ورة 23 من يوليو ،،ومشاريع العدالة الاجتماعية

خميس, 2021-07-22 15:25

متى تتعرف الحراكات  الاجتماعية، والسياسية العربية الحالية في أقطار الوطن العربي على مشروعات العدالة الاجتماعية التي  حققتها  ثورة 23 من يوليو في مصر 1952م.؟
سؤال ينبه عليه الواعون بقيمة  انجازات  الثورة العربية،، وذلك بهدف توجيه بوصلة الوعي السياسي لحركات الشباب العربي التي عبرت  عن  الحاجة إلى التغيير، الأمر الذي جعلنا نربط بين المطالب المحقة، وبين الرؤية التي ساعدت على  إنجازات الأمة إبان ثورات التحرير والاستقلال التي قادها القادة الثوريون الذين كانوا أكثر وعيا في الأمة، وبفضل جهودهم الجبارة، وانجازاتهم العظيمة حققت اجيال الامة كل  هذا التغير الاجتماعي المتنامي الذي لم يكن ليحصل لولا الاستقلال الوطني الذي بدأت  تباشير في نهضة العرب بعد قرون من التخلف الاجتماعي، والثقافي، وجاءت بعد قرنين من الاستعمار الغربي الذي زاد التخلف  بنهب ثروات العرب، والسيطرة الاستعمارية المباشرة التي أفتقد معها أجيال الأمة كل أمل في الحاضر والمستقبل...
ولما قامت الثورات العربية، كان الاستقلال الوطني، هو البوابة المفتوحة للمشاريع التي حققت العدالة الاجتماعية،
 ومن اجل ذلك، بدأت الثورة في مصر بالمشاريع التالية:

أ- الإصلاح الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الانتاج.

ب- الإصلاح التعليمي: 
لتحقيق  التعليم المجاني، والزاميته، و تشييد بينية تعليمية من المدارس، والمعاهد، والجامعات،فضلا عن البعثات التعليمية، وحركة النشر، ومراكز الترجمة..وكل ذلك في سبيل اعداد  المواطن، وإعادة تاهيله، فطرقت المجتمعات العربية ابواب العصر بالعلم الذي يحقق الثورة القافية، والنهضة العلمية..

ج- أقدمت الثورة على سياسة  الصحة للجميع، ولذلك أقامت  صروحا طبية،كان قوامها الكوادر الوطنية المتخصصة، وبنية تحتية ركزت على بناء المستشفيات، والمستوصفات وتجهيزها بأحدث المواصفات، كما تم توزيعها  في المناطق الآهلة بالسكان في المدن، والقرى، والمناطق الزراعية.

د- المشروع الصناعي:  
وقد تبنت  قيادة الثورة، سياسة التصنيع مركزة على كل من الصناعات التحويلية، والصناعات الثقيلة من اجل  تحقيق الثورة الصناعية، وبقدر ما اهتمت الثورة بترميم مصانع التسليح التي أقيمت على أرض مصر على عهد محمد علي باشا، كذلك بقدر ما ركزت  على التصنيع الحديث،،حتى وصل الأمر  في مجال التصنيع، انه كان  بمعدل إنشاء مصنع كل يوم  خلال أيام السنة...
والسؤال الذي نستحضر به  هذه الجهود الجبارة في تاريخ الامة خلال الثمانية عشر سنة (1970- 1952م)،، وهو السؤال الذي يمكننا من التعرف على  خلفيات بعض  القوى السياسية العربية  الحالية، حيث حال بين قادتها لحظتئذ، وبين التفاعل مع هذا العصر العربي الذهبي، الجهل والتخلف  في الوعي السياسي الذي جعلها، تبقى رهينة البحث عن المصالح الشخصية التي أدت بها في النهاية إلى قطع خط الرجعة باستحالة الرجوع عن الخطأ، وخطيئة العمالة، والتبعية، وخيانة الوطن التي تتناقض مع تعاليم الدين الاسلامي من جهة تحالفاتها مع أعداء الملة، والوطن، والتخطيط معهم لتقويض بناء التحولات الاجتماعية والسياسية النهضوية،، وذلك بعد أن تحالفت تلك الحركات"المتأخونة"،وغيرها من اليسار الماركسي، مع أعداء الثورة، وإجهاض أي تغيير كان  يحقق العدالة الاجتماعية، والتحرر من الاحتلال ممثلا في  الاستعمار الانجليزي والأمريكي، والفرنسي، والصهيوني، هؤلاء  الذين جعلوا  ممن تحالف معهم ساعتها -- في مصر، وسورية، والعراق، واليمن، ولبنان --  "طابورا خامسا" بمعنى أداة لإجهاض كل تغيير سياسي يعادي الاحتلال الغربي في الوطن العربي، وهي السياسة التي لازالت قائمة حتى الآن، وكذلك سياسة التحالف مع العدو، لازالت تنتهجها أحزاب الاسلام السياسي التي ينشرها الغرب في الزوايا المظلمة بالمواقف  المخزية التي عبر عنها قادة الأحزاب من حين لآخر بما فيها "التطبيع"  الخياني مع الصهاينة، كالذي قام به قادة الحزب السياسي الاسلامي في المغرب الشقيق.... 

