ظاهرة التزلف لدى الشباب الموريتاني!

أربعاء, 2021-08-25 22:17

لقد كانت تلك الظاهرة يختص بها عادة فطاحلة شعراء التكسب من (لمغنيين) ، وتكاد تنحصر في وسط  إجتماعي معين يمتهن بعض شيوخه أدب الظرف والتكسب ان صح ذلك التعبير! 
وقد كان من عادة شعراء التكسب  بالمدح أن يلجؤوا الى الذم احيانا استدرارا لدواعي  مدحهم ، او  خوفا من ذمهم على الاقل.
ولكن يبدو منذ سنوات تزايد المشتغلين بالظاهرة لتنتقل رويدا رويدا الى بعض الشباب ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، حتى تلك التي كانت ترى بان المدح لايجوز الا في حق الله عز وجل ورسوله(ص)   أو اولياء الله وعباده الصالحين.
إن بعض ذلك الشباب قد اصبح الآن يتعاطى المدح السياسي بواسطة مقالات نثرية او شعرية ، او بالخطب الرنانة في التجمعات والمهرجانات السياسية، ولم يقتصر المدح على الشباب فقط بل دخلت في ممارسته بعض الفتيات اللا ئي مازلن براعم او زهورا. بل شاركن اقرانهن من الشباب في تعاطي ظاهرة المدح التكسبي ، وإن كن أقل منهم شأنا في الادمان عليه.
والمداحون يوجهون مدائحهم عادة إلى السيد الرئيس والوزير الاول وحكومته وكذا المدراء وكلما يتعلق بأعمال الموظفين  ولو كانت تتعلق برتون  مهامهم اليومية  ،بل يمدحون حتى مجرد القيام بعبادة فرض العين الخاص بكل منهم!
ان اولائك المداحون لايهمهم قيمة الاعمال المقام بها، بل كل اهتمامهم تنصب حول الممدوح ذاته بغض النظر عما مدى استحقاقه لذلك المدح ! 
الا ان الشباب من أجل إرضاء ممدوحهم يبذلون جهدا مضنيا في جمع القواميس والمعاجم ينقبون داخل صفحاتها عن غريب اللغة لكي لا يستطيع الممدوح فهم ماوصف به من سجايا و صور بلاغية لكي يلجأ بدوره إلى مستشاره المختص في مجال الآداب واللغة ان وجد لليكشف له ما غمض من معاني مامدح به ، وإن لم يكن له مستشار مختص فيلجأ هو نفسه إلى الاستعانة بالقواميس إن كان في مستوى معين يستطيع بواسطته استعاب المفاهيم اللغوية.
والادهى والامر من كل ما سبق فهو ان بعض ذلك الشباب يدعي كونه يوما ما كان ضمن خلايا الحركات السياسية التي هي الأخرى بدورها تدعي النضال الثوري ،او من كان والداه او بعضا منهما يناضلان و لربما قد سجنا من أجل إعلاء كلمة بلادهم واسقلالها، و إن لم يشاهدا ثمار عملهما يومئذ في وطنهم بسبب سيطرة غير الوطنيين على مقاليد حكم بلادهم معتمدين اولائك الحكام على الثقافة والحضارة الاجنبيتين ،مماجعل ذلك الوضع المختل الشباب غير الملم بتلك اللغات و الثقافات الاجنبية ان يصطدم بذلك الواقع الاليم و يضطر إلى مدح المسؤولين على الدوام باستمرار من أجل مساعدتهم الحصول على الوظيفة لأن تدخل المسؤولين هو الوسيلة الوحيدة لنيل ذلك الهدف المؤمل .
ولما يجد الشاب الوظيفة التي كان يريد الحصول عليها فيستريح برهة زمنية كاستراحة المحارب من المدح المتكلف البغيض إلى أن يزور الرئيس اوالوزير من جديد منطقته فحينئذ تعود حليمة إلى عادتها القديمة ،مثمنا ذلك الشاب حديث الوظيفة زيارة الرئيس و مكملا نوقصها بخطاباته و يزيد !
ثم إن ذلك الشاب الذي قد حصل على الوظيفة يورث مهنة المدح والاستجداء إلى أحد أقاربه، و هكذا دواليك !
وبحصول الشاب على الوظيفة خصوصا إن كانت سامية فحييئذ يستطع اللحاق بموكب علية المجتمع القبلي الاستهلاكي الذي تقوده النساء باعراف بالية أكل الدهر عليها وشرب ،خصوصا في مجال الزواج الذي بلغت فاتورته في بعض أوساط الموظفين و رجال الاعمال عشرات الملايين من الاوقية، خصوصا إذا كانت المصاهرة بين ابناء مديري المرافق العمومية ذات المزانيات الضخمة التي يمكن التطفيف من نفقاتها للحصول على اموال طائلة، و يتم ذلك في غفلة تامة من المجتمع المدني وكذا برلمانه الغائب او المغيب هو الآخر .
إن الشباب قد أصبح المنجرفون منه وراء موضة العصر الجديد خصوصا بعد فشل التعليم بسبب افساده بالوساطة وذلك بتدخل المسؤولين في المسابقات والامتحانات والتوظيف وكل صغيرة وكبيرة في البلاد، في حين لا يجد الشباب المهمش او المظلوم جهة عدل و انصاف يلجؤون إليها كي ينصفونهم بارجاع حقوقه المنتزعة منهم ! 
إذا فما دام الامر كذلك فلم يعد امام الشباب من وسيلة سوى المدح والتزلف و حتى الاستجداء للحاكمين كوسائل ناجعة تمكنهم من أن ينالوا لقمة عيشهم ولو ملوثة بداء مدح التكسب المميت اخلاقيا على الاقل!
إذا فكل شاب ليس وراءه ضابط سامي او وزير نافذ او رجل اعمال مسموع الكلمة أوفاتنة من ذوات الخمس نجوم فليس أمام ذلك الشاب من اجل العيش ولو غير الكريم في هذا المجتمع الموصوف سوى طريق( المناضل)زيدان صاحب شعار (العاط ش ملانا)، او طريق شباب الافغان ذووا الذقون السوداء الذين قد باعوا أنفسهم كما يبدو برضى الله عز وجل وكذا مصلحة وطنهم ، وإن كانت تلك الطريق شاقة و صعبة المسار على شباب قد تربى معظمه في بئة مخملية بالمقارنة مع الواقع الافغاني الخشن ،إلا أن طريق الافغان تلك رغم صعوبتها فهي مؤدية حتما إلى رفعة الوطن واسقلاله ، و هي ايضا من أهم الطرق المؤدية إلى رضى الله عز وجل ورسوله (ص) و ذلك في حد ذاته لا يعادله أي شيء في هذه الدنيا الفانية و لا في الاخرة الازلية الباقية .

/اسلمو ولد محمد المختار