حركة  " إيرا"، ومحاولة إدماجها في العمل السياسي الحزبي بشروط ،،فما هي ؟ / د. إشيب ولد أباتي

سبت, 2021-09-04 16:58

في تعليقي الأخيرعلى مقال الدكتور اعل ولد اصنيبة عن تبادل تبعية  حركتي " افلام" ، و" إيرا" للموساد الاسرائلي، ودور الأولى  في تفكيك الوحدة الاجتماعية، والموساد في محاولة اخضاع النظم السياسية في اقطارنا العربية،، ومن هنا كان الحديث عن سلوك " بيرام"  وحرقه لكتب  الدين  في تحد لحرمات معتقد المجتمع، والأمة، ما لقي بقتامة مزعجة، أثارت ـ وتثير ـ مشاعر الغضب لكل من يسترجع الموقف،، ولذلك تسربت في مقالي بعض المفاهيم التي عبرت عن الشعور بالمرارة  للتحدي الذي  بدر من " بيرام"، لذلك كان الأسلوب المتشنج الذي كتبنا  به التعليق السابق بالأمس، وهو لا يعبر عن رفض مبدئي لمعارض سياسي في الحراك السياسي الوطني، مهما كان الاختلاف معه  في وجهات النظر، ذلك أن الاختلاف السياسي، يعد في العصر الحالي  ظاهرة صحية، لأن الظروف الموضوعية، تقتضي الاختلاف في وجهات النظر السياسية، وهذا الاختلاف مطلوب لإيجاد حراك سياسي عام، يتنوع  وعيه باختلاف الرؤى فيه، ولعل مشاركة الجميع،  ينتج منها التغيير الاجتماعي المنشود، فالحراك السياسي في مجتمعنا الموريتاني ضعيف جدا، ويأتي في آخر سلم الحراكات السياسية العربية، والافريقية معا،، كما أن ظاهرة الاحزاب السياسية ، ودورها في البرلمان الموريتاني، تعكس هذا الهشاشة في الوعي لدى الحراك السياسي العام، فالاحزاب قبلية،  وجهوية، وشخصانية تابعة لرموز وطنية، لكنها  لم تجد لها مستقبلا في مجتمعها، إلا بالدعوة لاسترجاع نظم سياسية سابقة شاركت فيها، وهي  نظم،  خلت من بعدها  السنون، ومرت متغيرات،  تستدعي من تلك الرموز السياسية، أن تستجيب  لمطالب المجتمع في التغيير، وليس البحث عن آليات سياسية، لاستعادة نظام ارتحل قادته الى الرفيق الأعلى رحمهم الله تعالى.

إن الاحزاب السياسية الموريتانية، كواجهة للحراك الاجتماعي، لا تملك في معظمها  رؤى تمكنها من الفصل بين الثوابت الوطنية التي ينبغي أن تتلاقى عليها كل الرؤى، كوحدة المجتمع بكافة اعراقه، وشرائحه الاجتماعية، و سيادة الوحدة الترابية، والدفاع عن النظام الجمهوري، وقيم الاستقلال الوطني: سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا،، والتعبير عنها في المنظمات الاقليمية، والمحافل الدولية.

بينما يكون الاختلاف مطلوبا في الرؤى السياسية تجاه الأولوية، الترتيب في الدفاع عن الحقوق المدنية، والسياسية للمواطن الموريتاني، مثل التباين في المواقف حول رمزية الحرية السياسية، كمقدمة للحرية الاجتماعية، بينما الظروف الاجتماعية العامة في مجتمعنا  تعطي الأسبقية للأخيرة، وذلك  من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية: الصحة، والتعليم، وحق العمل، وتوفيره، وبناء بنية تحتية في المدن، وتوفير المياه والكهرباء، والمستشفيات، ومؤسسات التعليم في مختلف المراحل،، والقضاء على مظاهر المجاعة، والمحافظة على نظام الاسرة، وحقوق الطفولة في إطار إصلاحات اجتماعية، وسياسية، وتربوية، وصحية، و اعادة هيكلة التخطيط الحضري، وحقوق الفرد المدنية والسياسية..

 فهذه أولى من اعطاء الأولية لحقوق سياسيين، يبحثون عن مصالحهم الحزبية، واغلبها  مصالح شخصية، الأمر الذي جعل البعض، يتساءل عن جدوى "تفريخ" الأحزاب السياسية القبلية، والجهوية التي يرتفع اصوات ممثليها في البرلمان الحالي في سبيل الدفاع عن الحقوق الفئوية، والجهوية  دون الاهتمام بالمطالب العامة للمواطن، الأمر الذي جعل البعض يتهم  النظم السياسية باتباعها سياسة اضعاف الحراك السياسي الوطني، وتجفيف منابع الوعي السياسي من خلال" شراء ذمم" الرموز القيادية للوعي الوطني والقومي في المرحلتين: التيارية السياسية السابقة، والحزبية الحالية التي تمثل نقلة في الاطار الخارجي،، لكن دون أن يتزامن معها  سلوك عملي يبرهن على النوعية المرغوبة المشار في تميز ملامحها  في الوعي السياسي، والأداء الاجرائي،، وهذا وصف للسلوك الخارجي، وليس تقييما معياريا،،  لذلك اصبح  واضحا لكل مراقب ، أن تلك الاحزاب لاتعبر عن قواعد شعبية، وإنما عن علاقة قيادتها بالسلطة التنفيذية.

 وعن علاقة الرموز بالقيادة السياسية، فلم يستغرب، أو يستهجن  استقبال " بيرام" من طرف رمز النظام السياسي الحالي،  بعد أن رفع المستقبل الشرعية الدولية عن نظام الحكم  السياسي الذي يمثله الأخير، لأن التمييز العنصري لنظام الحكم، يستهدف رفع الشرعية عن الاستقلال ، والسيادة الوطنية، وفتح أبواب بلادنا للتدخل الخارجي،، وذلك بحجة الوقوف مع (ممثل)  شريحة اجتماعية، قدمها، كضحية لتصرفات عنصرية ما انزل الله بها من سلطان، وهذا يشكل حربا ضد المجتمع، ومحاولة لنزع الشرعية عن النظام السياسي العام،، وكان استقبال الرئيس لبيرام،  يمثل اعترافا بكل مثالب تلك الدعاية، وهو  يشكل تجاوزا من الطرفين ـ المستقبل، والمستقبل بفتح الباء ـ للثوابت الوطنية !! 

إن  الدافع ل " بيرام " في اتخاذ هذا الموقف التشويهي، هو تسويقه لبضاعته: (التحرير)، لشريحة اجتماعية، كتب عنها الاعلام الغربي الحر حينها ، أنها كانت مستعبدة قبل قيام النظام السياسي الحديث في موريتانيا، ولفق "الممثل" لها التهم في استمرار مظاهر الاستعباد، وذلك  بهدف أن يملأ حساباته المالية في المصارف الغربية،، ومتى تعرض "بيرام" للمحاكمة في بلاده، تجمد الأموال في  تلك المصارف، وبالتالي فالغرب يستفيد من مثل هذه المواقف، كالتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات، وهو يساوم بها  لفرض مصالحه  على حساب مصالح مجتمعتنا، ولا يبحث عن مساعدة  أية  فئة من فئات المجتمع الموريتاني، وحدود الحرية المرغوبة في بلادنا من  منظور الغرب، هو  ما كان منها يضعف النفوذ الوطني،  وفي المقابل يفرض مصالح الغرب  في النهب للثروات الوطنية، ولذلك  هو يراهن على أي أصوات مناهضة للسيادة، ولوحدة المجتمع من شأنها أن توسع نفوذه الامبريالي،!

أخيرا:

ومن الحلول الأولية، كتصور متبع  لحل المشاكل الاجتماعية، واحتواء الوعي النشاز في مجتمعات الغرب، هو اختبار تجربة " تكييف" الحركات المتطرفة، كالأحزاب اليمينية، والحركات الانفصالية، ولعل هذا الأسلوب، يساعد  نظام الحكم في موريتانيا على احتواء قادة  " إيرا " باستدعائها، وطلب منها تقديم  برنامج سياسي وطني، كأي حزب سياسي،  مطالب باحترام الثوابت الوطنية، ومشرعن له المطالبة بحقوق المواطنين، والدفاع عن الثوابت الوطنية، وذلك لقطع خط الرجعة مع اقامة تحالفاتها  المشبوهة مع أعداء الوطن، والأمة، لأن ذلك يعد خروجا على الوعي السياسي الوطني الذي يستحيل  أن تستعار أطره السياسية بما يخالف قيمه  التحررية التي تحدد مجال العلاقات الدولية، والأداء  السياسي اليومي الذي يهدد وحدة المجتمع، ومعتقده الديني العام، وثقافته الوطنية، والقومية، وأي فعل مخالف لذلك، يعتبر مقدمة لأحداث، ستفرض أسوأ مما فرضته أحداث 89 على الفئات الاجتماعية الأخرى،، وتلك من الضرورات التي  ليست على جدول الصالح العام