المجتمع الموريتاني  من الوصف إلى التحليل/ إشيب ولد أباتي

أربعاء, 2021-10-27 17:47

إن التسليم بالمصطلح (موريتانيا)  لبلادنا من المعطيات التي لها ارتباط  بتحديد الهوية  للدولة، والحاضر في مجالاته، كالموقع الجغرافي، والمجتمع، والأفراد، والثقافة،، ولسنا بوحدنا من المجتمعات المعاصرة التي الصق بها  مصطلح غريب، أواسم لشخص اجنبي، ف (أميركو فيسبوتشي)، نسبت اليه القارة الشمالية أمريكا بتاريخها، وجغرافيتها، ومجتمعاتها، وثقافاتها، ومن هو؟ إنه واحد من البحارة، إيطالي الأصل، وكان في الرحلة الاستكشافية الأولى 1492م، وقد استحق هذا التخليد على اساس كونه عالم من علماء الجغرافيا، نظرا لقدرته على رسم خريطة القارة المكتشفة، فسميت به، ومع ذلك لم يكن مستغربا تهميش هذا المصطلح  فيما بعد من طرف المجتمعات المستعمرة المغلوبة على أمرها في كل من امريكا الجنوبية ذات الهويات الجديدة التي عبرت بها عن علاقتها بالمكان، وبالهوية قبل الاحتلال، ودوره  في تهجينها بالمصطلح الاستكشافي  السابق على النظم التحررية في معظمها خلال فترة ما بعد الاستقلال، ونهاية الاحتلالات: الاسباني، والبرتغالي، والفرنسي، والانجليزي، والهولندي،، وخلافا لذلك تشبث المجتمع في أمريكا الشمالية، بالهوية الطريفة، وهو مجتمع خليط من الجاليات الأوروبية التي انتقلت إلى بلاد حديثة عهد بالمكان اللاتاريخي، وقد توافدت إليه في فترات متفاوتة، الأمر الذي سهل على افرادها تقبل الهوية دون تفكير بعلاقة الفرد بها تاريخيا، وحضاريا...

والسؤال الذي يتعلق بنا هو: متى يأتي الزمن الذي ينحت فيه مجتمعنا مصطلحا آخرلتحديد هويته، وتهميش هذه الهوية الراهنة على غرارما  قامت به مجتمعات أمريكا الجنوبية، أو أن اجيال مجتمعنا في المستقبل ستبقى بوعي على هويتها اللا اكتشافية على غرار مجتمع أمريكا الشمالية؟

وما هي مؤشرات كل من القبول، والرفض في الواقع، وفي الثقافة  المتصارعين على تسمية بلادنا ب"موريتانيا "من طرف الفرنسيين الاحتلاليين، لأن القبول، كان ممضا في الوعي العام، وانعكاسه تحبر فيه صفحات كتب الثقافة، والتاريخ، كما يعبر عنه في المواقع الافتراضية، كجزء من الأزمة في بعدها الحضاري، وهو تعبيرعن ما يمور من وعي لدى الفئات المتعلمة الى حد الامتعاض، واعتبار القبول بالهوية، كان من ضمن الاكراهات، ولعل ذلك مرده الى الذاكرة، الثقافة التي استمد منها الوعي التاريخي المؤطرللهويات في كل المجتمعات العربية، ولذلك يلاحظ أن الكثير من الشبيبة العربية الموريتانية  المتعلمة، يستظهر العديد من الاسماء التاريخية، وقام باحياء التاريخ  في البحوث الجامعيةلنيل الدرجات العلمية العليا،، ومن المفاهيم  المتداولة  في مختلف حقول المعرفة العديد من الاسماء التاريخية، "بلاد الملثمين"، و"المرابطون"، و"مجتمع البيضان"، و"بلاد شنقيط"،، و"بلاد المليون شاعر"، وغيرها من الاسماء التاريخية، والثقافية التي ذكرها بعض المؤرخين، وترددت  اصداؤها  عن قصد، أو بدونه، وهي إن عبرت عن مدلول، فلعله لدلالته التاريخية، والحضارية بمعنى العلاقة التي تشير، وترتبط  بمرحلة تاريخية ما، كاحياء مفهومي " المنتبذ القصي" والمنكب البرزخي" في بداية النهضة الفكرية في القرنين الحادي عشر، والثاني عشر للهجرة، لكن دلالة المصطلحين، تلصقان بالبلاد، واهلها  صفات لا هوياتية، وهذا التعريف بالسلب على حد المناطقة، غير جدير بالتنويه المعطى لهما من طرف البعض،، هل لأنهما لا يعبران عن التطلعات المجتمعية في استعادة دورة التاريخ، بمعنى الدور التاريخي لمجتمعنا في تاريخه المرجو احياءه الذي قاوم خلاله الكثير من التحديات، ومنها الاحتلال الاغريقي، كأول تحد لمجتمعنا الذي ثار ضده ـ والنكاية الفرنسية في إلصاق التسمية، كمعطى تاريخي رغم رفضه بالثورة على اصحابه ـ؟

