عندما توصف الكتابة بأوزارها على غرار ما حصل للناس مع "كورونا"، فلأنها تقتل الفكر بغتة، كما تصيب الجهاز العصبي للنظام السياسي بفقدان التوازن في االتفكير السليم، نظرا لما تفرضه عليه من سطوة غير مرئية على القائمين بالشأن السياسي العام، وهذا هو ديدن" الدعاية" التعويضية عما عجز النظام، أي نظام سياسي عن القيام به نظرا لأسباب موضوعية، او لقصور في النظر، كانعدام البرنامج التغييري الذي يستند إلى الخطط التنموية،، أو لتأثير سلطة خارجية، كدور مراكز الغرب في المحافظة على التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي في بلادنا، كمناهضته لإستراتيجية النظم الوطنية في الوطن العربي، وافريقيا، وباقي المجتمعات الحالية التي هي خارج اطار الحداثة، و المعاصرة جراء محاصرتها، وفرض عليها الحرمان من "مكانيزمات" التغيير الفعال الذي يخرجها من مخلفات التخلف،، والاستعاضة عن ذلك بما في الأسواق الإستهلاكية من منتجات الغرب.
وتاتي الدعاية المزيفة ل" ترويض" النظم السياسية القوية ظاهريا، ولكن الاضعف امام أصحاب الدعاية بجبروتهم على الرؤساء، ورؤساء الوزارات، والمدراء، والكتاب العامين، ولذلك يشاهد من حين لآخر تغريدات "المدونين" المغمورين، يكتبون آراءهم المناهضة لمطالب الرأي العام الوطني حول الأمر (،،)، غير أن "المدون" يكتب اعتراضه، ويطالب الرئيس، أعلى سلطة في البلاد باتباع نصائحه، لأنه بدعايته المغرضة، كمن ينتهج أسلوب نون النسوة في قول الشاعر : " يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن اضعف خلق الله انسانا" !
وقد كان بعض الباحثين في علم النفس الاجتماعي من المهتمين بدور الرأي العام في التغيير المدمر للأنظمة السياسية في بلاد العرب، وشيطنة أصحابها خلال الأربعين سنة الماضية.
ولذلك شبه الباحثون سطوة " الدعاية" على سلطة الحكم بمسام ذبابة " أتسي اتسي" الإفريقية التي تميت من تنزل على جسمه، فتنال منه، و قبيل فقدانه الحياة، يصاب بالنوم حتى يرتحل عن عالمه،، ولعل وجه الشبه في أن "الدعاية" الطامسة للحقائق، او التعويضية عن المنجزات بالتمنيات، والتوقعات المنتظرة، والإحصائيات المفبركة، و الاشهار للرحلات الوزارية، والاتصالات، والزيارات المتبادلة بين رؤساء أنظمة الحكم مع بعضهم البعض للتشاور، وتارة لتوجيه الرأي العام عن السياسة الداخلية المتعثرة.
وهذه مجالات تنشط الدعاية فيها، ويمتهن أصحابها هذا الاسلوب التزييفي لتشويه الوعي، واستلابه، واول ما تظهر اماراتها العرضية على الانظمة بالتخدير، حيث تمر العقود دون ان يصحو الرئيس الوطني، الا يوم الانقلاب عليه من الداخل، او من عملاء الخارج، ولسان حال الوطن العزير، يكرر على مسامعه: "الصيف ضيعت اللبن". والظواهر أوضح في الحالات التي غاص في خضخاضها حتى الركب، تجارب الحكم في بلادنا، وغيرها، ولا يحتاج الأمر الى اطناب، واستطراد منذ الاستقلال إلى أن رست سفينة نظام الحكم على شاطئ الأمان، والخير، والرقي لموريتانيا إن شاء الله تعالى مع نتائج الانتخابات الاخيرة في العام 2019، وخلال المأمورية الأولى لفخامة الرئيس غزواني ذي القاعدة الشعبية العريضة من المواطنين، ومن النخبة المثقفة المعروفة بالقيم المناهضة للاستعمار الجديد، ومن يدور في فلكه من الأنظمة التابعة للإمبريالية الامريكية، والصهيونية العالمية، والمطبعين، ومن يخفون رؤوسهم في الرمال العربية إلى أن يأتي الدور عليهم فيجاهرون بالعمالة، وهم معروفون بارتباطاتهم الأقليمية، والدولية، ولسان حالهم يقول " كادت المريب ان يقول خذوني" !
