من الضرورى تجلية المفاهيم الثلاثة التى غالبا ما تلتبس عند كثير من الناس. فالأصل أن المعارضة هى الحزب الذى لم يتمكن من الحصول على السلطة ويظل هدفه نقد الحكومة القائمة فى حدود القانون القائم. فالمعارضة جزء أساسى فى النظام الديمقراطية ويكون هدفها أن تثبت من خلال برامجها وأدائها أنها الأقدر علي خدمة الوطن والمواطنين، والفيصل بينهما هى صندوق الانتخاب بضمانات قانونية تكفل حرية التعبير عن الرأى وغياب القهر أو التزوير أو التلبيس على المواطنين. وليس عيبا أن تسعى المعارضة إلى السلطة وفق القانون بل إن المعارضة هدفها الوحيد الوصول إلى السلطة.
أما فى نظم الحكم العربية فإن أى نقد أو عدم تشجيع الحكم وتزيين عمله ومدحه يعد مناهضة للوطن يتيح للحاكم أن ينكل بمن لا ينسجم معه، وهو يجمع كل السلطات فى يده فهو يملي القانون ويشكل البرلمان ويعين القضاة ولا استقلال لهم ولافصل بين السلطات رغم أن كل الدساتير العربية تحوى أحكاما ديمقراطية ناجعة ولكن لاعلاقة لها بالواقع .
وفى مصر كان دستور 1923 دستورا ديمقراطيا وكان النظام فى عهد الملكية ديمقراطيا ولكن ذلك لم يمنع الملك من أن يحاول زيادة سلطانه فى الواقع. أما منذ 1952 ونظام الحكم فى مصر نظام عسكرى يتوارث العسكريون فيه السلطة بالانتخابات المزورة ولايشعر الحاكم بأى حرج فى ذلك بل إن كل حاكم فى مصر استحدث دستورا خاصا به.
فالنظام فى مصر تحول من نظام ديمقراطى إلى دكتاتورية عسكرية وشكلت تحالفات داخلية وإقليمية ودولية لتحافظ على الواقع الراهن ضد أى محاولات لتغييره وكانت أكبر محاولة قد حدثت فى 25 يناير 2011 بعد مضى عدة عقود من الفشل الخارجى والداخلى من الحكم العسكرى ولذلك كانت الثورة تهدف أساساً إلى إنهاء الحكم العسكرى. وفى مصر خاصية بارزة تنفرد بها، فالمجتمع المصرى يتكون من ثلاثة عناصر: العنصر المدنى الغالب ثم العنصر الدينى وأخيرا العنصر العسكرى منذ 1952 وهناك شيهة تحالف بين المكون الدينى والعسكرى لابعاد وتهمبش المكون المدنى وإن حاول المكون الدينى الزعم بأنه ضمن المكون المدنى.
وفى ظل نظم الحكم الدكتاتورية تظهر المناهضة والمقاومة مادامت المعارضة مستحيلة. فقد تنبهت بعض نظم الحكم إلى هذه الحقيقة فكانت تسمح ببعض المعارضة العابرة غير المؤثرة ديكورا لكى تزعم أنها أقامت نظاما ديمقراطيا والحق أن كل الحكام بعد عبدالناصر زعموا أنهم أقاموا نظما ديمقراطيا بينما لم يزعم عبدالناصر أنه أقام ديمقراطية وإنما قال أنه يسعى إلى ذلك وطبيعى أن من تربى فى صفوف الجيش يستحيل أن يكون ديمقراطيا ناهيك عن صلاحيته لجلب الديمقراطية وقد ظهرت فى الأفق المصرى مفاهيم المقاومة والمناهضة خاصة بعد عام 2013 حيث عمد الجيش إلى التدخل بانهاء حكم الإخوان والحكم بشكل مباشر من خلال مؤسسات صورية. فانقسم الرافضون لهذا الحكم إلى قسمين: قسم يضم الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أن الجيش استولى على السلطة منهم بالقوة فقرروا ان من حقهم أن يستردوها بالطبع ليس عن طريق صناديق الانتخاب التى لم تحترم نتائجها ولكنهم تصوروا ان يناهضوا السلطة العسكرية على طول الخط ويتصيدون أخطاءها ويطالبون بأن يتخلى العسكريون عن السلطة ويعيدوها إلى الإخوان كما سلبوها منهم وهذه هى المناهضة.
أما القسم الثانى من الرافضين فقد ذهب إلى أن السلطة تم الاستيلاء عليها بالقوة، وما أخذ بالقوة لايعود إلا بالقوة ومن ثم لايعترفون بالمعارضة السلمية وإنما يفضلون أعمال المقاومة.
هذا هو حال الوضع فى سوريا حيث سلحت بعض الدول فصائل كاملة معارضة للنظام، وتطبق مع النظام قواعد المقاومة وترى أن لمقاومة النظام فى سوريا أولوية على مقاومة إسرائيل ولذلك ينظرون إلى مقاومة إسرائيل على أنها فى المرتبة الثانية.
ونصف المسلمين فى سوريا من الجماعات الإسلامية وبشكل خاص من الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أن الصراع مع البعث هو صراع على تبعية سوريا.
سوريا لمن: للنظام أم للجماعات كل يدعى أنه يعمل لمصلحة الوطن والمواطنين هكذا أدى غياب المعارضة فى النظام الدكتاتورى إلى ازدهار مفاهيم المناهضة والمقاومة.
والخلاصة: حيث تغيب المعارضة فى النظم الدكتاتورية تبرز المقاومة والمناهضة والتحالف.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري