أفريقيا في متاهات مطحنة الصراعات الدولية.... من الخليج العربي حتى رأس الرجاء الصالح توضع لبنات النظام العالمي الجديد

أربعاء, 2022-08-17 13:06

بوتيرة متسارعة وخاصة منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تتحول مناطق واسعة من القارة الأفريقية التي كانت أغلبها حتى نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين مستعمرات أوروبية إلى ساحات حرب وتوتر ومواجهات مختلفة الأشكال.

الجزء الأكبر من هذه الصراعات له خلفيات نزاعات خارجية بين قوى يصنف بعضها ككبرى وأخرى كإقليمية. التدخلات الخارجية تستغل وضعية القارة التي تضم حوالي 50 دولة و2000 مجموعة عرقية و3000 لغة لإثارة النعرات بمختلف صورها لخدمة مخططاتها.

لقد اتبعت الدول الأوروبية في أفريقيا إبان مرحلة الاستعمار سياسة تعتمد على مبدأ فرق تسد، فقطّعت الجسد الإفريقي إربا إربا، ثم قطّعت المقطع وجزأت المجزأ إمعانا منها في كسر الشوكة وكسب الرهان، إنها تدرك جيدا أن لدى الأفارقة حكمة تقول "إذا اتحد القطيع نام الأسد جائعا"، لذا يجب أن يبقي الأفارقة مشتتين، لقد استولت أوروبا على المقدرات ونهبت الثروات، وتاجرت بالبشر ثم لما قررت الانسحاب ربطت الاقتصادات بها وخلّفت نُخبا ذات ولاء لها.

بعض من هذه الصراعات تذكر بما شهدته القارة السمراء خلال عقود السبعينات والثمانينات عندما أندلعت حروب شبه دولية أثناء تصفية آخر المستعمرات الغربية بين الأنصار المحليين للغرب وهؤلاء من مواطنيهم الذين آمنوا أن الكتلة الاشتراكية الشيوعية الممثلة في الاتحاد السوفيتي، أو حركة عدم الانحياز تشكل خيارهم الأفضل للتخلص من الارث الاستعماري القديم والساعي للتجدد وبالتالي تمكين دولهم من الإفلات من براثن التخلف والتمكن من استغلال ثرواتهم الوطنية لصالح شعوبهم بدل تركها غنيمة للمستعمر الجديد والقديم عبر شركاته المتعددة الجنسية والعابرة للحدود.

 

تلخيص

 

يمكن تلخيص جزء من الصورة أنه خلال النصف الأول من شهر أغسطس 2022 حملت قصاصات وكالات الأنباء الأخبار التالية:

أفادت وكالة "فرانس برس" مساء يوم الأحد 14 أغسطس أن العشرات تظاهروا في مدينة غاو، آخر معقل للفرنسيين في مالي، اعتراضا على استمرار وجود قوة "برخان" الفرنسية، حيث أمهلوها 72 ساعة للمغادرة.

ونقلت الوكالة عن المتظاهرين الذين قدموا أنفسهم على أنهم "القوى الحية" لمدينة غاو في شمال البلاد قولهم: "نمنح اعتبارا من هذا اليوم الأحد 14 أغسطس 2022 إنذارا مدته 72 ساعة لرحيل "برخان" عنا نهائيا". 

وتؤوي غاو آخر الجنود الفرنسيين في مالي والذين يغادرون إلى النيجر. 

وتدهورت العلاقات بين المجلس العسكري الحاكم في باماكو وباريس، القوة الاستعمارية السابقة، بشكل حاد خلال الأشهر الأخيرة.

وأظهرت صور تلقتها "فرانس برس" متظاهرين يلوحون بلافتات كتبت عليها عبارات "برخان ارحلي"، "برخان عرابة الجماعات الإرهابية وحليفتها"، "لا يمكن لأي قوة أجنبية أن تجعل مالي غنيمة لها".

في نفس اليوم وجهت مالي اتهامات رسمية بـ"محاولة الإضرار بأمن الدولة" إلى 49 جنديا من ساحل العاج، موقوفين في باماكو ويشتبه بأنهم "مرتزقة"، وفق مصادر قضائية. 

وأفاد مصدر قضائي مالي بأن النيابة العامة في باماكو وجهت اتهامات إلى الجنود المعتقلين منذ أكثر من شهر في البلاد، وقررت مواصلة حبسهم على ذمة القضية.

وتنفي ساحل العاج هذه الاتهامات، وطالبت بإطلاق سراح جنودها، مشيرة إلى أنهم جزء من قوات لتعزيز بعثة حفظ السلام الأممية في مالي، المعروفة اختصارا بتسمية "مينوسما".

وتعد "مينوسما" من بين القوات المنتشرة في مالي لمساعدتها على مواجهة متمردين مرتبطين بتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، واللذين أطلقا عملياتهما سنة 2012 ووسعا نفوذهما إلى شمال ووسط الأراضي المالية.

يوم الأحد كذلك ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية للأنباء بأن ضربة جوية أمريكية استهدفت جماعة "الشباب" أدت إلى مقتل 13 عنصرا في منطقة حيران وسط الصومال.

وقتلت ضربات جوية أمريكية في وقت سابق أربعة مقاتلين من الجماعة في 9 أغسطس بعد أن هاجموا القوات الحكومية الصومالية المدعومة من الغرب.

حسب إحصائيات مختلفة فإنه خلال سنة 2021، شهدت 15 دولة أفريقية أكثر من 70 عملية إرهابية خلفت مقتل أكثر من 60 ألف شخص. أوساط مختلفة في القارة أكدت أن تحركات التنظيمات الأرهابية أصبحت تشكل عامل ضغط وتأثير من طرف قوى أجنبية وغدت ككرة بين لاعبين دوليين في ساحة ينهشها الإرهاب.

جاء في تلخيص للأوضاع في غرب أفريقيا نشره موقع AA يوم 4 فبراير 2022:

- الانقلاب الفاشل في غينيا بيساو آخر حلقة في سلسلة الانقلابات التي تضرب منطقة إفريقيا الفرانكفونية

- ضباط متوسطو الرتب غاضبون يقودون انقلابات بعد أن ترك رفاقهم يقتلون وفي أيديهم أسلحة غربية نفذت منها الذخائر.

- العسكريون الأفارقة متذمرون من إرسال قوات فرنسية "صغيرة" لمكافحة الإرهاب بدل تسليحهم بشكل جيد.

- "العقداء الأفارقة" يفضلون الإطاحة بالحكام المقربين من فرنسا والتعاون مع روسيا من أجل السلاح و"حماية أنظمتهم".

 

تركة ثقيلة

 

تتركز معالم صراع النفوذ الدولي الحالي بأفريقيا، وفق مراقبين، في السيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية، والموارد الطبيعية الاستراتيجية مثل النفط والغاز الطبيعي والذهب والألماس واليورانيوم وغيرها من الثروات الطبيعية.

ويرى على هندي، مسؤول وحدة الدراسات الأفريقية بمركز "التقدم العربي للسياسات"، أن التحولات والمتغيرات الأخيرة على صعيد تسابق النفوذ الدولي على أفريقيا تأتي في المقام الأول بهدف التنافس وتحقيق مصالحها داخل القارة، لكن أيضا نتيجة عدم حل الأزمات بين الدول داخل البيت الأفريقي، إقليمية كانت أم قارية، ما ساهم في فتح المجال أكثر لهذه القوى بالتدخل في القارة.

وأضاف أن صراع النفوذ على شرق وغرب أفريقيا تنامى بعد دخول لاعبين جدد مثل الصين من خلال مشاريعها التنموية الضخمة التي تنفذها بمختلف دول القارة، وظهور دول تركيا والهند وغيرها كفاعلين اقتصاديين، فضلًا عن عودة ظهور الفاعل الروسي بقوة سياسيا، حيث تتنافس وتتصارع هذه القوى على الموارد الأفريقية، والثروات والموارد الطبيعية الهائلة.

وجدت الدول الإفريقية التي نالت استقلالها خلال ستينيات القرن العشرين نفسها مضطرة للتعامل مع تركة ثقيلة خلَّفها الاستعمار ما حال دون تطورها واستقلالها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا.

ووقعت دول القارة في "شراك" الديون من الهيئات الدولية بعد موجة الانفتاح الاقتصادي في ثمانينيات القرن العشرين، إذ اقترضت هذه الدول أكثر مما تقدر على الوفاء به من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبعض البنوك التجارية الغربية.

كما أنها وجدت نفسها غير قادرة على توفير الخدمات لشعوبها مثل التعليم والأمن والرعاية الصحية والبنية التحتية، حتى تستطيع الوفاء بخدمات الديون (المبالغ التي يتم سدادها مقابل الحصول علي القرض، مثل الفوائد والعمولات وغيرها).

 

تنافس بين نظامين سياسيين

 

بتاريخ 5 مارس 2022 ورد بموقع "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأمريكي أن صراع القرن الـ21 من أجل أفريقيا" يمضي على قدم وساق حاليا، إذ تعمل روسيا والصين على وجه الخصوص على تكثيف النشاط الاقتصادي والعسكري في القارة، في حين تتراجع أمريكا هناك.

وذكر الموقع، في مقال طويل كتبه 3 من القادة العسكريين الأمريكيين السابقين، أن كلا من الصين وروسيا ترى في القارة الأفريقية فرصا لبناء علاقات اقتصادية، وتأمين وصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق سريعة النمو، وتشكيل تحالفات سياسية، وتعزيز نماذج الحكم غير الليبرالية الخاصة بهما.

وأشار إلى سعي روسيا لتوسيع وجودها في القارة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، موضحا أن الشركات الأمنية التابعة لها، بما في ذلك مجموعة فاغنر، تعمل الآن في جميع أنحاء القارة، من ليبيا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى إلى موزمبيق.

وبدأت الصين تنشئ القواعد العسكرية وتنفق مبالغ طائلة على مشروعات البنية التحتية لتأمين الوصول إلى الموارد ولشراء النوايا الحسنة والأصوات في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ويروج قادتها للنظام "البيروقراطي الاستبدادي" في بلادهم كنموذج للقادة الأفارقة الذين يسعون إلى توسيع اقتصاداتهم من دون السماح بالإصلاحات الديمقراطية، كما تمنح ممارسات الإقراض الصينية الجذابة وسياسة عدم التدخل في ما يتعلق بحقوق الإنسان وتحرير السوق والفساد، الصين تأثيرا إضافيا في الحكومات الأفريقية الفقيرة.

وبين المقال الذي يعكس توجهات المحافظين الجدد أن النشاط الروسي والصيني المتزايد يعمل على تحويل أفريقيا إلى مسرح للمنافسة مع الولايات المتحدة، كما كان الحال في أثناء الحرب الباردة خلال القرن الماضي.

وذكر إن زيادة النشاط الروسي والصيني في القارة سوف يتطلب مشاركة أمريكية أعمق لتعزيز الاستقرار والحكم الرشيد والانفتاح الاقتصادي في أفريقيا مع مواجهة النفوذ غير الليبرالي للقوى المنافسة، الأمر الذي يستوجب اتباع أمريكا إستراتيجية إقليمية قادرة على مواجهة التهديدات العابرة لحدود الدول الأفريقية، وإن أي شيء أقل من ذلك سوف يتنازل عن ميزة مهمة لأعداء الولايات المتحدة في القارة فمن المتوقع أن تنمو الفرص والمخاطر في العقود المقبلة.

 

إستراتيجية لقضايا شاملة 

 

واستمر التقرير يقول إن المنافسة الأمريكية الناجحة بين القوى العظمى في أفريقيا تعتمد على قدرة الولايات المتحدة على كسب الحكومات الأفريقية من خلال إستراتيجية شاملة تكافح التمرد وتعالج الأسباب الجذرية "للإرهاب"، وتضع الأساس السياسي والاقتصادي والتنموي للاستقرار والازدهار في المستقبل. 

وأشار القادة الثلاثة إلى أن الافتراض بأن مكافحة الإرهاب والأولويات الأمريكية الأخرى طويلة الأمد في أفريقيا سوف تتضاءل من حيث الأهمية مع اشتداد المنافسة بين أمريكا والصين وقوى مهمة أخرى، افتراض خاطئ، مؤكدين أن أفريقيا ستصبح أحد مسارح هذه المنافسة.

وأوضحوا أن إدارة الرئيس جو بايدن تحتاج إلى سياسة جديدة تتضمن إبدال إدارة عملياتها في القارة عن طريق سفرائها فقط، أو النظر إلى دول القارة على أنها جزر معزولة، وذلك بتعيين منسقين إقليميين تتجاوز سلطتهم الحدود الوطنية، أي أن تبدأ واشنطن في سبيل حماية مصالحها في القارة والحد من نفوذ منافسيها، بالتفكير على المستوى الإقليمي، لأن القضايا الملحة حاليا هي مكافحة "الإرهاب" والحد من الهجرة والمناخ وغيرها من القضايا التي تمس كل دول العالم.

وما تحتاج إليه الولايات المتحدة، حسب المقال، ليست إستراتيجية قارية شاملة، بل إستراتيجية مصممة خصيصا لمناطق معينة. وقد بدأت البلدان الأفريقية نفسها باتباع هذا النهج في منطقة الساحل، وفي حوض بحيرة تشاد والقرن الأفريقي وجنوب شرقي القارة.

وذكر العسكريون أيضا إن على الولايات المتحدة أن تضع نفسها في دور الشريك المفضل للدول الأفريقية في عصر المنافسة بين القوى العظمى، وإن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى تعريض المصالح الأمريكية في القارة للخطر وربما أمن الولايات المتحدة في الداخل.

وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة قد تتجنب التورط في حروب أفريقية بالوكالة في هذه الحقبة الجديدة من المنافسة بين القوى العظمى، قائلين إن على أمريكا أن تكون مستعدة لمثل هذه الصراعات.

 

محاولة إنقاذ

 

جاء في تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في شهر ديسمبر 2021 تحت عنوان الصين وإفريقيا.. كيف هزمت إستراتيجية بكين "غرور" واشنطن في معركة النفوذ داخل القارة السمراء؟.

"لا تثقوا بالصين".. هي الرسالة التي يكررها الأمريكيون لقادة إفريقيا، لكن الواقع يشير إلى أن بكين أصبحت القوة العالمية الأكثر نفوذا في القارة السمراء، فكيف حققت الصين هذا الاختراق؟.

تتمتع قارة إفريقيا برصيد ضخم من الموارد الطبيعية والطاقة البشرية تجعلها أفضل بيئة لفرص الاستثمار الهائلة، وكانت دائماً ولا تزال مسرحا لأطماع القوى الكبرى. ورغم انتهاء الحقبة الاستعمارية فإنه لا يزال الصراع على خيرات القارة مستمرا بين القوى الكبرى وإن بصور مختلفة.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية حقبة التحرر من الاستعمار الأوروبي وظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كقوتين متصارعتين، سارعت واشنطن بتوجيه رسالة إلى القارة الإفريقية، مفادها "نحن لسنا أوروبا"، لتصبح أمريكا صاحبة نفوذ ضخم في القارة على مدى عقود طويلة.

منذ مطلع القرن الحالي، بدأت الصين في توجيه أنظارها نحو القارة الإفريقية، واتبعت في سبيل ذلك إستراتيجية أساسها الاقتصاد وليس الشق الأمني أو العسكري أو التدخل لفرض نظام حكم معين.

وبعد عقدين من الاستراتيجية الصينية، جاء وقت قطف الثمار لبكين، فيما تسعى الولايات المتحدة للعب في الوقت الضائع.

حازت الصين مكانة كبيرة لنفسها في إفريقيا من خلال التركيز على بناء العلاقات مع النظراء الأفارقة، والتغطية الإعلامية واسعة النطاق لجميع دروب التعاون، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الحد الأدنى من سياسة العقوبات والتزامات الشراكة الأمنية.

جعلت الصين المشاركات الاقتصادية مع الدول الإفريقية أولوية لها على المخاوف الأمنية وقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير، كما تروج لها إدارة جو بايدن، وجعلت بكين شاغلها الأمور التي تجعلها على وفاق مع النوابغ وقادة المجتمع، والسكان المحليين عموما، مثل أنشطة التبادل الطلابي.

وتكشف دراسة ميدانية أُجريت في زيمبابوي، في يونيو ويوليو من عام 2013، نقلا عن مسؤول كبير في وزارة الزراعة في زيمبابوي، أن غالبية موظفي الوزارة ذهبوا بالفعل إلى الصين للتدريب، حتى إن عددا كبيراً منهم ذهب بالفعل إلى جولات ثانية من التدريبات.

وتنطبق القصة ذاتها على جميع الوزارات في كل دولة إفريقية لها علاقات مع الصين اليوم. وهو ما يشير إلى عمق واتساع نطاق العلاقات التي طورتها الصين مع القادة الأفارقة الحاليين وقادة المستقبل خلال العقد الماضي على الأقل.

 

هل يمكن لأمريكا العودة لإفريقيا ؟

 

من ثم، ولبلوغ المستوى ذاته من النجاحات الدبلوماسية، يشير بعض الخبراء الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى الابتعاد عن نهجها العقابي، وربما يجب أن تفكر في إعادة تقييم اعتمادها على تدابير اتخذتها، مثل العقوبات الأمريكية السارية حالياً على 9 دول إفريقية، علاوة على إثيوبيا ومالي وغينيا التي يفترض أن تنضم إلى القائمة قريبا.

بالإضافة إلى ذلك، قد تحتاج الولايات المتحدة أيضاً إلى إعادة النظر في مجموعة من العلاقات التي كانت مدفوعة بدرجة أساسية بالمخاوف الأمنية، والالتفات بدلا من ذلك إلى الاعتبارات الاقتصادية.

وتشتد أهمية ذلك إذا استدعينا تداعيات حملات مكافحة الإرهاب الأمريكية في إفريقيا على طبيعة علاقات واشنطن مع الدول الإفريقية، ويكفي القول إن الولايات المتحدة أنشأت، منذ هجمات 11 سبتمبر2011، شبكةً تضم نحو 29 موقعاً عسكرياً في جميع أنحاء القارة الإفريقية.

ومنذ عام 2009، تتفوق الصين تفوقاً مطردا على الولايات المتحدة في سباق الشريك التجاري الأكبر للدول الإفريقية. ولما برزت الصين بوصفها مصنع العالم في القرن الحادي والعشرين باتت شهيتها المفتوحة على المواد الخام أساسا صلبا للعلاقات مع الدول الإفريقية، ومن المرجح أن يستمر ذلك لسنوات عديدة قادمة.

الخلاصة في نهاية المطاف، أن نفوذ الولايات المتحدة في إفريقيا قد شهد تراجعا، لكنها بالتأكيد لم تخرج من الساحة الإفريقية. وبدلا من أن تسعى الولايات المتحدة إلى التنافس مع الصين في المجالات التي تتمتع فيها الأخيرة بالنفوذ والرسوخ، مثل قطاع البنى التحتية، يجدر بالولايات المتحدة أن تستغل نقاط قوتها، مثل برامج تحفيز القطاع الصناعي وتعزيز التجارة مع إفريقيا.

 

بديل للغرب

 

يرى مراقبون أن الصين تحاول بناء صورتها كبديل غير غربي "من أجل الجنوب العالمي". وخلال الثلث الأول من شهر أغسطس 2022 أثار التوتّر الصيني الأمريكي على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، لتايوان مخاوف أفريقية من انعكاساته على القارة التي تعاني أصلاً معضلات هيكلية مزمنة وتداعيات مستجدة أبرزها جائحة "كوفيد - 19"، والأزمة الروسية الأوكرانية. وتعود هذه المخاوف إلى حقيقة تنافُس بكين وواشنطن في العديد من الملفّات المرتبطة بأفريقيا، خصوصا بعدما كثّفت الأولى مساعيها لتمتين الصلات الأمنية مع القارة، وفق مسار "مبادرة الأمن العالمي" التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نهاية أبريل 2022، وحملت عناوين تشكل في مجملها شواغل أفريقية هامة، مِن قبيل احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول. وأظهرت الصين حرصها على ترجمة ذلك التَوجه، عبر عقْد منتدى وزاري صيني أفريقي لقضايا السلام والأمن في أفريقيا نهاية يوليو 2022، ومن ثم طرح المسألة في نقاش مفتوح في مجلس الأمن في 8 آغسطس الذي تتولّى بكين رئاسته حاليا. 

 

سباق روسي أمريكي

 

تحت عنوان "رالي إفريقي"، كتبت ماريانا بيلينكايا، في "كوميرسانت" يوم 13 أغسطس 2022، حول أسباب سفر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن العاجل إلى القارة السمراء في أعقاب سيرغي لافروف. 

وجاء في المقال: أنهى وزير الخارجية الأمريكي جولة في الدول الإفريقية، وضعتها وسائل الإعلام الغربية في سياق الصراع مع روسيا على النفوذ في هذه القارة. في غضون أربعة أيام زار بلينكن جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. لم يكرر المسار الذي سلكه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في نهاية شهر يوليو، فقد زار دولا أخرى.

وفي الصدد، قال الباحث في الشؤون الإفريقية أليكسي تسيلونوف، لـ"كوميرسانت": "من دون شك، هناك عنصر تنافسي في رحلة بلينكن، بلغ مستوى جديدا بعد اعتماد القانون المناهض لروسيا في مجلس النواب الأمريكي. إن جنوب إفريقيا والولايات المتحدة متقاربتان أيديولوجيا وسياسيا ولا سيما اقتصاديا، ولكن هناك حاجة إلى "إصلاح" سمعة الولايات المتحدة في إفريقيا بعد الضرر الذي لحق بها بسبب التقاعس عن الفعل وتصريحات الرئيس السابق ترمب".

وأضاف مدير مركز دراسة إفريقيا بالمدرسة العليا للاقتصاد، أندريه ماسلوف، لـ "كوميرسانت": "يتمثل التحدي الذي يواجه بلينكن في إبقاء إفريقيا تحت النفوذ السياسي الأمريكي، على الرغم من التناقص المستمر في عدد وحجم الأدوات الاقتصادية والحوافز الحقيقية التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة للقارة. ووفقا لمعلوماتنا، تمارس الولايات المتحدة ضغطا قويا لا يقتصر على البلدان، بل يشمل القادة المسؤولين وصناع القرار، لإجبارهم على رفض العمل مع روسيا".

ووفقا لماسلوف، خلاف الولايات المتحدة، تعرض روسيا على إفريقيا "شراكة ندية". "نبيع السلع والخدمات مقابل المال ونكتفي بذلك، بينما تفرض الولايات المتحدة والغرب بشكل عام شروطا إضافية على إفريقيا. في السياسة الخارجية، يطلبون منها أن لا تصادق روسيا والصين؛ وفي السياسة الداخلية، أن تطور "مؤسسات ديمقراطية" وكل ما يتعلق بذلك في المجال الاقتصادي، مثل القيام بخصخصة وإلغاء الضوابط التنظيمية، الأمر الذي يعني بالنسبة للاقتصادات الإفريقية الاندماج في سلاسل الإنتاج العالمية بشروط أبعد ما تكون عن مصلحتهم".

 

بين الطريق والحزام

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 5 يوليو 2022:

ستشهد العشرية القادمة، وفقا لأغلب الترجيحات والتكهنات، تزايدا في الحضور الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسينفث "التنين العملاق" نفوذه المنافس للمراكز الدولية الأخرى، من بوابة التجارة والاستثمار، وسيتحدى بحضوره، لا الولايات المتحدة التي ينخرط معها في "حرب باردة"، تسخن أحيانا، بل حلفاؤه وأصدقاؤه الدوليين والإقليميين من موسكو إلى أنقرة، مرورا بطهران.

باستثناء "الفيتو" الأمريكي المشهر في وجه دول المنطقة لمنعها من توسيع مظلة التعاون مع الصين، لا تعترض الزحف الصيني الهادئ والمتدرج إلى المنطقة، أية جدران أو عوائق من أي نوع. 

فالصين بخلاف من غيرها من الاقتصادات الكبرى، أقل حذرا حين يتعلق الأمر بالاستثمار في مناطق "عدم الاستقرار"، وشركاتها لا تنتظر "شهادة حسن سلوك"، لا من صندوق النقد ولا من البنك الدوليين، وهي لا تبالي بتصنيفاتهما ولا بـ"تحليلات المخاطر" التي تصدر عنهما، والأهم من كل وذاك وتلك، أن الصين في تعاملاتها مع الأنظمة والحكومات لا تحتفظ بأية "شروط مسبقة" أو "معايير صارمة"، فهي أقل اكتراثا بالخلافات السياسية و"حروب الهويات"، كما أنها أقل اهتماما بملفات من مثل: "طبيعة الحكم" والديمقراطية وحقوق الإنسان حسب المفهوم الغربي، إن لم نقل أنها ليست مهتمة بها على الإطلاق.

مقاربتها للمنطقة، التي تحمل اسم "مبادرة الحزام والطريق"، متخففة من السياسة وتعقيداتها. تقيم أفضل العلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين، السنة والشيعة، الإمارات وتركيا، السعودية وإيران، الجزائر والمغرب... مقاربتها "عابرة لخرائط" الانقسامات السياسية والأيديولوجية والدينية والمذهبية، طالما أنها تقوم على توسيع شبكة نفوذها الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وتنجح في فرض نفسها كلاعب لا يمكن الاستغناء عن خدماته لآجال قادمة، إن لم يكن بقوة "المصالح المشتركة"، فبقوة العقود والاتفاقات المبرمة، التي تمكنها من "وضع اليد" على قدرٍ ليس بيسير من "موجودات" هذه الدول.

على أن "الفيتو" الأمريكي المشهر في وجه التمدد الصيني في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، يأخذ في فقدان فعاليته وتأثيره، تدريجيا ويوما إثر آخر، ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب، أهمها: (1) أن واشنطن بلا مشروع حقيقي في المنطقة، بعد أن حصرت اهتمامها بمواجهة إيران وأمن إسرائيل... (2) وأن واشنطن، تنتهج منذ باراك أوباما، وبالأخص في عهد دونالد ترمب، سياسة "إدارة الظهر" للشرق الأوسط، ما يدفع دوله ومجتمعاته للبحث عمن يملأ فراغها... (3) أن واشنطن بانتهاجها سياسات "انكفائية" دوليا، وتنصلها المتكرر من التزاماتها المقررة بموجب اتفاقات ومعاهدات دولية وثنائية، لم تعد مصدرا للثقة والطمأنينة لدى عدد متزايد من دول المنطقة وحكوماتها... (4) أن الكلف الباهظة للتكنولوجيا والسلاح الأمريكيين، تبدو عصية على الاحتمال بالنسبة لكثير من دول المنطقة، التي تنتقل من فشل اقتصادي إلى فشل أعمق وأشد، وتشتد حاجتها كما لم يحدث من قبل، لمد يد العون من الخارج، والصين تقف دائما على أهبة الاستعداد لمد هذه اليد، بما يخدم مصالح شركاتها العملاقة أولا، ويوفر الاحتياجات الضاغطة لدول المنطقة ثانيا.

 

النموذج الصيني الجذاب

 

في تقرير سابق حمل عنوان "هل بمقدور الصين قيادة العالم؟"،جرى الحديث عن أركان القيادة الثلاثة: القوة، الثروة و"الشرعية"، القوة بمعانيها الأوسع من الاقتدار العسكري، والثروة بمعنى توفر مصادر وفيرة لإدامة التفوق، و"الشرعية" المستمدة من منظومة قيمية وأخلاقية... 

بالنسبة لحكومات الشرق الأوسط وأنظمتها، ليست "الشرعية" متطلبا ضروريا لفتح أبواب دولها ومجتمعاتها لهذه القوة الدولية أو تلك، بل أن هذه الحكومات والأنظمة تفضل التعاون مع مراكز دولية، لا تؤرق رأسها بحكايات عن "الانتخابات الشفافة" وحقوق المثليين والنساء والأطفال، ولا بالتعددية وتداول السلطة...

هذه المفردات تكاد تكون "مُطاردة" على امتداد الإقليم، فإن كانت لدى الصين القدرة على توفير متطلبين اثنين، فإنها ستفتح لها أبواب خزائنها ومكامن ثرواتها: الملاءة التمويلية والاستثمارية المناسبة وهذا متوفر للصين، والقدرة على توفير "شبكة أمان" لأنظمة، وهذا أمر مشكوك في حتى الآن على الأقل.

من الكويت حتى موريتانيا، نجحت الصين في التغلغل في اقتصاديات دول المنطقة، الكويت تنشئ صندوقا استثماريا مشتركا مع الصين (10 مليار دولار)، وتوكل لها مهمة بناء "هونغ كونغ جديدة" على خمسة من جزرها في الخليج العربي... في موريتانيا التجارة الثنائية تتضاعف والاستثمارات إلى زيادة... 

في العراق، تردد أن عادل عبد المهدي فقد موقعه في رئاسة الحكومة بعد أن أبرم أو كاد يبرم صفقات بقيمة نصف ترليون دولار مع الصين... في مصر حديث عن استثمارات بقيمة 30 مليار دولار في الطاقة ومشاريع قناة السويس والموانئ... في سوريا ثمة تقديرات بأن الصين، ستتفوق على إيران وروسيا مجتمعتين في حجم الحصة التي ستحظى بها في مشاريع إعادة الإعمار، والعين الصينية على ميناء على شرق المتوسط، لا سيما وأن التسهيلات التي تحصل عليها في ميناء حيفا تبدو مهددة بعد زيارة مايك بومبيو المفاجئة لإسرائيل في مايو 2020، في "عز الجائحة"...

في لبنان، ثمة عرض صيني واستجابة لبنانية غير رسمية لمشاريع من شأنها أن تغير صورة لبنان: محطات توليد كهرباء، قطارات و"طرق سيارة" وشبكات نقل عملاقة وأنفاق جسورة تربط البقاع ببيروت في دقائق بدل ساعات... وليس كل ما ذكر، سوى غيض من فيض.

أما في إسرائيل، فقد جاء الدخول الصيني على خط الاقتصاد من أوسع بوابات الطاقة والمياه والموانئ والاتصالات والبنى التحتية، وهو ما أثار قلق وواشنطن، ودفعها للطب علنا من حليفتها المفضلة، بوقف عدد من المشاريع الهامة، وبالفعل تم تجميد استثمارات صينية بقيمة مليار ونصف المليار بعد زيارة بومبيو المذكورة.

لا حدود ولا سدود في وجه تدفق الاستثمارات الصينية إلى المنطقة، وصولا إلى دول الخليج جميعها، وحوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي، فيما قرون الاستشعار الصينية تعمل على مدار الساعة، من أجل التقاط الفرص وعدم إهدارها.

يتوازى ذلك مع انتعاش "دبلوماسية المساعدات والإغاثة الإنسانية"، لا سيما في زمن كورونا، إذ راقبت دول المنطقة ومجتمعاتها كيف تمكنت بكين من احتواء الوباء، وكيف تعلن واشنطن خروجه عن السيطرة، فتكون النتيجة لصالح توثيق التعاون مع الصين، مؤيدة من فئات متزايدة من الرأي العام، القلق والغاضب بدوره، من تخبط السياسات الأمريكية في طول الإقليم وعرضه.

وتجد الصين في "المأزق" غير المسبوق، الذي تعيشه الديمقراطية وحقوق الانسان عالميا، مناسبة لشن هجوم معاكس على الولايات المتحدة والغرب، في مسعى للبرهنة على فشل نظريات "نشر الديمقراطية" و"تعميم حقوق الانسان" وإسقاط مفهوم "القيم المشتركة" لصالح مفهوم "المستقبل الإنساني المشترك" الذي جعلت منه الصين راية وشعارا لها.

غالبية الأنظمة العربية، يروقها بشكل أو بآخر، "النموذج الصيني"، الذي حقق "معجزة اقتصادية" من دون الاضطرار للسير بعيدا على طريق نشر الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، وثمة "تنظير" متعاظم في المنطقة، لـ"صوابية" هذا الخيار، وكلفه المتواضعة، لا سيما بعد فشل تجارب الانتقال الديمقراطي التي أعقبت ثورات الربيع العربي، وتحولها إلى العنف والاحتراب الأهلي... ولا تبالي هذه الأنظمة والحكومات كثيرا بالمقولات الاستشرافية التي تتحدث عن صدام ضروري منتظر بين النموذجين السياسي والاقتصادي في الصين، بين اقتصاد قائم على "التعددية" و"الملكية الخاصة" في قسم رئيس منه، ونظام حكم قائم على "الفرد الواحد" و"الحزب القائد".

 

الحرب الباردة

 

في مقابل عوامل الجذب، الاقتصادية أساسا، التي تشد دول المنطقة إلى التجربة الصينية، تجد الأنظمة والحكومات العربية، نفسها بحاجة ماسة (حتى الآن على الأقل) للحماية الأمريكية، ولهذا السبب، ليس متوقعا أن يكون الحضور الصيني في الإقليم، إحلاليا، أي بديلا عن الدور الأمريكي فيه، والأرجح أن يكون بموازاته وبالتنافس معه، أقله لعقد أو أزيد من السنوات.

لكن سيترتب على هذه العلاقة التنافسية بين العملاقين، أن تتحول دول عربية إلى ساحات وميادين لحرب باردة أمريكية صينية هذه المرة... ولما كانت واشنطن، ليست بصدد، ولا هي قادرة على مواجهة الصين في الميدان الاقتصادي والاستثماري في المنطقة، فإن من المرجح أن تلجأ إلى وسائل وأدوات أخرى للحد من اندفاعة التنين الصيني وبناء السدود على طريقه... 

هنا، يتوقع المراقبون أن يزداد ميل واشنطن لممارسة ضغوطٍ سياسية ودبلوماسية، مصحوبة بالتلويح بسيف العقوبات الاقتصادية والتجارية، على الحكومات التي تجتاز أو تفكر باجتياز "الخط الأحمر" في تعاملاتها مع الصين، وسيسهم هذا التنافس بين العملاقين، في خلق انقسامات داخل المجتمعات والنخب السياسية، كما أنه قد يفضي إلى زعزعة الأمن والاستقرار محليا وعلى مستوى الإقليم.

وليس مستبعدا أبدا، أن تفضي "الحرب الباردة" على الأسواق والاستثمارات والبنى التحتية في المنطقة بين العملاقين، إلى دفع الصين إلى تخطي حذرها التقليدي في اللجوء إلى "الوسائل الخشنة" في سياساتها الخارجية، والتفكير بزيادة وجودها العسكري في المنطقة، فتحت عنوان حماية طرق التجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، أنشأت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي، وربما تحت عناوين مماثلة، تتوخى تأمين "الحزام والطريق"، سيجري العمل على زيادة انتشارها العسكري على امتداد "الطريق والحزم" أو عند مفترقاته ومفاصله الأكثر أهمية.

 كدليل على ذلك، التوجهات الأخيرة التي أقرها الحزب الشيوعي الصيني، والتي تقضي برصد موازنات ضخمة لإعادة تطوير وتحديث الجيش الصيني خلال العقد القادم، ليكون قادرا على حماية البلاد داخل حدودها... وخارجها كذلك.

 

إستراتيجية بايدن لم تتحقق

 

في 10 ديسمبر 2020 تحدث مايكل شوركين كبير علماء السياسةفي مؤسسة "راند" الأمريكية عن أن انتخاب جو بايدن كرئيسقادم للولايات المتحدة قد يقدم فرصة جيدة لإعادة علاقتها معأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ولكن لا يظهر أن هذا الامر قدتحقق حتى الآن. 

ذكر في مقاله بصحيفة ذي هيل (The Hill) أن 2 من أولوياتإدارة ترامب في المنطقة كان لهما وجاهتهما، وهما التركيز علىالمنافسة مع الصين وتقليل التركيز على مكافحة الإرهاب. ومع ذلكلم تُترجم الأولى أبدا إلى إستراتيجية موضوعية، والثانية تعني أنجهود مكافحة الإرهاب المستمرة قد ترنحت كالزومبي دون رؤيةإستراتيجية معينة توجهها. 

وفي الوقت نفسه تشير الأدلة المتاحة إلى أن الأفارقة جنوبالصحراء يرون أن الولايات المتحدة مهتمة بهم فقط كبيادق فيبعض منافسات القوى العظمى، وكل هذا يمكن أن يغيره بايدنإلى الأفضل.

واعتبر الباحث أن أول وأهم شيء يمكن لأي إدارة أمريكية فعلههو رؤية أفريقيا جنوب الصحراء على حقيقتها كمنطقة ديناميكيةتستضيف جزءا كبيرا ومتزايدا من البشر. وهي وفقا للأمم المتحدةمن المتوقع أن تنمو إلى نحو 25 في المئة بحلول عام 2050 و40 في المئة بحلول 2100، وأن تكون 4 بلدان أفريقية فيها من بينأكثر 10 بلدان في عدد السكان عام 2100، ومن بينها نيجيريا700 مليون والكونغو الديمقراطية 362 مليونا وإثيوبيا 294 مليوناوتنزانيا 286 مليونا. وبالمقارنة فإن أمريكا ستستضيف 424 مليون شخص.

الأفارقة جنوب الصحراء يرون أن الولايات المتحدة مهتمة بهم فقطكبيادق في بعض منافسات القوى العظمى. وكل هذا يمكن أنيغيره بايدن إلى الأفضل.

ويتوقع أن يلعب الأفارقة في هذه المنطقة أدوارا رئيسية في كلتطور واتجاه علمي تقريبا، سواء كان جيدا أو سيئا، من الإبداعالفني والفكري والإنتاجية الاقتصادية إلى التطرف الدينيوالإرهاب. علاوة على ذلك فمهما يفعل الأفارقة، فإنه يمكن للمرء أنيعتمد على تأثيرهم على بقية الكوكب في عالم من المؤكد أنهسيكون أكثر عولمة، وليس أقل. 

ويضيف أن رؤية الأفارقة كأفارقة وأنهم ليسوا بيادق في لعبةكبيرة يمكن أن تقطع شوطا طويلا نحو تعزيز مكانة الولاياتالمتحدة في منافستها مع القوى الأخرى، خاصة إذا ترجم ذلكإلى مشاركة واستثمار في الاقتصاديات والمؤسسات الأفريقيةبطرق لا تقتصر على مواجهة التحركات الصينية بشفافية.

وبداية، من المستحيل التنافس مع الصينيين (والإيرانيين والروسوالأتراك، إلخ) عندما لا يكون المرء في الميدان. وثانيا محاولاتإبعاد الأفارقة جنوب الصحراء عن المنافسين من خلال الرسائلحول الدوافع الخفية للحكومة الصينية، مثلا، قد تبدو فارغة إذا لميتصرف الأمريكيون بشكل مختلف.

وقد يكون صحيحا أيضا أن الحكومة الأمريكية ركزت بشكل مفرطعلى المسائل الأمنية وتقديم المساعدة الأمنية. ومع أن الأخيرةليست شيئا سيئا، ولكن قد تكون هناك طرق أكثر إنتاجيةللاستثمار في مؤسسات ومجتمعات البلدان الأخرى. 

واختتم الباحث بأن أفريقيا جنوب الصحراء مهمة بالفعل، ويمكنأن تكون أكثر أهمية في المستقبل المنظور. وقد يكون من واجبصانعي السياسة الأمريكيين التعاون مع المنطقة لضمان أنالولايات المتحدة ستكون في وضع يمكنها من الاستفادة الكاملةمن أي فرص تنشأ. وعند الضرورة، القيام بكل ما هو ممكنلتجنب النتائج السلبية. وكلاهما غير ممكن إذا بقيت أميركامنعزلة.

 

عمر نجيب

[email protected]