إن القراءة التالية، تكاد تكون حيادية، ذلك لأننا نهدف منها الى إطلاع القارئ على ما كتب في مجال "الدعاية" للنظام، وأصحابها من الغلاة المناوئين له نظرا لسلبية الدعاية على مستقبل الحكم في المقالات التي وزعت، ك" نياشين" جميلة، على المواقع الافتراضية في هذين الاسبوعين،،
وقد نبهني أحد الزملاء المتابعين على خبث استبعاثهم للدعاية التي ظهرت اول ما ظهرت لتسويغ سياسة الأنظمة الدكتاتورية في ثلاثينيات القرن الماضي، كأنظمة شمولية،،
وكان استبعاث الكتابة لها في بلادنا، لايخلو من مغالطة تتجاوز البحث عن المصالح الشخصية إلى توجيه الرأي العام بالمدح الذي يضمر الشر للنظام السياسي القائم على قيم التعددية السياسية، وفصل السلطات، وتوجيه وسائل الإعلام، كسلطة رابعة، تهدف لتوعية الرأي العام، والمراقبة على التسيير، والدفاع عن الحقوق المدنية التي تخلت الاحزاب عنها في البرلمان، وخارجه.
وإذا كان الحال كما توقع، احد الزملاء، فهدف الدعاية المغرضة، هو الأنقلاب على القيم الديمقراطية التي يتمسك بها النظام الحالي في بلادنا، خلافا لمقاصد اصحاب هذه النافذة الإعلامية المفتوحة..!
فهل يرجع الأمر إلى البحث عن المكافآت التي تلقاها بعض الكتبة عن كتاباتهم ومقابلاتهم, وحواراتهم، وبرامجهم الناجحة الى حد كبير عن تفعيل العلاقات مع فرنسا، كالانخراط في مشروع الدفاع المشترك للتعاون الأمني مع باقي( دول) الساحل الشقيقة التي أحالت أقاليم دولها إلى مربعات أمنية، فحظر التنقل على المدنيين بين الاقليم الداخلية قبل الجائحة بسنوات، واثناءها - وكأن تلك الدول تحت احتلال معولم - وهذا الدفاع الأمني المشترك جعلته عبقرية المنظرين السابقين في بلادنا، يراعي الخطط الأمنية لدول الساحل، كوحدة سياسية أولية، لا تحتاج الى انتخابات عامة، لأن جميع شعوب المنطقة في اعتقادها السياسي، وولائها الوطني، ربما مواطنون فرنسيون على الرغم من اختلاف الوانهم مع ابناء فرنسا من العنصريين في فرنسا .
وهذا الانتماء الوطني العام لفرنسا ليس وليد الظروف الحالية، بل هو قائم منذ القرن التاسع عشر، واذا كانت العلاقات الاولى سعت الى "التحضر"، فإن الاخيرة الهدف منها تحقيق الامن بالقوة واستقرار الانظمة السياسية الوطنية، الأهم من الوطن على راي البعض .. فدول غرب أفريقيا، كانت جزءا من اروبا، وليس الأمر مقتصرا على افريقيا الشمالية، كما زعم "هيجل" الفيلسوف الألماني ؟
وبالمناسبة فإن أهم ما في الوحدة الأمنية والسياسية في هذا التحالف التاريخي، انها بديلة عن الاتحاد الافريقي المتصهين حديثا، و المناهض للانقلابات الوطنية التي جلبت لإفريقيا " الديموقراطية العسكرية "، و"الديموقراطية المدنية" على حد تعبير أحد منظري "الدعاية" في بلادنا في كتاباته المتواصلة عن المنجزات،،
كما أن الوحدة الأمنية في التحالف" الافرو - فرنسي" بديلة عن الوحدة المغاربية المشلولة بخلافات الأشقاء من جمهوربين، وملكيين، وما هم بجمهوريين، ولا ملكيين، وإنما هم ورثة المشاحنات العرقية والسياسية بين "العبيديين" في الجزائر ،وأمراء "زناتة " في المغرب منذ القرن الرابع الهجري..
والأهم من كل ذلك ان الوحدة الافرو - فرنسية، أنجزت للأمة الفرنسية، وأبنائها في القارة الافريقية، وحدة بديلة عن الوحدة العربية الموءودة التي يرقص على قبرها طولا وعرضا لخارطة الوطن العربي، "جوقة" من الحاخامات - المشايخ في الاحتغالية الصاخبة على أنغامهم، واحلامهم "الدانيالية" الإبراهيمية (للسلام )، ولو حصل الأخير على أنقاض المسجد الاقصى، ودفن الاحياء في المقابر الجماعية لحراس إحياء مدينة القدس العتيقة....
واخيرا:
اللهم إن هذا لمنكر فانكرناه، ولا يقبل به وطني، أحرى قومي، ولا يحقق انجازات مهما ادعاها الكذبة والمنجمون، كما كذبت "الدعاية" التي كان هدفها الأول التنبيه الى غياب المنجزات غير الاسمية، أما الفعلية، فهي حقا وحقيقة تنتظر عائدات الغاز بعد تصديره ابتداء من العام 2023. نظرا لأن موريتانيا كباقي دول العالم تعاني من الازمة الاقتصادية، ولولا العائدات المعدنية لكانت موريتانيا في ازمة تنعكس على الاستقرار فيها، و على الوحدة السكانية التي كانت ستهددها الهجرة المفتوحة على كل الجهات الاربع.
د/ إشيب ولد أباتي