من المعروف أنه لكل مجتمع مشاكله الخاصة النابعة من طبيعته الإجتماعية والثقافية وحتى السياسية ومن هذه المشاكل يوجد المشكل الحقوقي الذي يمس جميع الإعتبارت السالفة الذكر وهو ناجم عن إنتهاكات متنوعة تأخذ عدة أوجه إلا ان القاسم المشترك بينها هو المعاناة والغبن والتعسف ؛ لذل يعتبرهذا المشكل من أكثر المشاكل خطورة على المجتمعات وعلى كيانها بل وحتى بقائها ولحل هذا المعضل الذي يعتبر عائقا أمام تقدم وتطور الدول ونهضة الأمم وُجِدت المؤسسات الحقوقية كنوع من المشاركة الفعالة الناضجة والمسؤولة من أجل المساهمة في حل كل المسائل الحقوقية العالقة ، لأنها في أي مجتمع تعد ركيزة مهمة للعمل على رصد الانتهاكات أو التجاوزات التي تحدث من قبل أطياف المجتمع أو الدول والحكومات ممثلة في الأجهزة التنفيذية والأمنية ، وبالتالي العمل على معالجتها عبر توثيق هذه التجاوزات وإبرازها للرأي العام وإيصال صوت المتضررين للمسؤولين وللرأي العا والمطالبة بمعالجتها بل و المشاركة بوضع ،تصورات متزنة تساهم في بلورة الحلول ..
وبالنظر لوضعية البلد نجد أن موريتانيا كسائر البلدان قد شهدت تجاوزات في حقوق الإنسان في أزمنة غابرة ضمن سياق جيوسياسي كانت تعيشه المنطقة لكن تجدر الإشارة إلى أن أكثر هذه التجاوزات حدة قد حصلت بشكلها السافر في ظل اللادولة أي عهد السيبة عكس الكثير من الدول ولهذا أهميته القصوى لأن الظواهر المقيتة تكون أكثر شراسة وقبحا على قبحها في ظل الدولة أي في ظل الدستور والقانون ودولة المؤسسات من كونها قد حصلت في عهد السيبة أي اللادولة واللادستور واللاقانون، ومن هذه الظواهر الميقتة ظاهرة العبودية وكما هو معلوم أن المجتمع الموريتاني لم يتعرض لمشكلة أثقلت كاهله وعرقلت تماسكه كمشكل العبودية هذا المشكل المعقد الأبعاد والذي مر بمراحل عديدة حتى وصل إلى ماوصل إليه الآن وهنا وجب توضيح بعض الأمور المتعلقة به لأنه يوجد لبس كبير حول هذا المشكل من حيث الإتفاق حول التسمية والوصف للواقع المعاش له اليوم ، لأن اللبس الحاصل عند الكثيرين والذين تباينوا في حصوله ،هو في التفريق بين وجود ظاهرة منتشرة تمارس بشكل علني وبدون رادع قانوني وبقبول من المجتمع بجميع أطيافه وهذا ما لاينطبق على الوضعية الموريتانية في الوقت الراهن وبين مخلفات ظاهرة أستشرت في البلد لقرون كباقي دول العالم من حوله مما أدى إلى إنعكاسات سلبية على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والثقافي لشريحة معينة ؛ومن هنا صار لزاما من الناحية الأخلاقية والإنسانية والوطنية بل وحتى الشرعية أن يتحمل الجميع مسؤولياته وأن يؤدي الكل الدور المنوط به من أجل معالجة هذا الوضع القائم المؤسف وتتوزع الأدوار هنا على الدولة وعلى الأحزاب السياسية وعلى الحركات الحقوقية والمجتمع المدني ورجال الدين وعلى المجتمع ككل ،فالدور المنوط بالدولة تأديته هو أن تسن ترسانة قانونية رادعة ومجرمة لكل المظاهر السلبية والإنتهاكات الضارة بأي فئة من المجتمع وحتى تساهم أيضا في تنظيم التعاطي مع القضايا الحقوقية من باب القانون لكي لاتتأثر الجهود بفوضوية التعاطي ولكي لاتشوه أخلاقيات التناول عندها و أن تساهم كذلك في التحسين من أوضاع الفئات المتضررة من هذه المخلفات بتوفير التعليم والصحة ومشاريع مدرة للدخل لهم ؛ لكي تساهم في الرفع من المستوى المعيشي لدى تلك الفئات وتمكينها من الإستقلال الذاتي الذي سيجنبها جميع مظاهر الإستغلال بكل تجلياته وكذلك على الطيف السياسي أن يتبنى خطابا سياسيا جامعا ينحى هذا المنحى ويساهم في بلورة رأي عام يتبنى هذه القضايا الحقوقية العادلة وأن يبعدها عن بؤر ووسائل الضغط السياسية والإصطفاف الإتني والإيديولوجي ، على إعتبار أنها قضاي إجماع وطنية ، كذلك ينبغي على رجال الدين أستخدام المنابر الدينية ، لما يخدم التماسك بين أفراد المجتمع ونشر قيم العدل والمساواة والتسامح والمساهمة في الحد من إستمرار هذه الإختلالات المؤثرة على الإنسجام والتناغم بين مكونات الشعب ؛ نفس الشيء ينبطق على المنظمات الحقوقية التي يقع على عاتقها الدور المحوري بعد الدولة في محاربة هذه الظاهرة متى وجدت وكيف ما وجدت والسعي في الحد من مخلفاتها وذلك بإستخدا وسائل الحد من مثل هذه التجاوزات ومنها العمل على توعية المواطنين بحقوقهم القانونية ونشر الوعي الحقوقي بينهم لمعرفة الضمانات القانونية التي تحميهم من أي تجاوز أو اعتداء يمكن أن يتعرضوا له والسعي في التنبيه عن أي إنتهاكات يمكن أن يتعرضوا لها وتبليغ السلطات عنها ووسائل الإعلام وكما هو معلوم أنه لكل عمل آلياته المنظمة له وكذلك له أخلاقياته التي من خلالها سوف يتعامل كما ينبغي وبالوجه المطلوب مع القضايا الحقوقية حتى يأمن الإنحرافات التي ستؤثر على العمل المقام به وعلى فعاليته وعلى الأهداف المرجوة منه والتي يسعى في سبيل تحقيقها ومن هذه الأخلاقيات والسلوك الذين ينبغي أن يتوفروا في العمل الحقوقي هو أمتلاكه لرؤية عميقة ومتزنة ذات نفس طويل ولاتعرف التطرف ولا التزلف كما أنه ينبغي على الخطاب الحقوقي أن يبتعد عن الحدة والكراهية والعنصرية ورسم الصور الباهتة عن مكونات إجتماعية بأكملها ووضعها في خانة الإتهام والسفور الأخلاقي حتى لا يقع في تناقض مع مايدعو إليه من قيم ومثل وحتى لايفقد الخطاب ألقه التسويقي والذي سيسمح له بلفت الإنتباه إلى قضيته العادلة من أجل أن يزيد من إتساع دائرة المتبننين لها والمدافعين عنها وهذا هو مايفترض بالحقوقي البحث عنه ؛ كذلك ينبغي على القضايا الحقوقية أن تكون خارج دائرة الإستغلال والإستقطاب السياسي وأن لاتتلون بلون إتني واحد بل ينبغي أن تكون قضية إجماع وطنية عند الجميع على إختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وإتنياتهم لأنها تحتاج إلى الفعالية والإستمرارية وهذه العناصر لاتتوفر إلا في طرح ذي أبعاد وطنية جامعة لا إتنية خاصة ؛ لأنه قديما قيل أن تصعد للقمة علي درجات نجاحك خير من أن تصعد علي أخطاء الأخرين ،ولذلك أعود وأكرر دائما أن المجتمعات التي تقف عند آلام ماضيها كثيرا بقصد الإجترار والإذكاء لا الإقصاء بالحل دائما ما تعيش واقعا مريرا و مستقبلا باهتا ،هذه هي الحقيقة التي يتغاضى عنها الكثيرون من نخبنا ومثقفينا المتنوعي المشارب للأسف والذين يدعون مناصرة القضايا الحقوقية لأنه يغيب عن أذهانهم أن القضايا العادلة لكي يبزغ فجرها لا بد لها من تخطي مرحلة الشخصنة الظلامية والتطلع لشمس الحرية وخيوطها الذهبية الجامعة و التي ستزيل تلك العتمة الجاثمة على صدر الانسانية ككل فتدخل بذلك مرحلة الإستمرارية بأمان ولن يتأتى لها ذلك إلا بزرع بذرة التسامح لكي تحصد المحبة والتكاتف لتجسيد المفهموم العميق للإنسانية و لكي يحصل ذلك لابد من أن يجيد أصحابها فن الرسم الذي سيمكنهم من إظهار جميع ألوان الطيف الوطني مجتمعة وذلك حتى يتجنبوا طرق الرسم الباهتة التي تشوه التجانس بين مكونات اللوحة الوطنية...
لأن مشكلة مجتمعنا ترجع إلى المحاولات الغير مدروسة التي لم تبقي على قابليته للعلاج ،فالمجتمع تعرض دفعة واحدة لجرعة زائدة من النقد جعلته يصاب بتسمم الخوف من كلمتي ــ وعي ــ و حقوق ـــ وصار ينظر لهما على أنهما إستهداف لوجوده وهذا أمر مؤسف بل وخطير جدا ؛ ولذلك فالحل يعتمد على الطريقة التي سنسوق له بها الإصلاح بطريقة تجعله يدرك أنه إن أرتدى ذلك الثوب سيبدو به في حلة أبهى وأجمل..فكيف ذلك ؟؟؟
لأنه أحيانا بسبب واقعنا المجتمعي الصعب والمرير ؛والذي يخلف في نفوسنا من الشعور بالإحباط الكثير ،الأمر الذي يسمح لليأس بالتغلغل في آمالنا بدرجة يصعب معها عدم إستساغته بل وتقبله ،لأن اليأس ماكر في طريقة التسلل إلى النفس البشرية خداع في إيجاد المبررات .....
لكن صدقوني ، أنه ما إن نفتش جيدا وبصبر بين ثنايا تلك النفوس لوجدنا بأن ــ الشر الإجتماعي الممرض ـــ لم يتعمق فيها كثيرا ؛وأنه ليس عصيا على الإقتلاع منها لكن فقط إن أجدنا طريقة التعاطي معه؛ بالصورة التي ننجح فيها بإستدراجه إلى الخارج بدون أن نصيب تلك النفوس بخدوش جديدة؛ لأنه قد تعاقب عليها من النقوش التي عدلت مسار الخير فيها الكثير مما قد يخيل لنا أنها أكستبت بذلك مناعة ضد العلاج ؛ما جعلها للوهلة الأولى تبدو ناقصة الأبهة، لكن سرعان ما سنكتشف ذلك الطيب الذي كانت تخفيه ،فمجتمعنا بإختصار يحتاج لمن يريه صورته على مرآة جديدة عله يكسر حاجز التعود على عين الرضى إلى عين الحقيقة والتي ستريه الصورة بجميع الأبعاد لكن بإتقانه لفن التسويق وعميق الطرح وطول النفس هذا كل مافي الأمر..
ومن هذا المنطلق وإيمانا بأهمية التحرك الجاد والمساهمة الفعالة التي سنحاول من خلالها على الأقل إحداث خلخلة في ذلك الجمود الذي أصاب واقع التعاطي مع القضايا الحقوقية في البلد بفعل تقادم الأساليب وعدم فعاليتها و ضيق الرؤى لديها وانعدام الطرح الوطني المتزن والجامع في الكثير من الأحيان قرر تكتل شبكة صوت المغترب للثقافة والإعلام وموقع موريتانيا 13 والمركز الأمريكي الدولي للسلم وحقوق الإنسان أن يعقد ندوة بعنوان :
ــ الواقع الحقوقي في موريتانيا بين عدالة القضية وأخلاقيات التناول والتي تضمنت اربعة محاور رئيسية وهي :
ـ1ـ الإعلام ودوره في خلق بيئة إجتماعية تنبت فيها ثقافة المواطنة والإيمان بالدولة المدنية كحل أمثل لتعايش جميع مكونات الشعب
ـ2ـ القضايا الحقوقية بين عدالة المطالب وبين وإكراهات الخطاب التسويقي وخطورة الإستغلال
ـ3ـ أهمية التركيز على البعد التربوي للأجيال الصاعدة في النهوض بوضعية حقوق الانسان في المستقبل ونشر ثقافة المساواة عندها
ـ 4ـ الإستقرار وأهميته في نهضة الشعوب والتحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة
وجدير بالذكر أن هذه الندوة أنعقدت بعد حدث مهم وله دلالاته وأبعاده وهو رحلة الأمل ،التي قام بها سفير المصارحة والمصالحة سيدي محمد ملاي الحسن والذي حمل خلالها شعار المصارحة والمصالحة ،هذه الرحلة التي كان تكتل شبكة صوت المغترب للثقافة والإعلام وموقع موريتانيا 13 والمركز الأمريكي الدولي للسلم وحقوق الإنسان أول الداعمين لها والمتبنين لها بل والمواكبين لها خطوة بخطوة ،وهنا وجب علينا أن نتقدم للرأي العام الوطني بتفسيرات حول حيثيات هذه الخطوة وهنا نقول بأننا كتكتل إعلامي حقوقي لديه رؤيته ومقاربته لما يجري في الوطن من أحداث نسعى إلى خلق بئة صحية وسليمة تمكن أبناء هذا البلد الواحد من الجلوس على طاولة الحوار والنقاش والتدارس حول كل المواضيع المتعلقة بالبلد وبشعبه من أجل الإلتقاء على كلمة سواء هدفها مد وتقوية جسور الثقة بين جميع أبناء هذا البلد الواحد على إختلاف مشاربهم وطرحهم وتوجهاتهم من أجل أن نتقدم ببلدنا إلى الأمام بما يخدم مستقبل وتطلعات أبناء شعبنا وعليه كان تبنينا لرحلة الأمر خطوة مندرجة في هذا السياق العام الذي حددناه ورسمناه لأنفسنا ، وهنا أؤكد أننا لسنا بصدد إستيراد مقاربات أمم وثقافة دول أخرى وإسقاطها على واقعنا المعاش بدون مراعاة الفروق ، لأننا نعلم جيدا أنه لكل بلد خصوصيته المتولدة من إعتبارات شتى دينية وثقافية وجيوسياسية وإنتربولوجية ..إلخ لكننا نؤمن أيضا أنه لكل الأمم والثقافات قواسم مشتركة قالبها البعد الإنساني العميق من قيم العدل والمساواة والتآخي والمحبة والوحدة لذلك فلا ضير من إستخدام تجارب الغير ومقارباتهم إن توفرت فيها شروط النجاعة عند إسقاطها على واقعنا وطبعا بعد إضافة البصمة الموريتانية الخاصة عليها ،لأنه كما أن المعرفة لها بعد تراكمي كذلك الحضارة الإنسانية لها بعد تشاركي ،هذا بصورة عامة وعليه فإننا كتكتل يؤمن بأهمية الوحدة الوطنية وبأهمية إفساح المجال أمام الأصوات البعيدة عن الخطاب المحرض والداعي للتفرقة و الصادحة بطرح يخدم إرساء المحبة والتماسك والعدالة والمساواة في ظل الدولة المدنية وليس العريضة الإتنية ،بين هذا الضجيج الصاخب الذي يضر أكثر من نفعه وهذا ماجسدته رحلة الأمل من قبل سفير المصارحة والمصالحة والذي وقف معه تكتلنا وتبنى ,مسيرته الراجلة ،لأنه رفع شعار المصارحة والمصالحة ؛لأن الأول بمثابة التشخيص المتعدي للعقد والمتجاوز لأسلوب الإذكاء والإجترار فقط دون تقديم الحلول ولأن الثاني هو الحل القابل للصمود أمام شتى أنواع الزوابع التي من الممكن أن تترصد المجتمعات خاصة المجتمع الموريتاني لأنه حين يتعلق الأمر بكينونة الأمم ينبغي أن يمتاز طرحنا بالعمق وبالمناسبة فإننا منفتحون على كل طرح ينحى هذا المنحى من إرساء لقيم العدالة والمساواة وإشاعة ثقافة الإيمان بالدولة المدنية التي نتساوى جميعا تحت علمها ،والتي نحرص جميعا على تماسك أفراد شعبها والحفاظ على أمنها و إستقرارها لذلك فإن يدنا ستظل ممدودة لكل يد تريد أن تبني ولاتهدم تريد أن ترزع لكي نحصد جميعا مايسر ويستمر
في الأخير نقول بأن أهمية الوعي بضرورة ترسيخ قيم العدالة ينبغي أن يكون مطلبا للجميع فهي الأساس القوي لقيام المجتمعات والأمم وهي المرسخة لقيم التعايش بين أفرادها وهي الضامنة لإستمراريتها وهي صمام أمان الأمم الناضجة والواعية لأن الأمم الواعية قادرة على تجاوز أي ظرف عصيب مهما كان وكيف ماكان لأنها ستزن الأمور بميزان الوعي وتقدر الأمور بحسابات المصلحة الوطنية العليا ،وبفعل شعورها بالإنتماء سيتولد لديها الإستعداد لكل أنواع التنازل من أجل أن يظل الوطن فوق كل أعتبار وأن يظل علمه خفاقا مشاهدا من كل الأنظار ...حفظ الله الوطن وحفظ الله شعبنا الأبي من كل سوء ومكروه..