"قمّة دول الجوار" في بغداد.. هل نتفاءل؟

ثلاثاء, 2021-08-10 05:21

تستعدّ بغداد لاستضافة قمة جديدة تحت عنوان "قمة دول الجوار الإقليمي" يوم 28 آب/أغسطس الجاري، والتي من المتوقّع أن يشارك فيها (مبدئياً) زعماء العراق وإيران والسعودية وقطر والأردن والكويت ومصر وفرنسا وتركيا، فقد سلَّم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين السبت الماضي دعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لحضور هذه القمة التي يسعى الكاظمي والرئيس برهم صالح من أجلها منذ فترة طويلة، إيماناً منهما بضرورة التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة برمّتها.

يأتي هذا التحرّك العراقي في سياق الجهود التي أطلقها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والتي اكتسبت طابعاً عملياً في عهد عادل عبد المهدي الّذي شارك في قمة القاهرة مع العاهل الأردني عبد الله والرئيس السيسي في آذار/مارس 2019، ولحق بها قمة ثلاثية ثانية في عمان في آب/أغسطس 2020. وأخيراً، التقى الزعماء الثلاثة السيسي وعبد الله وبرهم صالح مع الكاظمي في بغداد في 27 حزيران/يونيو الماضي، ليكون السيسي أول رئيس مصري يزور العراق منذ 30 عاماً. 

وكان العراق منذ حرب الكويت ساحة لتحركات إقليمية عندما كان وزراء خارجية دول الجوار تركيا وإيران وسوريا يلتقون بالتناوب في عواصم الدول الثلاث لمتابعة تطوراته. وقد أصبح مرة أخرى بعد احتلاله في العام 2003 مصدر قلق أكبر بالنسبة إلى دول المنطقة، ومن خلالها للعالم أجمع، وهو ما أثبتته تطورات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وما نتج منه من تبعات معقدة تمثلت في مسرحية "داعش" الخطيرة. وقد جعل ذلك من العراق من جديد ساحة للعديد من الحسابات الإقليمية والدولية، لأنه يجاور 3 دول مهمة، هي سوريا وإيران وتركيا، التي تلتقي مع بغداد في القاسم المشترك، هو القضية الكردية. 

فاجأ الرئيس العراقي برهم صالح الجميع عندما اتصل يوم 15 تموز/يوليو الماضي بالرئيس السوري بشار الأسد، ليذكر الجميع بالزيارة التي قام بها الرئيس الراحل جلال الطالباني إلى دمشق في الأيام الأولى لما يسمى "الربيع العربي" (12 شباط/فبراير 2011)، وكنت معه آنذاك. 

وقد استبعد الراحل بحنكته السياسية بعد عودتنا إلى بغداد سقوط الرئيس بشار الأسد، وهو ما قاله هاتفياً للرئيس السابق باراك أوباما قبل أيام من زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى واشنطن في 12 كانون الأول/ديسمبر 2011. وجاء اتصال الرئيس صالح "المهم" مع الرئيس الأسد قبل 10 أيام من لقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، الذي حلَّ العاهل الأردني عبد الله ضيفاً عليه في 19 تموز/يوليو، ليكون أول زعيم عربي يلتقي بايدن. 

ويبدو واضحاً أنَّ الرئيس بايدن على علم بكل التحركات الجديدة، إن لم يكن هو الذي كتب أجندتها، كما كتب الرئيس أيزنهاور ميثاق حلف بغداد الذي تأسَّس في شباط/فبراير 1955. وكان هذا الحلف يضم تركيا والعراق وباكستان وإيران، وأصبح اسمه في ما بعد حلف "السنتو"، وكانت بريطانيا تقوده إلى أن انسحب العراق منه بعد ثورة تموز/يوليو 1958. 

تستبعد المعلومات الحالية توجيه الدعوة إلى الرئيس الأسد، رغم أن الأزمة السورية ستكون الموضوع الرئيسي لمجمل نقاشات القمة، ما دامت سوريا كانت، وما زالت، قفل ومفتاح كل المعادلات في المنطقة، وبانعكاساتها على السياسات الدولية، في الوقت الذي يبدو واضحاً أن القمة، وإذا شارك فيها كل الزعماء، سوف تحمل معها الكثير من المفاجآت المثيرة، وأهمها المصالحة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي إردوغان، وهو ما يسعى من أجله الأخير بوساطة قطرية، مع استمرار الاعتراض المصري على التواجد العسكري التركي في سوريا وليبيا والعراق والصومال والتدخلات التركية المباشرة أو غير المباشرة في شؤون مصر وتونس ودول عربية أخرى. وترى القاهرة في هذه التدخلات سبباً لمجمل مشاكل المنطقة التي لن تنتهي بأي شكل كان، مع استمرار سياسات الرئيس إردوغان، والمعطيات الحالية تستبعد له التراجع عن مواقفه الحالية لأسباب خارجية وداخلية استراتيجياً وعقائدياً وقومياً. 

ليس سهلاً على إردوغان بعد الآن الانسحاب من سوريا والشمال العراقي وليبيا والصومال بعد كل ما قام به وحققه في هذه الدول عسكرياً واستراتيجياً، مع الإشارة إلى أن أي تغيير في سياسات أنقرة في سوريا فقط قد يساهم في معالجة إقليمية للمشكلة الكردية وعنصرها الأساسي هو تركيا التي يعيش فيها حوالى 25 مليون كردي، مقابل 3 ملايين في سوريا و5 في العراق و7 في إيران. 

وقد يكون هذا العنصر الكردي مساهماً في تحقيق المصالحة الإقليمية، وخصوصاً أنَّ الرئيس العراقي برهم صالح كردي الأصل، وهو حال وزير الخارجية فؤاد حسين، الذي يتوقع له البعض أن يصبح رئيساً للعراق بعد صالح، وهو ما يسعى إليه مسعود البرزاني الذي نجح في تفجير خلافات عاصفة داخل عائلة عدوه التقليدي جلال الطلباني وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني الَّذي ينتمي إليه برهم صالح ويعاني أزمات جدية. 

ويبقى القرار في نهاية المطاف للرئيس بايدن، الذي إن أراد ترتيب أمور المنطقة بصيغة جديدة لإبعادها عن التأثيرات الروسية والصينية، فما عليه في هذه الحالة إلا مباركة هذه المبادرة العراقية – الأردنية – المصرية (زعماء الدول الثلاث التقوا في بغداد في 27 حزيران/يونيو الماضي) التي قد تعيد للمنطقة نوعاً من الاستقرار النسبي. 

ويريد الرئيس بايدن لهذا الاستقرار أن يساعده للعودة إلى الاتفاق النووي، وبالتالي تفعيل مسار المصالحة التي أطلقها الرئيس ترامب في اتفاقية "أبراهام"، وهدفها ضمان الأمن الاستراتيجي لـ"إسرائيل" إلى الأبد، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تواجه فيها "إسرائيل" أخطر أزماتها الداخلية التي تهدّد كيانها السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، وهو ما يتطلّب في الوقت نفسه إقناع "تل أبيب" أو إجبارها على الانسحاب من الجولان السوري المحتلّ، مع انعكاسات ذلك على ما يُسمى بالأزمة اللبنانية وعنصرها الأساسي "حزب الله".

ويفسّر ذلك تدخّل العديد من الأطراف لتأخير الحلّ في لبنان، إلى أن تكتسب الأمور المزيد من الوضوح في مواقف العواصم الإقليمية، من دون إهمال الحسابات الدولية للدول الكبرى، وفي مقدّمتها روسيا والصين من جهة، وأميركا وحليفاتها الغربية من جهة أخرى، وهو ما يفسّر دعوة الرئيس الفرنسي إلى قمة بغداد، في الوقت الَّذي ستتّجه الأنظار صوب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مع احتمالات المصالحة الإيرانية – السعودية، ما دامت طهران كانت وما زالت العنصر الأهم الَّذي أفشل مشروع "الربيع العربي"، ومن قبله مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وأخيراً مشاريع التطبيع مع "إسرائيل"، فيما أدت "عدوتها التقليدية" أنقرة دوراً أساسياً في معظم هذه التطورات إلى جانب حليفاتها في الغرب، وما زالت تراهن على دورها المستقبلي في أفغانستان؛ البلد المجاور لإيران!

ويبقى الرهان الأخير على درجات التفاؤل من كلّ المعطيات الحالية واحتمالاتها المستقبلية التي يبدو واضحاً أن واشنطن وموسكو وحليفاتها معاً قد وضعت من أجلها العديد من الحسابات، وأن تصفيرها قد يساعد الجميع على تنفّس الصعداء، وإلا!

 

حسني محلي باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي