قياساً على تجربة المسيحيين في مقاطعة الانتخابات، هل يستطيع تيار المستقبل تكرار التجربة؟ وما هي مفاعيلها؟
مباشرةً بعد انتهاء الحرب في لبنان وإقرار اتفاق الطائف في العام 1990، دعت السلطات الجديدة في لبنان إلى انتخابات نيابية، بعد توقف قسري لمدة 20 عاماً بسبب الحرب (جرت آخر انتخابات قبل الحرب في العام 1972).
قاطع المسيحيون الانتخابات النيابية في العام 1992، معتبرين أنها تجري في ظروف تهمّش ممثليهم الحقيقيين، وهم بالتالي لا يريدون إعطاء شرعية لسلطة لبنانية فرضتها الوصاية السورية. بالفعل، استطاع المسيحيون فرض مقاطعة شاملة في معظم المناطق اللبنانية، إلى درجة أن إحدى المرشحات نجحت في جبيل بـ40 صوتاً فقط.
اليوم، يطمح اللبنانيون من مؤيدي تيار المستقبل وأنصاره إلى أن يكرروا تجربة المقاطعة في العام 1992، وأن تؤدي هذه المقاطعة إلى إعادة الاعتبار إلى الرئيس سعد الحريري، وعودته إلى الحياة السياسية في لبنان زعيماً سياسياً لا يمكن تخطيه في الطائفة السنّية.
قياساً على تجربة المسيحيين في مقاطعة الانتخابات في لبنان، هل يستطيع تيار المستقبل تكرار التجربة في لبنان؟ وما هي مفاعيلها؟
واقعياً، من الصّعب على تيار المستقبل أن يفرض مقاطعة سنّية شاملة، كتلك التي حصلت في الساحة المسيحية في العام 1992، وذلك للأسباب التالية:
- انخرطت بكركي في الدعوة إلى المقاطعة في العام 1992، فيما دعت دار الفتوى في لبنان إلى عدم المقاطعة، إضافة إلى قيام العديد من قيادات المستقبل ونوابه السابقين بالترشح، وقيام السنيورة - بدعم من السفير السعودي في لبنان - بمحاولة التنطّح لوراثة الحريرية وفرض نفسه "رئيس حكومة" بعد الانتخابات، في حال استطاعت قوى 14 آذار و"التغييريون" الحصول على الغالبية النيابية، بحسب ما سوّقت ماكينات القوات اللبنانية.
المفارقة أنَّ حال السنيورة وريفي ونواب المستقبل السابقين اليوم يشبه حال بعض القيادات المسيحية التي تنطحت للحلول مكان الزعامات المسيحية بدعم من السوريين خلال التسعينيات. ونذكر على سبيل المثال السيدة نايلة معوّض (والدة النائب المستقيل المدعوم أميركياً ميشال معوّض)، والسيدة نهاد سعَيد (والدة الدكتور فارس سعيد) التي قاطعت الانتخابات بداية، ولكنها كانت ذات حظوة لدى السوريين، إلى درجة أنها استطاعت أن توقف ترقية أحد الضباط في الجيش اللبناني (العميد ميشال كرم) وتمنع قبول استقالته، بغية حرمانه من الترشح للانتخابات النيابية في آب/أغسطس في العام 2000، لئلا يشكّل خطراً على نيابة ابنها الدكتور فارس سعيد، وهو ما حصل بالفعل (يُذكر أن كرم استعاد حقّه بقرار من مجلس شورى الدولة العام الماضي).
- تتراجع الآمال في استعادة تجربة المقاطعة الشاملة للانتخابات في لبنان، والتي حصلت في العام 1992، بسبب الكمّ الهائل من الضخّ المالي والدعم الخارجي المادي والسياسي الواضح، والتصرف الدبلوماسي غير المسبوق، إذ يجول السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على المناطق لحثّ علماء الدين والسياسيين السنّة على دعوة الناس إلى الاقتراع وعدم المقاطعة، ودعوة الناخبين إلى الاقتراع للوائح المدعومة من قبله، وخصوصاً لوائح القوات اللبنانية والسنيورة.
- سيكون للمال الانتخابي تأثير في قدرة المستقبل على فرض المقاطعة الشاملة، إضافة إلى الممارسات "الفاشية" غير المسبوقة التي تمارسها بعض القوى لترهيب اللبنانيين بلقمة عيشهم وحياتهم ومستقبلهم، ما قد يدفع العديد من مناصري تيار المستقبل في لبنان والدول الخليجية إلى الذهاب مرغمين للتصويت للوائح القوات اللبنانية.
على الرغم من كل الموبقات التي قامت بها الميليشيات والقوى السياسية اللبنانية في تاريخها، لم يحصل أن تقوم بعض القوى بممارسة "النميمة والوشاية" على أبناء وطنهم لطردهم من عملهم أو سوقهم إلى السجن وترحيلهم من الدول العربية، لمجرد الاختلاف في الرأي السياسي. ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأ اللبنانيون في لبنان والخارج يخشون المجاهرة برأيهم السياسي، خوفاً من الوشاية، فالطرد من البلدان التي يعملون فيها، عقاباً لهم على مواقفهم السياسية.
في النتيجة، لا شكّ في أنّ من حقّ تيار المستقبل استخدام كل الوسائل المشروعة لتحقيق أهدافه وإعادة الاعتبار إلى رئيسه سعد الحريري، والمقاطعة حقّ مشروع ووسيلة قانونية، لكن، في رأيي، وبغضِّ النظر عن حجم المقاطعة التي ستحصل، لن تستطيع (المقاطعة الشاملة إذا حصلت) إعادة فرض الحريري في المعادلة اللبنانية ما لم تسمح له المملكة العربية السعودية بذلك.
لقد جرّب المسيحيون المقاطعة الشاملة، ولم يستطيعوا أن يوقفوا القطار السياسي الَّذي كان يمشي في لبنان برضا إقليمي (سوري - سعودي) ودولي (أميركي). لذا، لم يكترث أحد لمقاطعتهم، فعادوا وشاركوا في العام 1996 وما تلاها، واستمرَّت المقاطعة حكراً على الملتزمين بفكر العماد ميشال عون وبعض القواتيين حتى العام 2005.
عملياً، إضافةً إلى الوشايات التي قامت بها القوات اللبنانية ضده في المملكة، يدفع الحريري ثمناً للغضب السعودي جرّاء فشل سياستهم في تحجيم حزب الله في لبنان، واتهام حزب الله بالتأثير في خططهم في اليمن، وبأن مساعدته حركة "أنصار الله" والدعم الإيراني هما السبب في فشل الحرب السعودية على اليمن.
لقد حاول الحريري، وبمساعدة دولية، تخطي هذا الغضب ولم يستطع. لذا، من الصعب أن تؤدي الضغوط الشعبية اللبنانية (مهما بلغ حجمها) إلى عودة ولي العهد السعودي عن قراره بإنهاء الحريرية السياسية.
ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية