لقد استمعت بإمعان للصوتيات المنسوبة للوزير السابق محمد فال ولد بلال في شأن تفعيل العمل باللغة العربية ، وهو الرجل المثقف بالمفهوم (المحلي ) ثقافة عربية موروثة ، وكذا فرنسية مكتسبة ، مما جعله ذلك مظنة للأضطلاع - وهو المجد الذكي - على ما يدور في بلادنا من أمور سياسية ، وكذا المحيط ، بالإضافة إلى شغله مناصب إدارية ودبلوماسية كثيرة مكنته هي الأخرى من الإستفادة من افكار وثقافات من قابلهم أو عمل معهم في مختلف أصقاع الأرض !
لكنه رغم ذلك لا يمكن لأي كان أن يجرده من ماضيه السياسي باعتباره متأثرا بحركة الكادحين التي كان لها شأن يذكر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في بلادنا !
كما أنه أيضا احد رموز ( لفركنكفونية الناعمة) إن صح هذالتعبير . كل ذلك هيأ الرجل - خصوصا ) بعدما خبا وهج الكادحين ، وذلك بمشاركتهم مع بعض الحركات السياسية في الأنقلاب العسكري الأول الذي حدث في بلادنا سنة 1978 م بأن يظل الرجل يحاول استغلال ذلك الفراغ الثوري الذي كان يشغله الكادحون - وهو الذي كان شريك المرحوم سميدع في غرفة واحدة من سكن تابع لجامعة داكار - بأن يكون شبه ناطق رسمي بدور ذلك التيار ، بعد أن تفرق معظم أفراده أيادي سبإ داخل أحزاب سياسية متفرقة ، ثم أضاف لنفسه وظيفة أخرى وهي أن جعل من نفسه شبه ( ضابط احتياط ) مدني تحت طلب الدولة للعب أي دور يسند إليه ، والذي ربما يصعب على غيره لعبه بسهولة ، ولو كان ذلك الدور غير مرغوب فيه من بعض المتنفذين كالتعامل مثلا مع دولة إسرائيل !
ثم ظل الرجل يكتب أيضا في وسائل الإعلام الوطني برؤى وأسلوب لايخلو ان من نكهة أدبية مشوقة وموضوعية مفيدة في الأغلب الأعم فيما يكتب !
وبذلك الأسلوب استطاع ولد بلال اجتذاب الرئيسين (معاوية ولد الطائع ومحمد ولد عبد العزيز ) ، المحدودي الثقافة والمعرفة ، لليعمل معهما كمكلف من طرفيهما بأصعب المهام واخطرها وطنيا مثل : منصب وزير مستعدلتنفيذ ما يطلب منه ، ثم يغض الطرف والسمع عما يقوم به معاوية من اخطاء قاتلة أحينا لليجترها الوزير الآن ربما تكفيرا عن صمته السابق عنها !
وقد عمل كذلك مع ولد عبد العزيز كرئيس للجنة الأنتخابات والتي مازال يرأسها حتى الآن ، مما جعل الرجل بمقتضى تلك المهام يقوم بأدوار من بينها أن يكون شبه وسيط بين المعارضة من جهة ، والنظام من جهة ثانية ، بحيث عليه - من ضمن أمور كثيرة - بأن يغطي على تدخلات الحكومة في مثل الأنتخابات (تمويلا وتوجيها ونتائج ، كتلك المعدة سلفا وبشكل مكشوف - ! ولكن يتم كل ذلك بلباقة و خبرة ولد بلال المعهودتين اللتين كان يغطي بهما كل تلك الأختلالات ، وذلك بأسلوبه الناعم المبطن عادة بالخضوع للأمر الواقع الذي ليس خافيا على احد ، خصوصا إذا كان الجميع بما فيهم ولد بلال يعلمون سلفا قبل الأنتخابات بأن الحكومة والقضاء والبرلمان كلهم في كفة واحدة ! مستعينا رئيس تلك اللجنة على ذلك الوضع الغريب بإعتباره مبرزا أصلا بحكم كونه معارضا سياسيا سابقا من حركةالكادحين . وبصفته كذلك غير مسجل في قوائم أفراد الحزب الحاكم أيًا كان إسمه وفي ظل رئاسة أي رئيس له !
إذًا فإنه كلما في الأمر من شيئ أن محمد فال الذي ذكرنا نبذة من ماضيه السياسي ، قد فطن مبكرا بواسطة حدسه -وهو المعروف بذكائه - بأن فيه تغييرا ما قادما لا محالة يقوده رأي عام وطني ضاغط، تجاه تفعيل تطبيق المادة السادسة من الدستور التي تطلب مخاض ميلادها عقودا من النضال الشاق الذي راح ضحيته شهداء بررة ! وبالتالي شعر الرجل بذلك التوجه بما يشبه إستشعار قرون المواطن ( بژيژوان ) الذي يكتشف من خلالهم إيحاء حرارة يوم غد ، وهو مازال في ضحى اليوم الذي قبله !
فحاصل الأمر فإن محمدفال بحكم خبرته وقربه من النظام الحاكم ، أصبح شبه متأكد مما هو قادم في شأن تعريب المؤسسات الدستورية إذا لم يشمل التعريب كل مناحي الإدارة الوطنية . وبالتالي كانت تلك الصوتيات المنسوبة إليه تشبه إلى حدما صدى حديثه لنفسه ولكن لا بأس لديه -كما يبدو - إذا ما سمعه من هو في مقام أبنائه. وذلك من أجل أن يتقبلوا مقتضى أمر الواقع المنتظر بالنسبة له ، دون أن يحرجهم هو بطلبه ذلك منهم بنفسه !
و يمكن استنتاج كل ماسبق من تلك الصوتيات التي أرخت لشبه تاريخنا السياسي الوطني منذ الإستقلال ، والذي توصل ولد بلال من خلال سرده لتلك الصوتيات بأن ذلك التاريخ قد بني أصلا على خطإ فادح وهو عدم ترسيم لغة أكثر سكان البلاد ، وإبدالها يومئذ بلغة المستعمر ، والتي ليس في البلاد من يستطيع الكلام بها دون تعلمها و بشق الأنفس !
وحيث أن الصوتية الأخيرة من تلك الصوتيات التي كانت تشبه إلى حدما ( مونولوج )داخلي للسيد الوزير وكأنه يقول من خلالها بالخصوص لأصدقاء الأمس من الكادحين ولفركفونيين وكذا لأبنائهم بأن يتقبلوا أمر الواقع القادم المتمثل في جعل التعليم والإدارة باللغة العربية وذلك حسب رأيه يعود إلى أن امور سكان البلاد قد تغيرت ، كما أكد بأن الذين كانوا رحلا يعيشون في الشتات إبان استقلال البلاد ، فاليوم قد أصبحوا متحضرين ، ولديهم حاضنة إقليمية من أبناء جلدتهم ، ولَم يعودوا في عزلة كما كانوا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي !
وأن لا يعولوا - أي أولئك الأصدقاء - على منظمات حقو ق الإنسان ! لليتحول حديثه فجأة بعد ذلك إلى ما يشبه الهذيان لما وصل فيه إلى نقطة أن ظروف البلاد قد صارت أحسن من ظروف الجيران والا يعولوا في مواقفهم المستقبلية على أولئك ، وكون التمرد الداخلي أيضا أكثر ضرره من نفعه عليهم . وأن يعملوا بدلا من كل ذلك على خلق تحالفات وطنية تخدم التوجه الجديد، ثم أخيرا متمنيا لهم في نفس الوقت بأن الإيام القادمة لربما كفيلة بإعادة التوازنات الداخلية ولو بعد حين ، وإن كان على نمط جديد مختلف ! فهذا مجمل ما ورد في الصوتيات وأظن أن فيه الكثير من الواقعية والصراحة اللتين تتطلبهما المرحلة الجديدة .
وفي الختام فإني أتمنى من الذين بدأوا يحللون مضمون . صوتيات الرجل ، والكل يفسرها حسب قراءته الخاصة لماضي الرجل وحاضره ، بأن يحتفظوا لذلك الرجل المحترم - مهما اختلفوا معه أو اتفقوا - بمكانته الأخلاقية العالية ، وكذا إيضاح رؤيته السياسة لمتطلبات المرحلة الراهنة ، ولما يمكن أن يلعبه - أكثر - من غيره من أدوار إيجابية لصالح الوطن ، إذا ما طلب منه ذلك رسميا ، ومكن كذلك من مختلف الأدوات والضمانات التي تجعله قادرا على تمتين عرى وجهات النظر المتقاربة أصلا بين مكونات شعبنا ، وتقريب تلك التي يخيل إلينا بأنها متباعدة إلى حدما ، وأنها ربما ستبقى كذلك إلى فترة أطول لاقدر الله .
ذ / إسلمو محمد المختار ولد مانا .