المعطى الذي يتجاهله أغلب هؤلاء الذين يتناقشون حول التسويات في الصراع مع إسرائيل هو مدى تأثره بالمواجهات السياسية والعسكرية الدائرة على الصعيد الدولي من أجل إيجاد نظام عالمي جديد يحل مكان النظام القائم على أحادية القطب وهو الوضع الذي مكن الولايات المتحدة الأمريكية ولحوالي عقدين ونصف من تسيير جزء كبير من الشؤون الدولية وتوجهات أنظمة الحكم في العديد من دول العالم حسب إرادتها.
بعيدا عن الهرطقة المتداولة حول تفاهمات ممكنة بين واشنطن وكل من روسيا والصين وما يتبعها من عملية تقاسم النفوذ وتوزيع المغانم، توجد ثوابت فرضت نفسها عبر كل تاريخ البشرية وهي أن القوة وحدها هي التي تفرض معادلات التوازن وشكل التعامل بين الدول وكل تسويات وصفقات لا تساير هذه المعادلة لا تدوم سوى لوقت قصير.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ثبت اليقين أنه لا يمكن للشرق أن يثق في الغرب والعكس صحيح وأنه إن كان هناك تفاهم فهو مؤقت ومرتبط بوضع موازين القوى خلال فترة معينة وبعد وأثناء تلك الفترة يتم تعديل المواقف والعمل على مخادعة الخصم وضربه من حيث لا يتوقع.
ترتبط القوة الصلبة عموما بأقوى الأمم، حيث إنها القدرة على تغيير الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من خلال التهديدات العسكرية. الواقعيون الجدد، والواقعيون، مثل جون ميرشايمر، هم دعاة لاستخدام هذه القوة، لموازنة النظام الدولي. ركب آخرون خليط من (القوة الناعمة، والصلبة)، خلال سياسة القوة الذكية.
تفرض القوة منطقها على منحنيات الصعود والهبوط في العالم، وتتعدد أشكالها، ما بين النعومة والخشونة، والبطش، لكن مفهوم القوة يبرز بحساسية شديدة في فضاء العلاقات الدولية، وذلك لأهميتها كعلاقات مركبة وحاكمة لإشكاليات كثيرة تؤثر تأثيرامباشرا على الدول وتمتد بعد ذلك إلى نطاق الأسرة والفرد.
مثال بسيط وصغير نسبيا بشأن التحالفات ولنأخذ الشرق الأوسط مثالا، يوم الخميس 14 نوفمبر 2024 أوردت وكالة روسيا اليوم الخبر التالي:
نشر أفراد اللواء الـ15 التابع للحرس الوطني الأوكراني مقطع فيديو أظهر رماية مدافع الهاون باستخدام الألغام العنقودية الإسرائيلية، من طراز "M971". وأفادت وسائل الإعلام بأن إسرائيل بدأت في تزويد الجيش الأوكراني بها منذ ديسمبر عام 2022 إضافة إلى أجهزة رادار وأسلحة أخرى.
يوم 2 أكتوبر 2024 وحسب وكالة رويترز تتفاوض روسيا مع الحوثيين في اليمن على تزويدهم بصواريخ ياخونت (أونيكس) الأسرع من الصوت المضادة للسفن من طراز بي-800″. وأضافت أنه من المحتمل أن تتم المحادثات بوساطة إيرانية، رغم أن طهران تسعى إلى تجنب المشاركة المباشرة. كما أشار مسئول أمريكي إلى أن هذه المفاوضات مرتبطة بالإجراءات الغربية في أوكرانيا، مما يعني أن اهتمام موسكو بتوريد الأسلحة ينبع من الرد علىالدعم الغربي المحتمل لأوكرانيا لضرب عمق أكبر في الأراضي الروسية.
يقول محللون أن جزء طاغيا من الطبقة الحاكمة في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة يعيشون أوهاما مبنية على فهمهم الغارق في أطروحات ومفاهيم الاستعمار الأوروبي الإمبريالي خلال القرن التاسع عشر خاصة ما يتعلق بطرق التعامل مع خصومهم أو منافسيهم، وهكذا يجري الحديث عن صفقات بين واشنطن وموسكو يقدمون لها أوكرانيا كهدية مقابل أن تتخلى عن تحالفاتها مع الصين وكوريا الشمالية وإيران وتنضم إليهم في الحملات ضد هؤلاء، أو أن تساعد موسكو تل أبيب في الضغط على حكومة دمشق لتتخلى عن دعمها لحزب الله وتحالفها مع طهران، أو أن تتخلى موسكو وبكين عن مصالحهما وتحالفاتهما في الشرق الأوسط وأفريقيا مقابل فتات هنا وهناك.
نفس تلك الأوهام هي التي جعلتهم يخسرون معركة السويس سنة 1956 وحرب الفيتام سبعينيات القرن العشرين والحصار على باكستان لمنعها من امتلاك السلاح النووي وحرب أفغانستان سنة 2022 بعد 20 سنة من حملة عسكرية. وهو نفس المنطق الغريب الذي يؤكد فيه في واشنطن يوم الجمعة 15 نوفمبر عن أن إيران قدمت ضمانات مكتوبة سرية للولايات المتحدة شهر أكتوبر قالت فيها إنها لن تسعى لاغتيال الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
في المتاهة المتشكلة بخيوط جديدة مع اقتراب سنة 2024 من نهايتها يبذل أنصار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة أساسا وفي الغرب عامة الذين يعارضون تعديل النظام العالمي ونهاية الأحادية القطبية جهودا يمكن أن يعتبرها البعض نوعا من الجنون خاصة إذا كانت ستزيد من أخطار نشوب حرب عالمية ثالثة، وهكذا أفاد مسؤول أمريكي لوكالة فرانس برس يوم الأحد 17 نوفمبر 2024 بأن واشنطن أجازت لأوكرانيا استخدام صواريخ بعيدة المدى زودتها بها في حربها ضد روسيا. وبذلك وافق الرئيس بايدن على مطلب كييف الملح قبيل تسليمه الرئاسة لترامب الذي ينتقد بشدة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا.
وكان الرئيس الروسي بوتين قد ذكر في وقت سابق أنه عندما يتعلق الأمر باستخدام أسلحة غربية عالية الدقة وبعيدة المدى، ينبغي أن يكون مفهوما أن مثل هذه العمليات تتم بمشاركة عسكرية من دول "الناتو"، حيث أنها وحدها القادرة على القيام بمهام توجيه أنظمة الصواريخ.
وأكد الرئيس الروسي أن المشاركة المباشرة للغرب في المواجهة في أوكرانيا ستغير جوهرها بشكل كبير وستعني أن دول "الناتو" - الولايات المتحدة والدول الأوروبية – أصبحوا في حالة حرب رسمية مع روسيا، وأشار بوتين إلى أن موسكو ستتخذ قراراتها بناء على التهديدات التي تظهر أمامها.
بفارق عدة أسابيع تحدث سياسيون غربيون ومصادر إعلامية في كييف عن نية حكومة أوكرانيا العمل على إنتاج أسلحة نووية ولما تمت الإشارة إلى أن العملية لإنتاج قنبلة بحجم ووزن مناسب يمكن به استخدامها قد تستغرق أشهرا طويلة، أفادت مصادر رصد في برلين أساسا أن تل أبيب أرسلت ما بين خمس إلى ثمانية قنابل نووية إلى أوكرانيا محملة على طائرات ف-16 لسلاح الجو الإسرائيلي بدلت علامات هويتها توجد في مطارات بغرب أوكرانيا.
غزة ولبنان
في منطقة الشرق الأوسط المركز ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية قاومت القوى الغربية بالحروب المفتوحة والتدخلات تفكك نفوذها في المنطقة وحاربت بكل الطرق حركات التحرير وعملت على تمزيق المنطقة وصنع دويلات جديدة، وجاء مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد الذي ينص على تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية ومناطقية ليشكل أحد أحدث هذه المحاولات. المعركة الدائرة خاصة منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هي إمتداد للمواجهة التي بدأت منذ عقود للتحرر من الاستعمار في صورته الأحدث.
قبل اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993 كان لتصريح إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أتمنى أن أستيقظ ذات يوم من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، إثباتا لقدرة سكان هذه البقعة الصغيرة من ارض فلسطين التاريخية على رسم خطوط المواجهة.
خلال شهر أكتوبر 2024 لخص تقرير لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية الوضع بعد 12 شهرا من العملية البرية الإسرائيلية على القطاع حيث ذكر: نحن غارقون في وحل غزة.. وعلينا إنهاء الحرب كي لا نغرق في الشمال.
وأكد المراسل العسكري للصحيفة، آفي اشكنازي، أن العدد الكبير من القتلى الإسرائيليين "أصاب الإسرائيليين بشعور الغرق في الوحل". وأضاف إن "المستوى السياسي في إسرائيل، لم يعرف ولا يعرف كيف يحدد الخطوة الأهم في الحرب، وهي الخروج منها".
تعديل التوقعات
أقرت وسائل إعلام إسرائيلية، يوم الأحد 17 نوفمبر 2024، بأن "إسرائيل" لا يمكنها "إخضاع حزب الله"، وبفشلها في إعادة المستوطنين إلى الشمال.
المحلل العسكري في "قناة i24" يوسي يهوشع وعند حديثه عن حرب الاستنزاف التي يمارسها حزب الله منذ أكثر من عام في وجه "إسرائيل"، اعترف بعجز "الجيش" الإسرائيلي في حسم المعركة لصالحه، قائلا: " عذرا.. في الواقع، لا يمكن إخضاع حزب الله".
وتابع: " لنكن واقعيين، حاولنا إخضاع حماس لمدة عام ولم ننجح. وحزب الله أقوى بعشر مرات". وأشار إلى أن "الجيش" الإسرائيلي يعاني اليوم من نقص كبير في قواته وفي حافزية قوات الاحتياط.
وأضاف أنّ "الجلوس في "الاستوديو" والقول إنه يمكن الحسم بالتوازي مع القتال في غزة وبوجود 24 كتيبة في الضفة الغربية وأيضاً القول إننا سنخضع حزب الله أمر مستغرب لأننا لا نعرف من أين سنأتي بجميع هذه القوات"، داعيا إلى أن يكون هناك تعديل للتوقعات.
وقبل 3 أيام، أقرت وسائل إعلام إسرائيلية بأن "الجيش" الإسرائيلي يواجه معارك قاسية في الخط الثاني من البلدات اللبنانية.
وتبعد بلدات الخط الحدودي الثاني مسافة تتراوح بين 5 و10 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين، وتفصلها عن القرى الواقعة عن الشريط الأول وديان وتضاريس تصل الخطين معاً.
ويأتي هذا الاعتراف، فيما تواصل المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله، استنزافها لـ"جيش" تل أبيب منذ أكثر من عام، وتكثيف عملياتها في الشهرين الماضيين مع بدء العدوان الإسرائيلي المكثف على لبنان.
وفي وقت سابق، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن "حزب الله لديه ما يكفي من الصواريخ لإرسال ملايين المستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ كل يوم"، مشددة على أن هذا الأمر يشكل "إنجازا ينهك الإرادة الإسرائيلية، وسيؤدي إلى تخفيف مطالب إسرائيل في المفاوضات".
بدوره، أكد مراسل الشؤون السياسية في "القناة 12" الإسرائيلية، يارون أفراهام، أنّ "إطلاق النار على تل أبيب يثبت امتلاك حزب الله قدرات نارية واسعة"، مشيرا إلى أن "من يعتقد عكس ذلك هو مخطئ، فالوضع ليس هكذا أبدا".
وأقر أفراهام بأن هذه القدرة "ستبقى لدى حزب الله، حتى بعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، إن حصل ذلك"، مع إشارة وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الحزب "قادر على إطلاق الصواريخ على الوسط يوميا".
في السياق نفسه، اعترف اللواء في الاحتياط، إيتان دانغوت، بأن حزب الله "يحافظ على قدراته الصاروخية، وتلك الخاصة بالمسيرات، ويحقق الإنجازات من خلالها"، وذلك في حديث إلى "القناة 12".
أمام ذلك، و"في ظل إطلاق 200 صاروخ يوميا ومسيرات وقتلى (...)، فإن ما سيحسم الأمور هو الواقع (أي الميدان)"، كما أكد المتحدث باسم "الجيش" سابقاً، ران كوخاف.
وفي حديث إلى "القناة 12" أيضاً، أكد كوخاف: "لا نصر أو حسم أو تسوية أو وقف إطلاق نار أو دبلوماسية.. ما سيقرر هو الميدان".
حرب الاستنزاف
في إقرار آخر، قال كوخاف إن حزب الله "أذكى من إسرائيل، وهو يستخدم أسلوب الاستنزاف"، الذي "يكون ربما أسلوب العمل الأفضل بالنسبة إلى أعداء إسرائيل"، وفقا لما أضافه.
كما اعترف المتحدث باسم "الجيش" سابقا بأن "إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب، فلم تعد الأسرى، لم تهزم حماس ولم تعد الإسرائيليين إلى الشمال بأمان".
وفي تعليق جديد على تصريح وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، بشأن "الانتصار على حزب الله ونزع سلاحه"، قال المراسل العسكري لموقع "ماكو"، شاي ليفي، إن "الشعارات كانت تتحطم على أرض الواقع لسنوات، من دون التعلم من التجارب".
وشدد ليفي على أن حزب الله "لن يتم نزع سلاحه"، حتى "من خلال توغل بعمق 5 كلم".
وجاءت كل هذه التعليقات بعد استهداف حزب الله، بعد ظهر الأربعاء 13 نوفمبر، وللمرة الأولى، قاعدة "الكرياه" في "تل أبيب".
وقاعدة "الكرياه" هي مقر وزارة الأمن الإسرائيلية وهيئة الأركان العامة وغرفة إدارة الحرب وهيئة الرقابة والسيطرة الحربية لسلاح الجو.
القرار 1701
بموازاة مع زيادة تعقد الوضع العسكري سواء في غزة أو خطوط القتال اللبنانية الإسرائيلية تكثر الوساطات واقتراحات وقف إطلاق النار التي تبقى حتى الآن مجرد حبر على ورق، ولكن يمكن عبرها قياس مدى تطور الصراع.
يوم 16 نوفمبر 2024 قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن حزب الله يريد التطبيق الكامل للقرار "1701"، مؤكدة أنه غير مستعد لإدخال أي بند يتعلق بـ"حرية عمل إسرائيل" ولا حتى "حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي" في المجال الجوي اللبناني ولا بشأن إشراف إسرائيلي – أمريكي بخصوص القرى في جنوب لبنان.
وشددت "القناة 12" الإسرائيلية، على أن حزب الله "غير مستعد لشيء تدريجي في هذا السياق، بل يريد تنفيذ الأمر فورا، والرجوع إلى القرار 1701 دون أي تعديلات".
ويتقاطع تمسك المقاومة الإسلامية في لبنان بالتطبيق الكامل للقرار "1701" بما فيه لمصلحة لبنان، مع المواقف اللبنانية الرسمية.
وكانت مصادر لبنانية قد كشفت أواخر شهر أكتوبر، أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري نصح المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين خلال زيارته إلى بيروت قبل أسابيع، بالإتيان بموقف إسرائيلي واضح بشأن القرار "1701" من دون تعديل.
وفي السياق، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أكثر من مرة "التزام لبنان بالقرار 1701 بحرفيته وكما أقر، من دون أي إضافات أو تفسيرات".
وفي وقت سابق، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إلى أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يخشون أن يقود توسيع العمليات العسكرية في لبنان إلى حرب استنزاف.
ويوم 14 نوفمبر، أقر اللواء احتياط إسرائيل زيف، قائد شعبة العمليات سابقا، بأن "حزب الله يتعافى. لذلك، فإن شروط الاتفاق السياسي من ناحية إسرائيل تنخفض، وما كانت تستطيع إنجازه أمس لن تستطيع إنجازه اليوم أو غدا". واعترف بأنه ما "لم يعط حزب الله تنازلا وإنجازا معينا، فلن يهتم بالتسوية، ولن يبقى هناك من يمكن التحدث معه".
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد أكدت أن "حزب الله لديه ما يكفي من الصواريخ لإرسال ملايين المستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ كل يوم"، مشددة على أن هذا الأمر يشكل "إنجازاً ينهك الإرادة الإسرائيلية، وسيؤدي إلى تخفيف مطالب إسرائيل في المفاوضات".
النزف والإنهاك
يوم الأحد 17 نوفمبر 2024 قال اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي، إسرائيل زيف، إنه يوجد احتمال كبير للتسوية مع لبنان.
ورأى زيف، في مقابلة مع "القناة 12" الإسرائيلية أنه " يجب على إسرائيل حاليا أن لا تصر على ما يمس بسيادة لبنان، فنحن معنيون أن نعطي الفرصة الأقصى لكي ينجح لبنان في تطبيق القرار 1701".
ولفت إلى أنه "يتوقع أن يحصل تآكل في الاتفاق، ليس فورا بل ربما في وقت متأخر، حزب الله سيجهد في العودة إلى جنوب لبنان وبناء البنية التحتية الخاصة به". وأكد أنه يجب السعي حاليا إلى اتفاق مع لبنان "لأن النزف هناك وحالة الإحباط والإنهاك ووضع الدولة، ولكل الأسباب في العالم يجب إنهاء الأمر".
وتابع قائلا: "من الصعب على إسرائيل تفكيك المنظمات الإرهابية التي لا تبدو ظاهريا أنها قوية"، على حد تعبيره.
في سياق متصل، نقلت القناة "12" الإسرائيلية عن اللواء احتياط إيتان دانغوت، منسق شؤون الحكومة في المناطق الفلسطينية سابقا، قوله إن "القتال في لبنان صعب جدا، فهناك قدرة على رصد الجيش، وقد مرت أيام غير سهلة على قواتنا التي تعمل في لبنان من ناحية الثمن الباهظ هناك". وخلص إيتان إلى التأكيد: "في لبنان، يجب الوصول إلى تسوية واتفاق ووقف لإطلاق النار".
وكان المحلل العسكري في "قناة i24" يوسي يهوشع، أقر بأن "إسرائيل" لا يمكنها "إخضاع حزب الله"، وبأنها فشلت في إعادة المستوطنين إلى الشمال.
وعند حديثه عن حرب الاستنزاف التي يمارسها حزب الله منذ أكثر من عام في وجه "إسرائيل"، اعترف بعجز "الجيش" الإسرائيلي عن حسم المعركة لصالحه.
المخابرات الأمريكية
نقلت صحيفة "معاريف" العبرية يوم 14 نوفمبر 2024 عن مسؤول استخباراتي أمريكي قوله إن قدرات "حزب الله" اللبناني تضررت بشكل كبير لكن قواته البرية على طول الحدود لا تزال سليمة.
وذكر هولمغرين من معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) إن المسؤول الاستخباراتي الكبير أشار أيضا إلى أن "المنظمة اللبنانية التي تسلحها وتمولها إيران بشكل أساسي، لا تزال قادرة على تنفيذ هجمات في الخارج".
وحذر المسؤول الاستخباراتي أيضا من أن "حزب الله" جمع مخزونا ضخما من الصواريخ والقذائف وغيرها من القدرات قبل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن الحزب "بدأ من نقطة انطلاق قوية للغاية".
من جهته، ذكر هولمغرين أن حركة "حماس" حليفة "حزب الله" ولا تزال في غزة تجند أعضاء ومقاتلين جدد في صفوفها، ومن المرجح أن تستمر في القيام بذلك "طالما لا يوجد خيار سياسي بديل على الأرض لهؤلاء الشباب المحبطين".
وأضاف "أن حزب الله وحماس ضعفا عسكريا إلى حد كبير إلا أنهما يتحولان إلى قوة متمردة في الميدان، لقد تحولا إلى الأسلحة الصغيرة وتكتيكات الكر والفر، وكان عليهم أن يظلوا بعيدا عن الأنظار".
البطة العرجاء
بناء على تقرير نشر يوم الأحد 17 نوفمبر 2024 في العاصمة الأمريكية واشنطن، صرح ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، في تصريح خاص لقناة "الحرة":إن الإدارة الأمريكية الحالية في وضع ما يسمى "بالبطة العرجاء" حتى شهر يناير 2025، عندما يتسلم الرئيس المنتخب، ترامب، منصبه في البيت الأبيض.
وبسبب هذا الوضع، يضيف شينكر، أن إدارة بايدن " لا قدرة لها على الضغط أكثر"، في وقت تواصل إسرائيل عملياتها لاستهداف مواقع حزب الله، "وبالتالي المقترح الذي قدمته الإدارة الأمريكية الحالية يعد فرصة للبنانيين لإنهاء القتال".
لكن حزب الله، وبحسب شينكر، يرفض الواقع بعد تدهور قدراته إلى حد كبير، ولن يقبل بالاقتراح الأمريكي، و"بالتالي لا يمكن التكهن من إمكانية الوصول إلى النتيجة المرجوة قبل أن ترحل الإدارة الأمريكية الحالية".
وأضاف شينكر للحرة، أن المشكلة في لبنان هي التزام جميع الأطراف ببنود القرار الأممي 1701، لكن هذا لم يحدث عام 2006 عندما أنشأ حزب الله بنى عسكرية كبيرة تحت الأرض في جنوب لبنان، ونشر قواته جنوب النهر الليطاني، وكل هذا حدث وقوات "يونيفيل" والجيش اللبناني لم تقم بدورها لمنع ذلك.
