في هذا المقال كتبت عن " نموذجين" تفاعلت مع الأول، ووهو للأستاذ اسلمو ولد محمد المختار، بينما انفعلت بالثاني، لما ورد فيه مجلب للتشاؤم، وهو للاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف، وكتابتي عن كتابتي عن مقال الأخير استجابة لطلب الاستاذ محمد الحسن ولد أحمد اخيار، وعن المقالين أذكر القراء الكرام بأني اكتب انطباعاتي الشخصية، وليس لي اعتراض على الكتابة، ولا على فكر أصحابها:
المقال الأول/
يتعلق بمقال رائع للأستاذ إسلمو ولد محمد المختار، وموضوعه في النقد الاجتماعي عن انتشار ظاهرة التكسب، التربح الوظيفي من( رموز)النظم السياسية، ولعلها ظاهرة مقيتة، نظرا لتبعاتها المسقطة لشرف الفرد في درك "التسول"، وهوسلوك غير مقبول، لمنافاته مع محمولات القيم الثقافية، والاجتماعية،، وعلى الرغم من ذلك كله، فهو سلوك تسأل عنه الأوضاع العامة منذ ثمانينيات القرن الماضي، أكثر من مسئولية الفرد الذي يمارس هذه " المهنة"، وهو يدرك بكل تأكيد، أنه يستعيض ب " الغاية" التي يتوخاها من هذا السلوك الوسيلي الذي يفقده شرف مكانته الاجتماعية، وهو أمر مستهجن الى حد الآن،، والنقطة الحدية للقيام بذلك السلوك، هي أنه كلما، تستعصى، عز التوظيف في سلك الوظيفة ، أو التهميش في العمل، أوافتقاد الموظف حقه في الترقي، واكتساب العلاوات قبل التقاعد، أو استعصرته المطالب اليومية، كتلك الفئة التي تمثل المهمشين، العاطلين عن العمل بعد أن أفنوا زهرة شبابهم في طلب العلم، لنيل الدرجات العلمية، وبعدها، وجدوا انفسهم على قارعة الطريق، فاصطفوا في طابور الموت البطيء، لذلك ماتت احلامهم المستقبلية حين "تشيأوا" في مجال سياسي، هو ملكية خاصة لمن تقاسموا ـ ويتقاسمون ـ "السادية"، التلذذ بعذابت حاملي الشهادات، ، فلجأ اليهم افراد، وصلوا درجة الصفر في الوعي، واحتسبوا انفسهم " سقط المتاع"،، ومن اجل انتزاع حقوقهم من " كف القدر" ـ على رأي الشاعر، والمطربة ـ فاستلبتهم ظاهرة " اللهاث" خلف تلك الرموز،، لذلك، فقنعوا ـ من الأقنعة وليس من القناعة بالموضوع، كاختيار ـ الوجوه بسلوب " اللحلحة"، وهو توصيف معبر عما تواضع عليه الكثير من الإعلاميين، وهم الأكثر اقتناصا للمفاهيم المتداولة في الحقل الاجتماعي، خلافا لما تواضع عليه الكتاب، والمثقفون من ميل الى توظيف مفردات القاموس اللغوي الذي يكاد أن يبعد اصحابه عن الواقع الاجتماعي في علو شاهق، أو تخفي ظاهر، ليصح القول عليهم، إنهم يكتبون عن زوايا النفس المظلمة، أو من ابراج منفصلة عن مجتمعاتهم، وكان الأحرى أن تنبض كتاباتهم عن احساس الفرد، وشعوره بضرورة أن تكون كتابته عاكسة لواجهات مجتمعه على الأقل، فتكون بذلك ابنة الواقع، ومنتوجه، وضميره الحي، والظاهرة السامقة للوعي الوطني، والقومي اللذين، يسجلان بحضورهما المتألق هويات: الفرد، والمجتمع، والأمة في لحظات تاريخية، تستجدي الأدوار التي يلعبها القادة العظماء، بقدر ما تستنجد بالكتاب، والمثقفين، والمؤرخين، وقادة الرأي من القوى الحية في الحراكات السياية، والثقافية في مجتمعات الأمة، وذلك في سبيل التغييرات الاجتماعية والسياسية، والثقافية، والحضارية في مجتمعاتنا العربية التي تتأخر يوما بعد يوم عن ركب التقدم، بقدرما يتقدم غيرها من الأمم في هذا العصرالذي جعل التقدم فيه، البشرية قاطبة في قرية كونية.
أما المقال الثاني، فهو:
عن الكتابة في المجتمعات المعاصرة، حيث تجاسر الكثير من الكتاب على تقديم الظواهر العامة
ــ كذلك ما تعلق بالخصوصيات الفردية التي وجدت في "الفيسبوك" وغيره من المنابر الإعلامية لنشر الفرد لفضائحه اليومية، وفضائح غيره، وذلك لتعميق الثقافة الفردية، وتوجيه الوعي العام، والوعي الخاص معا في اتجاهات غرائزية حين جعلت من الذات موضوعا للكتابة عنها ــ بالوصف تارة، وبالنقد احيانا، وبالتنظير النادر في سبيل تقديم البدائل، وتقديم الاساليب التي تعبر عن روح العصر في تقدمه، ومطالب المجتمع التي لا تسمح بالتأجيل، والمماطلة عن تقديم الحلول للمشاكل الاجتماعية، أو الثقافية، وبهذه كلها، اختفت الكتابات التي كانت" تؤنسن" الحيوانات الأليفة التي استنطقها الكتاب للتخفي، إما مخافة، أو رهبة من سلطان جائر، وكاد يندثر هذا الأسلوب القديم الذي قرأته الاجيال تلو الأخرى في التراث الإنساني، ومنه تراثنا العربي في " كليلة ودمنة"،، بينما اتجه المنظرون في اجاهات الثقافة المعاصرة في مختلف المجالات، ومنهم من حمل المسئولية للمثقف في مواجهة تحديات العصر، وتبنيه لقضايا المجتمع وطرحها على السلطة، وتوعية الفرد على حقوقه المدنية، والسياسية،، واتساقا مع تلك الرؤى المبثوثة استزراعها في الحقول المعرفية، والوعي العام، فعبر عنها الكتاب في مختلف مجالات الثقافات العالمية، لذلك تم توصيف المثقف على أنه " الملتزم"، ونظرا لدوره الذي تبوأ، كان لتوصيفه بتختلف الصفات معنى تقديريا، فهو " المثقف العضو"، وهو المجترح بالتنظير، لمسار التغيير في مسارب تخصصه على الأقل،،
وأحيل القارئ إلى قراءة ممتعة في فكر بعض الكتاب في مقال الدكتور زهير الخويلدي تحت عنوان " نداء الى المفكرين والمثقفين"، المنشور في موقع " رأي اليوم" اللندنية.
وإذا كان الشيىء بالشيىء يذكر، ولو على سبيل القياس المفارق من جهة انعدام مظاهر التشبيه، ووجه الشبه معا، في كتابة " الاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف" المحترم، ويأتي مقاله بعد غياب عن مجال الكتابة، وكان المجمع، قد تعرف عليه من كتابته السابقة في المقارنة، والاسلوب الإيحائي بين انماط المعيشة لسكان منطقتين في موريتانيا، حيث اختار أهلمها، أو أكرهوا على الإعاشة، وبادمان على أكل الكوسكوس، والعيش، وكان عنوان كتابته عن " الفيش بين كسكس، والعيش"،، بينما مقاله المتداول، فموضوعه موزع بين ملاحظاته على السلوك، التصرف، ومتغيرات الاستجابات المعززة لدوافع الغريزة عند الحيوان، ولكن السؤال حول أيهما ـ التصرف الغريزي، أو الملاحظات ـ اقتضى من الكاتب أن يطلب بالحاح أن " يعتبر أولوا الالباب" منه، وذلك في توصيته في نهاية مقاله بعد أن هان عليه أمر مجتمعه، أو استعصى، فنظر الى فئات المجتمع، واعراقه، كحيوانات غير ناطقة على عكس الكتاب الذين "انسنوا" الحيوان، والخادش للذوق في الأمر، أن تلك محالة من الكاتب لإضفاء عناصر التشويق في الكتابة على درب" الكتابة للفن” ، بينما رسالة الكتابة المطلوبة حاليا من الكتاب، ليس الامتاع، والاستئناس ، واستقطاف جماليات الطبيعة، والتركيز على المظاهر الزائفة، بل العكس، فالأولى من ذلك، هو التحليل لعوامل التأخلف، وتجاوز النظرة الجهوية ، لأن وحدة المجتمع، تتناقض مع استبعاث الجهويات المناطقية،،والنتظير لتغيير واقع المجتمع، هو الاسلوب المقبول في مجتمع اليوم، وليس الاستغراق في الرمزية، بحثا عن" السريالية" في استكناه الغرائز الدفينة في السلوك،،
وقد لجأ الكاتب مسترشدا بهذ الأسلوب لسبر أغواره النفسية تجاه مجتمعه عاكسا بذلك تشاؤمه في تقديم غرائب السلوك المبتدر من حيوان منطقته من إبل، وغنم، وضأن، وحمير، وكللاب،، وربما كان ذلك اعتقادا من الاستاذ أن الأسلوب يستحق تلك المعاناة المتكلفة الى حد كبير، وكان الأحرى به في تقدير بعض قرائه، أن يبتعد عن الأسلوب الموارب الذي تجاوز به، المتداول على ألسنة المجتمع من مثل " عندي عنو ـ عنه ـ "، و" يقدر، يكون ذاك "، و " ويمكن الا تشوف في ذاك ـ أن يرى في الموضوع ـ " .
ولو قدر لناقد ما، غير الهواة ، أن يتمعن في لغة المقال، فماذا يسترعيه فيه، وصاحبه كاتب متمرس في الكتابة بلغته الراقية، وأسلوبه السلس، والشيق،،؟
لكن هل من المتأكد عدم تعمد الكاتب للاستخدام الخاطئ في "جمع التكسير" للكلاب، والحاق به ضمير نون النسوة، بدلا من الضمير " ها " في العديد من الكلمات مثال " تراهن" وعندهن"، و" بعضهن"، أو أن ذلك من قبيل التداعيات غير المتحكم فيها، أو هو للإشارة في غير مكانها للدلالة على أن المرموز اليه من العاقلين؟ وهل الكاتب في حاجة الى ذلك، وقد أورد في ذات الفقرة ما ينوب عنه بالاشارات، كمثال "حفلة مهرجان مهم"، فمتى كانت الكلاب تساق اليها في مجتمع الكاتب، و" انتماء النقابة"، و" الحس" في مقابل الغرائر ما دام الحديث عن الكلاب، والقطط والفئران،؟ وما الذي توقعه الكاتب بأسلوبه من مجتمعنا الذي يدفع عنه شرور الفئوية والشرائحية، والعرقية، وكذلك الاتهامات الموجهة اليه من الخارج، ومع ذلك، يسقط قلم صاحبكم في تعزيز المنكرات المرفوضة، لو كانت موجودة في جوانبها السلبية، لا الأدعائية بمرموزاتها " الدفاع عن ربه"، و" لا مكان للتضامن "، ونسأل مرة تلو الأخرى عن مقولة، وردت في مكان آخر، لكن عدم توظيفها، شكل غيابا للوعي في رسالة الكاتب الأدبية، وهي تتعلق ب " السلم المطلق ـ الذي ـ لا مراء فيه"، فيما كتبه في الفقرة الخاصة بالكلاب، وهذا مزعج فحسب، بل مدان، أكثر من الأعتراض عليه ، كنظرته للسلم الاجتماعي خارج أطر هويته المبدئية، فهو مرتاب من " السلم المرحلي التكتيكي ال" قائم على مصالح مشتركة"، و لماذا النظر للسلم الأهلي، والطعن فيه على أساس المصالح المشتركة، حتى لو كانت من المصالح الجزئية الخاصة بـتماسك النظام الاجتماعي والسياسي في علاقته بتلبية مطالب فئوية: كمدخل للتصالح العام، مادام المجتمع واقفا على الحافة، ولا يحد من قيمة التصالح الإقدام على العمل الجزئي وصولا الى التصالح العام،،!
ونترك للكاتب المجال للتأكد من صحة الفرضية التي بنى عليها مقاله، حول التباين بين السلوك الموجه بالغريزة، والسلوك الموجه بالعقل، وهما حدا الوعي السياسي الحاضر وحده، لكنه حضور عدمي، ولا أقول اكثر من ذلك، ولأن العقل هو " فائض الطاقة الغريزية" لدى الإنسان حسب "علماء النفس"، فهل هذه الطاقة في حالة فيض، أو نضوب، انحصار في مشاهدات الظواهر الخمس تارة، وهي الملاحظات المذكورة في مقال الكاتب؟