صراع القوى الكبرى ينتقل مؤقتا إلى الساحة الأوروبية... تحرك حلف الناتو شرقا يعيد إحياء شبح الحروب الكبرى

أربعاء, 2021-12-15 10:58

في المنطقة الشرق أوروبية وعلى بعد أكثر من 1000 كيلومتر في إتجاه الشرق من الحدود البولندية الحالية حيث انطلقت في الأول من شهر سبتمبر سنة 1939 شرارة الحرب العالمية الثانية، تستعر معركة جديدة قديمة حيث تتواجه روسيا مع سلطات أوكرانيا المدعومة من طرف الولايات المتحدة وأوروبا الغربية المتضامنة في نطاق حلف شمال الأطلسي، وذلك في نطاق فصل من فصول الصراع العالمي لإقامة نظام عالمي جديد، وكذلك جهود موسكو لمنع استمرار واشنطن وحلفائها في توسيع تحالفاتهم العسكرية شرقا وفرض حصار على روسيا ومنعها من استعادة مكانتها في القارة العجوز.

الكرملين وحسب أنصاره يريد تصحيح حالة التشرذم والتفكك التي واجهتها البلاد بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي بداية العقد الأخير من القرن العشرين حيث شجعت الولايات المتحدة الحركات الانفصالية في جمهورياته في محاولة مشابهة لما وقع للإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. الحدود التي برزت داخل شتات الاتحاد السوفيتي لم تراع حقوق المواطنين الروس الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها سكان دول جديدة، بعد أن كانت الحدود التي اقيمت في الفترة السوفيتية أشبه بالفواصل الإدارية بين الأقاليم في دولة واحدة.

روسيا، التي منحت جنسيتها لسكان القرم، وأعداد كبيرة من سكان دونباس، انتقدت بشدة قانون "الشعوب الأصلية" في أوكرانيا، الذي لم يشمل الروس، واعتبرته "قانونا عنصريا"، صادرا عن "سلطات فاشية". 

يعتبر الرئيس الروسي بوتين أوكرانيا دولة "مزيفة وجزءا لا يتجزأ من روسيا"، باعتبار أنها كانت مهد الدولة الروسية في العصور الوسطى. وقد أوضح وجهات نظره بمقال طويل نشر في يوليو 2021، بعنوان: "عن الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين".

وبغض النظر عن صحة وجهة نظره من عدمها، كتب يوجين رومر وأندرو فايس، من مؤسسة Carnegie Endowment البحثية الأمريكية، إن بوتين "ينظر إلى أوكرانيا بشكل متزايد، على اعتبار أنها حاملة طائرات الغرب المتوقفة قبالة روستوف أوبلاست جنوب روسيا". كما أشارا إلى أن أوكرانيا الآن واحدة من أكبر الدول التي تحصل على مساعدات عسكرية أمريكية.

منذ تشكل جمهورية أوكرانيا المستقلة عام 1991، شهدت العلاقات الأوكرانية الروسية كثيرا من أحداث وفترات التوتر، لكنها لم تبلغ حد العداء إلا في نهاية 2004، عندما اشتعلت في أوكرانيا ثورة برتقالية ميالة نحو الغرب.

عندها، دخل الغرب بقوة على خط العلاقات، داعما انحياز الثورة نحوه، لكن الحكم عاد بقوة إلى الموالين لروسيا في 2010.

وباندلاع احتجاجات "الميدان الأوروبي" في نهاية 2013، أخذ المشهد الأوكراني بعدا آخر تعاظم فيه التوجه الغربي والدور القومي، على حساب انحسار أدوار وتأثير "الموالين لروسيا". الكرملين اتهم المخابرات الأمريكية بتدبير هذا التحول.

مع اقتراب نهاية السنة الأولى من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يطرح سؤال ملح وهو، هل تتحول المواجهة بين موسكو وكييف إلى حرب أوروبية واسعة النطاق ومعها أخطار انتقالها إلى حرب عالمية ثالثة، حيث أن بعض القوى في الغرب وعلى ضوء تصاعد قوى روسيا والصين تقدر أنه إن لم يتم إلحاق هزيمة كبيرة بخصومها بسرعة فإنه لا سبيل لمنع نهاية مرحلة الهيمنة الحالية على الصعيد العالمي.

 

الخطوط الحمراء

 

في موسكو وبعد لقاء القمة الافتراضي بين واشنطن وموسكو صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن هناك فروقا خطيرة للغاية في المفاهيم بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص "الخطوط الحمراء" لدى موسكو.

وبالنسبة لموسكو يعتبر احتضان حلف الأطلسي المتزايد لجمهورية سوفيتية سابقة مجاورة مثل أوكرانيا، ونشر صواريخ للحلف فيها موجهة إلى روسيا، بمثابة "خط أحمر" لن تسمح بتجاوزه.

بدوره قال أندريه رودينكو نائب وزير الخارجية الروسي إن بلاده لن تسمح بأن يجري التحدث معها بما سماه "لغة الشرطي المستعلية"، ومن خلال استخدام الابتزاز والتدخل بشؤونها الداخلية.

ورأى رودينكو أن مشكلة الغرب تكمن في عدم استعداده للاعتراف بتشكل عالم جديد متعدد الأقطاب، وفي سعيه المستمر لحل المشاكل بالقوة، معتمدا على أدوات العقوبات غير الشرعية.

بداية شهر ديسمبر 2021 أعربت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، عن خشية الولايات المتحدة من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعادة صنع التاريخ بإحياء الاتحاد السوفييتي.

وقالت في جلسة استماع بمجلس الشيوخ: "هناك مخاوف من أن يسعى بوتين لإحياء الاتحاد السوفييتي، ومن يدري ما إذا كانت شهيته ستتوقف على ما بلعه، أم أنه سيقرر المضي قدما ؟".

وحذرت نولاند روسيا من "تنفيذ خططها لغزو أوكرانيا"، مشيرة إلى أن "المواجهة مع الجيش الأوكراني الحديث مقارنة بعام 2014 ستكلف الكثير من الدماء".

وتابعت: "هناك العديد من الأسباب لعدم رغبة أي منا في شن الحرب.. ستكون الحرب دموية للغاية وصعبة بالنسبة لأوكرانيا، ولكنها ستكون أيضا شديدة الدموية وصعبة بالنسبة لروسيا".

 

وعود عمرها 30عاما

 

ترجع قصة "الخطوط الحمراء" بين روسيا والولايات المتحدة إلى نهايات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق -الذي كان يتزعم حلف وارسو- والمعسكر الغربي وحلفه العسكري "الناتو" بزعامة الولايات المتحدة.

تقرير لموقع "Responsible Statecraft" الأمريكي تناول هذا الأمر في تقرير عنوانه "بوتين يرسم خطاً أحمر جديدا لمنع الناتو من التوسع شرقا إلى أوكرانيا"، إذ كشفت وثائق أمريكية وسوفيتية وأوروبية رفعت عنها السرية مؤخرا أن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أكد للرئيس السوفيتي، ميخائيل غورباتشوف، في عام 1990 أن الناتو لن يتوسع "بوصة واحدة" شرق ألمانيا، وآنذاك، كان هذا هو الخط الأحمر لروسيا.

لكن بعد ثلاثين عاما، وفي 2 ديسمبر 2021 الجاري، تحول هذا الخط الأحمر من بوصة واحدة إلى نحو 965 كيلومترا، وحاليا قال فلاديمير بوتين إنه يسعى الآن للحصول على وعد بأن الناتو لن يتوسع شرقا إلى أوكرانيا.

إذ بعد التأكيدات الأمريكية لروسيا قبل أكثر من ثلاثة عقود، توسع حلف الناتو شرقا عبر المجر وجمهورية التشيك وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا والجبل الأسود وبولندا. وتبلغ تلك المسافة قرابة 965 كيلومتراً من التعهدات المكسورة أوصلت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى حدود أوكرانيا.

وبعد أن تراجعت روسيا 965 كيلومترا عن الخط الأحمر لآخر قادة الاتحاد السوفيتي غورباتشوف، رسم بوتين خطا أحمر جديدا في الثاني من ديسمبر، سعيا وراء "ضمانات أمنية موثوقة وطويلة الأجل"، وأن تقر هذه الضمانات "التخلي عن أي تحركات أخرى لحلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق أو نشر أسلحة تهددنا على مقربة من الأراضي الروسية".

يدرك بوتين جيدا أن الخط الأحمر قد انزاح شرقا لمسافة 965 كيلومترا، ففي "مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية" في عام 2007، سأل بوتين في خطاب موجه إلى العالم: "ماذا حدث للتعهدات التي قدمها شركاؤنا الغربيون بعد حل حلف وارسو؟ أين تلك التصريحات اليوم؟ لا أحد يتذكرها حتى. لكن اسمحوا لي بأن أذكر الجمهور بما قيل آنذاك.

"وأود أن أقتبس عن خطاب الأمين العام لحلف الناتو، مانفريد ورنر، الذي ألقاه في بروكسل في 17 مايو 1990، فقد قال وقتها: حقيقة أننا على استعداد لعدم وضع قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي خارج الأراضي الألمانية تمنح الاتحاد السوفيتي ضمانا أمنيا راسخا، أين هذه الضمانات اليوم؟".

كانت التعهدات خادعة، وتحرك الخط الأحمر مئات الكيلومترات وأصبح تهديدا. وبعد 7 سنوات، في تقييم صادر عن وزارة الخارجية الروسية في عام 2014، أشارت الوزارة إلى أن "التوسع المستمر شرقا والموجات المتعاقبة من توسع الناتو تتعارض مع الضمانات الصادرة من أعلى مستويات" الحكم الغربية.

ومن ثم، أشار التقرير الخاص بإستراتيجية الأمن القومي لروسيا في عام 2015 إلى أن "التوسع المستمر لحلف الناتو والتقدم المطرد ببنيته التحتية العسكرية تجاه حدود روسيا، كلاهما ينطوي على تهديد للأمن القومي الروسي".

قدَم الغرب تعهده الأول لروسيا في 9 فبراير 1990، عندما وعد وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، رئيسَ الاتحاد السوفييتي غورباتشوف بأنه في حال الإقرار لمساعي الناتو بسحب القوات الروسية من ألمانيا الشرقية، فإن الناتو لن يتمدد شرق ألمانيا. وسجل غورباتشوف في مذكراته انه وافق على شروط بيكر "بعد حصوله على تعهدات بأن سيادة الناتو وقواته لن تمتد شرق الخط الحالي".

ويؤكد جاك إف. ماتلوك جونيور، الذي كان سفير الولايات المتحدة في روسيا في ذلك الوقت وكان حاضرا الاجتماع، رواية غورباتشوف، قائلا في كتابه Superpower Illusions: "إنها تتفق مع المذكرات التي دونتها عن المحادثة باستثناء أن مذكراتي تشير إلى أن بيكر أضاف ولا بوصة واحدة".

في اليوم التالي لتلك المحادثات، وفقا لوثائق وزارة الخارجية الألمانية الغربية في 10 فبراير1990، قال وزير خارجية ألمانيا الغربية، هانز ديتريش غينشر، لنظيره السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه: "من جانبنا… هناك أمر واحد مؤكد: الناتو لن يتوسع إلى الشرق".

وقد نشر "أرشيف الأمن القومي الأمريكي" الوثائق الفعلية التي توضح بالتفصيل ما وعد به غورباتشوف في 12 ديسمبر 2017. وبحسب ستيفن كوهين، الأكاديمي الأمريكي الراحل والمتخصص في الشؤون الروسية، في كتابه War With Russia، فإن الوثائق تكشف أخيرا وعلى نحو رسمي أن "التعهدات والوعود التي نقضت كانت أكثر بكثير مما كان معروفا في السابق: لقد قطعت جميع القوى الغربية المعنية -الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا نفسها- الوعد نفسه لغورباتشوف في مناسبات عديدة وبطرق جازمة مختلفة".

ويقول متعاطفون مع بوتين إن الأمر لم يكن يتعين أن يكون على هذا النحو، وإن بوتين، مثل غورباتشوف من قبله في نهاية الحرب الباردة، كان يأمل في العمل على إنشاء مجتمع دولي يتميز بالتعاون بين أنداد، بدلا من بناء الكتل، حتى إنه اقترح انضمام روسيا إلى عضوية الناتو، بحسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وحتى في الخطاب الذي رسم فيه الخط الأحمر الجديد لروسيا، كان بوتين لا يزال يقترح حلا تعاونيا. وقال إن "التوصل إلى اتفاقيات محددة" يجب أن يجري "في حوار مع الولايات المتحدة وحلفائها". وأضاف في نوع من الطرح الدبلوماسي: "نحن لا نطالب بأي شروط خاصة لأنفسنا وندرك أن أي اتفاقيات يجب أن تأخذ في الاعتبار مصالح روسيا وجميع الدول الأوروبية الأطلسية في الوقت نفسه".

مع ذلك، وبيد أنه من الواضح أن هذا المسار سيكون أقل إثارة للنزاع والصدام، فإن احتمالات اتخاذه قليلة، حيث إن التأكيدات الوحيدة التي تصدر اليوم تأتي في هيئة تعهدات من وزير الدفاع الأمريكي، الذي طمأن جورجيا وأوكرانيا مؤخرا أن "الباب لا يزال مفتوحا" لعضوية الناتو، وهو الأمر الذي لا ينفك يثير استياء روسيا كثيرا.

 

الناتو مصر على التوسع

 

يوم الجمعة 10 ديسمبر 2021 رفض الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبيرغ، مطالب روسيا بإعلان قرار العمل على انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف باطلا.

وذكر ستولتنبيرغ، خلال مؤتمر صحفي عقده مع المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتس: "نحن مستعدون للجلوس حول طاولة المفاوضات مع روسيا لكننا غير جاهزين للتخلي عن حق الدول في الانضمام إلى الحلف".

وصرح متحدثا عن العلاقات مع أوكرانيا: "موقف الناتو لا يزال ثابتا... وهو يستند إلى المبدأ الذي ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار سبيلها... بما في ذلك الإجراءات الأمنية التي تريد أن تكون جزءا منها". وأردف: "العلاقات مع أوكرانيا والناتو سيقررها الحلفاء الـ30 في الناتو وأوكرانيا نفسها وليس أحد آخرـ لا يمكن أن نوافق على سعي روسيا إلى إعادة النظام الذي تمتلك فيه قوى كبرى مثل روسيا قطاعات نفوذ حيث يمكنها أن تملي وتقرر ماذا سيفعله الآخرون".

وجدد الأمين العام للناتو تهديده لروسيا بأنها "ستدفع ثمنا" في حال "شنها أي عدوان" على أوكرانيا.

وفي وقت سابق من الجمعة اتهمت وزارة الخارجية الروسية الناتو بانتهاك التزاماته تجاه روسيا والتوسع إلى الشرق، مطالبة بإعلان الحلف رسميا القرار الصادر عام 2008 حول السعي إلى ضم أوكرانيا وجورجيا مستقبلا في قوامه باطلا باعتباره معارضا لمبدأ دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المتمثل في "عدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين".

أشار تقرير في صحيفة واشنطن بوست نشر يوم 27 نوفمبر 2021 إلى تعمق التصدعات بين أوكرانيا وروسيا وإثارة المسؤولين الغربيين والأوكرانيين المخاوف من الحشد العسكري الروسي بالقرب من أوكرانيا والذي بلغ 175 الف جندي، حيث يقاتل الانفصاليون المدعومين من روسيا قوات أوكرانيا المتحالفة مع الغرب منذ عام 2014.

ولفت محرر الشؤون الخارجية في الصحيفة سامي ويستفول إلى اشتعال العداء يوم الجمعة 26 نوفمبر عندما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن مجموعة من الروس والأوكرانيين خططوا لمحاولة انقلاب ضده.

ولتسليط المزيد من الضوء على ما يجري أورد الكاتب بعض أهم الأسباب التي تلخص الأزمة الحالية، ومنها أن سبب وجود توترات بين البلدين يعود إلى مارس 2014 عندما استعادت روسيا شبه جزيرة القرم، وبعد شهر نشبت الحرب بين الانفصاليين المتحالفين مع روسيا والجيش الأوكراني في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، مما أودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص وفقا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

واشنطن دعمت كييف ماليا وعسكريا منذ عام 2014، حيث قدمت أكثر من 4.5 مليارات دولار من المساعدات، بما في ذلك شحنتان من صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وطورت كييف صواريخ "نيبتون" المضادة للسفن بدعم أمريكي إسرائيلي، وكذلك اشترت من تركيا طائرات "بيرقدار" المسيرة ولدى البنتاغون في أوكرانيا ما يقارب 150 مستشار عسكري أمريكي.

بالإضافة إلى "دعم وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا"، يرى مراقبون أن سر الاهتمام الأمريكي بملف الأزمة الأوكرانية، وسر دعم كييف بمليارات الدولارات في مواجهة موسكو، يكمن في مصالح وأهداف أمريكية، قد تتحول إلى شرارات حرب كبرى، ومنها:

– طعن روسيا في خاصرتها، وثنيها عن التحالف مع الصين، العدو الرئيس لواشنطن.

– عرقلة التقارب الروسي الأوروبي بعد سنوات القطيعة النسبية، وعرقلة مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز، كخطر جيوسياسي كبير على الحلفاء الأوروبيين.

– استنزاف قوى روسيا في ساحة الحرب الأوكرانية، وإضعاف نفوذها المتنامي إقليميا وعالميا خاصة في الشرق الأوسط.

 

توقعات متضاربة

 

لا أحد يعلم هل ستهاجم روسيا أوكرانيا أم لا، ولكن المؤكد أنه في الحالتين إما سيقضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غنيمة حرب جديدة من أوكرانيا أو سيخرج بمكسب سياسي من الغرب.

يعتقد المحلل العسكري الروسي ألكسندر غولتس أن أنشطة روسيا استعراضية بطبيعتها.

وينقل موقع دويتشه فيله عن غولتس قوله: "كانت روسيا بحاجة إلى وسيلة جديدة لممارسة الضغط على الغرب" والتهديد بشن حرب ضد أوكرانيا هو أحد السبل للقيام بذلك.

ويقول فولوديمير فيسينكو، رئيس مركز بنتا للدراسات السياسية التطبيقية في كييف، إن موسكو تحاول إجبار الحكومة الأوكرانية على تقديم تنازلات في المفاوضات بشأن دونباس، ويفترض الخبير السياسي أن روسيا تأمل في أن يؤدي هذا النهج أيضاإلى جولة جديدة من المفاوضات مع الغرب.

ويضيف: "إن الكرملين قلق بشأن العقوبات الغربية، بما في ذلك تلك التي تستهدف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2".

أما ميخايلو ساموس، من مركز كييف لدراسات الجيش والتحول ونزع السلاح، فهو مقتنع بأن موسكو كانت تستعد منذ فترة طويلة للغزو وبدأت بالفعل في التركيز.

ويضيف: "لقد أنشأت روسيا فعليا ثلاثة جيوش جديدة تطوق أوكرانيا". وقال إنه تم إرسال ست غواصات مسلحة بصواريخ كاليبر كروز القادرة على حمل رؤوس حربية نووية إلى شبه جزيرة القرم. 

لكن ساموس لا يعتقد أن بوتين سوف يقدم على الانخراط في تصعيد مفتوح. ويقول إن الرئيس الروسي يفضل الاستفزاز من خلال "القوات الهجينة بالوكالة"، أي من خلال الحلفاء أو عبر الهجمات الإلكترونية أو الدعائية.

ويرى عدد من المراقبين في أوروبا أن احتمال اندلاع حرب واسعة هو احتمال ضئيل.

لكن تقرير "بلومبرغ" يحذر من أن مصدر القلق الرئيسي هو أنه إذ أخطأ أحد الأطراف في الحسابات، ما يؤدي إلى نوع من القتال المفتوح.

ورغم تعهدات الغرب لأوكرانيا بدعمها، فإنه لا يمكن تخيل أن أي دولة غربية سوف تدخل في مواجهة مع روسيا قد تطور لحرب نووية، من أجل أوكرانيا.

 

الاخفاق

 

عكس تحليل نشر يوم 9 ديسمبر 2021 في عدة دوائر إعلامية غربية الإخفاق الذي يشعر به عدد من السياسيين الأوربيين والأمريكيين في مواجهة روسيا وجاء فيه:

يمكن القول إن نجاح بوتين في بعث النفوذ الروسي وراءه نوعان من العوامل الأساسية.

عوامل مرتبطة بروسيا نفسها وإستراتيجيتها، والعوامل الأخرى مرتبطة بأخطاء الغرب أو عيوب هيكلية لديه.

فيما يتعلق بالعوامل المرتبطة بروسيا، قد يكون أبرزها الاقتصاد.

يمكن القول إن بوتين طور اقتصادا قادرا على التكيف مع الأزمات.

منذ سنوات لم تحقق روسيا نموا اقتصاديا مثيرا مثل الدول الآسيوية التي تقف على رأسها الصين، ولم تحقق روسيا اختراقات تذكر في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد، كالصين وأمريكا وألمانيا.

في المقابل، يتمتع الاقتصاد الروسي باحتياطيات مالية كبيرة نسبيا لحجم الاقتصاد، كما أن الميزانية الروسية قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط، أكثر من معظم دول الأوبك، إضافة إلى أن البلاد منتج مهم للحبوب ومواد خام كثيرة، ولديها تميز في بعض الصناعات الإستراتيجية مثل الطاقة النووية ومحطات الكهرباء والأقمار الصناعية والصناعات العسكرية بطبيعة الحال.

وليس لدى البلاد قطاع تكنولوجي مثير للإعجاب كالذي طورته الصين، ونمو صناعاتها يبدو أنه يسير كالسلحفاة مقارنة ببكين ولكن أكثرها اعتمادا على الذات، وأقل حاجة للغرب في هذه الصناعات مقارنة بالصين.

فمازالت هواتف الصين المحمولة وطائراتها المدنية التي تدخل الخدمة تحتاج إلى استيراد المعالجات والمحركات من الغرب أو روسيا.

يخلق بوتين ما يمكن أن نسميه العالم الروسي، الممتد من المحيط الهادئ إلى إقليم الدونباس في أوكرانيا، وهو هو عالم مستقل لم يصل للاكتفاء الذاتي، ولكن اعتماده ليس كبيرا على الخارج، وهو متداخل مع العوالم الصينية والعربية والإفريقية، حيث يقدم نفسه أحيانا كبديل للغرب.

الأهم أن العالم الروسي مازال متداخلا مع العالم الغربي وتحديدا أوروبا، ولكن مع وجود حاجات متبادلة، فعبر صادرات الطاقة الروسية، فإن أوروبا تحتاج إلى موسكو كثيرا، والمخاطرة بفرض عقوبات شديدة عليها من أجل إقليم الدونباس الذي لا يعلم عنه أغلب الأوروبيين شيئا يعني ببساطة تعريض أمن الطاقة الشخصي لكل مواطن أوروبي للخطر.

ولا يكتفي بوتين بورقة الطاقة، ولكن يستخدم ما يمكن تسميته الغموض المثير للخوف، والذي عززه نجاح تكتيكاته في أوكرانيا وسوريا، ففي حال وقوع أي أزمة، لا يخشى الغرب ما يحدث في الأزمة حاليا بل دوما يخشى التصعيد لأنه لا يعلم إلى أي مدى سيصل بوتين.

فإذا هاجم بوتين أوكرانيا كما فعل في عام 2014، فإن الناتو لن يفكر في أوكرانيا غالبا، بل كل ما سيفكر فيه هو كيفية حماية جبهته الواهنة في البلطيق، وبالتالي فحتى فإذا فكر المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون في رد شبه عسكري أو عقوبات مدمرة للاقتصاد الروسي، فإن ما سيوقفهم ببساطة أن بوتين يستطيع توسيع الهجوم.

وبالتالي يصبح أفضل سيناريو للغرب هو تقليل ما سيقضمه بوتين عبر عقوبات صورية وتطبيع تدريجي.

 

كيف هزم الغرب نفسه؟

 

في مقابل التخطيط الاستراتيجي الماكر لبوتين، فيمكن القول إن الغرب هزم نفسه بمواقفه الضعيفة، في أوكرانيا، وسوريا.

فالعقلانية المبالغ فيها والتي اتسمت بها إدارة أوباما تحديدا، كانت رسالة لبوتين بأن افعل ما تشاء فلن يكون هناك رد حاد من الغرب.

كما أن هناك فارقا أساسيا بين الوضع خلال الحرب البادرة والوقت الحالي.

فخلال الحرب الباردة كان الرأي العام الغربي ولاسيما الأمريكي مؤهل لفكرة الحرب بما فيها النووية، وبالتالي استعداد واشنطن للتصعيد كان عاليا، وكان أي تفريط بمثابة خيانة، ولذلك كانت أزمات مثل حصار برلين أو الاحتلال السوفييتي لشمال إيران أو الحروب العربية الإسرائيلية تتحول لأزمات كبرى يجرى فيها سن أسنان الأسلحة النووية، وهو أمر كان يردع السوفييت عن فكرة التصعيد.

ولكن اليوم في الأزمة الأوكرانية، يستهل أي مسؤول أمريكي حديثه بالتأكيد على أن بلاده لن تدخل في حرب مع روسيا من أجل أوكرانيا، وهو أمر مفهوم ومنطقي، ولكنه يضعف موقف الغرب الأولى في الأزمة.

والمفارقة هنا أن شبح الحرب النووية هو الذي حقق استقرارا نسبيا خلال الحرب الباردة وردع الاتحاد السوفييتي قليلا وثبت خطوط التماس نسبيا بين الكتلتين الشرقية والغربية، حينما كان يمكن أن يتحول أي عراك بين جندي ألماني شرقي وآخر ألماني غربي إلى شرارة لمثل هذه الحرب.

أما اليوم فإن شبح الحرب النووية هو نفسه الذي يسبب عدم الاستقرار، لأن روسيا تتلاعب بمحيطها وهي واثقة أن أمريكا لن تتصدى لها عسكريا خوفا من اندلاع مواجهة نووية.

المفارقة الثانية أن المقارنة العسكرية بين الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو أمريكا، وبين روسيا تظهر عجزا روسيا في كل شيء باستثناء السلاح النووي.

ولكن الغرب ليس شيئا واحدا، ففعليا القوة الوحيدة الأقوى من روسيا هي أمريكا البعيدة عن أوروبا والمهمومة بصعود الصين، والتي قد لا يفهم مواطنوها لماذا يعرضون حياتهم للخطر وينفقون أموالهم للدفاع عن بلد لم يكن يعرفون مكانه على الخريطة أو حتى اسمه قبل استقلاله عن الاتحاد السوفييتي.

وفرنسا صديقة خفية للروس أكثر من كونها عدوة لهم. أما ألمانيا فهي الدولة الوحيدة الأوروبية القادرة لو أرادت بناء قوة عسكرية نظيرة لروسيا خلال بضع سنوات، ولكن بالإضافة إلى تمكن الفكر المعادي للحرب في ألمانيا فإن ساسة البلاد ومواطنيها يفضلون استثمار الأموال في اقتصاد البلاد المتنامي واستمرار الصفقات المربحة مع روسيا، وسيظل هذا الموقف الألماني أكبر عائق أمام اتخاذ موقف غربي حاسم من روسيا.

 

سيناريوهات الصراع

 

يدعي بعض المحللين في السياسات الخارجية الغربية أن روسيا تستعد لغزو أوكرانيا، حتى إن البعض يجادل بأن بوتين يعتبر الغزو الكامل لأوكرانيا وسيلة لترسيخ إرثه.

لكن عالم السياسة الروسي سوسلوف يستبعد شن روسيا غزوا واسع النطاق، قائلا إنه سيكون "غير مرغوب فيه ومكلف للغاية بالنسبة لروسيا". وتاريخيا، ابتعدت روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي عن مثل هذه المساعي العسكرية واسعة النطاق، ولجأت بدلا من ذلك إلى تكتيكات المنطقة الرمادية الأقل تكلفة.

وبصفة عامة فإن بوتين لديه أداتان عسكريتان للهجوم على أوكرانيا، الأولى هجوم عسكري مباشر من الجيش الروسي النظامي، والثانية عملية عسكرية رمادية من الميليشيات الموالية لموسكو، والأداة المرجحة في حال غزو أوكرانيا من قبل روسيا هي خليط من الاثنين.

وتعتبر أوكرانيا هدفا سهلا لأي غزو عسكري روسي، مع فارق القوة العسكرية الهائل بين البلدين، ولكنها تظل بعدد سكانها البالغ نحو 41 مليون نسمة لقمة كبيرة على موسكو لابتلاعها وضمها رسميا أو فعليا، حيث يعادل سكانها أكثر من ربع عدد سكان روسيا.

ولذا فإن احتمال أن يؤدي غزو أوكرانيا لابتلاع روسي لها بالكامل مستبعد إلى حد كبير.

في المقابل فإن غزو أوكرانيا عبر خليط من الحرب النظامية والحروب الرمادية بهدف إسقاط النظام أو تفتيت البلاد، أو خلق حالة مواتية لموسكو محتمل أكثر من الضم الكامل رغم أنه يظل سيناريو بعيدا.

يمكن لموسكو تدمير الجيش الأوكراني بالكامل، ما قد يمهد لإسقاط النظام أو دخول قوات روسية أو موالية لها للقيام بذلك، وقد يتبع ذلك محاولة تشجيع المناطق التي توجد بها نسب مرتفعة من الروس والمتحدثين بالروسية على الانفصال أو شكل من أشكال الحكم الذاتي.

هذا السيناريو المتطرف، رغم أنه لا يمكن استبعاده، فإنه غير مرجح بالنظر للتكلفة العسكرية الكبيرة والشكوك أن سكان المناطق ذات الوجود الروسي الكثيف ستدعمه.

هناك ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقا لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17 في المئة من سكان البلاد قبل أزمة 2014، وتؤكد موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء.

يطلق اسم إقليم الدونباس على مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، اللتين يتحدث أغلب سكانهما بالروسية، وهما خارجتان عن سيطرة أوكرانيا منذ عام 2014، ويحكمهما زعماء موالون لروسيا، ويعتمدون عليها اقتصاديا وعسكريا.

ويبدو سيناريو ضم روسيا رسميا إقليمَ الدونباس ذا الأغلبية الناطقة بالروسية رسميا، خيارا أكثر احتمالا من الخيارات السابقة.

وسبق أن طلب زعيم الحزب الشيوعي الروسي، غينادي زوغانوف، من بوتين، أن يعترف بتبعية منطقة دونباس لروسيا أي ضمها إلى روسيا رسميا، علما أن الإقليم الذي يشكل من جمهوريتين انفصاليتين غير معترف بهما حتى من روسيا، يعتمد على موسكو تماما من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية.

ومنحت موسكو سكان الإقليم حق الحصول على جوازات سفر روسية، وبرر المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" ديمتري بيسكوف، هذا القرار بأنه يأتي لمنحهم حرية التنقل في أماكن أخرى بخلاف روسيا.

ولتشجيع هذا التوجه قررت روسيا اشتراط الحصول على جوازات سفر روسية لمن يرغب من سكان الإقليم في الانضمام إلى القوى المسلحة بالإقليم الانفصالي، وهو مصدر نادر للوظائف في الإقليم المحاصر غربيا، وهو ما اعتبرته أوكرانيا تشجيعا لزيادة عدد حاملي الجنسية الروسية في الإقليم.

كما وقَع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مرسوم يقضي بتسهيل قوانين الحصول على الجنسية الروسية لسكان بعض المناطق في جنوب شرقي أوكرانيا.

وباعتراف موقع "روسيا اليوم"، فإن هذا يعني أن سكان إقليم الدونباس سوف يشعرون بثقة أكبر بامتلاكهم جواز سفر روسيا، وسيعني هذا أنه إذا حدث شيء ما، فلن تسمح روسيا بالإساءة إليهم، وسيحصلون على معاشات تقاعدية روسية، وإمكانية العمل في روسيا، وسوف يصبحون في الواقع جزءا من العالم الروسي، وأن روسيا كلها بقدراتها ستحمي ظهرهم. وهكذا، فلا يعود مهمالـ"دونباس" أن تستمر المفاوضات مع أوكرانيا أم لا وما إذا كانت ستجري من حيث المبدأ، حسب الموقع.

اقتصاد إقليم الدونباس مرتبط بروسيا ومشابه لاقتصادها، ومن الواضح أنَ تدهور اقتصاد المنطقة الذي يشكو منه السكان جاء بعد استقلال أوكرانيا، ونتيجة عوامل عدة، منها الفساد على المستويين المحلي والوطني على السواء، إضافة إلى الإهمال من قبل الحكومة المركزية في كييف، والابتعاد عن روسيا.

اللافت أن هناك عديدا من المناطق الأوكرانية الأخرى في شرقي وجنوبي البلاد تتحدث بالروسية أيضا، لكن الكرملين لم يدافع قط عن سكانها بنشاط كما هو الحال في دونباس.

تلمح روسيا إلى أن سكان إقليم الدونباس الذي يسيطر عليه حاليا الانفصاليون، الذين تدعمهم، ولاؤهم الأساسي لروسيا وأنهم لا يريدون الانضمام لأوكرانيا بالصيغة الحالية على الأقل.

يظل سيناريو ضم روسيا إقليم الدونباس ذا احتمال متوسط، علما بأن روسيا لا تحتاج إلى حرب لضم الإقليم، ويعتقد أن روسيا تراهن على خيارين متناقضين: إما إعادة الدونباس شكلا لأوكرانيا مع ترتيبات تضمن للإقليم والأقاليم التي يوجد بها تأثير روسي كثيف شكلا من أشكال الفيتو على القرارات المهمة في أوكرانيا مثل الانضمام للناتو أو الاتحاد الأوروبي، وإذا لم ينجح هذا الخيار فقد تمضي قدما في خطواتها صوب ضم الدونباس.

أحد السيناريوهات التي يخشاها المراقبون هو ضم روسيا المناطق التي تفصل بين إقليم الدونباس المتاخم لها وشبه جزيرة القرم التي لا يوجد بينها وبين الأراضي الروسية رابط من الأرض الخاضعة لموسكو، خاصة في ظل حديث عن مشكلات يواجهها سكان القرم في توفير المياه بسبب الحصار الأوكراني على مصادر المياه، وقد يعني هذا الضم تمكين بوتين من حل هذه المشكلات التي يشكو منها سكان الإقليم الاستراتيجي لروسيا.

ويفصل مضيق كيرش الذي يطلق عليه بوسفور القرم بين شبه جزيرة القرم وبين بقية الأراضي الروسية، ويتراوح عرضه بين 3 إلى 13 كيلومترا، ولقد أقامت روسيا جسرا ضخما عليه بعد ضمها القرم ومن المهم معرفة ظروف هذه الإقاليم البينية السكانية واللغوية، لمعرفة احتمالات حدوث هذا السيناريو.

 

نحن شعب واحد

 

جاء في تحليل كتبته أنجيلا ستينت وهي زميلة غير مقيمة في"معهد بروكينغز" ومؤلفة كتاب "عالم بوتين: روسيا ضد الغرب ومعالبقية" بين 2004 و2006، كما شغلت منصب ضابطة في"الاستخبارات الوطنية عن روسيا وأوراسيا"، ضمن "المجلسالوطني للاستخبارات" في الولايات المتحدة. جاء في التحليل الذينشر يوم الجمعة 10 ديسمبر 2021: 

في عام 2008، في قمة مثيرة للجدل عقدها الناتو في بوخارست،اختارت خلالها الدول الأعضاء عدم دعوة أوكرانيا للانضمام إلىالحلف، شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحظة صريحة معنظيره الأمريكي، الرئيس جورج دبليو بوش، وقال: "جورج، عليكأن تفهم أن أوكرانيا ليست حتى دولة. يقع جزء من أراضيها فيأوروبا الشرقية بينما تم منح الجزء الأكبر لنا". في يوليو من عام2021، توسع بوتين في تناول هذا الموضوع بإسهاب في مقالطويل بعنوان "حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين"، أصرفيه على الوحدة الثقافية والدينية للروس والأوكرانيين وألقى اللومعلى الغرب في محاولة سلخ أوكرانيا عن روسيا. علماً أن النقطةالمحورية بالنسبة إليه هي: "نحن شعب واحد". 

في الحقيقة، كانت هذه القناعة هي الدافع وراء غزو روسيالأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وظهرت مرةأخرى في التعزيزات العسكرية الكبيرة لروسيا على الحدود معجارتها الغربية. والجدير بالذكر أن ذلك يشكّل إنذارا بأن الغزو قديكون وشيكاً. كما أنه يؤدي إلى نقاش عاجل حول نوايا روسيا. ماالذي تتوقع روسيا حقا تحقيقه من خلال حشد القوات؟ هل تعتقدأن بإمكانها دفع أوكرانيا إلى تنصيب حكومة موالية لروسيا بعدسبع سنوات من الأعمال العدائية العسكرية؟ أم أنها تسعى وراءأهداف أخرى؟

في الواقع، قد يكون غموض نوايا الكرملين هو الهدف المتوخى. لطالما حاول صانعو السياسة الروس إخفاء دوافعهم، وإبقاءخصومهم ومنافسيهم في حالة من الحيرة والتخمين في محاولةلبسط غموض استراتيجي. على النقيض من ذلك، كان منالأسهل توقع تصرفات الولايات المتحدة في مقاربتها للأزمةالأوكرانية. إذاً، من المستحسن أن تحذو إدارة بايدن حذو روسياوتستوحي من النهج الذي تتبعه، حتى تجعل موسكو تتساءلوتقلق بشأن قدرات واشنطن وخططها. عندئذ فقط يمكن لعمليةدبلوماسية حيوية، تضع الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات،العمل على منع روسيا من تعزيز أفضليتها في أوكرانيا.

 

توحيد الأراضي

 

أدى حشد ما يقدر بنحو 90 ألف جندي على طول الحدودالروسية- الأوكرانية إلى مخاوف من هجوم عسكري روسي قادمعلى أوكرانيا، قد يكون وشيكاً أو يحدث في غضون الأشهرالقليلة المقبلة. في الواقع، دقت إدارة بايدن جرس الإنذار وهيتعمل بنشاط مع حلفائها الأوروبيين لردع روسيا والتخطيط للردعلى غزو محتمل، إذ لا يبدو أن هناك سببا منطقيا آخر يدفع إلىالتعزيزات العسكرية الروسية.

من المؤكد أن هذا هو الوقت المناسب بالنسبة إلى روسيا لترفعالرهانات في أوكرانيا. إذ إن الولايات المتحدة منشغلة محلياًبجائحة كورونا وبيئة سياسية تتسم بالاستقطاب وعدم الفعالية. كما أن التركيز الرئيسي لسياسة واشنطن الخارجية قد تحولبشكل مباشر إلى الصين. في المقابل، تلاقي أوروبا صعوبة مععودة ظهور الوباء. فيما ستتسلم الحكومة الألمانية الجديدةمهامها. أما فرنسا، فهي منهمكة في انتخاباتها المقبلة، بينما لاتزال المملكة المتحدة تتعامل مع الآثار المترتبة على خروجها منالاتحاد الأوروبي. كما أن أزمة الهجرة على طول الحدود بينبيلاروس وبولندا أبعدت أنظار الاتحاد الأوروبي عن أوكرانيا.

هذا هو الوقت المناسب بالنسبة إلى روسيا لترفع الرهانات فيأوكرانيا.

لكن روسيا لم تشح بتركيزها قط عن جارتها الغربية. وإضافة إلىبوتين، واجه عدد كبير من الشعب الروسي صعوبة في قبولأوكرانيا كدولة مستقلة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. وفي ذلكالإطار، يرى بوتين نفسه يسير على خطى القادة الروسوالسوفياتيين الذين اعتقدوا أن مهمتهم هي "تجميع الأراضي": من أجل استعادة الأراضي الروسية التي ضاعت، في مختلفالمراحل التاريخية، بسبب الحرب أو انهيار الدولة. كما يواصلبوتين إثارة موضوع نهاية الحرب الباردة. بالنسبة إليه، يعتبر تفككالاتحاد السوفياتي عملية مستمرة لم تنته بعد، وما زال من الممكنالعودة إليها.

وعندما وصل بوتين إلى السلطة قبل 21 عاماً، تعهد بإعادة روسياإلى دورها الصحيح كقوة عظمى. وقد جادل لاحقاً بأن النظامالدولي الأكثر رواجا في عالم متعدد الأقطاب، هو نسخة القرنالحادي والعشرين من نظام يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، حينقسمت القوى العظمى العالم إلى مناطق نفوذ، وكانت الدولالأصغر محدودة السيادة. لا يرى الكرملين أن محيطه الدفاعيموجود على حدود الاتحاد الروسي بل على حدود أراضي ما بعدالاتحاد السوفياتي، لذلك من المهم بالنسبة إلى روسيا أن يتخلىجيرانها الأصغر حجماً عن أي أفكار للانضمام إلى حلف الناتووالاتحاد الأوروبي. على مدى العقدين الماضيين، حاول بوتينإقناع الدول الغربية بالاعتراف بوجهة نظر الكرملين بأن جيرانروسيا يقعون في دائرة النفوذ الروسي. وهذا يشمل أوكرانيا،التي تعتبر بنظر بوتين، دولة تلعب دورا رئيسيا في تعزيز أمنالدولة الروسية أو ربما تعريضه للخطر.

أثار حشد روسيا العسكري الحالي بالقرب من الحدود الأوكرانيةإمكانية حدوث غزو آخر لأوكرانيا، ما قد يحقق ما سعى إليه بوتينمنذ فترة طويلة: حكومة جديدة موالية لروسيا في كييف، والتخليعن جهود أوكرانيا للانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. ربماكان الكرملين يأمل في البداية أن يكون الرئيس الأوكرانيفولوديمير زيلينسكي، الذي تولى منصبه متعهداً بالعمل علىتسوية مؤقتة، مستعداً لتقديم تنازلات. لكن موسكو تعتبره الآنخصماً معاديا بشكل متزايد. إذ أغلق وسائل الإعلام المواليةلروسيا وطرد فيكتور ميدفيدشوك، الأوليغارشي الأوكراني البارزالذي ينظر إليه على أنه رجل بوتين في أوكرانيا. كذلك، حذّر أخيراًمن انقلاب مخطط له تدعمه روسيا. والجدير بالذكر أن حشدالمدرعات والأفراد العسكريين هو تذكير صاخب بأن البلدين لايزالان على حافة صراع مباشر حتى مع استمرار التمرد الذيتحرض عليه روسيا وتدعمه في شرق منطقة دونباس.

 

الغموض هو بيت القصيد

 

قد لا يكون قصد روسيا هو الإشارة حقاً إلى اقتراب حصولهجوم على أوكرانيا. وربما يستخدم الكرملين هذا الحشد غيرالمسبوق لإجبار الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولةالمفاوضات لمناقشة مجموعة أوسع من القضايا، كما فعلت فيمارس عندما دفع حشد عسكري مماثل الرئيس جو بايدن إلىدعوة بوتين لحضور قمة في جنيف. علماً أن ذاك الاجتماع أعادالتأكيد على دور روسيا كقوة عظمى، إذ حصل الكرملين على قمةرفيعة المستوى قبل الصين، واتفاق لمتابعة محادثات الاستقرارالاستراتيجي، ومشاركة ثنائية في عدد من القضايا المختلفة. حتى أن بايدن أعلن أن روسيا كانت "خصما جديرا بالاحترام". كما يجري الآن حديث عن قمة شخصية أخرى بين بايدن وبوتين،ربما في أوائل عام 2022. وبفضل التوترات الحالية بشأنأوكرانيا، عقد لقاء افتراضي بين بايدن وبوتين يوم الثلاثاء 7 ديسمبر 2021.وإلى جانب جذب انتباه واشنطن، يخدم الحشدالعسكري أغراضاً أخرى أيضاً. إذ إنه يزيد الضغط على كييففي وقت تتراجع فيه شعبية زيلينسكي. كما أنه يزعج جيرانأوكرانيا الأوروبيين ويجعل الولايات المتحدة تستمر في تخمينالأهداف الحقيقية لروسيا. في المقابل، يزيد ذلك الغموض خطرأن تسيء الولايات المتحدة وأوروبا قراءة نوايا روسيا، وأن تخطئاالحسابات في ردهما.

وعلى الرغم من ذلك، من الصعب رؤية ما يمكن لروسيا أن تكسبهبشكل ملموس من تجدد الهجوم العسكري. في الواقع، ولّدالصراع في دونباس شعوراً بالعزلة لدى الأوكرانيين في معظمأنحاء البلاد باستثناء منطقة دونباس التي تتحدث الروسية بشكلأساسي وساعد في ترسيخ هوية أوكرانية موحدة. بطريقة موازية،أصبح الجيش الأوكراني في وضع أفضل مما كان عليه في عام2014، بفضل التدريب والأسلحة الغربية. علاوة على ذلك، يبديالروس رغبة ضئيلة بخوض حرب تؤدي إلى وقوع عدد كبير منالضحايا.

تلقّى الاستيلاء غير الدموي نسبيا على شبه جزيرة القرم دعماًشديدا. في المقابل، لا يحظى الصراع المستمر في دونباس، الذيأدّى إلى قتل 14 ألف شخص من كلا الجانبين، بشعبية فيروسيا. بالتالي، ليس من الواضح ما إذا كان هجوم عسكريجديد من شأنه أن يعزز سلطة بوتين في الداخل أكثر من ذلك.

 

سياسات الإدارات الأمريكية

 

يبقي الكرملين العالم في حالة تخمين لنواياه ويتبع سياسةالغموض الاستراتيجي. وهذا يجعل من الصعب على الولاياتالمتحدة وأوروبا معرفة الطريقة المناسبة للرد، ما يعيق الإجراءاتالغربية. ويمكن لإدارة بايدن أن تحذو حذوه، محضرةً مجموعة منالخيارات مع حلفائها الأوروبيين، بما في ذلك تكثيف العقوباتالتجارية والمالية وتعزيز التعاون العسكري مع أوكرانيا، ولكنعليها القيام بذلك بعيداً من انتباه الرأي العام، ضامنةً بذلك أنيكون الكرملين غير متأكد مما قد يكون رد واشنطن في حالةحدوث تصعيد عسكري. في الحقيقة، لمحت الإدارات الأمريكيةالسابقة إشارة إلى سياستها الخاصة بأوكرانيا. وفي عام 2016،أوضح الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمجلة "ذا أتلانتيك" The Atlantic سبب عدم استجابة الولايات المتحدة بشكل أكثر حزماًلضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم قبل عامين. وقال إن أهميةأوكرانيا بالنسبة إلى روسيا أكبر من أهميتها بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة، وإن واشنطن ليس لديها أي التزام تعاهدي تجاه كييف،كما أن أوكرانيا هي جارة روسيا وهي بعيدة من الولايات المتحدة. تجدر الإشارة إلى أن تلك الحقائق قد حدت دائما من الخياراتالمتاحة لواشنطن. وفي ذلك الإطار، يفترض الكرملين أن ذلكسيبقى موقف الولايات المتحدة وأن استخدام القوة العسكريةالروسية لن تقابله قوة غربية متزامنة.

لقد اعتمدت واشنطن بشكل أساسي على آلية واحدة فحسبللضغط على الكرملين: العقوبات. علماً أنها ذات قيمة محدودة. فيالواقع، فرضت العقوبات تكاليف اقتصادية كبيرة على روسياوعلى البعض في الدائرة المقربة من بوتين، لكنها لم تفعل شيئايذكر لتغيير السياسة الروسية تجاه أوكرانيا. ثم اقترح الكونغرسعقوبات جديدة أكثر صرامة تستهدف كبار المسؤولين الروسوالمؤسسات المالية المملوكة للدولة والأجانب المنخرطين في معاملاتتتعلق بالديون السيادية الروسية وفي قطاعات الصناعاتالاستخراجية الخاصة بروسيا، لكن تلك العقوبات قد تؤثر أيضاًفي أشخاص وشركات غير مرتبطة بروسيا أو على النخبالحاكمة فيها، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الذينتسعى إدارة بايدن إلى تحسين العلاقات معهم. علاوة على ذلك،يتوقع الكرملين مزيدا من العقوبات وربما يكون قد استعد لهابالفعل.

 

اتفاقية مينسك 3

 

في غمرة تصاعد التوتر، تدور المناقشات حول الحلول الوسطالممكنة. والجدير بالذكر أن الأساس الحالي لحل النزاعالأوكراني- الروسي هو اتفاق مينسك الثاني في فبراير 2015،والذي كان في الأصل تسوية فرضتها الجهة المنتصرة علىأوكرانيا الضعيفة. منذ ذلك الحين، تم تكليف فرنسا وألمانياوروسيا وأوكرانيا، في ما يسمى بصيغة النورماندي، بدفع العمليةإلى الأمام. غير أن روسيا وأوكرانيا لا تتفقان على تسلسلالاتفاقية، التي تنطوي على سحب روسيا لقواتها من دونباسمقابل قيام أوكرانيا بسن إصلاحات دستورية من شأنها أن تمنحمزيداً من الحكم الذاتي لجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك اللتينأعلنتا انفصالهما عنها من طرف واحد، والخاضعتين حاليالسيطرة القوات الروسية ووكلائها. 

لكن حتى الآن، لم تحقق عملية مينسك سوى القليل جدا، باستثناءتبادل بعض الأسرى. في الواقع، لا ترغب أوكرانيا في تفويضمزيد من السلطة إلى المناطق المحتلة من دون أن تسحب روسياقواتها أولا من دونباس، في المقابل، ترفض كييف منح وضعخاص لتلك الكيانات، لأن ذلك قد يمنح روسيا حق النقض"الفيتو" على قرارات السياسة الخارجية لأوكرانيا. كما أنه ليسمن الواضح ما إذا كان الكرملين لديه أي نية في تنفيذ اتفاقيةمينسك بصيغتها الحالية. في ذلك السياق، يعتقد العديد منالمحللين أن اتفاقية مينسك قد أخذت مجراها وانتهت صلاحيتها.

وتتمثل إحدى الطرق الممكنة للخروج من هذا المأزق في إعادةالتفكير في مينسك واستبدالها بعملية تشمل الولايات المتحدةكمشارك كامل. وفي ذلك الإطار، يشير سلوك روسيا الأخير، بمافي ذلك الأزمة الحالية، إلى أن الكرملين قد يرغب في الواقع فيأن توجه إدارة بايدن، التي تركز على الصين، مزيدا من اهتمامهانحو روسيا، كما فعلت خلال قمة جنيف. وعلى سبيل المثال، اقترحالكرملين فتح مناقشات حول نظام أمني أوروبي أطلسي جديد،علما أن مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية مينسك المحدثة قدتؤدي إلى تحقيق هذا الاقتراح. ومن الممكن أن يدعو ذلك الشكلالجديد إلى مشاركة قوات حفظ السلام الدولية ويضع اتفاقيةأوضح بشأن تسلسل وقف التصعيد الروسي والأوكراني. كما أنهسيضمن مشاركة أميركية أكثر استدامة في المنطقة.

 

مزيج من التعاون والمواجهة

 

لا شك في أن إعادة استئناف عملية التفاوض على حل لهذهالأزمة أمر صعب للغاية وسيستغرق وقتا طويلا. غير أن الولاياتالمتحدة من جهة وشركاءها الأوروبيين من جهة أخرى غيرمستعدين لإيداع أوكرانيا بشكل دائم في دائرة النفوذ الروسي. كلاهما يريد ثني روسيا عن مواجهة عسكرية جديدة. والجديربالذكر أن احتمال الجلوس مع الولايات المتحدة وكذلك الدولالثلاث الأخرى في عملية مينسك يمكن أن يغير حساباتالكرملين. وقد يغير أيضا حسابات أوكرانيا. إذا كان الترتيبالجديد مكفولا من الولايات المتحدة وحلفائها، قد تشعر كييفبتهديد أقل من قبل روسيا، وتتراجع بالتالي عن بعض أنشطتهاالعسكرية، وتعاود التعامل مع الكرملين.

لطالما كانت العلاقات الأمريكية الروسية مزيجا من التعاونوالمواجهة. في الواقع، يمكن لواشنطن أن تستمر في صد تحركاتموسكو العدوانية الموجهة ضد أوكرانيا، وتكون في الوقت نفسهعلى استعداد لاستئناف المفاوضات بشأن سبل المضي قدما. وتجدر الإشارة إلى أن ديناميكية الدفع والجذب تلك كانت الطريقةالتي تعاملت بها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي معبعضهما خلال الحرب الباردة، ولا تزال نموذجا محتملا لتنظيموتيرة العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا.

بالطبع، إذا قام الكرملين بغزو أوكرانيا، فلن يكون هذا النموذجمناسبا بعد الآن. وعوضا عن ذلك، ستدخل المنطقة الأوروبيةالأطلسية في فترة مواجهة جديدة وخطيرة.

عمر نجيب

[email protected]