وأفاد مصدر سياسي لمراسلة "الحرة" بأن مقترح وقف إطلاق النار الذي أشارت تقارير إلى أن السفيرة الأمريكية في بيروت ليزا جونسون سلمته لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يتألف من خمس صفحات و13 نقطة ومن المتوقع أن تسلم بيروت ردها عليه قريبا.
وأوضح شينكر أن ما حدث طوال الفترة الماضية يجعل "من الصعب أن نثق بقدرات قوات اليونيفل والجيش اللبناني لفرض ما هو مطلوب لوقف إطلاق النار".
وذكر شينكر أن وقف إطلاق النار صعب تحقيقه حاليا بوجود نحو 8000 عنصر من قوة "الرضوان" التابعة لحزب الله في المنطقة الحدودية، وأن إسرائيل بعد ما جرى خلال هذه السنة من الصعب أن تعود إلى الوراء، لذلك فأن وقف إطلاق النار مرهون بوجود آلية لحل هذه المشكلة، بحسب تعبيره.
بنود عالقة وزمن محدود
مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط قال للحرة إن الولايات المتحدة مع شركاء دوليين مثل فرنسا وقطر والسعودية قد تساهم في دعم الجيش اللبناني ليتمكن من نشر 7000 إلى 8000 من عناصره في جنوب الليطاني.
وأوضح شينكر أن الولايات المتحدة تقدم مساهمات كبيرة جدا لدعم قوات الأمم المتحدة في لبنان "لكن هذه القوات مجددا لم تقم بواجبها، والأمر لا يتعلق فقط بوجود قوات من أي نوع وتمويلها، ولكن إن لم تتصرف لإتمام المهمة..فلا داع لذلك".
وتحدث شينكر عن وجود صعوبات سياسية في ظل وجود حزب الله مشيرا إلى أن الجيش اللبناني عليه أن يقوم بالعمل المرجو لتطبيق سيادة الحكومة المركزية على جميع الأراضي اللبنانية.
وأوضح شينكر أن المقترح الأمريكي يتضمن أيضا دعوة إلى ضبط الحدود مع سوريا لمنع إعادة تسليح حزب الله "ولا أعرف إن كان ذلك ممكنا ولكن إن لم يحصل ذلك، فسنعود إلى النقطة ذاتها بعد سنتين".
وذكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط إن هناك تسريبات لبعض المقترحات، منها نشر قوات أمريكية لكنه استبعد أن توافق الإدارة الأمريكية المقبلة على ذلك.
ومن بين المقترحات الأخرى، بحسب شينكر، موافقة إسرائيل على أن تلعب ألمانيا دورا في مراقبة قوات اليونيفل، "لكن حزب الله أعلن قبل أسبوعين أن ألمانيا هي عدو له وبالتالي من الصعب تحقيق هذا المقترح أيضا".
ويضيف شينكر أن من الخيارات الأخرى المطروحة، وجود قوات عربية من الإمارات أو من دول أخرى تثق بها إسرائيل ولا تعتبر صديقة لحزب الله.
سياسات مدمرة ومتناقضة
جاء في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية يوم 14 نوفمبر 2024:
يبدو أن الولايات المتحدة نسيت ما حصل في العراق وأفغانستان، فهل تصدق الولايات المتحدة أن غزة ستصبح أجمل من موناكو؟.
عندما سحبت إدارة بايدن القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021، رأى كثيرون أن هذه كانت لحظة فاصلة. فبعد عقدين من الحرب، استنتج القادة الأمريكيون أخيرا أنه لا أمل في تحويل الشرق الأوسط الكبير باستخدام القوة العسكرية. وقال بايدن: "لم نذهب إلى أفغانستان لبناء الأمة. ومن حق الشعب الأفغاني وحده أن يقرر مستقبله وكيف يريد إدارة بلاده".
ولكن هذا التواضع لم يدم طويلا. فعلى مدار عام 2023، وجدت الولايات المتحدة نفسها منجذبة إلى حماسة بناء الأمة مرة أخرى. فمنذ 7 أكتوبر 2023، تبنت الولايات المتحدة جهود إسرائيل لإعادة تشكيل جوارها بالقوة. والبيت الأبيض بقيادة بايدن، الذي أدرك ذات يوم استحالة إعادة تشكيل المجتمع الأفغاني، طالب بدلا من ذلك بتغيير شامل للنظام في غزة.
وزعم صناع السياسات الذين أيدوا سحب معظم القوات الأمريكية من الشرق الأوسط أن غزو إسرائيل للبنان يوفر "فرصة هائلة" لإعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد وإعادة بناء جيشها. وكما قال دبلوماسي أمريكي لم يكشف عن هويته لمجلة الإيكونوميست: "الأمر أشبه بعام 2003 مرة أخرى".
ولكن مع عودة ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض، لا تظهر أي علامات على التراجع. ربما سعى الرئيس المنتخب إلى إنهاء جهود بناء الدولة في أفغانستان، لكنه يأمل الآن أن يتمكن المطورون من جعل غزة "أفضل من موناكو". وكما أظهرت فترة ولايته الأولى، فإن ترامب ليس لديه أي اهتمام بالانفصال عن إسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي.
وتشير قرارات ترامب الأولية بشأن الموظفين إلى أن هذا النمط سوف يستمر: قال روبرت ويلكي، الذي يقود فريق ترامب الانتقالي في البنتاغون، في شهر أكتوبر، إن إسرائيل بحاجة إلى "إنهاء المهمة" ضد حزب الله في لبنان. وقد يساعد هذا في تفسير سبب مسارعة بنيامين نتنياهو إلى تهنئة ترامب في الانتخابات على أعظم عودة في التاريخ.
كان من المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلى التفكير الطوباوي في نواح كثيرة. ففي حين تلاشت الحرب على الإرهاب من شاشات التلفزيون الأمريكية، استمرت عملياتها في دول من اليمن إلى العراق وسوريا. وبرر المسؤولون الأمريكيون الهجمات باستخدام نفس التفويض لاستخدام القوة العسكرية الذي أقره الكونغرس في الأيام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر.
وبعد أسبوع واحد من هجمات 7 أكتوبر (طوفان الاقصى)، قارن بايدن هجوم حماس بالهولوكوست. وقال: "لن نقف مكتوفي الأيدي ولا نفعل شيئا مرة أخرى. ليس اليوم، وليس غدا، وليس أبدا". كما زعم الرئيس أن "القضاء" على حماس وحزب الله ضروري في الصراع القادم. ومن جانبه، حث ترامب إسرائيل على "إنهاء المهمة" بتدمير حماس في غزة.
لقد دعم البيت الأبيض تحت إدارة بايدن هذا الخطاب بتخطيط جريء لشرق أوسط جديد. فقد أمضى فريق بقيادة بريت ماكجورك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط منذ فترة طويلة والذي ساعد إدارة بوش في محاولة بناء الدولة في العراق، نهاية عام 2023 في كتابة خطط لمستقبل غزة والتي تراوحت بين فرض حكم السلطة الفلسطينية وإرسال قوات عربية للعمل كقوات لحفظ السلام. وكان الهدف، على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، هو "مسار جديد إلى الأمام يمكن الفلسطينيين من إعادة بناء حياتهم وتحقيق تطلعاتهم خالية من طغيان حماس".
ومن المقرر أن تضاعف إدارة ترامب من هذا النهج. فقد اقترح ديفيد فريدمان خطة عملية لقطاع غزة بعد الحرب، حيث تتمتع إسرائيل "بالسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة". وقال ترامب نفسه إنه يأمل في تنشيط غزة بعد الحرب من خلال تطوير العقارات ــ وهو الاقتراح الذي يبدو أنه حصل عليه من صهره جاريد كوشنر.
ويشير التاريخ إلى أن هذا النهج يواجه صعوبات كبيرة. فعندما غزت إسرائيل لبنان في عام 1982، كان هدفها إنشاء دولة أكثر طواعية على حدودها الشمالية، ولكن النتيجة الأكثر ديمومة كانت إنشاء حزب الله.
لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة. وقد كانت الولايات المتحدة غير متماسكة في سياستها تجاه مستقبل غزة. ومع ارتفاع عدد القتلى وتصاعد الضغوط السياسية على بايدن، استقرت إدارته في موقف متناقض: حماس منظمة شريرة بطبيعتها ويجب تدميرها، وحماس هي الطرف الذي يجب على إسرائيل أن تسعى معه إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم.
لقد كان بإمكان واشنطن أن تدين حماس مع الإصرار على أنها حركة سياسية قومية تشبه جماعة متمردة لا تشبه تنظيم القاعدة، وهي منظمة مسلحة لم تسع إلى الحكم أو التفاوض مع أعدائها. وبدلا من ذلك، قبلت إدارة بايدن الإطار الإسرائيلي، ولم تترك مبررا كبيرا لأي شيء أقل من الحرب الشاملة. ولن يكون أمام ترامب خيار سوى تبني هذا الموقف.
لقد استغل المسؤولون الإسرائيليون هذا الهيكل من الإذن لمواصلة حملة وحشية بشكل خاص في غزة. وكما حدث، فإن هذا يشير إلى أن إسرائيل قد تفهم بشكل أفضل من أمريكا كيف يمكن للقوة أن تهدئ السكان. يقول ثاناسيس كامبانيس من مؤسسة سنتشري: "إن الحرب الشاملة والعنف الشديد يمكن أن ينتجا النتائج المرجوة". لكنه لاحظ أن هذا عادة ما ينطوي على "مستوى من الوحشية أعتقد أننا كأميركيين لا ينبغي لنا أن نشعر بالارتياح تجاهها".
وبالنتيجة فقد قتلت حملة إسرائيل ما لا يقل عن 43 ألف فلسطيني وشردت أكثر من 2 مليون شخص، وهي تجاوزات تركت المجتمع الدولي بالفعل غاضبا من إسرائيل وراعيتها الأمريكية. فإما أن جهود تغيير النظام محكوم عليها بالفشل أو أن الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة محكوم عليه بالفشل.
ولكن الآن امتدت أهداف الغارات الجوية إلى ما هو أبعد من غزة إلى لبنان. وهناك أيضا تبنت مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن فكرة مفادها أن القوة الإسرائيلية ـ إلى جانب الدبلوماسية الأمريكية والدعم المالي ـ من الممكن أن توفر حلا مستداما لمشاكل البلاد. وربما دعا المسؤولون الأمريكيون علنا إلى وقف إطلاق النار، ولكنهم تحدثوا خلف الأبواب المغلقة عن الغزو باعتباره فرصة كبرى لإعادة تشكيل السياسة اللبنانية، كما قال كامبانيس في تصريح لصحيفة "ناون زيرو" نقلا عن محادثات أجراها مع كبار المسؤولين الأمريكيين.
وكما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا، يأمل الدبلوماسيون الأمريكيون في استخدام الغزو لانتخاب رئيس لبناني جديد وتهميش حزب الله. وفي حين يخشى صناع السياسات الأمريكيون أن تؤدي حملة إسرائيل إلى مقتل عدد كبير من المدنيين، فإنهم يرونها أيضا فرصة لإعادة بناء الجيش اللبناني ومساعدته على إعادة فرض سيطرته على حزب الله.
وكما هي الحال في غزة، فإن هذه الاستراتيجية لا أمل لها في النجاح. فقد يكره الساسة الوطنيون اللبنانيون حزب الله، ولكن كما قال كامبانيس، فإنهم ليسوا حريصين على تهميش خصومهم المحليين بمساعدة القوات الأجنبية. وأي جهد لإعادة بناء الجيش اللبناني سوف يواجه نفس المشاكل التي واجهتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. وفي مقالة نشرتها مؤخرا مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" (السياسة المسؤولة)، كتبت جنيفر كافاناغ، عالمة السياسة في "ديفينس بريليتس"، مضيفة أن "تدخل واشنطن من شأنه أن يجعل الوضع الهش بالفعل في لبنان أسوأ".
قد يظن المرء أن المسؤولين الأمريكيين يتفقون مع هذه الفكرة. ففي عام 2023، انتقد نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس "إجماع السياسة الخارجية" على محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوة. وكتب فانس في صحيفة وول ستريت جورنال: "لقد دعمت القيادة في كلا الحزبين غزو العراق، ومشروع بناء الدولة الذي استمر عقودا من الزمان في أفغانستان، وتغيير النظام في ليبيا، وحرب العصابات في سوريا. وكل هذه السياسات كلفت الكثير من المال وقتلت الكثيرين. ولم يخدم أي من هذه الصراعات المصلحة الوطنية في الأمد البعيد".
ولكن من المؤسف في الشرق الأوسط أن صناع السياسات الأمريكيين لم يتعلموا بعد من هذه القائمة الطويلة من الإخفاقات التي كانت حسنة النية. ولكن ربما كان هذا أمرا حتميا. فكيف كان بوسع الولايات المتحدة أن تسلك أي طريق آخر حين تنظر إلى أعداءها باعتبارهم أشرارا لا يمكن إصلاحهم؟.
عمر نجيب