أصبح خطاب وزير الخارجية الإيراني الأخير “حسين أمير عبداللهيان” بمؤتمر “بغداد” مادة دعاية لعدد من الإعلام والأشخاص المناوئين لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران في الفضاء الافتراضي خاصة منصات التواصل الاجتماعي.
وحول أسباب رغبة المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منهم وزير الخارجية، في إلقاء خطاباتهم الإقليمية باللغة العربية، يمكن الإشارة إلى عدة أسباب فيما يلي.
أولا: من حيث المبدأ فإنه في إيران إذا ما جهد أي شخص أجنبي وغير ناطق بالفارسية لتعليم اللغة الفارسية والتحدث بها في المؤتمرات والاجتماعات فيصبح موضع الترحيب والمودة وحسن الضيافة لدى الإيرانيين، ذلك أن الإيرانيين يعتبرون جهود الأجانب لتعلم اللغة الفارسية علامة للود والمحبة والعواطف الإيجابية ولا ينظرون إليهم بعين الاستخفاف والسخرية بل يعتبرون جهدهم علامة لاحترامهم للغة والأدب والثقافة الفارسية، وانطلاقا من هذا فإن الشعراء الأجانب وغير الإيرانيين الذين نظموا أشعارا باللغة الفارسية يحتلون مكانة راقية وعالية عند الإيرانيين وإن الشاعر الباكستاني “إقبال لاهوري” خير مثال في هذا الصدد.
وفي هذا الشأن تختلف الثقافة العربية مع الثقافة الفارسية إذ إن اللغة العربية الفصحى تتمتع بدرجة أكبر رسمية عند الجمهور الناطق باللغة العربية وأساسا، فإن الذين يجيدون اللغة العربية الفصحى ويشرفون على دقائقها ولا يلحنون فيها فإنهم يتمتعون بشعبية ومكانة عالية عند المثقفين والأدباء العرب حيث يعتبرون جهدهم هذا علامة فضل وعلم واطلاع واسع على اللغة والثقافة والأدب العربي، ومن هذا المنطلق فإن الذين يتحدثون باللغة الفصحى، يلزمون أنفسهم على رعاية مبادئها وقواعدها المعقدة نحوا وصرفا، وفي غير هذه الحالة فإن نظرة الجمهور ستكون إليهم مختلفة ذلك أنه في مثل هذه الحالة ستبرز نقاط الضعف عند الجمهور الناطق بالعربية أكثر من النقاط الإيجابية وهذا مهم لغويًا ونفسيًا.
السبب الآخر يعود إلى رغبة المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث ثمة عدة أسباب في هذا الخصوص. السبب الأول هو أنه نظرا لأن اللغة العربية هي لغة شعوب المنطقة فإن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يحرصون على التحدث بهذه اللغة وذلك احتراما لجمهورهم في هذه الدول وإظهارا لحبهم إليهم وتعاطفهم مع المواطنين العرب وعلى هذا يفضلون التحدث بالعربية إيصالا لرسالتهم وكلامهم لهم دون أي وسيط.
السبب الثاني: هو أن المسؤولين الإيرانيين بناء على ثقافتهم الإيرانية وعقليتهم الإيجابية من الأجانب الناطقين بالفارسية، يعتبرون لحنهم ولهجتهم علامة لحبهم للغة الفارسية وآدابها فإنهم على أساس هذا الانطباع يرغبون في التحدث بالعربية إظهارا لحبهم ومحبتهم للناطقين بالعربية والاجتماعات العربية والمشاركين والمتحدثين فيها.
ووفقًا للدستور الإيراني، فإن تعليم اللغة العربية في المدارس الإيرانية يعتبر من الدروس الأساسية والرئيسية كما أنه في الجامعات الإيرانية أيضا اللغة العربية وآدابها موضع بالغ الاهتمام بحيث أن تخصص اللغة العربية وآدابها يعتبر من التخصصات المهمة في الجامعات الإيرانية وهناك جامعات متميزة وأساتذة متمكنون وطلاب موهوبون قاموا بكتابة مختلف المقالات العملية في المجلات المحكمة وكتبوا رسائل وأطروحات جامعية مهمة وجعلوا في متناول يد الراغبين في المواقع العلمية والبحثية والجامعية.
النقطة الأخيرة هي أن بعض وسائل الإعلام والأشخاص المناوئين لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران والذين كانوا في الغالب من الإعلام والأشخاص الناطقين باللغة الفارسية وليس العربية قاموا لأ هداف سياسية بتسليط الضوء على زلات وأخطاء برزت في خطاب وزير الخارجية الإيراني ناسين أو متناسين أن هذه الزلات تحدث في خطابات بعض المسؤولين العرب الكبار الذين يعتبرون أنفسهم قادة للعالم الإسلامي والعربي في المنطقة إلا أنهم غير قادرين على قراءة لغتهم الأم المكتوبة على الورق.
وهذا الإعلام المناوي للجمهورية الإسلامية أدراكا منه لأسباب اهتمام المسؤولين الإيرانيين باللغة العربية واستغلالا سخيفا من عدة زلات لسانية لوزير الخارجية الإيراني حاولوا افتعال مواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول والشعوب العربية إلا أن محاولاته أصبحت فاشلة حيث لم يكن صدى له في العالم العربي.
الباحث في الشؤون الإعلامية والسياسية الإقليمية
د. جلال جراغي