تجيء ذكرى الثورة العربية، والوطن العربي في وضع يعجز المواطن العربي عن وصفه، وتشخيصه، الأمر الذي يؤكد الحاجة الموضوعية للثورة في كل قطر عربي، والتغيير، وغياب القيادة الملهمة، والرؤية الرؤية الاستشرافية على غرار ما أنجزته الثورة العربية في منتصف القرن الماضي في ١٩٥٢م. التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر - رحمه الله تعالى - لحركة التحرر العربي خلال واحد وعشرين سنة ..
وإذا كانت الأوضاع الاجتماعية د، والسياسية، واحتلال فلسطين، وقيام الكيان الغاصب ، وتهجير مجتمعها، الأمر الذي أدي قيام الضباط الأحرار في مصر بالثورة من أجل التغيير سبيلا لمواجهة التحديات الداخلية، والخارجية، وخاصة في فلسطين التي قاتل جمال عبد الناصر فيها متطوعا بقيادته للكتيبة المصرية التي عرفت بقدرتها على قتال المنظمات الصهيونية في منطقة " الفوجة" التابعة للقدس الشريف..
ولم يكن لثورة الثالث والعشرين هدف ذاتي، يتعلق بالزعامة، أوالسلطة، وذلك بدليل اعطاء الضباط الاحرار رئاسة الحكم ل"محمد نجيب" الذي لم يكن على علاقة بقادة الثورة، ولعل قبوله لرئاسة الحكم ، هو لغرض استعادة الحكم الملكي الذي رفض استبداله بالنظام الجمهوري خلال ستة أشهر قضاها، يناور من أجل تمرير مشروعه الانقلابي على غرار الانقلاب السابق سنة ١٩٥١م. الذي قامت به المخابرات الامريكية، فاسقطت حكم "مصدق" في إيران، واسترجعت الحكم الملكي..
وكان الوطن العربي تحت حكم الاحتلال: الفرنسي، والانجليزي، والايطالي، والامريكي..
ولم تكن الأنظمة الملكية التي كانت في مصر والسعودية، والعراق، والأردن، الا أنظمة الظل، حيث قادها " وكلاء"، لا يختلفون في شيء عن الأنظمة الملكية، والأميرية، رؤساء "جمهوريات الموز" في الوقت الحاضر من تاريخ أمتنا العربية المجيدية..
إن غياب القيادة التاريخية لجمال عبد الناصر، كان بداية التراجع لأنظمة الحكم التغييرية، وما لبث نظام السادات أن انحرف ، لأنه لم يكن في مستوى القيادة التاريخية، ولا أدل ذلك من قيامه بانقلاب ١٩٧١ ضد القيادات الناصرية في قيادة الحكم في الاتحاد الاشتراكي العربي، فتآمر عليها الثنائي الانتهازي محمد أنور السادات، ومحمد حسنين هيكل..
وخلال حقبة السبعينيات والثمانينيات، كان الدور القيادي لقيادات متحمسة للتغيير، والتحديث للأنظمة الاجتماعية العربية في كل من العراق، وليبيا، وسورية، والجزائر، واليمن بنظاميه الجمهوريين، والسودان، والصومال..
غير أن تلك القيادات السياسية، لم تستفد من تجربة الثورة العربية في مصر، ولذلك غاب النهج الثوري، وحل محله الشعارات التي ما لبثت، أن اقتصرت على الدعاية للقيادات المتنافسة على الزعامة في الأقطار المذكورة، حتى بين قيادتي الحزب الواحد، كما حصل في كل من سورية، والعراق..
بينما النظام في الجزائر، راهن في مشروع التغيير على التنمية مركزا على القطاع الصناعي، ومهملا دور الثورة الزراعية ، وذلك اقتداء بالتجربة الاسترلينية في جمهوريات السوفييت.
لهذا فالتجربة الثورية العربية في مصر،كان مشروعها العملي "نموذجا" قابلا للأحتذاء من أجل التحديث، والتنمية الاجتماعية، قبيل تفكيكها بسياسة السادات المسمى ب"عصرالانفتاح"، واستبدال القطاع العام، بالقطاع التجاري الخاص، وسياسة التبعية للأمبريالية الأمريكية ..
لقد تركت ثورة الثالث والعشرين من يوليوز، تجربة ثورية، اعتمدت "منهج التجربة والخطأ"، وانتقلت التجربة على أساس ذلك من "هيئة التحرير" التي تولت وضع سياسة "الإصلاح الزراعي" الذي حرر المجتمع القروي، والقطاع الزراعي من الاستغلال ١٩٥٤، إلى" الاتحاد القومي العربي" في ١٩٥٨م. الذي قاد الوحدة العربية الأولى في تاريخ العرب المعاصر، وفي ١٩٦٢م، بدأ مشروع " الاتحاد الاشتراكي العربي"، وذلك استنادا إلى وثيقتين فكريتين، هما : الميثاق الوطني، وبيان ٣٠ مارس، وكان الأخير قراءة جريئة في النقد الذاتي للتجربة؛ واستبعادا للاخطاء التي مرت بها التجربة الثورية في العشرية الأخيرة، وتداعيات هزيمة ٥ حيران ٦٧.
إن مجتمعات الأمة العربية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بقراءة جادة للمشروع التغييري، التحديثي الذي شكل قفزة نوعية، تواضع الدارسون على تسميتها بسياسة حرق مراحل التخلف الاجتماعي، والسياسي في مجتمعات قروية بنسب عالية، إلى مجتمعات حضرية ذات أنظمة، وضعت خططا تنموية، وعلمية، نشرت التعليم المجاني ، وفعلت القاع الزراعي بإقامة السدود المائية، والكهرمائية، ك" سد اسوان" على سبيل المثال، وانتهاج تقسيم العمل الذي وضع قواعد للعدالة الاجتماعية.
وخلال السبعين سنة الماضية، انتج التعليم الوطني نخبا ثقافية، وعلمية في الوطن العربي، كان بعضها، قد اهتم بالفكر، وانتاج المعرفة، بينما الآخر شارك في بناء أنظمة الحكم الجديدة، واقتصر دور رموز الأخيرة على التسيير الإداري، والأمني، في بناء أنظمة الحكم، كسدنة خدومة، كانت - ولازالت - تبحث عمن يوظفها لخدمته رؤساء الحكم مهما كان شكل النظام؛ ملكي او أميري، أو جمهوري بما يتلاءم مع ارتباطات تلك النخب التي استدرجت الأنظمة السياسية، لتمكين قوى الخارج، كالمستعمر الفرنسي، أو الأمريكي، كحال الكثير من الوزراء في بلادنا على سبيل المثال..
إن المرحلة الراهنة الاستثنائية للمجتمعات العربية، تؤكد الحقائق المريرة، ومنها:
أن تجربة الديمقراطية المستجلبة، أعادت الاحتلال العسكري، فيما دمرت الأخيرة، المجتمعات العربية التي أنجزت انظمتها الجمهورية قواعد ركينة للتحديث الذي تنامى في مختلف أقطار الوطن العربي، كالعراق، وليبيا، والجزائر، واليمن، والسودان، والصومال، وغيرها.
إن الاحتلال في فلسطين، أضحى مشروعا توسعيا تحت مسميات تمويهية، كالتطبيع، وهي الأخضاع ، والاستسلام بدون قيد ، أو شرط، لتفكيك الموساد الاسرائيلي المجتمعات العربية من الداخل، بالإضافة الى سياسة العدوان العسكري بالمشاركة في أي عدوان عسكري امريكي أو اطلسي ، وذلك منذ احتلال لبنان في ٨٢ الى حد الآن.
إن غياب القيادة، والمنهج التحديثي، والرؤية الواضحة للتغيير، تستدعي ضرورة تفعيل الحراكات السياسية في الأقطار العربية، وتبنيها لمشروع التغيير العمودي نهجا اقوم، سيجذب بمشاريعه التحويلة المواطن العربي، ويستعيد خلاله ثقته في ثوابت الأمة، وتعزيز الهوية، والاقتناع الفكري بمبادي التحرر، والتقدم الاجتماعي، والوحدة العربية تحت اي مشروع فيدالي، او كونفدرالي، بما يحقق للأمة من اسباب القوة للدفاع المشرك في مواجهة الاحتلال، ومن جهة اخرى لبناء انظمة سياسية وطنية تساهم في بنينة مشاريع النهضة العربية التي، ستبقى عاجزة عن توظيف قدرات الأمة ما لم تقم الوحدة الشاملة التي ستفرض الاستقلال السياسي، والاقتصادي ، والثقافي..وإن غدا مشرقا عربيا اسلاميا لناظره قريب بإذن الواحد الأحد..