العالم يعبر فترة انتقالية ترسم معادلات موازين القوى الجديدة..... النهاية العملية للحروب بالوكالة والفوضى "الخلاقة"

ثلاثاء, 2025-12-16 19:08

يعيش العالم فترة انتقالية خطرة وهو يتخبط وسط صراعات لا تنتهي بين قوى مختلفة بعضها يسعى لتعديل النظام العالمي القائم على أحادية القطب الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية في بداية العقد الأخير من القرن العشرين بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي وأخرى تسعى لإستمراره ومواصلة جني الثمار وفرض الوصاية على الآخرين لعقود أخرى.

المواجهة الدائرة بشأن النظام العالمي فجرت وتفجر حروبا عسكرية وإقتصادية وسياسية تتسع منذ أن شرعت قوى عالمية كبرى وأخرى إقليمية قوية حسب المقاييس المعمول بها في الوقت الحاضر، في تحدي الهيمنة الأمريكية المدعومة بتركيبة من التحالفات ربما غير المتجانسة.

التحالفات غير المتجانسة هي شراكات بين دول أو كيانات ذات أيديولوجيات، مصالح، أو أهداف مختلفة، تجمعها مصلحة مشتركة مؤقتة أو طويلة الأمد وتتطلب تسوية للاختلافات، مثل التحالفات الاستراتيجية بين شركات كبرى (أوبر وسبوتيفاي) أو التكتلات السياسية التي تجمع أحزاباً متباينة (مثل التحالفات "الأحمر-الأخضر" اليسارية-الدينية)، وتتسم بالمرونة أكثر من التحالفات التقليدية المتجانسة.

ومن خصائصها:

تعددية المصالح: تجمع أطرافًا ذات أهداف متباينة، لا متطابقة،مما يتطلب مرونة وتنازلات.

ديناميكية: تتغير مع تغير الظروف، حيث تظل الدول قادرة علىالاحتفاظ بعلاقات مع أطراف أخرى.

مرونة: تسمح بهامش للاختلاف، مما يجعلها أقل صرامة منالتحالفات التقليدية المعتمدة على التجانس.

مع نهاية منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يتواجه بشكل مباشر عسكريا واقتصاديا معسكران رئيسيان الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو الأوروبي وإسرائيل في الشرق الأوسط والتركيبة الآسيوية غير المستقرة حتى اللحظة أي اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا والفلبين من جانب،والمعسكر الذي لا يزال في مرحلة توسع وتشكيل للروابط، الذي يضم في نظر واضعي الاستراتيجية الأمريكية روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران.

تصنيف بقية دول العالم من حيث موقعها مع هذه التحالفات متباينة، ولكن الجزء الأكبر منها يحاول الحفاظ على نوع من التوازن بين التحالفين بصورة أو بإسلوب مشابه لما كانت تمارسه حركة عدم الإنحياز بعد تشكيلها سنوات اعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك في انتظار معرفة أين تميل الكفة وهو ما يصفه بعض المنظرين بالانتهازية، في حين يعتبره آخرون تعايشا مع الواقع يخفي رغبة مكتومة للخروج من الأشكال المختلفة للوصايات الأجنبية.

القطب الرئيسي في معسكر التحالف الغربي أي الولايات المتحدة في سعيه للإبقاء على مركزه المهيمن يواجه تحديات متعاظمة بسبب تمسكه بعدم التفريط في المكاسب التي تراكمت لديه مع إنهيار الإتحاد الاتحاد السوفيتي، وهو لا يقبل أن للقوة حدود.ولكن مشكلته الرئيسية أنه غير مستعد لأسباب كثيرة داخلية أساسا لتقديم ضريبة الدم في الموجهات مع الخصوم، البديل عبر الحروب بالوكالة وتوسيع مشاريع ما يسمى بالفوضى الخلاقة لم تعد كافية أو قابلة للنجاح.

إن فرضية "القطب الوحيد لا يمكن أن تستمر" تعني أن هيمنةقوة عظمى واحدة على النظام العالمي هي مرحلة مؤقتة وأن العالميتجه حتما نحو نظام متعدد الأقطاب (Multipolarity) بظهورقوى صاعدة، وهو ما يتناقض مع "لحظة أحادية القطب" ويتوقعنهاية هيمنة القطب الواحد بسبب عوامل اقتصادية وعسكريةوتزايد قوة دول أخرى مما يجعل النظام العالمي يتجه نحو توازنقوى جديد بدلا من احتكار قوة واحدة للقرار الدولي.

الحرب غير المحسومة، هي حرب مستمرة، تعرف كذلك باسمالحرب اللانهائية، أو الحرب الأبدية، وهي حالة من الصراعالمتواصل بدون شروط واضحة قد تؤدي إلى نهايته. هذا النوع منالحروب هي حالات من التوتر الدائم الذي قد يتصاعد في أيلحظة.تضررت أمريكا من "الحروب الأبدية" (خاصة بعد 11 سبتمبر) بخسائر بشرية كبيرة، وتكاليف اقتصادية باهظة أثرت على الميزانية وضخمت من دين الحكومة أكثر من 38 ترليون دولار، وتآكل النفوذ الدولي، وزيادة الاستقطاب الداخلي، وصدمات نفسية لملايين الأمريكيين، وتدهور الثقة في السياسة الخارجية، مما أدى إلى تساؤلات حول جدوى هذه التدخلات وتأثيرها على الاستقرار الداخلي والخارجي.

تورطت واشنطن في خوض حروب على عدة جبهات وهو وضع خطر، ففي الفكر العسكري الألماني الذي يعتبر نموذجا مفضلا في الغرب، تمثل "الحرب على جبهتين" تهديدا استراتيجيا وجوديا، تعود جذوره إلى الهزيمة الألمانية فيالحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ أدت إلى استنزاف الموارد وتقسيم القوات والهزيمة في النهاية، وهو درس لكل العسكريين والسياسيين في العالم جعل من هذا النوع من الحروب كابوسا استراتيجيا يجب تجنبه.

واشنطن وللخروج من فخ الحروب على أكثر من جبهة واحدة، استخدمت أسلوب الحروب بالنيابة أو بالوكالة، وهي حروب تنشأعندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنهابشكل مباشر. حيث تستخدم قوات حكومات أخرى كوكلاءللحرب، وكذلك المرتزقة والأطراف العنيفة، حيث تأمل القوى أنتتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الانجرار إلىحرب شاملة.

بؤر الحروب والصراعات التي يستمر في خوضها الغرب مع نهاية 2025، غزة أوكرانيا إيران اليمن فنزويلا السودان ليبيا سوريا الكونغو كمبوديا التايلاند وغيرها كثير والتي يتعثر فيها أو يوشك على خسارتها، تعكس أبعاد التطورات المتوقعة والتي قد لا تختلف كثيرا عما عرفته حروب الفيتنام وأفغانستان سوى إذا تقرر خوض حرب عالمية ثالثة.

 

تضليل أم تحول

 

غداة نشر واشنطن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدةنهاية 2025، قدرت عدة أوساط أن إدارة الرئيس ترامب تحاولالخروج من متاهة الحروب الأبدية والتركيز على المواجهة معالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية حتى تضمن استمرارمركزها القيادي على الساحة الدولية في حين قدر آخرون أن جزءمن هذه الاستراتيجية وخاصة بالنسبة للشرق الأوسط هي عمليةتضليل إستراتيجي حيث لا يمكن القبول بتخلي واشنطن عنتوجهات تل أبيب.

نظريا تعيد استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمنالقومي رسم ملامح سياسة واشنطن الخارجية: إبراز الصينكخصم، والإشارة إلى تراجع دور أوروبا في الاقتصاد العالميوهو أمر ناجم إلى حد كبير عن صعود الصين وغيرها من القوى،وتزايد الاهتمام بأمريكا اللاتينية، مع تراجع الاهتمام الأمريكيبالشرق الأوسط.

يصدر الرؤساء الأمريكيون عادة "استراتيجية للأمن القومي" فيكل ولاية لهم في البيت الأبيض. ومنحت الأخيرة التي نشرها جوبايدن في 2022 أولوية للتفوق في المنافسة مع الصين مع كبحجماح روسيا التي وصفت بأنها "خطيرة".

وبناء على وثيقة الأمن القومي لرئاسة ترامب الثانية والتي تحددرؤية خارجة عن المألوف للعالم، تتصدر أمريكا اللاتينية أجندةالولايات المتحدة في تحول جذري عن دعوتها تاريخيا للتركيز علىآسيا في مواجهة صعود الصين، مع تسجيل تراجع كبير فياهتمام الإدارة الحالية بالشرق الأوسط.

والوثيقة أحدث وأوضح تعبير عن رغبة ترامب في زعزعة نظام مابعد الحرب العالمية الثانية الذي قادته الولايات المتحدة والمبنيعلى شبكة من التحالفات والمجموعات متعددة الأطراف وإعادةتعريفه من خلال منظور "أمريكا أولا". وتقول الوثيقة المكونة من29 صفحة إن سياسة ترامب مدفوعة "قبل كل شيء بما يصلحلأمريكا".

وفي لغة غير مألوفة عند مخاطبة حلفاء مقربين، تشيرالاستراتيجية إلى أن الإدارة الأمريكية ستعمل على "تنميةالمقاومة لمسار أوروبا الراهن داخل البلدان الأوروبية نفسها".

وتشير الاستراتيجية إلى تراجع حصة أوروبا في الاقتصادالعالمي. وتقول إن "التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمالحقيقي وأكثر وضوحا يتمثل بالمحو الحضاري.. إذا استمرتالاتجاهات الحالية، فلن يعود من الممكن التعرف على القارة فيغضون عشرين عاما أو أقل".

ووصفت الاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بأنه معاد للديمقراطية،وقالت إن هدف الولايات المتحدة يجب أن يكون "مساعدة أوروبافي تصحيح مسارها الحالي".

واتهمت الوثيقة الحكومات الأوروبية "بتخريب العملياتالديمقراطية"، عبر أمور منها إحباط ما قالت إنه مطلب من الرأيالعام الأوروبي بإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وجاء فيها أيضا "على المدى الطويل، من المنطقي للغاية أنه فيغضون بضعة عقود على الأكثر، سوف تصبح أغلبية أعضاءحلف شمال الأطلسي غير أوروبية".

وأضافت "ومن ثم، فإن ما إذا كانوا سينظرون إلى مكانتهم فيالعالم أو إلى تحالفهم مع الولايات المتحدة بالطريقة نفسها التيكان ينظر بها أولئك الذين وقعوا على ميثاق حلف شمالالأطلسي هو سؤال ينتظر الإجابة".

ورفض الاتحاد الأوروبي التعليق، وساد الصمت في الغالب بينالزعماء الأوروبيين الذين يحرصون على تجنب إثارة غضبالرئيس دونالد ترامب.

لكن مسؤولين أوروبيين سابقين وصفوا هذا الخطاب بأنه صادم،حتى بمقاييس إدارة ترامب التي تتبنى العداء المتزايد تجاهالحلفاء التقليديين.

وبعد تكهنات عديدة بشأن ما سيكون عليه موقف ترامب منتايوان التي تطالب بها بكين، توضح الاستراتيجية أن الولاياتالمتحدة تؤيد الوضع القائم منذ عقود لكنها تدعو حليفتيها اليابانوكوريا الجنوبية للمساهمة أكثر لضمان قدرة تايوان على الدفاععن نفسها أمام الصين.

من جانبها شددت ألمانيا على أنها ليست بحاجة إلى من يعطيها"نصائح من الخارج". وشدد وزير الخارجية الألماني يوهانفاديفول على أن بلاده لا تحتاج إلى "نصائح من الخارج"،مضيفا "أعتقد بأن قضايا حرية التعبير أو تنظيم مجتمعاتناالحرة لا مكان له (في الاستراتيجية)، على الأقل في ما يتعلقبألمانيا".

قال رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت عبر (إكس) "هذه لغة لا يمكن للمرء أن يتوقعها إلا من بعض العقول الغريبة في الكرملين"، واصفا الوثيقة بأنها "أشد تطرفا من اليمين المتطرف في أوروبا".

وأضاف أن "من الغريب" أن يكون الجزء الوحيد من العالم الذي ترى فيه هذه الاستراتيجية تهديدا للديمقراطية هو أوروبا.

وقال رئيس وزراء لاتفيا السابق كريسيانيس كارينز لرويترز "أكثر دولة تشعر بالسعادة لقراءة هذه (الوثيقة) هي روسيا".

وأضاف "موسكو تحاول منذ سنوات قطع الروابط عبر الأطلسي، والآن يبدو أن أكبر معطل لهذه الروابط هو الولايات المتحدة نفسها، وهو أمر مؤسف".

وصرح دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته "اللهجة بشأن أوروبا ليست مبشرة. إنها أسوأ حتى من خطاب فانس في ميونيخ في فبراير"، في إشارة إلى خطاب ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جيه.دي فانس في مؤتمر بميونيخ أثار قلق العواصم الأوروبية بعد فترة وجيزة من عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.

 

تفكيك أوروبا

 

جاء في تحليل نشر في العاصمة الألمانية برلين يوم 12 ديسمبر2025: من وجهة نظر أوروبية محضة، إن أبرز ما يثير الانتباهفي العقيدة الأمنية الأمريكية الجديدة ليس كونها تميط اللثام عنجوانب جديدة كانت مجهولة، وإنما بالعكس، فهي تؤسس بشكلرسمي لا غبار عليه، لما كان يهمس خلف الأبواب المغلقة وهوتفكيك الاتحاد الأوروبي وتحويل دوله إلى ما يشبه ولاياتأمريكية. 

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "إندبندنت" اللندنية (الثامن منديسمبر) معلقة "من المؤكد أن فكرة كون دونالد ترامب، المنغمسفي بريق جائزة الفيفا للسلام عديمة المصداقية، قد يكون فيمزاج يسعى فيه لتحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا هي مجردوهم (..) إن القلق الكبير يكمن في أن التعاطف العميق لترامبمع روسيا وسعيه لتحقيق أي اتفاق، مهما كان غريبا، قد يؤديإما إلى فشل المفاوضات بشكل كامل، بحيث تتخلى أمريكا عنأوكرانيا تماما وتخفف العقوبات ضد روسيا، أو إلى اتفاق يتوافقتقريبا مع شروط الكرملين، مما يعرض أوكرانيا والدول الأوروبيةالأخرى وحلف الناتو نفسه إلى موقف خطير. وتزداد هذهالمخاوف مع الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، التيتكشف أن سياسة واشنطن تشمل تقويض الحكومات الأوروبيةالليبرالية المنتخبة ديمقراطيا، وإضعاف الاتحاد الأوروبي برمته،ومنع توسيع حلف الناتو، وبدلا من معاملة الحلفاء الأوروبيينكشركاء يقتسمون مع الأمريكيين قيما مشتركة، تفضل إدارةترامب أن تجعلهم قريبين من نموذج المجر".

 

أفريقيا والشرق الأوسط

 

تولي الإستراتيجية الأمريكية اهتماما أقل بالشرق الأوسط،المنطقة التي لطالما شغلت واشنطن. وفي إشارة إلى الجهودالأمريكية لزيادة إمدادات الطاقة في الداخل وليس من الخليجالعربي، تنص الاستراتيجية على أن "هدف أمريكا التاريخيللتركيز على الشرق الأوسط سيتراجع". 

وكما هو متوقع، تركز الاستراتيجية في نصها الورقي بدرجة أقلعلى إفريقيا، قائلة إن على الولايات المتحدة الابتعاد عن "الفكرالليبرالي" و"العلاقة القائمة على المساعدات" والتأكيد علىأهداف على غرار تأمين المعادن الحيوية. ولكن ما يحدث على الساحة يناقض ذلك.

في بداية ولايته الثانية أوقف ترامب العديد من مشاريع المساعدةالإنمائية. وقد وعد ترامب في اجتماع مع العديد من رؤساء الدولالافريقية في البيت الأبيض. "نحن ننتقل من المساعدة إلىالتجارة. هناك إمكانات اقتصادية كبيرة في أفريقيا أكثر من أيمكان آخر. على المدى الطويل سيكون هذا أكثر فعالية ومساعدةمن أي شيء آخر يمكننا القيام به". وفي نفس المناسبة تعهدترامب بأن الولايات المتحدة ستعامل أفريقيا "أفضل من الصينأو أي دولة أخرى". وبصفته الراعي لاتفاق السلام بين جمهوريةالكونغو الديمقراطية ورواندا الذي لا يزال هشا وعد ترامبالاقتصاد الأمريكي بوصول متميز إلى المواد الخامالكونغولية..حسب تقرير صادر عن وكالة رويترز للأنباء في أوائلنوفمبر فإن اتفاقا اقتصاديا قد تم التوصل إليه بالفعل ويمكنتوقيعه خلال اجتماع بين الرؤساء الثلاثة. ويعتقد العديد منالخبراء أن التزام ترامب في المنطقة يهدف أيضا إلى مواجهةهيمنة الصين على المواد الخام. 

بيد إن قوة الصين اليوم في مجال المواد الخام الحيوية ترتبطأيضا بمبادرة الحزام والطريق وهو مشروع بنية تحتية عالمييشمل الموانئ والطرق والسكك الحديدية والذي فتح في بعضالأماكن طرقا لنقل المواد الخام لأول مرة. ويقول الاقتصاديشيكواتي: "إنهم ينظرون إلى استراتيجيات البنية التحتية عبرالحدود. فعلى سبيل المثال عندما يبنون خط سكة حديد في كينيالا يهدفون إلى ربط نيروبي فقط. بل يريدون تمديده إلى الكونغوأو السودان أو الساحل الغربي لأفريقيا". 

ويتحدث شيكواتي عن "قواعد اللعبة الجديدة" التي جلبهاالمستثمرون من الشرق والتي يتعين على المؤسسات الأفريقيةوكذلك الغرب التكيف معها من أجل الاستمرار في لعب دورهم.

 

تسليح إسرائيل

 

في نطاق استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدةلفترة ولاية الرئيس دونالد ترامب، والتي تمتد من يناير2025 إلى يناير 2029. تؤكد الوثيقة مجددا التزامالرئيس الأمريكي السابع والأربعين بـ«توسيع اتفاقياتأبراهام لتشمل المزيد من الدول في منطقة الشرقالأوسط ودول أخرى في العالم الإسلامي». 

جدير بالذكر أن كازاخستان انضمت في 6 نوفمبر 2025 إلى قائمة الدول التي قامت بتطبيع علاقاتها معإسرائيل في عام 2020.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، أعرب دونالد ترامب عنتفاؤله بمستقبل اتفاقيات أبراهام، وهي المبادرة التيأطلقها في عام 2020 خلال ولايته الأولى. وصرح فيمقابلة مع مجلة تايم نشرت في 25 أبريل: «أعتقد أنالمملكة العربية السعودية ستنضم في النهاية إلىاتفاقيات أبراهام».

جاء في تقرير نشر في العاصمة البريطانية لندن يوم13 ديسمبر 2025:  

بعد نشر وثيقة الاستراتيجية الأمريكية أقر مجلسالنواب الأمريكي مشروع قانون تفويض الدفاع الوطنيللعام المالي 2026 (NDAA 2026)، الذي يتضمن حزمةدعم عسكري موسعة لإسرائيل بلغت قيمتها 500 مليوندولار لدعم برامج الدفاع الصاروخي المشتركة بينالجانبين. وتؤكد واشنطن على «العلاقة استراتيجيةمتينة» مع إسرائيل لمواجهة التهديدات الإقليمية.

ويحافظ القانون الجديد على مستوى التمويل الأمريكينفسه للدفاع الصاروخي الإسرائيلي مقارنة بالعامالماضي، لكنه يعيد توزيع المخصصات بما يتوافق معالتغيرات الميدانية و«احتياجات إسرائيل المستجدة»،خصوصا بعد ما يسمّى استنزاف منظومات الاعتراضخلال المواجهات مع إيران والحوثيين، إلى جانب القتالفي جبهات غزة ولبنان.

وحسب القانون، خُصِصت الأموال لتمويل برامج القبةالحديدية، ومقلاع داود، ومنظومة السهم، إضافة إلىدعم برامج تكنولوجية مشتركة بين الطرفين، وكلها برامجتعكس أولوية إسرائيل العسكرية على أي اهتمامبالسلام أو الحقوق الإنسانية. 

ويشير القانون إلى أن جزءا من المبلغ، البالغ 500 مليوندولار، سيوجه لتعزيز مخزون صواريخ الاعتراضلمنظومة القبة الحديدية، النظام الأكثر استخدامالاعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون. كمايتضمن التمويل دعما لبرنامج مقلاع داود لاعتراضالصواريخ المتوسطة المدى، ويأتي تطويره بتمويلمشترك أمريكي–إسرائيلي. كل هذا الدعم يعكس التزامالولايات المتحدة بتمكين إسرائيل من السيطرة العسكريةعلى جيرانها والفلسطينيين.

ويتركز الجزء الأكبر من التعديل هذا العام على تحويلنسبة من المخصصات نحو برنامج السهم، خصوصامنظومة Arrow 3 لاعتراض الصواريخ الباليستيةبعيدة المدى خارج الغلاف الجوي. ويبرر الأمريكيون هذاالتحول بأنه رد على تهديدات الصواريخ والطائراتالمسيرة من إيران أو الحوثيين.

وإلى جانب منظومات الاعتراض، يشمل القانون تمويلًالبرامج أخرى ضمن التعاون الدفاعي الأمريكي–الإسرائيلي، منها نحو 80 مليون دولار لمشروعاتمكافحة الأنفاق تحت الأرض، و35 مليون دولار لمبادراتمشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمنالسيبراني وأنظمة الاستشعار المتقدمة.

كما يشمل الدعم مشاريع تطوير أنظمة اعتراض جديدةتعتمد التكنولوجيا الموجهة، بينها نظام Iron Beam(القبة الليزرية)، الذي تسعى إسرائيل لتطويره بكلفةتشغيل منخفضة لاعتراض الطائرات المسيرةوالصواريخ قصيرة المدى. 

وطلبت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب منوكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية تقديم تقرير مفصلللكونغرس حول الآليات المشتركة مع إسرائيل لزيادةإنتاج صواريخ Arrow، وتقييم الحاجة لتشريعاتإضافية لنشر المزيد من منظومات الاعتراض فيالأراضي الإسرائيلية.

ومرر مجلس النواب القانون بأغلبية 312 صوتا مقابل112، بعد خلاف قصير أثاره عدد من النواب الجمهوريينمن الجناح المحافظ بشأن مخاوف من احتمال تسربالمساعدات الأمريكية عبر منظمات غير حكومية إلىجهات معادية، مثل طالبان في أفغانستان. وبعدحصولهم على ضمانات مباشرة من وزير الخارجيةالأمريكي، تجاوزوا اعتراضاتهم، ما يعكس أن الأولويةفي الكونغرس دائما لدعم إسرائيل. 

وتأتي هذه المخصصات ضمن إطار الدعم الأمريكيالثابت لإسرائيل، وفق مذكرة التفاهم الأمني الموقعة عام2016، والتي تقضي بتقديم 3.8 مليارات دولار سنوياحتى 2028، تشمل 3.3 مليارات تمويل عسكري مباشر،و500 مليون دولار سنويا لبرامج الدفاع الصاروخي. وتصرف معظم هذه الأموال داخل الولايات المتحدة عبرعقود مع شركات السلاح الأمريكية، ما يجعل دعمإسرائيل جزءا من دعم الصناعات الدفاعية الأمريكية.

ويأتي التركيز على تعزيز منظومة Arrow 3 بعدالهجمات الباليستية التي تعرضت لها إسرائيل، بمافيها هجوم إيران المباشر في 2024، واستخدام الحوثيينلصواريخ بعيدة المدى ومسيرات دقيقة، وفقاً للعديد منالمحللين الأمريكيين، ودفع هذا الاستنزاف واشنطن إلىتوجيه جزء أكبر من التمويل نحو هذه المنظومة.

ولا يقتصر الدعم الأمريكي على إنتاج أنظمة اعتراضجديدة، بل يشمل تصنيعا مشتركا وتطويرا سريعالتقنيات دفاع المستقبل، مع تركيز على الأنظمة القادرةعلى التعامل مع المسيرات والصواريخ الدقيقة منخفضةالارتفاع، وهي تهديدات أثبتت في النزاعات الأخيرةقدرتها على تجاوز الدفاع التقليدي.

وترى الإدارة الأمريكية أن الاستثمار في الدفاعاتالإسرائيلية يخدم الأمن القومي الأمريكي، لأنه يعززالردع في مواجهة إيران، ويحمي القواعد الأمريكية فيالشرق الأوسط، ويتيح اختبار الأنظمة الدفاعيةالأمريكية في ظروف حقيقية.

 

التحديات

 

في الشرق الأوسط تواجه المخططات الأمريكية تحدياتآنية كبيرة سواء في مواجهة حماس في غزة أو مع حزبالله في لبنان أو إيران. 

يوم السبت 13 ديسمبر 2025 أكّد الأمين العامّ لحزب الله،الشيخ نعيم قاسم، أن إسرائيل تريد للبنان الاستسلام،محذّراً من أنه "مع الاستسلام لن يبقى هناك لبنانوسيزول"، مشدداً على أن مطلب نزع سلاح المقاومةبالصيغة التي تطرح الآن هو مطلب إسرائيلي - أميركيوليس مطلباً لبنانياً، وهو بمثابة إعدام لقوة لبنان. وأضاف، إن "كل نقاش يعيدنا إلى ما قبل اتفاق وقفإطلاق النار لا قيمة له". 

وفي السياق نفسه، تابع: نحن ننظر إلى كل ما تقوم به"إسرائيل" بعد الاتفاق كاستمرار للعدوان وهو خطرعلى لبنان وليس فقط علينا، مؤكداً أن "إنجازاتالمقاومة تقاس بما حررته، أما الردع للعدو وهو ما قام بهحزب الله فهو استثناء". 

كذلك، أوضح أن "ردع العدوان هو وظيفة الدولةوالجيش، أما وظيفة المقاومة فهي المساندة والمساعدةعلى التحرير"، مجدداً تأكيده أن المقاومة موافقة علىاستراتيجية دفاعية للاستفادة من قوة لبنان ومقاومتهلكن ليست مستعدة لأي إطار للاستسلام لأمريكاو"إسرائيل".

ودعا الشيخ قاسم إلى تطبيق اتفاق وقف النار أولاً،قائلاً: "طبّقوا الاتفاق وناقشوا بعدها الاستراتيجيةالدفاعية ولا تطلبوا منا ألا ندافع عن أنفسنا".

وأكد الشيخ قاسم أن "خطة العدو الإسرائيلي كانهدفها بعد استهداف السيد نصر الله والقادة الشهداءإزالة حزب الله من الوجود وإعدام وجود المقاومة".

وأضاف أن حزب الله استطاع في معركة "أولي البأس" أن يفشل هدف العدو، مؤكداً أنه "إذا حصلت الحربالإسرائيلية ضد لبنان فإن العدو لن يحقّق أهدافه، وهذاأمر واضح بالنسبة إلينا".

كما توجه الشيخ قاسم إلى الولايات المتحدة الأمريكية،قائلاً: "فلتعلم أمريكا أننا سندافع عن أرضنا حتى لوأطبقت السماء على الأرض، ولن ينزع السلاح تحقيقاًلهدف إسرائيل ولو اجتمعت الدنيا بحربها ضد لبنان".

وأشار إلى أن المقاومة حققت 4 إنجازات عظيمة، حررتالأرض وصمدت في مواجهة التحديات وردعت العدو من2006 لغاية 2023، وأوقفت اجتياح واقتلاع لبنانبالصمود الأسطوري للمقاومين وأهل المقاومة.

ومحذرا من المشروع الإسرائيلي التوسعي، قال الشيخقاسم: "مع إسرائيل لا مكان للمسلمين ولا للمسيحيينفي لبنان".

 

حرب أخرى

 

حرب أخرى بين إسرائيل وإيران هي “مسألة وقت فقط”،وفقا لتقريرٍ نشرته صحيفة “نيويورك تايمز“، والذي ذكرأن إيران لا تزال تمتلك مخزونا من اليورانيوم المخصبوهو كاف لصنع 11 قنابل نووية، وأنها تسابق الزمنلبناء آلاف الصواريخ الأحدث من تلك التي استخدمتفي آخر مواجهة مع تل أبيب. 

ويلقي التقرير، بظلال من الشك على فكرة أن الحربالتي استمرت 12 يوما بين الطرفين في يونيو 2025 قدقضت على تهديد البرنامج النووي الإيراني. بل يشيرإلى أن مسؤولين وخبراء في الشرق الأوسط يعتقدونبشكل متزايد أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية ألحقتأضرارا أقل بالمنشآت النووية لطهران مما كان يعتقدسابقا، وأن كلا الطرفين يستعدان لاحتمال اندلاع جولةأخرى من الصراع.

وأضاف التقرير، "إن مخزون إيران من اليورانيوم عاليالتخصيب، والذي يكفي لصنع 11 سلاحا نوويا، إمامدفون تحت الأنقاض، كما تزعم إيران، أو نقل إلى مكانٍآمن، كما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون".

وأن هناك عوامل أخرى تجعل اندلاع حرب أخرى مرجحا. من بينها الجمود المستمر بين الولايات المتحدة وإيران،اللتين انخرطتا في عدة جولات من المحادثات قبلانضمام الولايات المتحدة إلى حملة القصف الإسرائيليةفي يونيو. علاوة على ذلك، انتهت مؤخرا صلاحيةالاتفاق النووي لعام 2015، الذي تم التوصل إليه بينإيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية، مما أدى إلىفرض عقوبات صارمة على إيران.

وأضاف التقرير أن هذه العوامل، إلى جانب العملالإيراني المكثف على موقع تخصيب جديد ترفض إيرانالسماح للمفتشين الدوليين بدخوله، تجعل الكثيرين فيالخليج يعتقدون أن هجوما إسرائيليا آخر "شبهحتمي".

واستعدادا للحرب القادمة، زادت طهران إنتاجهاالصاروخي بشكل كبير، وتعمل على مدار الساعة علىأمل أن تتمكن من “إطلاق 2000 صاروخ دفعة واحدةلسحق الدفاعات الإسرائيلية، وليس 500 صاروخ علىمدار 12 يوما”، وفقا لما قاله علي فايز، مدير مشروعإيران في مجموعة الأزمات الدولية، لنيويورك تايمز.

وقال فايز: "تشعر إسرائيل بأن المهمة لم تُنجز بعد، ولاترى سببًا يمنعها من استئناف الصراع، لذا تُضاعفإيران استعداداتها للجولة التالية"، مضيفا أنه لا يوجدما يشير إلى احتمال تجدد القتال مباشرة.

ورغم وجود بعض المحاولات لإحياء المحادثات بشأناتفاق نووي جديد، إلا أنها لم تسفر عن نتائج بعد، وفينوفمبر 2025، بدا أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله عليخامنئي يشكك في إمكانية إحراز أي تقدم.

وقال خامنئي في تصريحات نقلتها وسائل الإعلامالرسمية: "يقول الأمريكيون أحيانا إنهم يرغبون فيالتعاون مع إيران. لكن التعاون مع إيران مستحيل طالمااستمرت الولايات المتحدة في دعم النظام الصهيونياللعين، وإبقاء قواعد عسكرية، والتدخل في المنطقة".

وأضاف: "إن طبيعة الولايات المتحدة المتغطرسة لا تقبلسوى الخضوع".

وصرح فايز لنيويورك تايمز بأن كبار المسؤولينالإيرانيين منقسمون حول كيفية المضي قدما في ظلالجمود مع الولايات المتحدة.

وقال إن البعض يرغب في مواصلة السعي للتوصل إلىاتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، معتقدين أن ذلكسيكون أفضل لإيران، حيث يواجه سكان البلاد البالغعددهم حوالي 92 مليون نسمة تضخما متزايدا ونقصاحادا في المياه.

لكن لا يتفق الجميع على ذلك، كما قال فايز للصحيفة،والبعض يفضل مواجهة أخرى، معتقدين أن محاولةالتفاوض مع ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النوويالتاريخي لعام 2015 خلال ولايته الأولى، أمر غير مجد.

وبغض النظر عن النهج المفضل، قال فايز إن كبارالمسؤولين متفقون على أمرٍ واحد: أن جولة أخرى منالقتال مع إسرائيل أمر لا مفر منه.

في يونيو 2025، صرحت إسرائيل بأن هجومها الشاملعلى كبار القادة العسكريين الإيرانيين وعلمائهمالنوويين ومواقع تخصيب اليورانيوم وبرنامجالصواريخ الباليستية كان ضروريا لمنع الجمهوريةالإسلامية من تحقيق خطتها المعلنة لتدمير الدولةاليهودية.

ونفت إيران باستمرار سعيها لامتلاك أسلحة نووية. ومعذلك، قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات غيرسلمية، ومنعت المفتشين الدوليين من تفتيش منشآتهاالنووية، ووسعت قدراتها الصاروخية الباليستية. وقالتإسرائيل إن إيران اتخذت خطوات نحو التسلح النوويقبل حرب يونيو.

ردت إيران على الضربات الإسرائيلية بإطلاق أكثر من500 صاروخ باليستي وحوالي 1100 طائرة مسيرة علىإسرائيل.

وأسفرت الهجمات عن مقتل 32 شخصًا وإصابة أكثر من3000 في إسرائيل، وفقا لمسؤولي الصحة والمستشفيات.

وفي المجمل، كان هناك 36 هجوما صاروخيا وضربةواحدة بطائرة مسيرة في مناطق مأهولة بالسكان فيإسرائيل، مما تسبب في أضرار لـ 2305 منازل في 240 مبنى، بالإضافة إلى جامعتين ومقرات بحث، وأخفتإسرائيل تعرض أربعة من أكبر قواعدها العسكريةلقصف إيراني فيما نزح أكثر من 13 ألف إسرائيلي.

 

عمر نجيب

[email protected]