ولعل من التحديات الثقافية إحياء هذه المفاهيم التي طمست الأدوارالتارخية، وشبيه  بذلك في ثقافة اليوم لدى اتجاه من فئة المتعلمين، آثر انتقاء بعض المصطلحات الحيادية، حيث استبعثها " الاحيائيون" من المؤرخين، و الكتاب، سامحهم الله، وسامح من اتهمهم بالوعي الجهوي، لإحيائهم لذينك المفهومين ودلالتهما اللاتاريخية التي تكاد أن توارى بعاصفتها الهوجاء، مشاعل المنارة العلمية، والحضارية، لبلادنا نظرا لتغييبهما خصائص الهوية التاريخية، والثقافية لمجتمعنا الحالي ـ على الأقل ـ الذي نتمنى جميعا له الانتقال من مستواه الحضاري الحالي " المأزوم" الى ما يعبر عن تطلعه الى المستقبل الواعد..

وسيبقى التنبيه  موجها لمثل هؤلاء الكتاب، كلما تغافلوا عن توظيف" العقل" فيما لم يحقق الاهداف المجتمعية، وينمي الفكر، ويشجع على التفكير، ويحفز على التطور الاجتماعي،، وهو ذاته التنبيه " المقتبس" الذي وجهه " ابن طفيل" الفيلسوف لمن غيب دور العقل من قومه  في عبارته الشهيرة " فليتئد في غلوائه، وليكف من غريب لسانه" وهو تنبيه حري بنا استحضاره حين نتداول مفهومي " المنتبذ القصي"، و" المنكب البرزخي"، وليكن قدوتنا بما أوصى به المصطفى صلوات الله عليه، وسلامه في انتقاء أحسن الاسماء،، ولإحياء حقب التاريخ  لماضينا، بمفاهيم  لها دلالة على التواصل الحضاري،، ومناهضة الاتجاه اللاتاريخي  المشايع لرؤية "الوضعية" من خريجي المدرسة الفرنسية الذين تعمدوا إظهار الواجهة الميتة من تاريخنا، بدلا من استحضار دورات التاريخ المقاومة للتحديات سواء أكانت في الداخل، أم من الخارج، وانعكاسها على حاضرنا،  بدلا من النبش عن المفاهيم في" اضبارات" ميتة من التأريخ من المجهول للمعلوم..

ولكن ذلك ليس دعوة لعدم توظيف المصطلحات التاريخية، والبحث عن دلالة نشأتها، وعلاقتها بمجتمعنا، وتطوره، كمفهوم " مجتمع البيضان" الذي يحيل الى الواقع، والى مصادر تاريخنا قبل مؤرخي المستعمر الفرنسي من جنوده،،

وقد نشر هذا المصطلح ـ مجتمع البيضان ـ عنوانا لمقال، استحضرت فيه العديد من المشاكل الاجتماعية التي تواجه مجتمعنا من منظور الحقوقي " أحمد ولد هارون ولد سيديا"، وهو مقال يستحق القراءة، لكن ماذا عن مضمونه، وعلاقته بظواهر تفاعل الكاتب معها منذ عشر سنوات في قراته التوصيفية، أكثر منها تحليلية، بما لم يتجاوز المشاهد المقلقة له؟ ولماذا أعيد نشر المقال الآن؟ ( يتبع)