاهرةدفاعا عن أهلهم وأرضهم".
وأضاف المختار: "لقد سجل أبناؤنا صفحة مشرفة فيمسيرة الصمود الفلسطيني، وتركوا أثرا خالدا يشهدعلى ثباتهم وشجاعتهم، سائلين الله أن يتقبلهم فيالشهداء والصديقين. وتفخر عشيرة أبو سنيمة بأبنائهاالذين أثبتوا شجاعة وإرادة لا تلين في مواجهة الظلموالخيانة، وكان منهم من واجه المدعو ياسر أبو شبابوزمرته، أرداه قتيلا، مسطّرا بذلك فصلا جديدا من فخرواعتزاز الفلسطين".
وتابع أبو سنيمة في بيانه: "ونخص بالذكر: الشهيدمحمود محمد أبو سنيمة، والشهيد جمعة محمد أبوسنيمة، وكوكبة من أبناء العشيرة الذين رحلوا تاركينفي القلوب وجعا، وفي النفوس عزة ورفعة".
وأكد المختار أن "ما تبقّى من تلك الفئة الخارجة عن قيمشعبنا سيواجه حسابا عسيرا"، مردفا: "ونحن أبناءالعشيرة سنكون في الصفوف الأولى لكتابة أفضلفصول الحق والكرامة بإذن الله".
جدير بالذكر أن ياسر أبو شباب فلسطيني ولد عام1990 في رفح جنوب قطاع غزة، ينتمي إلى قبيلةالترابين، كان معتقلا قبل السابع من أكتوبر 2023 بتهمجنائية من بينها الاتجار بالمخدرات والسرقة، وأطلقسراحه عقب قصف إسرائيل مقرات الأجهزة الأمنية.
وبرز اسمه بعد استهداف كتائب عز الدين القسام قوةمن "المستعربين" شرق رفح، تبين أن معها مجموعة منالعملاء المجندين لصالح إسرائيل ويتبعون مباشرة لماوصفته المقاومة بـ"عصابة ياسر أبو شباب".
تهجير سكان غزة
صرح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفيرمحمد حجازي إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزةيواجه مخاطر كبيرة أمام مماطلات حكومة إسرائيل، مايستدعي تدخلا عاجلا.
وأشار حجازي، في تصريحات يوم السبت 6 ديسمبر،إلى أن البيان الصادر عن الدول العربية والإسلامية الـ8 يوم الجمعة 5 ديسمبر، يؤكد مخاطر المشهد والتزامهمبدعم الموقف المصري الرافض لفتح معبر رفح في اتجاهواحد للفلسطينيين في غزة، بعد إعلان الحكومةالإسرائيلية الذي يخالف بشكل واضح وصريح الإتفاقالموقع في شرم الشيخ برعاية أمريكية وبنوده الممثلةفي قرار أممي واضح وهو القرار 2803 الصادر فينوفمبر 2025.
ويوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025 أعلنت وحدة تنسيقأعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية"كوغات"، أن معبر رفح سيفتح في الأيام المقبلة للسماححصرا بخروج سكان غزة إلى مصر، لكن مصادرمصرية سارعت لنفي هذه الخطوة، وأكدت أن فتح المعبرفي اتجاه واحد محاولة لتكريس عملية تهجيرالفلسطينيين، وهو الأمر الذي ترفضه مصر تماما.
مصدر إسرائيلي صرح من جانبه للقناة 12 إن إسرائيلفتحت معبر رفح أمام سكان قطاع غزة لإتاحة الفرصةلسكان القطاع للمغادرة، مضيفا: "إذا كان المصريون لايريدون استقبالهم فهذه مشكلتهم".
إسرائيل الكبرى
فشل إسرائيل في إفراغ غزة من سكانها يشكل عقبةرئيسية في وجه مخطط إسرائيل الكبرى وكذلك المفهومالأمريكي للوضع الأمني في الشرق الأوسط.
يواجه مفهوم "إسرائيل الكبرى" على المدى الطويلتحديا ديموغرافيا كبيرا. برفضه حل الدولتين واختيارهواقع الدولة الواحدة، ويحمل في طياته أزمة هويةعميقة لإسرائيل إلا إذا لجأت إلى تهجير الفلسطينيينوبأعداد ضخمة، وتشير البيانات إلى تراجع الأغلبيةاليهودية في مناطق رئيسة، مثل القدس. عندما احتلتإسرائيل القدس الشرقية عام 1967، كان اليهود يشكلون72 في المئة من سكان المدينة. وبحلول عام 2022،انخفضت هذه النسبة إلى 57 في المئة، وتشيرالتوقعات الديموغرافية إلى أنه من دون حل الدولتين، قديصبح السكان اليهود أقلية بين البحر الأبيض المتوسطونهر الأردن بحلول عام 2050.
يتفاقم هذا التحول الديموغرافي بسبب الانقساماتالداخلية داخل السكان اليهود الإسرائيليين. ينموالمجتمع الأرثوذكسي المتشدد (الحريديم) بمعدل أسرعبكثير من الجماعات اليهودية الأخرى، إذ يبلغ معدلالخصوبة لدى النساء الحريديات 6.6 طفل في المتوسطمقارنة بـ2.1 للنساء العلمانيات، وفي حين أن هذا النمويساعد على تعويض جزء من اتجاهات الهجرة السلبية،إلا أنه يخلق احتكاكا اجتماعيا واقتصاديا. لا يخدمكثيرا من أفراد المجتمع الحريدي في الجيش، وهو أمرإلزامي بالنسبة إلى الإسرائيليين اليهود الآخرين، ممايضع عبء دفاع الدولة بصورة غير متناسبة علىالسكان العلمانيين والليبراليين. وهذا من شأنه أن يؤديإلى مزيد من الصراعات الثقافية والاجتماعية بين هاتينالمجموعتين. ويقدم المسار الديموغرافي خياراً أساساًلإسرائيل: البقاء دولة ديمقراطية ذات أقلية يهودية أوالاستمرار في السعي إلى دولة يهودية من خلال فرضنظام غير ديمقراطي على غالبية فلسطينية متنامية.
النظام الإستراتيجي الجديد
جاء في بحث قدمه نبيل فهمي وزير الخارجية المصريالسابق:
وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة فينوفمبر 2025 ليست مجرد وثيقة سياسية، إنما الميثاقالفكري لإستراتيجية جديدة. تختصر الإستراتيجيةطموحات أمريكا في الشرق الأوسط في جملة واحدةبلورية في الصفحة الـ 27:
"نريد منع أية قوة معادية من الهيمنة على الشرقالأوسط وإمداداته من النفط والغاز ونقاط الاختناقالتي تمر منها، مع تجنب الحروب الأبدية التي أوقعتنافي المنطقة بكلفة باهظة"، ولا ذكر لنشر الديمقراطية،حقوق الإنسان، بناء الأمم، أو حتى عبارة "حلالدولتين"، فالقضية الفلسطينية تخفض من "ضرورةإستراتيجية" إلى هامش إنساني، وللمرة الأولى منذ1945 تعلن الولايات المتحدة سياسة شرق أوسطية هيفعليا "توازن بحري": حافظوا على النفوذ الحاسم لكنبثمن زهيد عبر وكلاء إقليميين ونفوذ اقتصادي وتطبيقانتقائي للقوة العسكرية الساحقة.
والنتائج تتكشف عبر ستة مجالات مترابطة.
أولاً: إيران، الحصار المطلق وانهيار النظام نتيجةمقبولة.
تتعامل الإستراتيجية مع عملية "مطرقة منتصفالليل"، الضربات الجوية واسعة النطاق التي أصابتمنشآت نطنز وفوردو والبنية التحتية النووية المرتبطةبها خلال الأشهر الأولى من الولاية الثانية وكأنها خطالأساس الإستراتيجي الجديد، ومع تراجع التهديدالنووي لعقد في الأقل، تحررت واشنطن من القيودالسياسية التي منعت حملة ساحقة حقا في 2018 - 2020.
"الضغط الأقصى 2.0": العقوبات سترفع إلىمستويات تجعل سياسة "تصفير صادرات النفط" 2019 تبدو معتدلة، والبنوك الأوروبية والهنديةوالصينية ستواجه خيارا بسيطا وهو الوصول إلىالنظام المالي الأمريكي أو التجارة مع إيران، وصادراتالغاز الطبيعي المسال والنفط الخام الأمريكي ستغمرالأسواق في الوقت نفسه، ومن ثم ستكون طهرانمحرومة من أي أمل في أسعار أعلى.
والوثيقة لا تذكر "تغيير النظام" لكن كل أداة من دونغزو علني، عمليات سرية، دعم الاحتجاجات الداخلية،عمليات سيبرانية، تنسيق هادئ مع إسرائيل ودولأخرى، ستستخدم من أجل تسريع انهيار إيران منالداخل، فهي منهارة ومضعفة ولا تعد خطرا بل أسرعطريق لاستقرار المنطقة على الشروط الأمريكية.
ثانيا: إسرائيل وما وصف بأنه محور سني: تفويضأمريكي مطلق لنظام إقليمي جديد.
تعد القدس صراحة الركيزة الشرقية لتحالف جديد ضدإيران، وكل قيد أمريكي سابق، دعوات علنية لضبطالنفس في غزة أو لبنان، الضغط على المستوطنات، ربطمبيعات الأسلحة بتقدم على مسار الدولة الفلسطينية،أُلغي، وستعزز "اتفاقات أبراهام" تعزيزا هائلا بكمياتضخمة من السلاح المتقدم والغطاء الأمني في مقابلتطبيع كامل مع إسرائيل وإنشاء قيادة عسكرية مشتركةتمتد من الأطلنطي إلي الخليج وتل أبيب، علما أنالولايات المتحدة لن تعلق على استخدام ما تبيعه طالماوجه ضد إيران أو وكلائها.
والملف الفلسطيني مغلق عمليا كقضية إستراتيجية،وغزة سيعاد بناؤها بشرط نزع السلاح الكامل، والضفةالغربية ستتجه نحو ضم فعلي دون اعتراض أمريكي،وللمرة الأولى منذ 1967 تتمتع إسرائيل بحريةإستراتيجية غير محدودة مدعومة بتأييد أمريكي لالبس فيه.
تجدد المواجهة
يقول محللون من معارضي سياسات من يوصفونبالمحافظين الجدد، إن الوهم السائد بين هؤلاء يقودهمإلى ارتكاب أخطاء قاتلة وقد ظهر ذلك جليا فيأفغانستان وقبلها في الفيتنام عندما سقط المخططالأمريكي، وحاليا ترتكب نفس الأخطاء في الشرقالأوسط.
يوم 5 ديسمبر 2025 أفاد موقع "أكسيوس"، بأنالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعتزم إعلان انتقالعملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عنهيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر.
ونقل الموقع يوم الخميس 4 ديسمبر، عن مسؤولَينأمريكيين قولهما، إن "تشكيل القوة الدولية وهيكلالحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة"، معربين عنأملهما في الكشف عنه "خلال أسبوعين أو 3 أسابيع".
من جهته قال مصدر غربي مشارك بشكل مباشر فيالعملية لـ"أكسيوس"، إن "الأمور تسير قدما، والهدفأن نعلن عنها قبل عطلة عيد الميلاد".
ووفقا للمصادر، من المتوقع أن يعقد الرئيس الأمريكياجتماعا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوقبل نهاية ديسمبر لمناقشة هذه الخطوات.
وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق انسحابا إسرائيلياإضافيا من أجزاء من غزة، ونشر "قوات استقرار دولية" في المنطقة، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذييتضمن "مجلس السلام" بقيادة ترامب. وأجاز مجلسالأمن الدولي، شهر نوفمبر، كلا من قوة الاستقرارالدولية و"مجلس السلام".
وتشير التقارير إلى أن العنصر الأساسي في المرحلةالأولى من الخطة – والمتمثل في إفراج حركة "حماس" عن جميع المختطفين وإعادة رفات الأسرى الإسرائيليينالقتلى – بات "قريبا من الاكتمال"، إذ لا تزال رفات أحدالأسرى مفقودة.
ووفقا للمسؤولين الأمريكيين، سيكون مجلس "السلام" الذي سيضم "حوالي عشرة قادة من الدول الغربيةوالعربية" بقيادة ترامب على قمة هيكل الحكم الجديدفي غزة، وسيأتي تحته مجلس تنفيذي دولي يضمرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير،ومستشاري ترامب، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف،فضلا عن مسؤولين كبار من الدول الممثلة في مجلس"السلام".
وستعمل تحت إشراف هذا المجلس التنفيذي "حكومةفلسطينية" انتقالية تشكل من 12 إلى 15 شخصيةفلسطينية من التكنوقراط، من أصحاب الخبرة فيالإدارة والقطاع الاقتصادي، بشرط ألا تكون لهم أيصلات بـ"حماس" أو "فتح" أو غيرها من الفصائلالفلسطينية. وتشير المصادر إلى أن واشنطن في"المرحلة النهائية" من المشاورات مع إسرائيل والسلطةالفلسطينية ودول في المنطقة بشأن تشكيل هذهالحكومة.
ونقل "أكسيوس" عن مصدر مطلع، على عملية التدقيق،قوله إن الاختيار المبدئي شمل 25 اسما، تم استبعادنحو نصفهم، مردفا أن "بعض المرشحين يعيشون حاليافي غزة، بينما سبق لآخرين العيش في القطاع،وسيعودون للخدمة في الحكومة الجديدة".
وفي موازاة ذلك، أفاد الموقع بأن دولا مثل إندونيسياوأذربيجان ومصر وتركيا أعربت عن استعدادها منحيث المبدأ، لإرسال قوات للمشاركة في "قوات الاستقرارالدولية" في غزة، في حين يجري ممثلون عن الولاياتالمتحدة وقطر وتركيا حوارات مع "حماس" حول ملفنزع السلاح وتقليص سيطرة الحركة على القطاع،وبموجب المقترح، ستبدأ حماس أولا بالتخلي عنالأسلحة الثقيلة، ثم الشروع في التخلص من الأسلحةالخفيفة.
ومن المنتظر أن تنتشر القوة الدولية المزمعة في الجزءالخاضع حاليا لسيطرة الجيش الإسرائيلي من غزة. وصرح المسؤولان الأمريكيان أن ذلك سيتيح انسحاباإسرائيليا إضافيا من هذه المناطق.
وأضاف المصدر: "المعادلة ستكون على النحو التالي: خروج الجيش الإسرائيلي من غزة مقابل خروج حماسمن السلطة".
واختتم المصدر الغربي بالقول: "السؤال الأهم هو: هلستوافق حماس على نزع سلاحها والسماح للحكومةالجديدة بتولي الحكم؟. لا يمكن أن تكون في السلطةمباشرة أو بشكل غير مباشر عبر السلاح"، مشيرا إلىأن ما وصفه بـ"لحظة الحقيقة ستأتي خلال الأسابيعالمقبلة".
خلاف على التفاصيل
يوم السبت 6 ديسمبر 2025 أكد وزير الخارجية التركيهاكان فيدان لرويترز إن عدم دفع خطة وقف إطلاق النارفي غزة، المدعومة من الولايات المتحدة، إلى مرحلتهاالتالية سيكون “فشلا ذريعا” للعالم وواشنطن، مشيراإلى أن الرئيس دونالد ترامب قاد بنفسه هذه الجهود.
وفي مقابلة على هامش منتدى الدوحة، قال فيدان إنهينبغي تشكيل إدارة مدنية فلسطينية ذات مصداقيةوقوة شرطة مدربة حتى يتسنى لحركة المقاومةالإسلامية الفلسطينية (حماس) إلقاء السلاح، مضيفاأن الحركة مستعدة لتسليم إدارة القطاع.
وأوضح "أولا، علينا أن نرى اللجنة الفلسطينية المؤلفةمن خبراء فنيين تتولى إدارة غزة، ثم علينا أن نرىتشكيل قوة شرطة، من الفلسطينيين وليس حماس،لتأمين غزة مرة أخرى".
وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي قد عبرتمرارا عن استعدادها للانضمام إلى الجهود المبذولةلمراقبة تنفيذ الاتفاق، وهي خطوة تعارضها إسرائيلبشدة.
وقال فيدان إن قوة شرطة غزة ستدعمها قوة الاستقرارالدولية. وأضاف أن واشنطن تضغط على إسرائيل بشأنمسعى تركيا للانضمام إلى القوة، التي أبدتاستعدادها لنشر قوات إذا اقتضت الحاجة.
عند سؤاله عن الاتفاق التاريخي الذي جرى توقيعه فيمارس آذار وجرى الاتفاق فيه على دمج قوات سورياالديمقراطية التي يقودها أكراد في مؤسسات الدولةالسورية، قال فيدان إن هذه الجماعة لا تبدي “أي نية”للالتزام باتفاق الاندماج في مؤسسات الدولة السوريةوتحاول بدلا من ذلك الالتفاف عليه.
وهددت أنقرة، التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطيةمنظمة إرهابية ولكن التي تدعمها واشنطن مادياوعسكريا، بعمل عسكري إذا لم تمتثل الجماعة ومنحتهامهلة حتى نهاية العام.
وقال فيدان “أعتقد أن عليهم (قوات سوريا الديمقراطية) أن يفهموا أن القيادة والسيطرة يجب أن تأتي من جهةواحدة. لا يمكن أن يكون هناك جيشان في أي بلد. لذلك،لا يمكن أن يكون هناك سوى جيش واحد وهيكل قيادةواحد… ولكن في الإدارة المحلية، يمكنهم التوصل إلىتسوية مختلفة وتفاهمات مختلفة".
من جانبه وفي العاصمة القطرية الدوحة صرح وزيرالخارجية المصري بدر عبد العاطي يوم السبت 6 ديسمبر إنه ينبغي نشر القوة الدولية لإرساء الاستقرارفي غزة على طول “الخط الأصفر” للتحقق من وقفإطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس) وإسرائيل في القطاع.
وأنشئ مركز تنسيق متعدد الجنسيات في إسرائيللتطبيق خطة ترامب، لكن الخطة لا تتضمن مواعيدنهائية، ويقول المسؤولون المعنيون إن الجهود المبذولةللمضي قدما فيها تعثرت.
تقسيم غزة
أجرى وفد إسرائيلي يوم الخميس 4 ديسمبر، مناقشاتموسعة في مصر، تناولت «المرحلة التالية» من اتفاقوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وبحسب مسؤولينمصريين تحدثوا إلى «الأخبار»، فإن القاهرة رفضت،خلال الاجتماع، التصورات الإسرائيلية المقترحة بشأنتقسيم قطاع غزة إلى شطرين، الأول يبقى تحتالسيطرة الإسرائيلية ويتم بناء مساكن ومواقع فيهلاستقبال الفلسطينيين؛ والثاني لا تدخل إليه المساعداتويترك للحصار والتجويع.
وأشار المسؤولون إلى أن الجانب المصري أكد استمرارالتنسيق مع واشنطن "للالتزام بما جرى التوافق عليهفي اتفاق التهدئة"، وسط ما سموه "خطوطا حمراً" وضعتها القاهرة، وستكون محور تحركها في الأسابيعالمقبلة. وفيما تناول الاجتماع مسألة البحث عن رفاتآخر جندي إسرائيلي موجود في القطاع، وهو رانغويلي، جزم المسؤولون بأن "المقاومة أبدت جدّية فيالبحث عنه".
ويأتي ذلك فيما يتواصل الخلاف المصري - الإسرائيليحول تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، والذي نص عليهاتفاق وقف إطلاق النار، ولا يزال الاحتلال يمانع في تطبيقه. وبحسب المصادر، فإن "جزءاً أساسياً منالتباينات التي تفاقمت خلال الاجتماع، وجعلته ينتهيمن دون توافقات تذكر، مع الاتفاق على تنسيق لقاءاتأخرى، يرتبط بالمساعدات التي سيتم إدخالها إلىالقطاع". وكانت انعقدت، على مدى يومين، بينمسؤولين في القاهرة وآخرين في واشنطن، مناقشاتتتصل بالسيناريوات الأمريكية المقترحة لإدخالتعديلات على الاتفاق، مع دخول ثلاثة أسابيع حاسمةستحدد مسار الانتقال إلى المرحلة الثانية منه.
وبحسب مسؤول مصري شارك في الاتصالات، فإنالبيت الأبيض "أصبح أكثر دعماً للتصورات الإسرائيليةالمتعلقة بتقسيم القطاع، مع إبقاء السيطرة الإسرائيليةعلى بعض المواقع، في وقت تدعم فيه مصر انسحاباإسرائيليا كاملا، وتخلي حماس عن إدارة القطاع دفعةواحدة، وتسليم الإدارة لـ«القوة الدولية» التي يفترضأن تتولّى مسؤولية الأمن في القطاع.
وأكد المسؤول، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «ثمةضغوطاً أمريكية تمارَس على القاهرة في ظل غيابالتوافق حول نزع سلاح المقاومة بالكامل، وتذرعإسرائيل بهذا الأمر لتبرير موقفها» المتعنت، مستدركابأن القاهرة "ترغب في احتفاظ المقاومة بسلاحها لأطولفترة ممكنة، بوصفه آخر أداة ضغط حقيقية علىإسرائيل قد تجبرها على تقديم تنازلات جوهرية فيالمستقبل القريب".
من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "ما هو الجدولالزمني؟ ما هي القوات التي ستأتي؟ هل ستكون هناكقوات دولية؟ إذا كان لا فما هي البدائل؟ هذه كلهامواضيع قيد النقاش"، واصفا تلك القضايا بالمحورية.
وذكر نتنياهو إنه سيناقش أيضا مع ترامب “فرصالسلام”، في إشارة واضحة إلى الجهود الأمريكيةالمبذولة حتى تقيم إسرائيل علاقات رسمية مع الدولالعربية والإسلامية.
وأضاف "نعتقد أن هناك سبيلا لتحقيق سلام أوسع معالدول العربية، وطريقا أيضا لإرساء سلام عملي معجيراننا الفلسطينيين"، مؤكدا أن إسرائيل ستصر دائماعلى الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على الضفة الغربية.
وكان ترامب قد وعد القادة المسلمين بأن إسرائيل لنتضم الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، حيث تدعمحكومة نتنياهو التوسع في المستوطنات اليهودية.
وذكر نتنياهو إن “مسألة الضم السياسي” للضفةالغربية لا تزال محل نقاش.
أوهام التسوية
في نطاق عمليات التضليل الصهيونية وتقاسم الأدوارأكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أن"الخط الأصفر" الفاصل في غزة هو الحدود الجديدةللقطاع مع إسرائيل. وقال زامير، في بيان أصدرهالجيش الإسرائيلي، يوم الأحد 7 ديسمبر، إن "الخطالأصفر يشكل خط حدود جديداً، خط دفاع متقدمللمستوطنات، وخط هجوم"، مضيفا "نستعد لاندلاعحرب مفاجئة ويجب أن نكون على أهبة الاستعداد فيكل الجبهات". وأشار إلى أن «المناورات السنوية للقوات الإسرائيلية ستحاكي احتمال وقوع حرب مفاجئة". وبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد، مناوراتعسكرية في جبل الشيخ ومزارع شبعا المحتلة، في إطارسلسلة تدريبات يجريها، منذ أسابيع، في المنطقة، وذلكبعد توغل جديد قرب بيت جن في ريف دمشق، وبعدتدريبات عسكرية أجرتها فرقة الجليل في الجيشالإسرائيلي، خلال الأسابيع الماضية، في القطاعينالشرقي والغربي للحدود مع لبنان.
تساؤلات
هناك تساؤلات حول شكل وأقطاب النظام الدولي الجديد القادم، بين عودة عالم القطبين الأمريكي والروسي، أو استبدال روسيا بالصين، أو بقاء الثلاثة أقطاب للعالم، أو حرب عالمية ثالثة لإفراز وضع مغاير،وهل سيقودنا قطب أوحد أمريكي أو صيني، وما هي احتمالات إقامة نظام سوي ومتعدد الأطراف، لا يتمتع فيه أي طرف بالقدرة على حسم الأمور فرادة، أو نحن على أبواب نظام متعدد الأقطاب تتكاثر فيه الأطراف القوية المتنازعة، أم سيتحقق مفهوم "الانهيار الحتمي للأمبراطورية الأمريكية" الذي يركز على تراجع القوة الأمريكية بسبب عوامل داخلية وخارجية، تشمل الإرهاق العسكري من الحروب الطويلة وتضخم التكاليف العسكرية والديون، صعود قوى منافسة كالصين وروسيا، التحول نحو الرأسمالية المالية بدلا من الصناعة، اتساع الفجوة بين الخطاب والأفعال، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية (مثل تدهور الطبقة الوسطى وتآكل القيم)، مما يشير إلى نهاية حقبة الهيمنة المطلقة، على غرار انهيار الإمبراطورية البريطانية، ويستدعي من العالم العربي بناء قوته الذاتية بدلاً من الاعتماد على أمريكا.
تساؤلات عدة ومتباينة في مرحلة مضطربة وانتقالية حساسة وخطرة.
عمر نجيب