والسؤال المحوري، هو:
هل كان بالإمكان لقيادة  الثورة،ان تتمكن  من  القيام بهذه المشاريع النهضوية الكبرى التي اسسن لنهضة بكل أبعادها المادية والفكرية، دون أن تواجه  قوى الداخل الانتهازية، وهذه الأخيرة،  كانت متحالفة مع الامبريالية؟
 ولعله لم يكن من المتوقع لدى قادة ثورة 23 من يوليو أن يكون أول من انقلب على الثورة "محمد نجيب "الذي  اختاره الضباط الأحرار رئيسا لثورة، لم يخطط  لها، ولم  يسع يوما لإقناع الجنود، والضباط التاعين له للمشاركة  في تغيير الحكم..
ومع ذلك، فبمجرد أن تم خييره بين قيادة الثورة، وبين التنحي عن القوات المسلحة، فاختار على الفور،  ان يتبنى مبادئ الثورة ، ولذلك تم تكريمه برئاسة نظام الحكم،، 
ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان، فما ان أصبح رئيسا مدنيا، وحل محله في وزارة الدفاع" المشير عبد الحكيم عامر"، و جمال عبد الناصر وزيرا للداخلية، حتى ضاق -محمد نجيب -  ذرعا من تجريده  من القوة التي كان،  يفكر بالاستناد إليها في القضاء على الثورة، والتحالف مع الانجليز، او إعادة الملك "فاروق" إلى الحكم  على غرار الانقلاب الذي أعاد به الامريكيون "الشاه" إلى الحكم في إيران في العام 1953م...
والذي أكد تلك التوقعات أن محمد نجيب، كان يعمل على تحقيق  واحد من الخيارين السابقين..ذلك انه تواصل سرا  مع كتيبة "الخيلة" على الحدود، وامر قادتها بارسال سرية منها للسيطرة على مركز القيادة في الاسكندرية الذي كان مقرا لقيادة الثورة، ولكن بعد إفشال المحاولة  بالسيطرة على السرية المتكونة من عشرين عسكريا،، وقد أقروا في المحكمة امام القضاة بأنهم قدموا من اجل  تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من طرف الرئيس محمد نجيب...
وبعد فترة قصيرة أفشلت   المحاولة الثانية  التي تحالف فيها  الرئيس "محمد نجيب " مع "الطابور الخامس" الذي قام بتوزيع المناشير، ونشر الدعاية المغرضة للتشويش على الرأي الوطني العام، والادعاء عليه بأنه ضد   القوات المسلحة من قادة الثورة الذين يجب عليهم  ان يخرجوا من مجال  السياسية، وأن لا مكان للعسكريين  في المؤسسات  المدنية.
وكان " مصطفي باشا النحاس" قد سمحت له قيادة الثورة بالعودة من المنفى الذي فرض عليه من طرف الإنجليز، والملك فاروق،، وعلى الرغم من السماح له بالعودة إلى الوطن، فقد تحالف مع  الانجليز، كما تحالف معهما " الإخوان المسلمين "، وكان ذلك  بعد ان رفضت  قيادة الثورة لطلبات قادة" الاخوان" في ترؤس الوزارات السيادية،  وبدلا منها أعطي لهم التوزير  في  وزارات: الأوقاف الاسلامية، والتربية والتعليم، لذلك  تحول قادة الاخوان الى بيادق ، ل"اسلمة " أوامر السفارة الإنجليزية ...
و لعل تلك المحاولات اليائسة، توضح للشباب العربي حاليا، العلاقة  التاريخية بين قادة الإخوان، والمشروع الإمبريالي الذي لازال يوظف الإسلاميين لتدمير كل انجازان التغيير الاجتماعي، والسياسي الذي يمكن أن يحقق به العرب حضورهم التاريخي، ودورهم في توجيه بوصلة المتغيرات الدولية في منطقتنا العربية بالتحالف مع قوى التحرر العالمي  في القارات الثلاث  التي تحالفت للتحرر من الإمبريالية الغربية، وهي التي  الاحتلال الغربي  الذي نهب العربية منذ ثلاثة قرون...
ولعل هذه  الخلفية، فسرت  إلى حد ما،  اسباب المحاولات الانقلابية، واسباب التحالفات السياسية،  وكان يجمعها هدف مشترك، وهو الخشية من التغيير الاجتماعي الشامل الذي عبرت عنه مضامين  المبادئ الستة  للثورة العربية في مصر في  مجااي الاستقلال الوطني، وطرد الإنجليز من  جمهورية مصر ،واقطار الوطن العربي  - وليس فقط من مدن القنال  - وإقامة جيش وطني، وتحرير المواطن من التخلف ومظاهره، كالامية، و الجهل،  والامراض الجسمية، ومسبباتها كالمجاعات المنتشرة في بلاد العرب، و سيطرة الاستغلاليين على مصادر الثروة، وفرض العمل بالسخرة، وهو العمل مقابل الغذاء اليومي..
ورفضا لذلك الواقع المميت للمواطن العربي، قامت الثورة من اجل تدشين عصر جديد، عصر يتحول فيه العربي من أداة مفعولية إلى قوة فاعلية وقد بدأ هذا العصر بالثورة  التي وضعت القوانين التي ضمنت الإصلاح الزراعي في استصلاح الأراضي، وزراعة الحبوب والخضروات، والفواكه، بدلا من زراعة القطن، وتصديره للمصانع الانجليزية في سياسة الاحتلال الانجليزي الجائرة ،، ثم استصدار قوانين  لتحديد الملكية الزراعة، و توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء ،،
وحسب التشريع الجديد، اقتصرت الملكية للاقطاعيين الكبار على مائتي(200)  فدان،
أما من جهة استصلاح الأراضي  فكان لمشروع السد العالي الدور الأكبر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، الأمر الذي جعل الأمريكان، يرفضون تمويله عن طريق الضغط على المؤسسات المالية لئلا تشارك في تمويله..
وخلال ثمانية عشر سنة (28 )، حققت سياسة الانجازات  استقلالا شكل  صفعة ليس للطابور الخامس المحلي  فقط ،،وانما كذلك للقوى الامبريالية، لذلك قامت الاخيرة  بالعدوان الثلاثي في العام 56 وقد فشل العدوان، وتعزز العمل الوطني بالبعد العربي في قوانين الاتحاد القومي التي اصدرها الأخير في العام 1958م، وكذلك بالعمل الوحدوي في الوحدة مع سورية، ثم صدر ميثاق العمل الوطني في العام 62،  حيث ضمن للعمال، والفلاحين المشاركة  في استصدار القرارات التشريعية، والتصويت في البرلمان المصري على القرارات السيادة دون تدخل خارجي. او إجهاض من قوى الداخل المعادية للتغيير.
وقد عزز ذلك على مستوى سياسة  العدالة الاجتماعية، حيث كانت الأولوية منذ قيام الثورة لوضع سياسة التعليم المجاني، والزاميته ، وهو الاصلاح التربوي الذي ضمن  التعريب العام الذي  انعكس على التعليم في الأقطار العربية  الاخرى ابتداء من مصر، ثم  الجزائر الى الكويت، وتلا ذلك باقي اقطار الوطن العربي.من الخليج إلى المحيط،،،
 وتم إصلاح التعليم الشرعي في الأزهر، فأقيمت  مؤسسات نظامية في مختلف مراحل التعليم  النظامي الشرعي في مختلف المراحل الاعدادية، والثانوية، والجامعية في مختلف التخصصات،، وقامت سياسة الثورة بتكليف  الأزهر الشريف بتعليم أبناء الآمنين العربية والاسلامية، ونشر الاسلام الحنيف القائم على العدل والمساواة، والرحمة، فضلا عن نشر عقيدة  التوحيد بالله رب العالمين..
كما استحدث التعليم بالجامعات وبناء الكليات العلمية، كالطب، والعلوم، والهندسة،
وكليات القانونية، والاداب، 
وفي مجال التصنيع، قامت الثورة بترميم  حركة التصنيع العسكري التي بدأها محمد على باشا، لكن أ الاحتلال الانجليزي واوقفها  منذ بداية القرن التاسع عشر، بالإضافة الى حركة التصنيع الحديث التي كانت بمعدل مصنع لكل يوم خلال ايام السنة.
كما ركزت الثورة  في تحقيق العدالة الاجتماعية على حق المواطن في العمل، والتعليم، والصحة، و الرفع من الإنتاجية التي حققت  مجتمع الكفاية والعدل...
إن تلك الانجازات وجهت وعي الشعب المصري خلال الفترات التالية رغم سياسة "الانفتاح" في عهدي "السادات" و"حسني مبارك"، وانتهاجهما سياسة تدميرية الانجازات حيث عملا على بيع القطاع العام إلى القطاع الخاص، و الخصخصة،،وكانت النتائج المميتة، أن تحول ملايين العمال والفلاحين إلى قوة  عاطلة عن العمل، الأمر الذي زاد  من وعي الأجيال العربية في مصر وغيرها بضرورة القيام به الانتفاضات  تلو الأخرى خلال ثالاربعين سنة الماضية، وكان آخرها ثورة يناير في العام 2012 م.
وكانت شعاراتها : عيش، كرامة، عدالة اجتماعية، وهذه المضامين التي كانت قد  رسختها الثورات  العربية في كل من مصر والعراق، واليمن، وسورية، والجزائر،والسودان، وليبيا، وذلك ابتدا من ثورة الثالث والعشرين من يوليو التي قدمت مشروعا سياسيا أسس  للوعي العربي من اجل:( الحرية ،والتقدم،ةوالوحدة) أولوياته في الاستقلال الوطني الذي لازال منقوصا، ما لم تتحرر فلسطين، والخليج العربي، والعراق، وسورية وليبيا، والصومال، وجيبوتي، واليمن بجزره  المحتلة امريكيا وصهيونيا  بالقواعد الامريكية والنفوذ  الامبريالي،، 

إن هذا المشروع التحريري  الاجتماعي، سيبقى فاقدا قوة التغيير  التي تؤمن به، وتضحي في سبيله من اجل ان ترتقي بوعي المواطن العربي،وبالقوى الحية في الأمة لاستيعاب الإبعاد الفكرية التي توحد بين العمل من اجل حرية المواطن في الحقوق المدنية كالعمل والتعليم والصحة.. وبين الالتزام بالفكر التغييري  لثورة 23 من يوليو العربية، وهي التي قادت المشروع الذي ستستطيع به الاجيال العربية أن تواجه به التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء،،
فهل الحراكات السياسية في أقطار الوطن العربي على مستوى من الوعي بالتحديات واولها غياب الوعي الذي جعل البعض يعادي الفكر التحرري القومي أكثر مما يعادي الصهيونية، ومشاريع  العولمة الامريكية، بينما البعض استبدل  فكر الثورة العربية، والوعي القومي العربي،،  بالشعارات الزائفة التي لن تحقق الا سياسة التبعية بالخصخصة، وتدمير القطاع العام،،وتفريخ  الأحزاب الجهوية، والقبلية، والشرائحية، والليبرالية التابعة للسفارات الأجنبية في عواصم العرب..ما أدى إلى  استحالة خروج الأمة من عنق الزجاجة خلال تراكم الأزمات دون  إيجاد حلول لها نظرا لغياب الوعي،وتراكم سياسة الاقصاء لقوى الثورة العربية التي يجب ان تعمل على توجه السياسات العامة نحو  توظيف الإمكانيات المادية، والتخطيط التنموي، وانتهاج المشاريع النهصوية برؤى مستقبلية ؟

 د/ إشيب ولد اباتي